أمل الكردفاني- غربة الإنسان

تمثل الآلهة إنعكاساً لغربة الإنسان في عالمه. ولولا هذا الاغتراب من العالم في العالم، لما كانت الآلهة. يمكننا أن نعزو إختلاق الإنسان للدين؛ لهذا الشعور بالإغتراب. وتمثل الأصنام مزيداً من دعم الطمأنينة المفقودة، وتخفيفاً لوطأة الوحشة. فالآلهة الخفية تهبط وتتجسد عبر رمز قريب، مرئي ومشاهد. وتنتصب الآلهة في العراء حيث تلامس رؤوسها السماء المكشوفة. وهنا يكون الإتصال. اليد الحانية الرؤوم التي تمتد من السماء للأرض وتلامس كف الإنسان كلوحة مايكل أنجلو "خلق آدم".
إغتراب الإنسان من الغربة، من اللا إنتماء، أو انتماء مغاير، لكن المرء يقبع فرداً بكينونته وحضوره في الذات ومفارقته لكل ما هو خارج وعيه بالذات. وهنا تبدأ حالة الإغتراب، التي يكسرها بحضوره في الجماعة، الأسرة والقبيلة، والشعب. لكن اغترابه لا يتبدد رغم ذلك. ورغبته في أن يحتوي العالم لا أن يحتويه العالم، تجعله أكثر شعوراً بالحزن على نفسه، وتفكيراً في موته وفنائه. إنه لا يفكر في فقدان العالم له، لأن العالم لا يكترث به، إنما يفكر في فقدانه هو لهذا العالم. وبما أن العالم لا يكترث به، فيجب على هذا العالم أن يكون مؤقتاً قابلاً بدوره للفناء، فالإنسان يتعمد تهميش العالم الذي يهمشه، ويبحث عن قوة أكبر غير قابلة للفناء: تهتم به، تكترث، وتعمل من أجله، وتمنحه الأمل، ووعداً بالخلود العظيم، بحيث يكون هو أكبر من هذا العالم والعالم أصغر منه، فيحتويه. النجوم التي يتأملها بحسرة، متخيلاً ما وراء السماء، رغم ذلك الإتساع، تمثل النجوم معنىً خفياً متسرباً في طيات الوحشة والاغتراب. لذلك عبد الإنسان النجوم. وبما أن السماء تبدو فراغاً شاسعاً يعمق الوحشة، فهي إذاً البرزخ الذي يجب أن تعبره الروح لتصل إلى ما وراء السماء. ظلمة السماء، كبحر متعالٍ تؤكد أن خلفها عالم من النور، عالم مختفٍ، فيه الحقيقة المثلى، كما تخيلها أفلاطون. هناك حيث كل شيء جوهر أصيل. خلود غير قابل للفساد ولا النسبية. الكهف هو العالم السفلي الموحش المليئ بافتراضات لا يمكن التأكد منها تعزز اغتراب الإنسان، وتجعله متوتراً راغباً في خوض صراعات تمنحه بعض المعنى. وما أقيم الصراع إن كان باعثه العالم الأزلي السرمدي الذي يحتوي الحقيقة، ويتبدد فيه شعور الإنسان بالغربة والوحشة واللا جدوى.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...