1 / التحضير
الحفل هو مناسبة لكسر الرتابة و التقاط الأنفاس بعيدا عن المألوف. و التماس التجدد من خلال تغيير الأجواء والوجوه. و العيش للحظات على ايقاع مختلف للحياة. وهو أيضا أشبه بفواصل تساعد على التقاط الأنفاس بين جمل طويلة.
اي حفل يتم التحضير له مسبقا. سواء من قبل الجهة المنظمة له، أو تلك التي ستحضره. لكن القصد هنا بالحفل في هذا الموضوع هو تلك الحفلات التي لا يتم حضورها بموجب دعوة. بل هي حفلات عامة مفتوحة في وجه الجميع. ولذلك فهي تكون الأضخم. والرقابة فيها تكون أقل حضورا، خصوصا وأن دواعي حضورها تكون متعددة و تتباين من شخص لآخر وبشكل خاص لدى الشباب والشابات. حيث الامر اشبه باستعراض واثارة الانتباه ، واكتساب معارف وتوسيع دائرة العلاقات. ولعل تحقيق غايات مثل هذه كان يستوجب الحرص على الظهور بمظهر لائق، و يكون الحضور بأبهى حلة. وخاصة النسوة والاوانس بشكل خاص. ومما يساعد على ذلك ان هذا النوع من الحفلات كان يقام في أواخر الصيف، بعد انتهاء الموسم الفلاحي حيث ميزانية الأسر تكون في افضل حالاتها مقارنة بباقي المواسم.
لاشك ان تحقيق الظهور بالشكل الأمثل كان يستوجب تحضيرا. وغالبا ما تكون النسوة العماد الأساسي في تحقيق ذلك، وكن دائما الاكثر انشغالا واشتغالا. وكانت أول خطوة في هذا المسعى هي تنظيم حمام جماعي حيث يجتمعن في فناء بيت كبير، و ينصبن هرما دائريا، أضلعه مشكلة من أعمدة طويلة متصلة فيما بينها في القمة، و تنفرج عند القاعدة. وتغطى الأضلع بشكل محكم بحصائر و أغطية ثقيلة لمنع الهواء من التسرب الى الخارج، و الاحتفاظ بالدفء في الداخل، مع الحرص على ان تظل قمته مفتوحة كي ينفذ الدخان الى الخارج.
بعد ان تصل الحرارة الى الدرجة المرجوة، يبدأ اتخاذ المواقع داخل الحمام، ويتحول المشهد الى اشبه بسوق تدب فيه الحركة، وتتعالى الاصوات مصحوبة بصراخ الأطفال الذين يشتكون شدة الفرك. وقد تبدأ جدالات بأصوات مرتفعة بين النسوة بسبب اعتراض احداهن على تواجد طفل بينهن تعتبره امه صغيرا، وتعتبره الاخرى ان مكانه بين الرجال البالغين.
مهما يكن فالاجواء كانت تفصح عن هبوب رياح لحدث يضخ الدفء والتفاؤل في القلوب، و يدفع لاستعجال حلول اوانه، ولم يكن هناك اروع من تلك الاحاسيس و الطقوس التي كانت تؤكد ان اجواء الاستعداد لحدث مفرح، هي اهم من الحدث نفسه. و تتصاعد وثيرة التشويق والتطلع لدى الأطفال حين تنضاف لمسات اخرى. فبالاضافة الى بعثهم للحلاق من اجل اجتثاث اصول القمل والصيب، يتم شراء ملابس جديدة. ملابس في الغالب لم تكن على المقاس، ذلك انها في الغالب طويلة. لكن ذلك لم يكن يعود الى سهو أو سوء تقدير. بل كان قصدا أملاه جدل الحاجة والمقدرة. وفي لمسة ختامية، كان يتم شراء نعل من لدائن (بلاستيك). وهذا كان يعد يومها ترفا لا تستشعر قيمته الا أقدام أدمنت الحفاء.
الاستعداد لدى النسوة كان مختلفا. و الأوانس هن من كن يكلفن أكثر مقارنة بالسيدات. وهذا كله لا يمكن مقارنته بما تكلفه النساء في الوقت الحالي. فأدوات الزينة على سبيل المثال كانت مختصرة في الكحل والسواك. ويلبسن كسوات تبعا للموضة انذاك. كسوة (ربيعة) ذات اللون الوردي. او كسوة (صباح الخير) او كسوة (امل حياتي) التي كانت قد تزامنت مع زيارة سيدة الطرب العربي للمغرب. غير هذا لم يكن هناك جلباب. و كانت النسوة يلفن انفسهن بالحايك او ( الكذوار) اما الاوانس فقد طن يضعن فوطات ملونة. اما الجلباب و اللثام فقد كان يضعنه النساء العصريات. و تطور الامر بعد ذلك الى اختفاء اللثام. ولم تكن النسوة القرويات يحملن حقيبة يدوية او جراب. وعوضا عنه كانت النسوة تحملن جرابا نسج من الحلفاء، وهو صغير مكعب الشكل. له منظر جميل. بداخله يمكن ان تعثر على علبة معدنية صغيرة بها كحل. وسواك ومنديل صغير.
بالنسبة للرجال كان يمكن تمييز على مستوى الشكل المتزوجين عن العازبين. فالمتزوجون كانت عنايتهم بمظهرهم اقل من الشباب. وداخل فئة الشباب كان يمكن تمييز المتعلمين او من مروا بالمدينة عن الشباب البدوي. فالبدويون لم يشكل لهم العناية بمظهرهم انشغالا، او كانوا يفتقدون لما يؤهلهم لذلك. بينما المنتسبون للعصر كانوا حريصين على مظهرهم من خلال القبعات و النظارات و الملابس المتناسقة الالوان...
***
2/ اللمات
اللمة هي من لم ويلم، بميم مفتوحة مشددة. و هي بمعنى جمع او تجيمع حول شى ما. وهي بذلك بمعنى جمع او تجمع خصص له توقيتا سنويا يكون في الغالب عند نهاية الصيف وبداية الخريف، وذلك من أجل احياء حفل سنوي يقام على شرف ولي من الأولياء الذين يعتبرون صالحين. وهي لهذا السبب اكتسبت طابعا دينيا، تمارس خلاله طقوسا شتى من بينها الفرجة عن طرق الغيظة و اكناوة واحمادشة و البارود.
أشهر لمة كان يقصدها الزرواليون وكل قبائل اجبالة هي بلاشك، لمة "مولاي عبدالسلام بن امشيش". وهو بالمناسبة يعد من صفوة الأولياء والصالحين. و اكثر من يحظى بالتقديس لحد يعتبر ان كل شخص قام بزيارته لسبع مواسم متتالية يعتبر حاجا. و يسميه الاخرون الزيارة ب( حج الفقراء). و يأتي في المرتبة الثانية من حيث الأهمية موسم "مولاي بوشتى الخمار" الذي يوجد في القرية التي تحمل اسمه. وفي المرتبة الثالثة " سيدي امحمد بلحسن" بالورزاغ قبيلة "اسلاس". ويلاحظ هنا خلو قبيلة بني زروال من لمات بحجم كبير بالرغم من انها تتكون من خمس قبائل، ولا تقام الا لمات في نطاق محدود كلمة "سيدي عبدالوارث" و لمة "سيدي احمد الشريف" و لمة " الامام الشطيبي" و يرجع بعض الدارسين ذلك الى موقف فقهاء بني زروال من هذه الظاهرة التي يرون انها كانت تفسد الدين.
يبدأ الاستعداد للمة على بعد مسافة زمنية طويلة. ولعل اهم خطوة في هذه المرحلة هي تدبر امر "القربان" او الذبيحة التي هي في الغالب ثور سمين. وكان يحدث في الغالب ان يتطوع شخص بإعلان داخل جمع من الناس اهداء عجل له للولي الصالح. ويطلق على العجل ابتداء من تلك اللحظة " العجمي د السيد" و الذي يصبح ملكا للولي الصالح، حيث تصبغ عليه القداسة. غلا يطرد و لا يضرب ولايمس مخافة غضب الولي. بل على العكس من ذاك كان يحظى بالاهتمام والرعاية، وتقدم له ما يحتاجه من خدمات من أجل نيل رضى وبركات الولي الصالح. ونظرا لكون العجل يتمتع عبر حياته بكامل العناية، فهو كان يصبح قويا، وخواره كان يملأ الليالي وهو يجوب الرحاب. ولذلك عند حلول موعد اللمة، كان يساق ضمن موكب كبير محاطا بالغيظة و البارود و زغاريد النساء. وهو حين كان يذبح، كان يقوم ويجري مسافة معينة قبل ان يسقط اخيرا. ويرجع الناس في الغالب تلك القوة والحركة الى بركة الولي الصالح، ويشرعون في قياس المسافة التي قطعها الثور مع مسافات الثيران السابقة.
شكلت لمة مولاي عبدالسلام بن امشيش لزمن طويل المحج الذي كان يقصده كل قبائل اجبالة. وكان الاعتقاد السائد انذاك ان الحجاج الذين يفصدون اللمة سيرا على الاقدام، هم اوفر من ينالون البركات والرضى. وقد شجع على ذلك ما كان يناله الزوار من دعم ومساعدة من قبل السكان الذين كانوا يمرون بمناطقهم. فيكرمونهم و يطلبون منهم الدعاء لهم، كمقابل للخدمات التي كانوا يقدمونها لهم. وكان طبيعيا ان يكون "البواردية" في طليعة من يقصدون اللمة سيرا على الاقدام، على اعتبار انهم مقاتلون يتحملوم المشاق ويسعون لاكتساب الصلابة.
لا بد من الاشارة هنا الى ان اللمات عموما ، ولمة مولاي عبدالسلام قد حظيت بأكبر اهتمام في النصف الثاني من الستينات بشكل غير مسبوق، خصوصا مع توافر وسائل النقل. و استقطبت اللمات اهتماما متزايدا لحد ان جل الشباب و الكهول قد اصبحوا مدمنين على هذا الحضور. و انتشر صيت اللمات بشكل غير مسبوق. لكن بشكل مفاجئ تلاشى هذا الاهتمام عند بداية السبعينات.
على مشارف الوصول للمة، كانت كل قبيلة تنظم صفوفها وتعمل على ان تدخل مجتمعة. وتقدم افضل ما لديها من عروض. ومما يحكى ان قبائل بني زروال كانت تقدم افضل عروض البارود لحد ان الجميع كان يحرص على مشاهدة وتتبع ذلك الاستعراض. وقد تمكنوا من رسم افضل صورة عنهم. وداخل بواردية بني زروال تميزت ثلاث فرق من البواردية " المعلومة" و" المقراوي" و " تازغدرة"
كانت لمة مولاي عبدالسلام تمتد لعدة أيام. و لذلك كانت تنصب الخيام من اجل المبيت و الاستراحة. وكانت تمارس شتى الطقوس المتوزعة بين الانشطة الدينية و الاقتصادي و الفرجة.. و كان الزوار في النهاية حريصين على اقتناء الهدايا و الحلويات" الزيارة" التي كان يتم انتظارها بشوق من قبل الاطفال ومن لم يقووا على حضور اللمة. وكانت تلك الهدايا تحظى بنوع من القداسة لحد انها كانت تقبل ويتم التبرك بها.
الحفل هو مناسبة لكسر الرتابة و التقاط الأنفاس بعيدا عن المألوف. و التماس التجدد من خلال تغيير الأجواء والوجوه. و العيش للحظات على ايقاع مختلف للحياة. وهو أيضا أشبه بفواصل تساعد على التقاط الأنفاس بين جمل طويلة.
اي حفل يتم التحضير له مسبقا. سواء من قبل الجهة المنظمة له، أو تلك التي ستحضره. لكن القصد هنا بالحفل في هذا الموضوع هو تلك الحفلات التي لا يتم حضورها بموجب دعوة. بل هي حفلات عامة مفتوحة في وجه الجميع. ولذلك فهي تكون الأضخم. والرقابة فيها تكون أقل حضورا، خصوصا وأن دواعي حضورها تكون متعددة و تتباين من شخص لآخر وبشكل خاص لدى الشباب والشابات. حيث الامر اشبه باستعراض واثارة الانتباه ، واكتساب معارف وتوسيع دائرة العلاقات. ولعل تحقيق غايات مثل هذه كان يستوجب الحرص على الظهور بمظهر لائق، و يكون الحضور بأبهى حلة. وخاصة النسوة والاوانس بشكل خاص. ومما يساعد على ذلك ان هذا النوع من الحفلات كان يقام في أواخر الصيف، بعد انتهاء الموسم الفلاحي حيث ميزانية الأسر تكون في افضل حالاتها مقارنة بباقي المواسم.
لاشك ان تحقيق الظهور بالشكل الأمثل كان يستوجب تحضيرا. وغالبا ما تكون النسوة العماد الأساسي في تحقيق ذلك، وكن دائما الاكثر انشغالا واشتغالا. وكانت أول خطوة في هذا المسعى هي تنظيم حمام جماعي حيث يجتمعن في فناء بيت كبير، و ينصبن هرما دائريا، أضلعه مشكلة من أعمدة طويلة متصلة فيما بينها في القمة، و تنفرج عند القاعدة. وتغطى الأضلع بشكل محكم بحصائر و أغطية ثقيلة لمنع الهواء من التسرب الى الخارج، و الاحتفاظ بالدفء في الداخل، مع الحرص على ان تظل قمته مفتوحة كي ينفذ الدخان الى الخارج.
بعد ان تصل الحرارة الى الدرجة المرجوة، يبدأ اتخاذ المواقع داخل الحمام، ويتحول المشهد الى اشبه بسوق تدب فيه الحركة، وتتعالى الاصوات مصحوبة بصراخ الأطفال الذين يشتكون شدة الفرك. وقد تبدأ جدالات بأصوات مرتفعة بين النسوة بسبب اعتراض احداهن على تواجد طفل بينهن تعتبره امه صغيرا، وتعتبره الاخرى ان مكانه بين الرجال البالغين.
مهما يكن فالاجواء كانت تفصح عن هبوب رياح لحدث يضخ الدفء والتفاؤل في القلوب، و يدفع لاستعجال حلول اوانه، ولم يكن هناك اروع من تلك الاحاسيس و الطقوس التي كانت تؤكد ان اجواء الاستعداد لحدث مفرح، هي اهم من الحدث نفسه. و تتصاعد وثيرة التشويق والتطلع لدى الأطفال حين تنضاف لمسات اخرى. فبالاضافة الى بعثهم للحلاق من اجل اجتثاث اصول القمل والصيب، يتم شراء ملابس جديدة. ملابس في الغالب لم تكن على المقاس، ذلك انها في الغالب طويلة. لكن ذلك لم يكن يعود الى سهو أو سوء تقدير. بل كان قصدا أملاه جدل الحاجة والمقدرة. وفي لمسة ختامية، كان يتم شراء نعل من لدائن (بلاستيك). وهذا كان يعد يومها ترفا لا تستشعر قيمته الا أقدام أدمنت الحفاء.
الاستعداد لدى النسوة كان مختلفا. و الأوانس هن من كن يكلفن أكثر مقارنة بالسيدات. وهذا كله لا يمكن مقارنته بما تكلفه النساء في الوقت الحالي. فأدوات الزينة على سبيل المثال كانت مختصرة في الكحل والسواك. ويلبسن كسوات تبعا للموضة انذاك. كسوة (ربيعة) ذات اللون الوردي. او كسوة (صباح الخير) او كسوة (امل حياتي) التي كانت قد تزامنت مع زيارة سيدة الطرب العربي للمغرب. غير هذا لم يكن هناك جلباب. و كانت النسوة يلفن انفسهن بالحايك او ( الكذوار) اما الاوانس فقد طن يضعن فوطات ملونة. اما الجلباب و اللثام فقد كان يضعنه النساء العصريات. و تطور الامر بعد ذلك الى اختفاء اللثام. ولم تكن النسوة القرويات يحملن حقيبة يدوية او جراب. وعوضا عنه كانت النسوة تحملن جرابا نسج من الحلفاء، وهو صغير مكعب الشكل. له منظر جميل. بداخله يمكن ان تعثر على علبة معدنية صغيرة بها كحل. وسواك ومنديل صغير.
بالنسبة للرجال كان يمكن تمييز على مستوى الشكل المتزوجين عن العازبين. فالمتزوجون كانت عنايتهم بمظهرهم اقل من الشباب. وداخل فئة الشباب كان يمكن تمييز المتعلمين او من مروا بالمدينة عن الشباب البدوي. فالبدويون لم يشكل لهم العناية بمظهرهم انشغالا، او كانوا يفتقدون لما يؤهلهم لذلك. بينما المنتسبون للعصر كانوا حريصين على مظهرهم من خلال القبعات و النظارات و الملابس المتناسقة الالوان...
***
2/ اللمات
اللمة هي من لم ويلم، بميم مفتوحة مشددة. و هي بمعنى جمع او تجيمع حول شى ما. وهي بذلك بمعنى جمع او تجمع خصص له توقيتا سنويا يكون في الغالب عند نهاية الصيف وبداية الخريف، وذلك من أجل احياء حفل سنوي يقام على شرف ولي من الأولياء الذين يعتبرون صالحين. وهي لهذا السبب اكتسبت طابعا دينيا، تمارس خلاله طقوسا شتى من بينها الفرجة عن طرق الغيظة و اكناوة واحمادشة و البارود.
أشهر لمة كان يقصدها الزرواليون وكل قبائل اجبالة هي بلاشك، لمة "مولاي عبدالسلام بن امشيش". وهو بالمناسبة يعد من صفوة الأولياء والصالحين. و اكثر من يحظى بالتقديس لحد يعتبر ان كل شخص قام بزيارته لسبع مواسم متتالية يعتبر حاجا. و يسميه الاخرون الزيارة ب( حج الفقراء). و يأتي في المرتبة الثانية من حيث الأهمية موسم "مولاي بوشتى الخمار" الذي يوجد في القرية التي تحمل اسمه. وفي المرتبة الثالثة " سيدي امحمد بلحسن" بالورزاغ قبيلة "اسلاس". ويلاحظ هنا خلو قبيلة بني زروال من لمات بحجم كبير بالرغم من انها تتكون من خمس قبائل، ولا تقام الا لمات في نطاق محدود كلمة "سيدي عبدالوارث" و لمة "سيدي احمد الشريف" و لمة " الامام الشطيبي" و يرجع بعض الدارسين ذلك الى موقف فقهاء بني زروال من هذه الظاهرة التي يرون انها كانت تفسد الدين.
يبدأ الاستعداد للمة على بعد مسافة زمنية طويلة. ولعل اهم خطوة في هذه المرحلة هي تدبر امر "القربان" او الذبيحة التي هي في الغالب ثور سمين. وكان يحدث في الغالب ان يتطوع شخص بإعلان داخل جمع من الناس اهداء عجل له للولي الصالح. ويطلق على العجل ابتداء من تلك اللحظة " العجمي د السيد" و الذي يصبح ملكا للولي الصالح، حيث تصبغ عليه القداسة. غلا يطرد و لا يضرب ولايمس مخافة غضب الولي. بل على العكس من ذاك كان يحظى بالاهتمام والرعاية، وتقدم له ما يحتاجه من خدمات من أجل نيل رضى وبركات الولي الصالح. ونظرا لكون العجل يتمتع عبر حياته بكامل العناية، فهو كان يصبح قويا، وخواره كان يملأ الليالي وهو يجوب الرحاب. ولذلك عند حلول موعد اللمة، كان يساق ضمن موكب كبير محاطا بالغيظة و البارود و زغاريد النساء. وهو حين كان يذبح، كان يقوم ويجري مسافة معينة قبل ان يسقط اخيرا. ويرجع الناس في الغالب تلك القوة والحركة الى بركة الولي الصالح، ويشرعون في قياس المسافة التي قطعها الثور مع مسافات الثيران السابقة.
شكلت لمة مولاي عبدالسلام بن امشيش لزمن طويل المحج الذي كان يقصده كل قبائل اجبالة. وكان الاعتقاد السائد انذاك ان الحجاج الذين يفصدون اللمة سيرا على الاقدام، هم اوفر من ينالون البركات والرضى. وقد شجع على ذلك ما كان يناله الزوار من دعم ومساعدة من قبل السكان الذين كانوا يمرون بمناطقهم. فيكرمونهم و يطلبون منهم الدعاء لهم، كمقابل للخدمات التي كانوا يقدمونها لهم. وكان طبيعيا ان يكون "البواردية" في طليعة من يقصدون اللمة سيرا على الاقدام، على اعتبار انهم مقاتلون يتحملوم المشاق ويسعون لاكتساب الصلابة.
لا بد من الاشارة هنا الى ان اللمات عموما ، ولمة مولاي عبدالسلام قد حظيت بأكبر اهتمام في النصف الثاني من الستينات بشكل غير مسبوق، خصوصا مع توافر وسائل النقل. و استقطبت اللمات اهتماما متزايدا لحد ان جل الشباب و الكهول قد اصبحوا مدمنين على هذا الحضور. و انتشر صيت اللمات بشكل غير مسبوق. لكن بشكل مفاجئ تلاشى هذا الاهتمام عند بداية السبعينات.
على مشارف الوصول للمة، كانت كل قبيلة تنظم صفوفها وتعمل على ان تدخل مجتمعة. وتقدم افضل ما لديها من عروض. ومما يحكى ان قبائل بني زروال كانت تقدم افضل عروض البارود لحد ان الجميع كان يحرص على مشاهدة وتتبع ذلك الاستعراض. وقد تمكنوا من رسم افضل صورة عنهم. وداخل بواردية بني زروال تميزت ثلاث فرق من البواردية " المعلومة" و" المقراوي" و " تازغدرة"
كانت لمة مولاي عبدالسلام تمتد لعدة أيام. و لذلك كانت تنصب الخيام من اجل المبيت و الاستراحة. وكانت تمارس شتى الطقوس المتوزعة بين الانشطة الدينية و الاقتصادي و الفرجة.. و كان الزوار في النهاية حريصين على اقتناء الهدايا و الحلويات" الزيارة" التي كان يتم انتظارها بشوق من قبل الاطفال ومن لم يقووا على حضور اللمة. وكانت تلك الهدايا تحظى بنوع من القداسة لحد انها كانت تقبل ويتم التبرك بها.