ديوان الغائبين إديث سوديرجران Edith Södergran - فنلندا - 1892ـ 1923



ولدت إديث سوديرجران Edith Irene Södergran في مدينة بيترسبورغ الروسية، وفيها بدأت حياتها الدراسية في مدرسة ألمانية، وتأثرت بتيارات الشعراء الروس آنذاك، وفي المقدمة منهم ماياكوفسكي.. وكما داهمها الإلهام الشعري مبكراً، حيث صدر لها أول ديوان شعري، وهي في العشرينات من عمرها بعنوان "أشعار"، كذلك تسلل إليها مرض السل مبكراً، حيث قضت أربع سنوات في مصحة سويسرية، لكن، المرض الذي تسلل إلى قصبات هوائها وروحها، جعل قصبات يديها الرهيفتين تنزف شعراً على ورق نبيل، في تحد لايكل، إلى جانب تحديها لقساوة النقاد، الذين أبدوا عدم الإكتراث لبواكير أشعارها، لكنها أخذت تحفر في ذاتها الشعري عميقاً، كلما أوغل السل إيغالاً في جسدها الطيب، هذا المرض الذي نقلها إلى العالم الآخر وهي في عز شبابها، حيث توفيت وهي في الحادي والثلاثين من عمرها، وفي هذه المسيرة الموجزة من عمرها الشعري، استطاعت أن تضع لبنة من لبنات الحداثة في الشعر الإسكندنافي. كل التقلبات القاسية والعنيفة التي رافقت مسيرة حياتها، إنعكس بشكل مباشر على أجواء قصائدها، بين التفاؤل، والتشاؤم، بين السودواية، والعبث، وبين الأمل والتشبث بالخلاص، ومناجاة الملائكة ـ على مذبح الوردة.
قصائدها المترجمة هذه عن اللغة السويدية، تم اختيارها من أعمالها الشعرية تحت عنوان"الحب والعزلة"

أنشودة القبور الثلاثة

كانت تنشدُ في الفناء الندي، ساعة الغروب:
أينعت شُجيرات وردية فوق ثلاثة قبور هذا الصيف.
في القبر الأول يرقُدُ رجلٌ
ينامُ عميقاً...
وفي الثاني، ترقُدُ امرأةٌ بملامحَ حزينة.
تمسكُ وردة؛
أما القبر الثالث، فهو لشبحٍ حزين.
هناك يجلسُ ملاكٌ كئيبٌ، منشداً،
لاغفران للخطيئة.

هامْلِتْ

ما الذي يتمناهُ قلبي الفاني؛ قلبي الفاني هادئ،
قلبي الفاني لا يتمنى شيئاً؟.
هنا تتمدُّد الأرضُ برمتها. أنتَ تدور بعيداً، ترتعد
عصا ساحر مسَّت هذه الأرض، فأضحتْ رماداً.
وهناك، حيثُ أجلسُ فوق الخراب،
أعرفُ أنّكَ آتٍ، في لحظةٍ ما،
أعرفُ أنّكّ تنتظرُ خلفَ بابٍ مُغلّق،
وأنا بقربكَ، ويمكنكَ أن تُناولني يدك.
لا خيارَ لديَّ،
يا صدقُ، أتبعُكَ ولو ذهبت إلى أرض الضباب.
يا صدقُ، ياصدقُ، أتُقيم في قاعة الموتى، بين الأفاعي والرماد؟
يا صدقُ، أتُقيمُ هناك، حيث كل ما أبغض؟
يا صدقُ، هلْ تضيء دربك قناديلُ الأسى؟.

اكتِشاف

حُبُّكَ يحجُبُ نجمَتي
وفي حياتي يبزغُ القمر.
يدي في يدك لا تستكين.
يدُكَ في تلهُّفٍ،
ويدي في اشتياق.

خريف

الأشجارُ العاريةُ حول بيتكَ، تنتصِبُ
طليقةً، بلا نهاية، بين الريح والسماء،
الأشجارُ العارية على الشاطئ، تتدلى
وتنعكِسُ على الماء.
ثمّةَ طِفلٌ يلهو، في ضباب الخريف الرمادي
وفتاةٌ تتمشى، في يدها الأزهار،
وعند الأُفُق،
تتحلّقُ طيورٌ فضّية بيضاء.

القمر

كمْ مُدهِشٌ، لا يوصَف، كل ما هو ميّـت:
ورقُ الشجر الميت، والإنسانُ الميت
وقرصُ القمر.
والأزهارُ جميعها، تعرف السر
والغابةُ تكتمه،
ودوران القمر حول أرضنا،
هو مسار الموت
والقمر يحوكُ نسيجه المدهش،
الذي تعشقهُ الأزهار.
والقمرُ ينسجُ شِباكَ أخيلتهِ
حول كل من يحيا.
ومنجل القمر يُطِيحُ بأزهارنا
في أواخر ليالي الخريف،
وكلّ الزهور تنتظر قُبلة القمر
بشوقٍ لانهائي.

ربيعٌ شمَاليّ

كُلُّ آمالي تَبدَّدتْ كما يتبدّدُ الثّلج،
كُلُّ أحلامي انسابت، كانسياب الماء
وكُلُّ ما أحببتُ، قد بقيَ ليْ،
سماءٌ زرقاء، وبضعَ نجومٍ واهِنة.
الريحُ تتحرك بهدوء بين الأشجار
الخَواءُ يستكينُ. المياهُ هادِئة.
الشجرةُ العتيقةُ تنتصِبُ يقظى وتتأمَّلْ
الغيمةَ البيضاءَ التي قَبّلها في الحُلُمِ.

مِرآةُ البئر

قالَ القَدَرُ: بيضاءَ ستعيشين، أو حمراءَ ستموتين!
لكِنَّ قلبي، قرّر: حمراء، سأعيش.
أعيشُ الآنَ في بلدٍ، كلّ شئ فيه مُلكُكَ،
الموتُ لايخطو أبداً هذه المملكة
طيلة النهار أجلسُ، وذراعي ترتخي فوقَ رخام البئر،
وحينما أُسألْ، إن كانت السعادة هنا،
أهزُّ برأسي وأبتسم:
السعادةُ بعيدةٌ، فتاةٌ تجلسُ وتدرزُ لحافَ طفلٍ هناك،
السعادةُ بعيدةٌ، فتى يسيرُ في الغابة كي يبني له كوخٌ هناك.
هنا تُزهِرُ وردة حمراء حول آبار لايسبر غورها
هنا الأيام البديعة تعكس معالمها الباسمة
والأزهار الهائلة تفقدُ أحلى أوراقها...

العروس

ضيُّقٌ مداري وحلقة أفكاري
تدورُ حول إصبعي.
ثمّةَ شيءٌ متّقِدٌّ في عمق كل الأشياء الغريبة من حولي،
مثل الأريج الواهن في السوسن.
ألف تفاحة تتدلى في بستان أبي،
مستديرةٌ وناضجةٌ في ذاتها،
وحياتي الغامضة غدَت أيضاً،
مُشكّلة ومُدوّرة، وممتلئة، ومستوية، وسهلة.
مداري ضيُّقٌ، وحلقة أفكاري
نحو جميع الرياح الأربع
ما من طائرٍ ضالٍ يحطُّ في زاوية ملاذي،
ما من سنونو أسود يجلب الأشتياق،
ما من نورسٍِ أبيض يُنذر بالعاصفة...
في ظل الصخور، يقف طيشي حذرا،
مستعداً للفرار عند أقل إشارة ودنو وقع خطى.
ناءٍ، وصامت هو، عالمي البهيج.
لي بوّابة جهة الرياح الأربع.
لي بوابة ذهبية جهة الشرق، لعشق لن يجئ،
لي بوابة على النهار، وأخرى على الحزن،
ولي بوابة على الموت، مشرعة هي دوماً.

الفجر الباكر

بعض من النجوم المتبقية، تخفتُ.
إني أراها عبر نافذتي. السماءُ شاحبة،
المرء بالكاد يلمح النهار يبزغ عن بعد.
السكونُ يسُودُ ويغطي البحيرة،
والهمس يكمن بين الشجر.
تنصتُ حديقتي العتيقة شبه غافية
لأنفاس الليل التي تهفهف عبر الطريق.

رغبة

من كل عالمنا المشمس
أتمنى فقط مقعد في حديقة
هناك حيث قطة تتشمس،
هناك كنتُ سأجلس
مع رسالة في صدري،
رسالة قصيرة فريدة.
هكذا يبدو لي حلمي....

روحي

لا يمكنُ لروحي أن تبوح أو تُميّزَ الحقائق،
يمكنها فقط أن تبكي وتضحك وتلوي يديها،
لا يمكن لروحي أن تتذكر وتُفنّد
لا يمكن لروحي أن تتأمل وتحسم.
حينما كنت طفلة رأيتُ البحر: كان أزرق،
وفي صباي صادفتُ وردة: حمراء كانت.
والآن يجلس بقربي أحد الغرباء: إنّه بلا لون،
لكني لستُ أشدَّ خوفاً منه، من خوف العذراء من التنين.
حمراء وبيضاء، كانت هي العذراء، عندما أقبلَ الفارس،
لكن، لدي سحنات داكنة تحت عيني.

أسود أو أبيض

الأنهارُ تجري تحت الجسور،
الأزهارُ تُورِقُ على الطرُقات،
حفيف الغابات يفترشُ الأرضَ.
ليس ثمّة ما هو أعلى أو أدنى بالنسبة لي،
أسود أو أبيض،
منذُ رأيت إمرأة بفستانها الأبيض
بين أحضان حبيبي.

في الغابات الفسيحة

في الغابات الفسيحة، مشيتُ طويلاً شاردة،
أبحثُ عن حكاياتٍ سمِعْتُها في طفولتي.
عبر الجبال الشاهقة، مشيت طويلاً شاردة،
أبحثُ عن قصور الأحلام، التي شيدها شبابي.
في حديقة حبيبي، لم أمضِ شاردة.
كان هناك الوقواق المرحُ، أشواقي تاقت إليه.

بحيرة الغابة

كنتُ لوحدي على الشاطئ المشمس
لبحيرة الغابة الشاحبة الزرقة،
هامت في السماء سحابة وحيدة،
وفي الماء جزيرة وحيدة،
وحلاوة الصيف الناضج تقطرُ
كاللآلئ من كل شجرة
وفي قلبي المشرع
كانت تنز قطرةٌ مرهفةٌ.

* ترجمة وليد هرمز

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...