لقد أصبح دور الكاتب في المجتمع دورا هامشيا، بل إن الكاتب نفسه صار مغيبا ،فلم يعد له ذلك الدور الذي نعرفه عنه في إصلاح المجتمع والعمل على ترسيخ المثل السامية والتبشير بالقيم النبيلة التي تعمل على ترسيخ الأمن واستتبابه، والرقي بالإنسان فكريا وأدبيا إلى الأعلى. إن أسباب هذه الوضعية المزرية التي يعيشها الكاتب هي أسباب متعددة، منها ما هو اجتماعي وما هو سياسي، ومنها – وهذا هو الخطير – ما هو نفسي، فحتى الكاتب نفسه صار غير مقتنع بجدوى الكتابة في ظل ظروف استثنائية يعيشها ، لعل أبرزها هو عدم قدرته على التعبير بكل حرية.
لا يسَع الكاتب و الشاعر بالخصوص أن يعبر عما في داخله إلا في مناخ من الحرية ،مناخ تضمنه له السلطة السياسية، وإلا سيكون كاتبا ولكن ليس بالجرعة المطلوبة، أعني كاتبا يقول الذي يراه ويعتقده ولا يخشى من الملاحقة والتضييق عليه والرقابة المسبقة ذاتية كانت أو موضوعية من أي جهة كانت.
هنا يطرح السؤال:
ـ ما هي مواصفات السلطة السياسية التي تضمن للكاتب الحرية؟
و الجواب يبدو سهلا و بسيطا للغاية ،فالسلطة التي تضمن للكاتب حرية التعبير و تحصنه من غوائلها هي السلطة المنتخبة التي وضع الشعب فيها ثقته عن طريق صناديق الاقتراع ،إذ بهذه الثقة من الشعب لا تخاف من الكاتب و لا مما سيقوله عنها ،أما السلطة التي أتت إلى مركز القرار بالتزوير و بأساليب غير ديموقراطية و بالتدليس فهي دائما في توجس و خيفة من الكاتب ،فهي ترى فيه عدوها اللدود الذي سيقوض أركانها إن تركت له الحبل على الغارب،ومن هنا نرى مدى المعاناة و التحمل اللذين يقاسيهما الكتّاب في الأنظمة الديكتاتورية والصابرين على حظهم التعيس الذي ابتلوا به في سبيل محاولتهم تغيير الواقع السيـئ المعاش إلى واقع أفضل تحفظ فيه كرامة الإنسان و تصان فيه حقوقه.
في هذا الواقع الموبوء تبدو صورة الكاتب واضحة وجلية للعيان في ثلاثة أنماط نلخصها كالآتي:
النمط الأول هو الكاتب الذي يكابر ويستمر في الكتابة بصبر و مصابرة و ثبات،و يسير في طريقه رغم وعثائها بخطى واثقة،و لا يتنازل أو ينزل عن مستوى ما تتطلبه منه واجباته إزاء المجتمع بوصفه المعبر عنه والناطق باسمه، وهنا ربما سيعترض البعض قائلا: ومن خول لهذا الكاتب التعبير باسم المجتمع؟ فأجيبه بأن المجتمع نفسه هو من خول له ذلك إذا كان بالفعل كاتبا صادق النية نقي السريرة ،فتفويض المجتمع له نابع أساسا من إرادة ذاك المجتمع و تطلعه إلى ما هو أفضل.
النمط الثاني هو الكاتب الخانع الذي يضع على عينيه نظارتين ورديتين يرى بهما الواقع على أنه واقع على ما يرام يسر الناظرين وأن السلطة تحقق الرفاه والسعادة لرعاياها ـ كذا ـ وحتى لغير رعاياها من الأجانب المقيمين على أرضها ،و هذا الكاتب سواء كان في الأصل خانعا أو هو قد انقلب منحازا إلى السلطة فهو كاتب لا يقوم بوظيفة الكتابة باعتبارها تضامنا تاريخيا لا بد أن تكون وعاء لقضايا المجتمع و قضايا الإنسان بصفة عامة.
والنمط الثالث هو الكاتب المتذبذب الذي لا هو إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، بل هو مع مصلحته فقط أين تكون أو أين تصور المكان الذي تكون فيه،و هذا هو الكاتب الانتهازي الذي لا يرى في الكتابة إلا وسيلة لإشباع حاجته المادية ولا تهمه في المقام الأول إلا نفسه.هذا النمط من الكتاب هو أخطر بكثير من كتاب النمط الثاني ،لأن النمط الثاني هو متموقع على الأقل ،و يبدو واضحا في مواقفه و إن كان يشكل خطورة متمثلة في عرقلة التقدم وإبقاء الوضع على ما هو عليه.
الكاتب المتذبذب لا ثقة فيه، وهو لا ينشد إحراز الثقة في كتابته ولا تهمه المصداقية، وإن كان يرغب في ذلك لا شعوريا حتى يوهم القارئ بأنه كاتب موضوعي و أنه أفضل مما يظنه الآخرون به ،و لا يخفى بأن هناك فئة تنخدع به وتسير في ركبه،و قد تتفطن له لكن ربما بعد فوات الأوان.
وعودا على بدء،نقول بأن الكتابة في عصر الأنترنت وإن منحت الكاتب هامشا من الحرية وبعض الشعور بأن رأيه سيصل إلى الجمهور فإنها لم تعد ذلك السلاح الذي عهدناه فيها من قبل ، بحيث كان الكاتب يلاحق قضائيا على أساس أن كتابه يلحق الضرر بالثوابت و يسيء إليها ويحاكم الشاعر على أساس أن قصيدته أو ديوانه منشور سياسي انقلابي، وكنا نرى في ذلك بأن السلطة السياسية تخاف من الكاتب وتحسب له ألف حساب ،كما كنا نتصور من ذلك أن الكاتب يستطيع أن يغير الواقع، وكنا نقول بأن الكلمة الأدبية أو الفكرية لها نفس قوة السلطة السياسية صاحبة القرار.
ما حدث أخيرا هو أن الكاتب لم يعد ذلك الشخص الذي يقف في وجه السلطة، والذي قراؤه كثيرون، فقد صار مجرد شخص عادي إلى درجة صار
معها يبحث فقط عمن يقرأ له و بالكاد يحصل عليه، وكم تكون فرحته كبيرة عندما يجد شخصا يضع له إعجابا على نص من نصوصه،و ربما الشخص إياه لم يقرأ النص أصلا.
كيف فقد الكاتب وضعه الاعتباري و أصبح بلا شأن؟ـ هذا السؤال مؤرق بالفعل، والإجابة عنه تحتاج إلى تبسيط وتوسع، لأن الكاتب نفسه صارت له سلوكات نرجسية عدوانية في علاقاته بزملائه و قرائه لدرجة أن أصبحت سببا من أسباب انحسار دوره في المجتمع وخفوته كمعبر عن آماله ـــ المجتمع ـــ و طموحاته ،مما أصبح يثير ـــ للأسف ـــ الشفقة عليه والرثاء له في آن واحد.
لا يسَع الكاتب و الشاعر بالخصوص أن يعبر عما في داخله إلا في مناخ من الحرية ،مناخ تضمنه له السلطة السياسية، وإلا سيكون كاتبا ولكن ليس بالجرعة المطلوبة، أعني كاتبا يقول الذي يراه ويعتقده ولا يخشى من الملاحقة والتضييق عليه والرقابة المسبقة ذاتية كانت أو موضوعية من أي جهة كانت.
هنا يطرح السؤال:
ـ ما هي مواصفات السلطة السياسية التي تضمن للكاتب الحرية؟
و الجواب يبدو سهلا و بسيطا للغاية ،فالسلطة التي تضمن للكاتب حرية التعبير و تحصنه من غوائلها هي السلطة المنتخبة التي وضع الشعب فيها ثقته عن طريق صناديق الاقتراع ،إذ بهذه الثقة من الشعب لا تخاف من الكاتب و لا مما سيقوله عنها ،أما السلطة التي أتت إلى مركز القرار بالتزوير و بأساليب غير ديموقراطية و بالتدليس فهي دائما في توجس و خيفة من الكاتب ،فهي ترى فيه عدوها اللدود الذي سيقوض أركانها إن تركت له الحبل على الغارب،ومن هنا نرى مدى المعاناة و التحمل اللذين يقاسيهما الكتّاب في الأنظمة الديكتاتورية والصابرين على حظهم التعيس الذي ابتلوا به في سبيل محاولتهم تغيير الواقع السيـئ المعاش إلى واقع أفضل تحفظ فيه كرامة الإنسان و تصان فيه حقوقه.
في هذا الواقع الموبوء تبدو صورة الكاتب واضحة وجلية للعيان في ثلاثة أنماط نلخصها كالآتي:
النمط الأول هو الكاتب الذي يكابر ويستمر في الكتابة بصبر و مصابرة و ثبات،و يسير في طريقه رغم وعثائها بخطى واثقة،و لا يتنازل أو ينزل عن مستوى ما تتطلبه منه واجباته إزاء المجتمع بوصفه المعبر عنه والناطق باسمه، وهنا ربما سيعترض البعض قائلا: ومن خول لهذا الكاتب التعبير باسم المجتمع؟ فأجيبه بأن المجتمع نفسه هو من خول له ذلك إذا كان بالفعل كاتبا صادق النية نقي السريرة ،فتفويض المجتمع له نابع أساسا من إرادة ذاك المجتمع و تطلعه إلى ما هو أفضل.
النمط الثاني هو الكاتب الخانع الذي يضع على عينيه نظارتين ورديتين يرى بهما الواقع على أنه واقع على ما يرام يسر الناظرين وأن السلطة تحقق الرفاه والسعادة لرعاياها ـ كذا ـ وحتى لغير رعاياها من الأجانب المقيمين على أرضها ،و هذا الكاتب سواء كان في الأصل خانعا أو هو قد انقلب منحازا إلى السلطة فهو كاتب لا يقوم بوظيفة الكتابة باعتبارها تضامنا تاريخيا لا بد أن تكون وعاء لقضايا المجتمع و قضايا الإنسان بصفة عامة.
والنمط الثالث هو الكاتب المتذبذب الذي لا هو إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، بل هو مع مصلحته فقط أين تكون أو أين تصور المكان الذي تكون فيه،و هذا هو الكاتب الانتهازي الذي لا يرى في الكتابة إلا وسيلة لإشباع حاجته المادية ولا تهمه في المقام الأول إلا نفسه.هذا النمط من الكتاب هو أخطر بكثير من كتاب النمط الثاني ،لأن النمط الثاني هو متموقع على الأقل ،و يبدو واضحا في مواقفه و إن كان يشكل خطورة متمثلة في عرقلة التقدم وإبقاء الوضع على ما هو عليه.
الكاتب المتذبذب لا ثقة فيه، وهو لا ينشد إحراز الثقة في كتابته ولا تهمه المصداقية، وإن كان يرغب في ذلك لا شعوريا حتى يوهم القارئ بأنه كاتب موضوعي و أنه أفضل مما يظنه الآخرون به ،و لا يخفى بأن هناك فئة تنخدع به وتسير في ركبه،و قد تتفطن له لكن ربما بعد فوات الأوان.
وعودا على بدء،نقول بأن الكتابة في عصر الأنترنت وإن منحت الكاتب هامشا من الحرية وبعض الشعور بأن رأيه سيصل إلى الجمهور فإنها لم تعد ذلك السلاح الذي عهدناه فيها من قبل ، بحيث كان الكاتب يلاحق قضائيا على أساس أن كتابه يلحق الضرر بالثوابت و يسيء إليها ويحاكم الشاعر على أساس أن قصيدته أو ديوانه منشور سياسي انقلابي، وكنا نرى في ذلك بأن السلطة السياسية تخاف من الكاتب وتحسب له ألف حساب ،كما كنا نتصور من ذلك أن الكاتب يستطيع أن يغير الواقع، وكنا نقول بأن الكلمة الأدبية أو الفكرية لها نفس قوة السلطة السياسية صاحبة القرار.
ما حدث أخيرا هو أن الكاتب لم يعد ذلك الشخص الذي يقف في وجه السلطة، والذي قراؤه كثيرون، فقد صار مجرد شخص عادي إلى درجة صار
معها يبحث فقط عمن يقرأ له و بالكاد يحصل عليه، وكم تكون فرحته كبيرة عندما يجد شخصا يضع له إعجابا على نص من نصوصه،و ربما الشخص إياه لم يقرأ النص أصلا.
كيف فقد الكاتب وضعه الاعتباري و أصبح بلا شأن؟ـ هذا السؤال مؤرق بالفعل، والإجابة عنه تحتاج إلى تبسيط وتوسع، لأن الكاتب نفسه صارت له سلوكات نرجسية عدوانية في علاقاته بزملائه و قرائه لدرجة أن أصبحت سببا من أسباب انحسار دوره في المجتمع وخفوته كمعبر عن آماله ـــ المجتمع ـــ و طموحاته ،مما أصبح يثير ـــ للأسف ـــ الشفقة عليه والرثاء له في آن واحد.