سهام ذهني - نار الصيف..

سيناريو ليالى الصيف الطويلة يبدأ بالسؤال المتكرر حول هل من الأفضل إغلاق النافذة واستخدام التكييف وقضاء الليل بأكمله مع الهواء الصناعى ، أم أن من الأفضل فتح النافذة والنوم فى الهواء الطبيعى . لكن فى الحال فإن الاحتجاج الذى يعقب السؤال السابق هو التساؤل : أين ذهب الهواء ، وكيف صار الأوكسجين قليلا إلى هذا الحد ، وكيف أصبحت الرطوبة عالية إلى تلك الدرجة التى تجعل الإنسان يشعر بالاختناق . مع ذلك فكثيرا ما تداهم الراغب فى النوم إغفاءة قبل أن يحسم مسألة إغلاق النافذة واستخدام التكييف ، وإن شئنا الدقة فلا بد من الإشارة إلى أن هذا الذى يداهمه عادة هو ليس "إغفاءة" ، إنما هو حالة أقرب إلى الإغماء والغياب عن الوعى .
ثم تأتى اليقظة بشعور يشبه محاولة إزاحة شئ جاثم فوق الصدر ، دون أن يحدد الذى استيقظ هل هذا الشئ هو الرطوبة وصهد الجو فقط ، أم هو صهد يضخه الصدر من ضجر الأحزان التى تفور مع صهد الجو .
وبنظرة خاطفة إلى الساعة يكتشف الذى استيقظ أنه قد نام مدة قصيرة جدا ، وأن الليل مازال بأكمله . فيأتى القرار باستخدام التكييف الذى يسبقه إضاءة نور الغرفة فيجد المستيقظ نفسه كأنه مرسوم على الفراش من شدة العرق . وقبل أن يفكر فى الخوف من الإصابة بنزلة برد يكون قد ضغط على مفتاح تشغيل التكييف ، وإذا بالروح كأنها تعود ، وينسدل الجفنان فى استكانة الباحث عن "راحة" أو "واحة" ، فلا قيمة لفراش ناعم وغرفة متسعة وإضاءة خلابة بلا هواء .
إنما لماذا الاستيقاظ سريعا مرة أخرى ، آه ، لأن الهواء ليس هواء ، إنما هو تكييف . لذلك فإن لحظة الاستيقاظ فى هذه الحالة لا تتم بفتح العين على مشهد ، ولكن بفتح العين على صوت ، هو صوت جهاز التكييف الرابض فى الجدار القريب من الفراش وقد بدا الصوت المنبعث منه كفحيح ثعبان يخرج لك لسانه بأن تكبيله فى الجدار لا يمنعه من إطلاق سمومه ضدك . فصحيح أنه يبعث بهواء يلطف جو الغرفة ، إنما "الزن" الرتيب المتصل المنبعث منه طوال الليل قادر على تحويل لحظة اليقظة من لحظة انجلاء لراحة العقل والجسم ، إلى لحظة اكتشاف أن الجسم ليس مرتاحا ، بل كل جزء فى الجسم كأنه مكسور ، واكتشاف أن الذهن أيضا لم يحصل على الراحة المطلوبة . فرتابة الصوت المتكرر تظل "تور" بصورة متصلة ومتتابعة مما يجعل المستيقظ يشعر بصداع لا يتأكد ما إذا كان مصدره هذا الصوت فى حد ذاته ، أم أن مصدره هو ما يبعثه الصوت من شعور برتابة أشياء أخرى كثيرة فى الحياة تجعل شريط مشاهد الأيام يدور ، فتطل من خلاله محاسبة النفس واشتياق لذكريات الحماس الذى كان يظلله الوضوح والاطمئنان .
وما دامت العين قد استيقظت على صوت الرتابة الشبيهة بالفحيح الملضوم فى فحيح ، فإن القرار لا بد أن يكون بالتخلص من ذلك الصوت ، فتمتد اليد وتضغط على مفتاح إيقاف التشغيل ، وإذا بصوت ينبعث من التكييف شبيه بالصوت الذى يحدثه نقل إناء شديد السخونة إلى منضدة مبللة بالمياه .
ويتبين المستيقظ أنه قد استيقظ وما زالت لديه الرغبة فى أن ينام ، لأنه بالفعل لم يشبع من النوم ، وبنظرة سريعة إلى المرآة يجد المستيقظ أن هيئته تدل على استيقاظ الخنوع وليس استيقاظ الارتياح . والسبب أن الجسد عندما نام كان النوم قد غلبه ، ثم إن الجسد عندما قام فقد قام لأن الروح تطلب مطلبها اليومى فى العودة إلى الحياة . فسبحان المعين للروح على التحليق فوق ذل احتياجها لراحة الجسد . ذلك الجسد الساكت فى حالة تقدم العمر على أوجاعه ، الساخط على سكوته ، المفتقد لأيام الهناء ، الباحث عن المرفأ .
وكيف الوصول إلى المرفأ إذا كانت الروح عاشقة لأوهام من نوعية أن المثاليات من الممكن أن تتمشى فوق الأرض . وأن الصح من الواجب أن يصح ، وأن الحق هو الأحق بأن يسود .
ومن قال أن هذه الروح ليست فى حاجة إلى أن ترتاح . ولا راحة لها سوى بفضل من واهبها . فسبحان الذى يملك أن يمنح الروح استيقاظا هنيا وسلامة وسكينة ، والذى يملك أن يستردها ، والذى لا يعلم غيره سرها ، والذى يمنحنا بعد صهد الصيف "طراوة" ، ثم ينثر فى سماء الخريف سحابا يعوق عنفوان الشمس ، إلى أن يصبح سحابا كثيفا ، فتهطل الأمطار ويتغير جو الدنيا فى الليل والنهار . فهذه هى الحياة . فصول مهما تطل فلا بد أن تتبعها فصول وليل مهما يطل فلا بد أن يهل من بعده نهار.



[HEADING=2] Bei Facebook anmelden [/HEADING]
Melde dich bei Facebook an, um dich mit deinen Freunden, deiner Familie und Personen, die du kennst, zu verbinden und Inhalte zu teilen.
www.facebook.com

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...