قد يبدو العنوان غريبا بعض الشيء ، وقد يبدو متكلفا ، لكن بقليل من التأمل يتضح أن هذا العنوان أو المصطلح مقنع إلى حد كبير ، فالكلمة التي نقولها في حياتنا اليومية والتي نقرؤها في الكتب و الصحف وعلى المواقع المختلفة هي مجموعة من الشحنات و الطاقات الدلالية التي تؤثر في قارئها أو سامعها ، وقد تغير من حالته المزاجية ، فتجعل البعض يفرح أ والبعض يحزن ، وقد تغضب الإنسان فيتعصب وربما يفقد شعوره . الكلمة إذن هي مخزن للأفكار و المشاعر الجمعية ، فهي ليست ملكا للفرد بل هي جزء من ثقافة المجتمع الذي شكلها و أنتجها . والفرق بين كاتب وكاتب آخر وبين شاعر وشاعر بشكل عام هو الفرق بين طبيعتين تدركان بميزان دقيق مساحة تأثير الكلمة على المستوى الأفقي من الفكر و الوجدان ، وقدرتها على الاختراق إلى العمق في مستوى رأسي ، فهي تعمل إذن في منطقة ثلاثية الأبعاد (الوجدان- الرؤية- الإيقاع)، وعندما يبدأ الككاتب في صياغة نصه سواء كان شعرا أو نثرا (قصة – رواية-مقالة ....) ، فإنه ينبغي أن يقوم بعملية مسح جيولوجي لمجموعة المفردات و الكلمات التي يتكلمها أهل عصره وبيئته، ولا يلتفت إلا معاجم اللغة ، ولا يلتفت إلى ما يردده بعض النقاد من فكرة إحياء الألفاظ الميتة ، فالمجتمع – لا –المبدع هو الذي يحيي ويميت ما شاء من مفردات، والكاتب الذي يلجأ إلى مفردات ميتة ، يقطع خطوط وخيوط التواصل بينه وبين المتلقي ، ولذلك تختلف درجة الاستجابة و التأثير حسب ثقافة وبيئة التلقي. فقد يقول شاعر صعيدي مربعا مثلا ، فتجد تصفيقا وإعجابا وسط بيئته ، (بينما) إذا قيل النص نفسه في بيئة ثقافية أخرى ، فربما لا تجد الاستجابة نفسها . وهناك بعض الكلمات التي إن قيلت على وجهها الصحيح كما جاء في المعاجم ، فإنها تفقد شحنتها و طاقتها الدلالية ، ,و إن قيلت بشكلها الخاطئ ، فإنها تصبح أقوى و أجمل ، و سأدلل على ذلك بكلمتين كلاهما صحيح ، لكن هناك اعتقاد شائع بأن إحداهما صحيحة و الأخرى خاطئة أو (أقل صحة) وهما كلمة (هام) و كلمة (مهم) ، فإذا قارنا بين المستوى السيكلوجي لكلتا الكلمتين، فإننا نجد أن مشكلة كلمة (مهم) على صحتها تكمن في أنها فقدت مهابتها الدلالية فصارت دارجة ،وظلت كلمة (هام) في عنفوان طاقتها ، فهي لم تصبها الشيخوخة التي أصابت كلمة (مهم) ،وهنا يقع المبدع في حيرة الاختيار بين الصواب و الخطأ ، أو بين الصحيح و الأصح ، أو بين الصحيحين ، فما الحل إذن ؟ الحل هو أن تختار الكلمة وفق مقدار قوتها وعنفوانها في مساحة الوجدان والإيقاع والفكر حتى و لو كانت خطأ ، فهذا الخطأ محمل بكل المخزون الثقافي و الوجداني للمجتمع ، أما الكلمة الثانية ، فقد أصبحت فارغة أو باهتة ، قل الكلمة (الخطأ) قلها ولا تخف ،لا تخف سطوة اللغويين.