إنما أحب أن تكون قراءتي كمتذوق، يحب أن يرتوي من شلالات الإبداع القصصي ومن خلال ما قرأت وليس ما فهمت لأن فهم النص يكمن في عدمه .
كما يقول إيكو "إن القارئ الحقيقي هو الذي يفهم أن سر النص يكمن في عدمه."
فالنص اتسم بسعة الأفق وهذا ما يميّزه .
فالقاص قد وضع مقياسا للنص المتسم باستعمال اللغة استعمالاً خاصاً، حيث كل كلمة في القصة تكتنز الكثير من المعاني عند تحليلها وإعادة تركيبها وسنبرهن على بعض الدلالات في النص .
الكاتبة تمتلك قدرة عالية جداً في التلاعب بالألفاظ والوصف الدقيق، وتحريك هذه الألفاظ في ضوء ما تتطلبه رسم القصة بقلم مشهدي متحرك من السكون من خلال حوارات ، هذه إحدى النقاط الفارقة في القصة التي تسعى الكاتبة بما أوتيت إلى إيصال الفكرة وعمقها إلى المتلقي.
وبطريقة ذكية تجعله شريكاً أساسياً في الوصول الى المعاني المطلوبة ثم تحمله مسئولية الأحداث في عنوان القصة "اقتراف الصم "فاكتشاف معنى المعنى لا يتأتى إلا من خلال خلفية معرفية قد نسميها الأرض الخصبة للمتلقي ..وكأنها تقول شيئا، و ترمي إلى أشياء وتريد شيئا وحيدا في القصة وهو جريمة الصمت بهذه التهمة التي كانت في سبب ضياع الأوطان وبذلك تمنح مساحة للاستقبال وتسعى إلى البحث وتوطيد علاقتها بالقارئ من أجل الارتقاء بإبداعاتها وهذا من حق أي كاتب.
تبدو فكرة النص بسيطة لكنها أعمق في تصوري كمتلقي بنظرة ثاقبة ومتأنية استعملت الكاتبة أدهى أمور التشويش في التقديم والتأخير لبعض الجمل لخلخلة الفكرة في ذهن المتلقي وبعثها من جديد بما يراه القارئ وعلى سبيل المثال لا الحصر " عادت بطرفها إلى الشاشة مصعوقة بحماس الضيف وعلو صوته وهو يؤكد على ضرورة مكافحة الفساد " ثم قالت في جملة لاحقة " أريد أن أسأل ضيفك ...بيع رسالة الدكتوراه لابنة مسؤول تحت أي بند من الفساد يصنفه"
وهنا يكمن ذكاء الكاتبة لهذه المفارقة العجيبة التي تحمل الكثير ...
تحمل – فساد الأخلاق
- الفساد الثقافي
- الفساد السياسي
- الفساد المالي
وهنا تريد الكاتبة أن تقنع القارئ بالإيحاء وليس بالنصح والتقرير كيلا تخرج من قواعد النص الأدبي وتدفع بالقصة إلى ذروتها وبالمتلقي للإجابة عما يدور بمخيلته أن بداية المآسي تبدأ من فساد القيم وبعبارة صريحة الفساد الأخلاقي هو أم الخبائث.
و باقتباس أدق " من يصلح الملح، إذا الملح فسد" حيث تباع فيها شهادات الدكتوراه.
هنا تكمن المفارقة أيضا من حدث بسيط جدا واقتدار مكين للكاتبة في التسريع و التنامي من خلال الأحداث لتصل في النهاية ذروة القصة ببناء هندسي عجيب نوعا ما مع تداخل بعض الأحداث مما تتطلب التركيز للوصل إلى المقصدية التي ترمي إليها القصة .
يقول أومبرتو إيكو:
"إن الأغبياء هم الذين ينهون التأويل قائلين : لقد فهمنا. "
لذلك قراءة النص ليس كفهمه، فنحن نظرتنا تكون داخل فضاء النص وهذا الأخير فضاءه واسع القراءة والتأويل .
يقول أحد المفكرين : "إن العقل الذي لا يتناقض هو العقل الذي قد مات "وكأن الوجود يحيا على التناقضات فالله خلق الليل وأعقبه النهار.
قراءة جد بسيطة للقصة، لأن النص هو الذي يكتبنا فنحن نقرأ النصوص وليس الشخوص.
تحية تقدير واحترام للقاصة على هذا الإبداع متمنيا لها كل التوفيق في مسارها الأدبي .
--------------------------------
القصة القصيرة
صديقة علي _ اللاذقية/ سوريا
اقتراف الصمت
تمضغ لقيمات الخبز، الممسوحة باللبنة ببطء شديد، مذهولة بما يقوله الضيف في برنامج مباشر..تتبع اللقمة بحبة زيتون،تنزع النواة بأسنانها، تحتفظ بها في قبضتها، بينما الضيف بكل مهارة وفصاحة يصنف الفساد بين إداري وثقافي ومالي و..و ..ويشير إلى مواطن الخلل، التي أودت بالبلد إلى الهاوية، على حد تعبيره . تتابع كرجل آلي طعامها، و تتمعن بملامح قناعه الجديد، تنقل نظرها بين شاشة التلفاز وحامل لوحة منتصبة الى جانبه وهاتف مغبر ...ترمق لوحتها الناقصة المهملة ... خضراء لكنها مليئة بالأفواه والأقفال ..فجأة شعرت بالذنب لانشغالها عنها ...عادت بطرفها إلى الشاشة مصعوقة بحماس الضيف وعلو صوته وهو يؤكد على ضرورة مكافحة الفساد ....تنتفض واقفة ثم تتراجع ..إلى طعامها... تحجز نواة الزيتون بين إبهامها وظفر الوسطى و (تنقفها) إلى الشاشة..تعيد الكرة أكثر من مرة ليصبح وجه الضيف هو الهدف ترتد النوى من رأسه وتتساقط على سجادة كان قد فرشها بيديه ...قبل عدة أشهر لم تره خلالها ..بدا أصغر من عمره بعشر سنوات على الأقل ..فائق الأناقة ..لاحظت ببنصره المحبوس خاتما ذهبيا تتوسطه حجرة لا تعرف ماهي لكنها تبدو كالياقوت ...ساعة يد تحيط رسغه تبدو فاخرة ...تسريحة شعره المصبوغ بالأسود بلمعانه مع مثبت الشعر جعله كنجوم السينما .. .. ركلت حامل اللوحة الذي أهتز وعاد الى توازنه اتجهت الى الهاتف .. ...تتصل بالبرنامج المباشر
بصوت واثق وبنظرة متشفية و مركزة على وجهه الذي ملأ الشاشة :
ـ أريد أن أسأل ضيفك ...بيع رسالة الدكتوراه لابنة مسؤول تحت أي بند من الفساد يصنفه .....
يرتبك المذيع
ـ..ألو ...ألو قطع الاتصال ..
تعود الى أريكتها وتتمتم ..قطع الاتصال يا أولاد الكلب ...وتتابع عشاءها بتوتر و بنهم ...
..يحاول أن يبدو هادئا، لكنها وحدها تعرف رفة جفنيه ، إذ يتوترو يقلق ...تسمع نبضه حين يغضب وحدها تعرف ...الذل الذي شعر به وهو يحطم كل معاييره ..ويمسد شاربيه بأصابع ترتجف ..عادت تقذفه بنوى الزيتون
قال لها يوما ...حقنا بهذا البلد ان( نقب) على وجه الدنيا ...فرأته في القاع ...يتمرغ بمنصبه تاركا أياها تلوك وحدتها تواجه الخوف والإشاعات والحرب ...كل القذائف المتساقطة على حارتها لم تأت به إليها، لكن هذه المرة قذيفتها ستزلزله، لسوف يأتي وتواجهه .
تنظر الى ساعة الحائط، كانت تشير الى التاسعة والنصف،أخذت تراقب الباب ...قدرت المسافة بين بيتها ومبنى الإذاعة والتلفزيون، لا يحتاج لأكثر من نصف ساعة كي يصل ،اذاسيحضر الساعة العاشرة ...صدق توقعاتها القرع الشديد على الباب
...دلف مسرعا مغلقا الباب خلفه،عيناه تقدحان شررا، قبضته تهتز أمام وجهها . برباطة جأش منتصرة ،صوبت نظرها إليه، متحدية هيجانه، تقف أمامه بقامتها الطويلة، على أرض صلبة تميد تحت قدميه، .مضت دقائق وهو يضغط على شفته السفلى، يكاد يغرز أسنانه فيها، تكسرت بعض أمواج غضبه على شاطئ وجهها الهادئ،سرعان ما استعادها طاردا ضعفه المعهود تجاهها ...
ـ لا أصدق بان العاقلة الحكيمة يمكن أن تفعل هذا بي ...كيف تتواقحين ..وتشهري ب.....
تضع سبابتها على شفتيها ....
ـ هس مثلك لا يتكلم عن الوقاحة، مدت ذراعها الأيسر فاتحة كفها على مداه تشير الى التلفاز،
ـ الوقاحة ليس كل مافعلته بي بل ما كنت تنافقه هنا على المحطة التي أصبحت تحت أمرك بعد أن أصبحت زوج الست ابنة الوزير
رد بصفعة على خدها أفقدتها توازنها، لتترنح أمامه محتضنة فكها بكفها تجحظ عيناها غير مصدقة وهي تجاوزت الخمسين من عمرها لم يسبق أن ذاق خدها صفعة من أحد ،سرعان ما تلقفها من كتفيها بكفيه ليحول دون سقوطها ..وقع نظره على نوى الزيتون المتناثرة ،قدر الغضب الذي جعلها ترميه بسهامها،وعاد إلى حبات الدمع المنهمرة على خدها ،المتجمعة على أناملها، بدأ يتصبب عرقا ...كطفل مذنب
.. بصوت نادم، لائم، غاضب، قال :
ـ يامجنونة ...هل تعلمين...خطورة الجبهات التي فتحتها عليك ...
تنظر إليه باحتقار ...قالت في خلدها صرت تقول عليكِ....؟وأين علينا ؟
تبصق بوجهه ...
تفو عليك ... من يحق له أن يصفعني؟ ...أغرب عن وجهي وسترى أهمية جبهاتك عندي
...أفلتت من يديه وصرخت به اخرج من هنا .
..صفقت الباب وراءه ،ثم احتبت خلفه ،لا متكأ لرأسها سوى ركبتيها، بكت بصمت. وبممر ضيق دخلت بنوم عميق ...قطعه صباحا رنين الهاتف، كانت زميلتها بالعمل تتلو عليها قرار الوزير بفصلها من العمل بناء على اقتراح مقدم من الرقابة معتمدا على شهادات زميلاتها وزملائها بسوء أمانتها....
شربت قهوتها بطعم الهزيمة،ونفثت سيجارتها المسمومة بالخذلان ...وأخذت تشطب بريشة سوداء لوحتها المهملة المعنونة باقتراف الصمت..... .
صديقة علي اللاذقية11/2019
_ بقلم رحو شرقي معسكر / الجزائر
كما يقول إيكو "إن القارئ الحقيقي هو الذي يفهم أن سر النص يكمن في عدمه."
فالنص اتسم بسعة الأفق وهذا ما يميّزه .
فالقاص قد وضع مقياسا للنص المتسم باستعمال اللغة استعمالاً خاصاً، حيث كل كلمة في القصة تكتنز الكثير من المعاني عند تحليلها وإعادة تركيبها وسنبرهن على بعض الدلالات في النص .
الكاتبة تمتلك قدرة عالية جداً في التلاعب بالألفاظ والوصف الدقيق، وتحريك هذه الألفاظ في ضوء ما تتطلبه رسم القصة بقلم مشهدي متحرك من السكون من خلال حوارات ، هذه إحدى النقاط الفارقة في القصة التي تسعى الكاتبة بما أوتيت إلى إيصال الفكرة وعمقها إلى المتلقي.
وبطريقة ذكية تجعله شريكاً أساسياً في الوصول الى المعاني المطلوبة ثم تحمله مسئولية الأحداث في عنوان القصة "اقتراف الصم "فاكتشاف معنى المعنى لا يتأتى إلا من خلال خلفية معرفية قد نسميها الأرض الخصبة للمتلقي ..وكأنها تقول شيئا، و ترمي إلى أشياء وتريد شيئا وحيدا في القصة وهو جريمة الصمت بهذه التهمة التي كانت في سبب ضياع الأوطان وبذلك تمنح مساحة للاستقبال وتسعى إلى البحث وتوطيد علاقتها بالقارئ من أجل الارتقاء بإبداعاتها وهذا من حق أي كاتب.
تبدو فكرة النص بسيطة لكنها أعمق في تصوري كمتلقي بنظرة ثاقبة ومتأنية استعملت الكاتبة أدهى أمور التشويش في التقديم والتأخير لبعض الجمل لخلخلة الفكرة في ذهن المتلقي وبعثها من جديد بما يراه القارئ وعلى سبيل المثال لا الحصر " عادت بطرفها إلى الشاشة مصعوقة بحماس الضيف وعلو صوته وهو يؤكد على ضرورة مكافحة الفساد " ثم قالت في جملة لاحقة " أريد أن أسأل ضيفك ...بيع رسالة الدكتوراه لابنة مسؤول تحت أي بند من الفساد يصنفه"
وهنا يكمن ذكاء الكاتبة لهذه المفارقة العجيبة التي تحمل الكثير ...
تحمل – فساد الأخلاق
- الفساد الثقافي
- الفساد السياسي
- الفساد المالي
وهنا تريد الكاتبة أن تقنع القارئ بالإيحاء وليس بالنصح والتقرير كيلا تخرج من قواعد النص الأدبي وتدفع بالقصة إلى ذروتها وبالمتلقي للإجابة عما يدور بمخيلته أن بداية المآسي تبدأ من فساد القيم وبعبارة صريحة الفساد الأخلاقي هو أم الخبائث.
و باقتباس أدق " من يصلح الملح، إذا الملح فسد" حيث تباع فيها شهادات الدكتوراه.
هنا تكمن المفارقة أيضا من حدث بسيط جدا واقتدار مكين للكاتبة في التسريع و التنامي من خلال الأحداث لتصل في النهاية ذروة القصة ببناء هندسي عجيب نوعا ما مع تداخل بعض الأحداث مما تتطلب التركيز للوصل إلى المقصدية التي ترمي إليها القصة .
يقول أومبرتو إيكو:
"إن الأغبياء هم الذين ينهون التأويل قائلين : لقد فهمنا. "
لذلك قراءة النص ليس كفهمه، فنحن نظرتنا تكون داخل فضاء النص وهذا الأخير فضاءه واسع القراءة والتأويل .
يقول أحد المفكرين : "إن العقل الذي لا يتناقض هو العقل الذي قد مات "وكأن الوجود يحيا على التناقضات فالله خلق الليل وأعقبه النهار.
قراءة جد بسيطة للقصة، لأن النص هو الذي يكتبنا فنحن نقرأ النصوص وليس الشخوص.
تحية تقدير واحترام للقاصة على هذا الإبداع متمنيا لها كل التوفيق في مسارها الأدبي .
--------------------------------
القصة القصيرة
صديقة علي _ اللاذقية/ سوريا
اقتراف الصمت
تمضغ لقيمات الخبز، الممسوحة باللبنة ببطء شديد، مذهولة بما يقوله الضيف في برنامج مباشر..تتبع اللقمة بحبة زيتون،تنزع النواة بأسنانها، تحتفظ بها في قبضتها، بينما الضيف بكل مهارة وفصاحة يصنف الفساد بين إداري وثقافي ومالي و..و ..ويشير إلى مواطن الخلل، التي أودت بالبلد إلى الهاوية، على حد تعبيره . تتابع كرجل آلي طعامها، و تتمعن بملامح قناعه الجديد، تنقل نظرها بين شاشة التلفاز وحامل لوحة منتصبة الى جانبه وهاتف مغبر ...ترمق لوحتها الناقصة المهملة ... خضراء لكنها مليئة بالأفواه والأقفال ..فجأة شعرت بالذنب لانشغالها عنها ...عادت بطرفها إلى الشاشة مصعوقة بحماس الضيف وعلو صوته وهو يؤكد على ضرورة مكافحة الفساد ....تنتفض واقفة ثم تتراجع ..إلى طعامها... تحجز نواة الزيتون بين إبهامها وظفر الوسطى و (تنقفها) إلى الشاشة..تعيد الكرة أكثر من مرة ليصبح وجه الضيف هو الهدف ترتد النوى من رأسه وتتساقط على سجادة كان قد فرشها بيديه ...قبل عدة أشهر لم تره خلالها ..بدا أصغر من عمره بعشر سنوات على الأقل ..فائق الأناقة ..لاحظت ببنصره المحبوس خاتما ذهبيا تتوسطه حجرة لا تعرف ماهي لكنها تبدو كالياقوت ...ساعة يد تحيط رسغه تبدو فاخرة ...تسريحة شعره المصبوغ بالأسود بلمعانه مع مثبت الشعر جعله كنجوم السينما .. .. ركلت حامل اللوحة الذي أهتز وعاد الى توازنه اتجهت الى الهاتف .. ...تتصل بالبرنامج المباشر
بصوت واثق وبنظرة متشفية و مركزة على وجهه الذي ملأ الشاشة :
ـ أريد أن أسأل ضيفك ...بيع رسالة الدكتوراه لابنة مسؤول تحت أي بند من الفساد يصنفه .....
يرتبك المذيع
ـ..ألو ...ألو قطع الاتصال ..
تعود الى أريكتها وتتمتم ..قطع الاتصال يا أولاد الكلب ...وتتابع عشاءها بتوتر و بنهم ...
..يحاول أن يبدو هادئا، لكنها وحدها تعرف رفة جفنيه ، إذ يتوترو يقلق ...تسمع نبضه حين يغضب وحدها تعرف ...الذل الذي شعر به وهو يحطم كل معاييره ..ويمسد شاربيه بأصابع ترتجف ..عادت تقذفه بنوى الزيتون
قال لها يوما ...حقنا بهذا البلد ان( نقب) على وجه الدنيا ...فرأته في القاع ...يتمرغ بمنصبه تاركا أياها تلوك وحدتها تواجه الخوف والإشاعات والحرب ...كل القذائف المتساقطة على حارتها لم تأت به إليها، لكن هذه المرة قذيفتها ستزلزله، لسوف يأتي وتواجهه .
تنظر الى ساعة الحائط، كانت تشير الى التاسعة والنصف،أخذت تراقب الباب ...قدرت المسافة بين بيتها ومبنى الإذاعة والتلفزيون، لا يحتاج لأكثر من نصف ساعة كي يصل ،اذاسيحضر الساعة العاشرة ...صدق توقعاتها القرع الشديد على الباب
...دلف مسرعا مغلقا الباب خلفه،عيناه تقدحان شررا، قبضته تهتز أمام وجهها . برباطة جأش منتصرة ،صوبت نظرها إليه، متحدية هيجانه، تقف أمامه بقامتها الطويلة، على أرض صلبة تميد تحت قدميه، .مضت دقائق وهو يضغط على شفته السفلى، يكاد يغرز أسنانه فيها، تكسرت بعض أمواج غضبه على شاطئ وجهها الهادئ،سرعان ما استعادها طاردا ضعفه المعهود تجاهها ...
ـ لا أصدق بان العاقلة الحكيمة يمكن أن تفعل هذا بي ...كيف تتواقحين ..وتشهري ب.....
تضع سبابتها على شفتيها ....
ـ هس مثلك لا يتكلم عن الوقاحة، مدت ذراعها الأيسر فاتحة كفها على مداه تشير الى التلفاز،
ـ الوقاحة ليس كل مافعلته بي بل ما كنت تنافقه هنا على المحطة التي أصبحت تحت أمرك بعد أن أصبحت زوج الست ابنة الوزير
رد بصفعة على خدها أفقدتها توازنها، لتترنح أمامه محتضنة فكها بكفها تجحظ عيناها غير مصدقة وهي تجاوزت الخمسين من عمرها لم يسبق أن ذاق خدها صفعة من أحد ،سرعان ما تلقفها من كتفيها بكفيه ليحول دون سقوطها ..وقع نظره على نوى الزيتون المتناثرة ،قدر الغضب الذي جعلها ترميه بسهامها،وعاد إلى حبات الدمع المنهمرة على خدها ،المتجمعة على أناملها، بدأ يتصبب عرقا ...كطفل مذنب
.. بصوت نادم، لائم، غاضب، قال :
ـ يامجنونة ...هل تعلمين...خطورة الجبهات التي فتحتها عليك ...
تنظر إليه باحتقار ...قالت في خلدها صرت تقول عليكِ....؟وأين علينا ؟
تبصق بوجهه ...
تفو عليك ... من يحق له أن يصفعني؟ ...أغرب عن وجهي وسترى أهمية جبهاتك عندي
...أفلتت من يديه وصرخت به اخرج من هنا .
..صفقت الباب وراءه ،ثم احتبت خلفه ،لا متكأ لرأسها سوى ركبتيها، بكت بصمت. وبممر ضيق دخلت بنوم عميق ...قطعه صباحا رنين الهاتف، كانت زميلتها بالعمل تتلو عليها قرار الوزير بفصلها من العمل بناء على اقتراح مقدم من الرقابة معتمدا على شهادات زميلاتها وزملائها بسوء أمانتها....
شربت قهوتها بطعم الهزيمة،ونفثت سيجارتها المسمومة بالخذلان ...وأخذت تشطب بريشة سوداء لوحتها المهملة المعنونة باقتراف الصمت..... .
صديقة علي اللاذقية11/2019
_ بقلم رحو شرقي معسكر / الجزائر