بين عشق المكان حد الذوبان فيه ، وفي تفصيلاته وجزئياته ، وبين حالة الخوف من مجهول يترصده ، تكمن المعادلة الصعبة التي تؤسس لها مرويات الكاتبة والقاصة السورية (صديقة علي) في معظم قصصها ، كاشفة عن حالة الانشطار النفسي التي تسم شخوصها، وتجبرهم على الهروب من اللعنة التي حلت بالمكان ، وتقضي عليهم باللهاث الدائم منذ انبلاج الحدث الأول إلى مفارقة الحكاية ، عبر جمل سردية تضجبالأفعال والحركة ، وجمل حوارية تئن بالتوتر والانفعال، وكأننا أما صورة أخرى من الميثولوجيا الإغريقية لعذابات سيزيف وديمومة آلامه.
حالة من الفصام الغريب تصيب شخوص قصصها على اختلافهم وتنوعهم وتشكّلهم ، لتنتهي بهم خواتيم قصصها على مفترقات الطرق ، ومنعرجات الدروب ، تنشد الخلاص حينا ، أو تبحث عن الأمان في غيره حينا آخر ، ومن ثم تبدو الصورة متناقضة ــ أحيانا ــ لدى من لا يدرك الرؤية الكلية لبوحها ، ومكنون كتاباتها .
فهي تنحت شخوصها من طين الأرض، وأديم المكان ، لتلقي بهم في متاهة الحكاية التي لا تنتهي ، تقربهمفكأنك تراهم بعينك، وتسمع أنَّاتهم بقلبك وبأذنيك ، وتبحر بهم في غياهب الرؤى والترميز فتجبرك على إعادة حساباتك مرة أخرى أمام ثنائية الرمز والواقع ، واشتجار الزمان والمكان ، والتباس الواقعي بالأسطوري ، أو ما يسمى بأسطرة الواقع ، عبر ديمومة حكائية لا تنقضي ، تسلمك الحكاية إلى الأخرى بين دهاليز المكان واشتجارات الزمان المعقد والمتداخل ، ثم يأتي الموروث الشعبي عبر أغانيه وأهازيجه وأساطيره ومروياته لينثر على الحكاية عبق الماضي وحيرة الحاضر وانتظار المجهول.
لكنها في مجملها حكايات مهمومة ، وأحلام متعبة ، وجراحات ما تزال تبحث عن الالتئام ، وخوف لا يفتأ يتجدد بين الفينة والأخرى من مجهول قادم ، قد تراه تغريبا ، أو تغييبا، أو موتا ، أو ترقبا وانتظارا لمجهول قدريّ ، يرتسم عبر كابوس البؤس ، وضراوة الوحدة والانعزال ، والهلع من الطرد والتشريد من المكان كما في قصة ( قانون ولكن ) ، حيث تلخص الرسالة القصصية في جملة حوارية استفهامية مختزلة:
" أجئت لطردي ؟
ثم ينساب الحوار ليكشف عن عمق المأساة وضراوة الواقع:
" ـ هل تعيش وحيدا هنا؟
ـ وسأموت على وحدتي ..منذ تقاعدت لم أر اصدقائي ... ..مقطوع من شجرة... أجئت تنفذ أمر المحكمةـ؟ لا جلد لي على برودة الشاع ".
كما تتجلى في تصوير حالة الضياع والظلامية التي تواجه بطلة القصة في (فجر الطين ) :
" لا قمرَ ولا ضوءَ الآن، ولا عيونَ تعتذرُ، التَّيَّارُ الكهربائيّ مقطوعٌ، وكلُّ الأواصر مقطوعة "
وتتأكد أيضا عبر الانغماس في الوحل وانتظار المخلِّص في ذات القصة:
" غاصت قدمايَ ويدايَ بالطِّين، أسلمتُ رأسي للوحل، آخرُ ما لمحتُهُ كان الدَّرَجَ الموصِّلَ إلى باحةِ البيت، كان قريباً جدّاً؛ لكنّني انغرستُ وعليَّ أن أنتظرَ إلى أن تجِفَّ الأرضُ "
أما في ( مواويل آدم )فتصحو القرية على كارثة كبرى من خلال فجيعتها في بطلها الأسطوري الذي أحبته :
" استيقظ أهل القرية على نباح كلابها، قادتهم إلى جثة آدم الضخمة، الممددة على البيدر بدون رأس"
لتعيش القرية في ديمومة الحزن الأبدي ولا تخرج منها :
"عاشت القرية حداداً طويل الأمد ،واقتصرت أفراحها على مواويل حزينة" بل تمتد لعنة المكان والاسم لتطال بطل القصة وتضطره للهروبإلى منفاه الاضطراري،إثر تمكن الأعداء ، وحتمية القدر:
" علمت الآن ياولدي لِمَ أوصيك بالهروب، فأنت موسوم باسم آدم ،والآن ملاحق بأسطورته... "
وهي ذات الثيمة التي تطرحها قصة ( خطوط المطر) من خلال الفشل وتفسخ العلاقات بين أفراد الأسرة ، وخروج الابن عن طاعة والديه ؛ حيث تختزل صورة التفسخ الذي أصاب الوطن من خلال هذه الأسرة الصغيرة التي تواجه التغريب ، والخوف من مخاطر الإدمان ، وغفلة الأب عن حاجات ابنه وضروراته ، وانكسار الأم ومرضها:
" ومتى كان يهمك مرضي؟ كنت تحلل مرض الجوكندا وتتباهى أمام رفاقك بثقافتك في حين كانت هي عائدة بي من عند الطبيب. "
ليفيق الأب على كارثة الكشف، وظهور الحقيقة المرة:
" شعرت أن يدا تدفع الكرسي من تحتي، وأنا معلق بحبل من رقبتي ، بلعت ريقي الجاف شوكا في حلقي، وابتلعت دموعي وهزيمتي ما أمكن، وتمالكت نفسي، لأول مرة أقرّ له بأننا أغبياء وهو محق "
وبين هذا وذاك يأتي الترميز حاضرا لا يغيب ، عالقا في العناوين وفي أسماء الشخوص والأماكن والأحداث والمرويات الشعبية ،وفي الاستهلال والخاتمة؛ ليعمق الرؤي ، ويخرج الأشياء من محدودية تعبيرها ، وصغر مدلولاتها إلى فضاءات رحبة تحلق في كليات الرؤية ، وبعد الإشارات والعلامات، وفوقية المنظور، وللتأكيد على رسالة القص التي تتعدد وتتنوع وتأخذ أشكالا متباينة، لكنها تلتئم في النهايةعبر إطار واحد لا تفارقه ولا تحيد عنه.
حالة من الفصام الغريب تصيب شخوص قصصها على اختلافهم وتنوعهم وتشكّلهم ، لتنتهي بهم خواتيم قصصها على مفترقات الطرق ، ومنعرجات الدروب ، تنشد الخلاص حينا ، أو تبحث عن الأمان في غيره حينا آخر ، ومن ثم تبدو الصورة متناقضة ــ أحيانا ــ لدى من لا يدرك الرؤية الكلية لبوحها ، ومكنون كتاباتها .
فهي تنحت شخوصها من طين الأرض، وأديم المكان ، لتلقي بهم في متاهة الحكاية التي لا تنتهي ، تقربهمفكأنك تراهم بعينك، وتسمع أنَّاتهم بقلبك وبأذنيك ، وتبحر بهم في غياهب الرؤى والترميز فتجبرك على إعادة حساباتك مرة أخرى أمام ثنائية الرمز والواقع ، واشتجار الزمان والمكان ، والتباس الواقعي بالأسطوري ، أو ما يسمى بأسطرة الواقع ، عبر ديمومة حكائية لا تنقضي ، تسلمك الحكاية إلى الأخرى بين دهاليز المكان واشتجارات الزمان المعقد والمتداخل ، ثم يأتي الموروث الشعبي عبر أغانيه وأهازيجه وأساطيره ومروياته لينثر على الحكاية عبق الماضي وحيرة الحاضر وانتظار المجهول.
لكنها في مجملها حكايات مهمومة ، وأحلام متعبة ، وجراحات ما تزال تبحث عن الالتئام ، وخوف لا يفتأ يتجدد بين الفينة والأخرى من مجهول قادم ، قد تراه تغريبا ، أو تغييبا، أو موتا ، أو ترقبا وانتظارا لمجهول قدريّ ، يرتسم عبر كابوس البؤس ، وضراوة الوحدة والانعزال ، والهلع من الطرد والتشريد من المكان كما في قصة ( قانون ولكن ) ، حيث تلخص الرسالة القصصية في جملة حوارية استفهامية مختزلة:
" أجئت لطردي ؟
ثم ينساب الحوار ليكشف عن عمق المأساة وضراوة الواقع:
" ـ هل تعيش وحيدا هنا؟
ـ وسأموت على وحدتي ..منذ تقاعدت لم أر اصدقائي ... ..مقطوع من شجرة... أجئت تنفذ أمر المحكمةـ؟ لا جلد لي على برودة الشاع ".
كما تتجلى في تصوير حالة الضياع والظلامية التي تواجه بطلة القصة في (فجر الطين ) :
" لا قمرَ ولا ضوءَ الآن، ولا عيونَ تعتذرُ، التَّيَّارُ الكهربائيّ مقطوعٌ، وكلُّ الأواصر مقطوعة "
وتتأكد أيضا عبر الانغماس في الوحل وانتظار المخلِّص في ذات القصة:
" غاصت قدمايَ ويدايَ بالطِّين، أسلمتُ رأسي للوحل، آخرُ ما لمحتُهُ كان الدَّرَجَ الموصِّلَ إلى باحةِ البيت، كان قريباً جدّاً؛ لكنّني انغرستُ وعليَّ أن أنتظرَ إلى أن تجِفَّ الأرضُ "
أما في ( مواويل آدم )فتصحو القرية على كارثة كبرى من خلال فجيعتها في بطلها الأسطوري الذي أحبته :
" استيقظ أهل القرية على نباح كلابها، قادتهم إلى جثة آدم الضخمة، الممددة على البيدر بدون رأس"
لتعيش القرية في ديمومة الحزن الأبدي ولا تخرج منها :
"عاشت القرية حداداً طويل الأمد ،واقتصرت أفراحها على مواويل حزينة" بل تمتد لعنة المكان والاسم لتطال بطل القصة وتضطره للهروبإلى منفاه الاضطراري،إثر تمكن الأعداء ، وحتمية القدر:
" علمت الآن ياولدي لِمَ أوصيك بالهروب، فأنت موسوم باسم آدم ،والآن ملاحق بأسطورته... "
وهي ذات الثيمة التي تطرحها قصة ( خطوط المطر) من خلال الفشل وتفسخ العلاقات بين أفراد الأسرة ، وخروج الابن عن طاعة والديه ؛ حيث تختزل صورة التفسخ الذي أصاب الوطن من خلال هذه الأسرة الصغيرة التي تواجه التغريب ، والخوف من مخاطر الإدمان ، وغفلة الأب عن حاجات ابنه وضروراته ، وانكسار الأم ومرضها:
" ومتى كان يهمك مرضي؟ كنت تحلل مرض الجوكندا وتتباهى أمام رفاقك بثقافتك في حين كانت هي عائدة بي من عند الطبيب. "
ليفيق الأب على كارثة الكشف، وظهور الحقيقة المرة:
" شعرت أن يدا تدفع الكرسي من تحتي، وأنا معلق بحبل من رقبتي ، بلعت ريقي الجاف شوكا في حلقي، وابتلعت دموعي وهزيمتي ما أمكن، وتمالكت نفسي، لأول مرة أقرّ له بأننا أغبياء وهو محق "
وبين هذا وذاك يأتي الترميز حاضرا لا يغيب ، عالقا في العناوين وفي أسماء الشخوص والأماكن والأحداث والمرويات الشعبية ،وفي الاستهلال والخاتمة؛ ليعمق الرؤي ، ويخرج الأشياء من محدودية تعبيرها ، وصغر مدلولاتها إلى فضاءات رحبة تحلق في كليات الرؤية ، وبعد الإشارات والعلامات، وفوقية المنظور، وللتأكيد على رسالة القص التي تتعدد وتتنوع وتأخذ أشكالا متباينة، لكنها تلتئم في النهايةعبر إطار واحد لا تفارقه ولا تحيد عنه.