علي سلامة
لهفة
انهمرَ دمعُها شلالاً، بلّلَ نخوتي، تسلّقتُه دمعةً دمعةً، بلغتُ الأوجَ، التهمني تمساح.
***
لهفة عنونة جميلة
مفردة نكرة تدل على الرغبة والتطلع والتّحسّر
(والهفتي) تعبير يقال على ما فات، واللهفة تعني الشوق والتلهف والتحرّق.
وهنا أخالها تنطوي تحت بند إغاثة الملهوف تحايثاً مع ثيمة النص وكنهه.
لهفة: قلنسوة نص برّاقة تُحفّز القارئ لغزوه ومعرفة سرّ هذه اللهفة.
وقد سرد لنا القاص أحداثها بنفَسٍ سريعٍ متتابعٍ ومشوّقٍ، ممّا دفع النص ولغتة إلى تشكيل ذاته فيشعر القارئ بأنه يتقافز بين الأحداث (لاهثاً) وراء معرفة الحدث النهائي من وراء هذه اللهفة!
ليصفع ذهن المتلقي بقفلة مباغتة وحاذقة.
= تبرز هنا الأفعال بمقابلاتها ونتائجها التي أحالنا إليها برشاقة
(انهمر / بلّل) (تسلقت/ بلغت/ التهمني)
هذه العملية التبادلية التحويلية في الأفعال وردودها تُحسب للكاتب وبذلك يعطى التبادل القصّي قيمة دلالية في العملية التحويلية في الأحداث المتراتبة تباعًا
ثمّ يصدمنا السارد عندما يحرّرنا من معنى ينطوي عليه الذهن إلى معنى مباغت يناقض عرف النخوة واللهفة وجزائها!
فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان!
ولا ننسَ أنّ ( دموع التمساح) هي الرمز الأكبر للدموع الكاذبة وقد برع الكاتب في توظيفها بقفلة النص توظيفاً فطناً أنَخْنا عند عتبته لهفتنا، أمّا عن المضمون الدلالي (دموع التماسيح)رغم تكراره في كثير من الأجناس الأدبية إلا أنه في هذا النص مبتَكَراً، تحايث مع جماليات إشغاله مستجيباً للتشابك الوظيفي والتفاعل بين النص والمتلقي.
فقُطب الكاتب الإبجابي،استطاع شحذ قطب المتلقي السلبي وجعله يتفاعل مع النص مما منح النص جاذبيةً أكثر ببناء جمالي عن طريق تتبّع مساره مُعالقاً الحدث بأفعاله وعنونته حتى قفلته.
تمتعت مفردات النص بالمرواغة اللغوية والتّوقية فنقّلنا السارد وثباً بين أحداثه السريعة.
نأتي إلى تفكيك النص
انهمر دمعها شلالاً / جملة استهلالية قوية وضعتنا في صلب الحدث المباشر.
انهمر بمعنى: سال بقوة شديدة وانصبّ سيلاً
أتت كلمة شلال لتُدلّل على شدّة انهمار دموعها ترى من هي تلك المرأة التي سال دمعها بقوة شلال ولماذا؟
ومن المعروف أنّ ما من سلاح فتَّاك تملكه المرأة (كدموعها) لكن من هي هذه المرأة
أمه، أخته، زوجته، حبيبته دولته؟
يبقى التساؤل مفتوحاً للتأويل دون جواب من السارد الحاذق.
بلل نخوتي/ ماذا ينتج بعد الانهمار غير ابتلال أديم الأرض التي ينهمر المطر عليها، لكن السارد هنا يستعير نخوته للبلل نيابةً عن الأرض إشارةً منه إلى امتلاء هذا الرجل بالمروءة والنخوة العربية التي دفعته لإغاثتها ودرء الحيف أو الأذى الذي لحق بها فجعلها تبكي بهذه الشدة
النخوة تعني/ العظمة والمروءة، وهي خلق إسلامي، يميّز المجتمعات الإسلامية عن غيرها من صفات العرب المتجذّرة في روح كل رجلٍ عربي أصيل، ومن مكارم الأخلاق، إذ يهبُّ فيها الكريم لنصرة الضعيف ودرء الظلم عنه، دون طلبٍ منه.
النخوة دأبها بثَّ المحبة، ونبذ العدواة، وترسيخ روح الثقة و التآلف بين الناس لحفظ الأعراض والشرف، مرهونةً بتولّي الأمور الجِسام، وهي صفة حميدة يختصّ بها الرجال دون النساء فنقول (رجل عنده نخوة) والرجال قليلُ
هنا تكمن المفارقة الجميلة التي وظّفها السارد بين دموع المرأة وهي سلاحها وبين نخوة رجال الشدائد وهذه ميزتهم.
وهذا يحسب للسارد.
وردت النخوة في القرآن الكريم في سورة القصص في حادثة سقيا النبي موسى عليه السلام لمواشي( فتاتَين) قدِمتا إلى سقاية الماء، فسقى لهما سيدنا موسى عليه السلام وأدلى بدلوه لدى الرجال، ولم يستمرئ أن تُعافر الفتاتين بين الرجال، أو أن تنظران حتى ينتهي الرجال من السقاية، بل هرع بملء نخوته ومروءته وساعدهما لبلوغ غايتهما.
قال الله تعالى(وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ* فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) القصص(23-24)
تسلّقته دمعةً دمعة / عبارة تنقلنا إلى مشهدية جميلة بفعلها الحركي فيأخذنا هذا التعبير المجازي إلى صعود شيء صعب المنال، وبذل غاية جهده لبلوغه.
فالتسلّق فعل شاق يحتاج لجهد عضلي وفكري لا يستطيع أي شخصٍ بذله!
بل هو مرهون بمن هو أهل لذلك وهنا نعود لصاحب النَّخوة الذي رهن كل جهده لانتشال تلك الباكية من حزنها.
تسلَّق الشيء ارتقاه، علاه وصعد عليه كمن يتسلّق الجبل صخرةً صخرة، وحجرةً حجرة لكن السارد هنا تسلّق شلال دمعها دمعةً دمعة والتَّكرار هنا يفيد التراتب الدمعي الغزير وبذل الجهد العظيم لإغاثتها.
بلغتُ الأوج/ أي وصل الذروة وبذل غاية جهده وأقصى سعيه ليتمكن من مساعدتها ورفع الأذى عنها وبذلك استطاع الوصول بعد جهد جهيد إلى أعلى درجةٍ وأرفعها، وأقصى نقطة في شلالها المنهمر..أي بلغ درجة معرفة سرّ و سبب بكائها.
التهمني تمساح/ التهم بمعنى ابتلع بخفّة وسرعة، وغالباً بدون مضغ، أي أكل بنَهمٍ وشراسة.
قفلة صادمة وذكية تتعارض مع متن النص وحبكته صفعت ذهن المتلقّي وكان قد مهّد السارد لجزاء إحسان بإحسان ولهفةٍ بامتنان
ليُباغتنا بإنكار المعروف و الصدِّ عن فضل الإحسان!!
اعتمد النص على التكثيف في لغة سرده وهو أهم ركن من أركان الققج فأتت عباراته بليغة موجزة ومنجزة معتمدًا على الأفعال الماضية من حيث الحيثية الزمانية ونقلنا إلى الحيثية المكانية عبر عبارة (بلغت الأوج) وهاتان الحيثيتان سقف القص وركنه.
عباراته سلسة، مفرادته جزلة وبليغة نأى بها عن الحشو السردي.
لهفة
انهمرَ دمعُها شلالاً، بلّلَ نخوتي، تسلّقتُه دمعةً دمعةً، بلغتُ الأوجَ، التهمني تمساح.
***
لهفة عنونة جميلة
مفردة نكرة تدل على الرغبة والتطلع والتّحسّر
(والهفتي) تعبير يقال على ما فات، واللهفة تعني الشوق والتلهف والتحرّق.
وهنا أخالها تنطوي تحت بند إغاثة الملهوف تحايثاً مع ثيمة النص وكنهه.
لهفة: قلنسوة نص برّاقة تُحفّز القارئ لغزوه ومعرفة سرّ هذه اللهفة.
وقد سرد لنا القاص أحداثها بنفَسٍ سريعٍ متتابعٍ ومشوّقٍ، ممّا دفع النص ولغتة إلى تشكيل ذاته فيشعر القارئ بأنه يتقافز بين الأحداث (لاهثاً) وراء معرفة الحدث النهائي من وراء هذه اللهفة!
ليصفع ذهن المتلقي بقفلة مباغتة وحاذقة.
= تبرز هنا الأفعال بمقابلاتها ونتائجها التي أحالنا إليها برشاقة
(انهمر / بلّل) (تسلقت/ بلغت/ التهمني)
هذه العملية التبادلية التحويلية في الأفعال وردودها تُحسب للكاتب وبذلك يعطى التبادل القصّي قيمة دلالية في العملية التحويلية في الأحداث المتراتبة تباعًا
ثمّ يصدمنا السارد عندما يحرّرنا من معنى ينطوي عليه الذهن إلى معنى مباغت يناقض عرف النخوة واللهفة وجزائها!
فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان!
ولا ننسَ أنّ ( دموع التمساح) هي الرمز الأكبر للدموع الكاذبة وقد برع الكاتب في توظيفها بقفلة النص توظيفاً فطناً أنَخْنا عند عتبته لهفتنا، أمّا عن المضمون الدلالي (دموع التماسيح)رغم تكراره في كثير من الأجناس الأدبية إلا أنه في هذا النص مبتَكَراً، تحايث مع جماليات إشغاله مستجيباً للتشابك الوظيفي والتفاعل بين النص والمتلقي.
فقُطب الكاتب الإبجابي،استطاع شحذ قطب المتلقي السلبي وجعله يتفاعل مع النص مما منح النص جاذبيةً أكثر ببناء جمالي عن طريق تتبّع مساره مُعالقاً الحدث بأفعاله وعنونته حتى قفلته.
تمتعت مفردات النص بالمرواغة اللغوية والتّوقية فنقّلنا السارد وثباً بين أحداثه السريعة.
نأتي إلى تفكيك النص
انهمر دمعها شلالاً / جملة استهلالية قوية وضعتنا في صلب الحدث المباشر.
انهمر بمعنى: سال بقوة شديدة وانصبّ سيلاً
أتت كلمة شلال لتُدلّل على شدّة انهمار دموعها ترى من هي تلك المرأة التي سال دمعها بقوة شلال ولماذا؟
ومن المعروف أنّ ما من سلاح فتَّاك تملكه المرأة (كدموعها) لكن من هي هذه المرأة
أمه، أخته، زوجته، حبيبته دولته؟
يبقى التساؤل مفتوحاً للتأويل دون جواب من السارد الحاذق.
بلل نخوتي/ ماذا ينتج بعد الانهمار غير ابتلال أديم الأرض التي ينهمر المطر عليها، لكن السارد هنا يستعير نخوته للبلل نيابةً عن الأرض إشارةً منه إلى امتلاء هذا الرجل بالمروءة والنخوة العربية التي دفعته لإغاثتها ودرء الحيف أو الأذى الذي لحق بها فجعلها تبكي بهذه الشدة
النخوة تعني/ العظمة والمروءة، وهي خلق إسلامي، يميّز المجتمعات الإسلامية عن غيرها من صفات العرب المتجذّرة في روح كل رجلٍ عربي أصيل، ومن مكارم الأخلاق، إذ يهبُّ فيها الكريم لنصرة الضعيف ودرء الظلم عنه، دون طلبٍ منه.
النخوة دأبها بثَّ المحبة، ونبذ العدواة، وترسيخ روح الثقة و التآلف بين الناس لحفظ الأعراض والشرف، مرهونةً بتولّي الأمور الجِسام، وهي صفة حميدة يختصّ بها الرجال دون النساء فنقول (رجل عنده نخوة) والرجال قليلُ
هنا تكمن المفارقة الجميلة التي وظّفها السارد بين دموع المرأة وهي سلاحها وبين نخوة رجال الشدائد وهذه ميزتهم.
وهذا يحسب للسارد.
وردت النخوة في القرآن الكريم في سورة القصص في حادثة سقيا النبي موسى عليه السلام لمواشي( فتاتَين) قدِمتا إلى سقاية الماء، فسقى لهما سيدنا موسى عليه السلام وأدلى بدلوه لدى الرجال، ولم يستمرئ أن تُعافر الفتاتين بين الرجال، أو أن تنظران حتى ينتهي الرجال من السقاية، بل هرع بملء نخوته ومروءته وساعدهما لبلوغ غايتهما.
قال الله تعالى(وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ* فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) القصص(23-24)
تسلّقته دمعةً دمعة / عبارة تنقلنا إلى مشهدية جميلة بفعلها الحركي فيأخذنا هذا التعبير المجازي إلى صعود شيء صعب المنال، وبذل غاية جهده لبلوغه.
فالتسلّق فعل شاق يحتاج لجهد عضلي وفكري لا يستطيع أي شخصٍ بذله!
بل هو مرهون بمن هو أهل لذلك وهنا نعود لصاحب النَّخوة الذي رهن كل جهده لانتشال تلك الباكية من حزنها.
تسلَّق الشيء ارتقاه، علاه وصعد عليه كمن يتسلّق الجبل صخرةً صخرة، وحجرةً حجرة لكن السارد هنا تسلّق شلال دمعها دمعةً دمعة والتَّكرار هنا يفيد التراتب الدمعي الغزير وبذل الجهد العظيم لإغاثتها.
بلغتُ الأوج/ أي وصل الذروة وبذل غاية جهده وأقصى سعيه ليتمكن من مساعدتها ورفع الأذى عنها وبذلك استطاع الوصول بعد جهد جهيد إلى أعلى درجةٍ وأرفعها، وأقصى نقطة في شلالها المنهمر..أي بلغ درجة معرفة سرّ و سبب بكائها.
التهمني تمساح/ التهم بمعنى ابتلع بخفّة وسرعة، وغالباً بدون مضغ، أي أكل بنَهمٍ وشراسة.
قفلة صادمة وذكية تتعارض مع متن النص وحبكته صفعت ذهن المتلقّي وكان قد مهّد السارد لجزاء إحسان بإحسان ولهفةٍ بامتنان
ليُباغتنا بإنكار المعروف و الصدِّ عن فضل الإحسان!!
اعتمد النص على التكثيف في لغة سرده وهو أهم ركن من أركان الققج فأتت عباراته بليغة موجزة ومنجزة معتمدًا على الأفعال الماضية من حيث الحيثية الزمانية ونقلنا إلى الحيثية المكانية عبر عبارة (بلغت الأوج) وهاتان الحيثيتان سقف القص وركنه.
عباراته سلسة، مفرادته جزلة وبليغة نأى بها عن الحشو السردي.