محمد السلاموني - رجال الدين

فى غابر التاريخ وحتى وقت قريب ، بل وإلى الآن عند كثير من الناس ، كان رجل الدين يسمى (العالِم) ، وكان العلماء هم علماء الدين ، ذلك أنه لم تكن لدينا ثمة علوم سوى (علوم اللغة والدين) ..
أما الآن ، وبعد ظهور وتطور العلوم فى شتى المجالات ، وبعد الأشواط البعيدة التى قطعتها تلك العلوم فى سبر أغوار الظواهر المختلفة ، مما وضع رجال الدين (ومعهم الدين نفسه) فى مأزق ، حتى أنهم راحوا يلتمسون فى النتائج العلمية مايبرر وجود الدين نفسه ومن ثم وجودهم هم أيضا بوصفهم رجاله ..
مما يعنى أن (رجل الدين) لم يعد هو (العالِم) ، بل لم يعد يمت إلى (العلم) بصلة ، وكل ما تبقى له من الماضى ، هو أنه تحول إلى مجرد ممثل للمعارف القديمة ، التى ثبت خطأ الكثير منها الآن ...
المشكلة تكمن فى أن رجال الدين يحاولون تحويل وضع الإضافة اللغوية - الخاص بهم ؛ فى قولنا (رجال - الدين) إلى حقيقة واقعية مطلقة ، مما يجعل من (الدين) شيئا مملوكا لهم ، ومن ثم يصير أى تبخيس لهم هو نفسه تبخيسا من شأن وقدر الدين نفسه ..
إذن ، المشكلة ليست فى الدين نفسه ، بل يمكن الزعم بأن الإشكالية لا تتعلق بالدين على الإطلاق ، بقدر ما تتعلق بالصراع الإجتماعى ، الثقافى (التاريخى) ، على الهيمنة على المجتمع ككل ..
ـــ لدينا فئة من الناس ، هم (رجال الدين) ، فقدوا مبررات وجودهم ، مما تراجعت معه سلطتهم على المجتمع ، أى أنهم - وبحكم تطور العلوم - كفوا عن أن يلعبوا دور المرجعية الوحيدة فى إدارة شئون المجتمع والفرد ، مما يعنى أيضا أن تطور العلوم والمجتمعات ، اقتطع كميات هائلة من الواقع الذى كانوا يملكونه ..
وبطبيعة الحال ، لن تقف تلك الفئة مكتوفة الأيدى ، ولن تكتفى بالفرجة على انحدارها التاريخى (من المركز إلى الهامش) ..
ما يفعله رجال الدين الآن ، بمختلف أشكالهم وتوجهاتهم ، هو أنهم يستندون إلى (المقدس) الذى بداخل الناس ، ويعملون بدأب على تفجيره ، هكذا - مع ملاحظة أن ما يضمن لهم استعادة وضعهم ومكتسباتهم التاريخية ومن ثم الهيمنة على (المركز : الإجتماعى ، السياسى ، الثقافى ...) ، هو إلغاء العلوم والمعارف (بدعوى أنها علمانية كافرة ووو ...) ..
وكى لا أطيل ، أقول : لقد حولوا الدين إلى معاد للعقل والمعرفة والعلم ، كما حولوا الدين إلى معاد للإنسان نفسه ، نعم ... لقد مسخونا بتفاهاتهم وأفنوا أعمارنا فى حروب لا طائل منها ، وفى النهاية (شوهوا المجتمع وشوهوا الدين نفسه) ، وكل هذا من أجل الدفاع عن حق دنيوى فى الهيمنة على عباد الله ..
ـــــــــ إن كنا ننشد الخلاص الحقيقى ، علينا بالتخلص من تلك الخردة وإعادتها إلى خرابات جزيرة العرب ..


تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...