ديوان الغائبين إبراهيم حسن ناصر - العراق - 1961 - 1987م

ابراهيم حسن ناصر


* (الحرب فكرة تبدأ في رؤوس القادة وتنتهي في قلوب الامهات والارامل والايتام)
ابراهيم حسن ناصر - رواية شواطيء الدم


(1961 الشرقاط – يناير 1987) هو كاتب وشاعر عراقي
سيرة
ولد في قرية سديرة وسطى قضاء الشرقاط بمحافظة صلاح الدين العراقية عام 1961، واكمل دراسته الثانوية عام 1980. حصل عام 1984 على شهادة بكالوريوس إعلام من كلية الآداب – جامعة بغداد، والتحق بعد تخرجه من الجامعة مباشرة بالخدمة العسكرية وتخرج من كلية الضباط الاحتياط برتبة ملازم عام 1985.شارك في معظم المعارك التي جرت دفاعاً عن مدينة البصرة ومعارك الفاو، قُتل في معركة الحصاد الأكبر (الحرب العراقية الإيرانية) في شهر كانون الثاني/يناير عام 1987 عن عمر 26 عام.
أعماله

قام بتأسيس برفقة الكاتبين أبناء أخيه الراحل حسن مطلك وشقيقه محسن الرملي ومجموعة من المثقفين منتدى اسديرة الثقافي.

نشر عشرات القصص في معظم الصحف العراقية، وبعد رحيله صدرت له رواية «شواطئ الدم شواطئ الملح» والتي فازت بجائزة احسن رواية عراقية عام 1988.
المؤلفات
شواطئ الدم شواطئ الملح «رواية»
صدى مكحول «رواية».
المقعد الخالي «مجموعة قصصية»
الوادي العميق «مجموعة قصصية».
اليوم الأخير «مجموعة قصصية».
استغاثة ليل «مجموعة قصصية».
الثوب الاحمر «مجموعة قصصية».

- استشهد عام 1987 عن 26 عاماً فقط، ولو قدر الله له ان يعيش عمره لأصبح ابراهيم حسن ناصر من الاسماء اللامعة عالمياً في مجال القصة والرواية اذ انه كتب رواية "شواطئ الدم.. شواطئ الملح" وعمره 25 عاماً فقط ومع ذلك فازت بجائزة احسن رواية عراقية عام 1988 بعد رحيله..

***

في ملجئي الذي فيه امان العالم و واحة الراحة اجلس .. اجيل بنظراتي على ما يشغلني , ما يجعل الوقت يناسب , ما يبعد التفكير بالحرب , وينسيني حياة الملاجئ الرتيبة , التقط مجلة بلا غلاف .. متسخة الصفحة الاولى .. اقلب الاوراق وأقرأ العناوين .. أتوقف عند صورة لفتاة .. ملونة .. أتأملها كثيرا .. ابحث عن اسمها كأني اعرفها .. لا اجد .. اغلق المجلة , اصمت .
ارمي سهامي اليكِ فتقع في صدري . اقترب منكِ فتبتعدين كالسراب . اكنت احب جبلا ام فاتنة العصور العتيقة ؟احمل ظمأي باتجاه شواطئك فتحرقني نارك .. في البعد يتولد احساس الحنين والغربة وتكونين طيف الهوى , جرتني الايام نحو سواتر الدم .. والمصير نحو الارق الازلي وضريبة الاوطان باتجاه الحب الكبير . أي شيء يأتي بك واي عمل يبعدك عن بالي ؟ لا ورد في ارض البعوض والضباب . ان شقائق النعمان لا تنبت الا في الارض التي تطأها اقدامك .. من اتى بك الى قريتي النائية لتعلمي الصغار ابجدية القراءة الكتابة ؟ .. اي اصرار هذا الذي جعلك تقبلين التدريس في ريف بعيد عن المدينة التي نشأتِ فيها ؟ .. اهو التحدي ام رسالة ! .. ام مصير عن البداية ام ورطة ؟ ام الفراق ام الحلم او اي شيء يمر في حياة المرء ؟
كنت هائما في حقول قريتي " سديرة " .. القمح مدىً اخضر يمتد حتى الافق .. ومستعمرات الاقحوان تتخلل البقع غير المزروعة بالقمح والشعير . البيوت الطينية تغرق في بحر الخضرة .. والمواشي مضطجعة , تجتر اكلها بتكاسل . اسمع طنين الحشرات او غنائها لا فرق , ثمة غيوم بيضاء متفرقة .. اشم رائحة الرشاد والفطر .. ارى بضع فتيات يحملن سلال نبات الخباز الذي قد يكون وجبة الربيع اليومية .
في ذلك الجو الذي لا ينسى كنت اقرأ بكتاب " اللزوميات " للمعري.
رأيت جمعا من الاطفال صبية وبنات ينطـّون في حقل القمح .. يتراكضون خلف الفراشات, عرفت انها سفرة مدرسية نظمتها المعلمة الجديدة التي جاءت الى القرية .. دفعني فضولي للذهاب الى الاطفال .. اقتربت منهم , نادوني بصوت مسموع:
_ مراد ..... مراد ..... تعال معنا .
لم اتردد بل كنت اتمناها في داخلي .. رغبت ان يناديني الصغار , اقتربت منهم .. سلمت عليهم .. وواصلت سيري نحو المعلمة .
_ مساء الخير ..
_مساء النور
_انكِ تقدمين خدمة كبيرة لهؤلاء ((قلت ذلك وكأنني اعرفها منذ زمن ))
_هذا جزء من واجبي . ثم اني أَرفه عن نفسي .
_ القرية جميلة .. اليس كذلك ؟
_ بل وطيبة لحد هذه اللحظة ..
_ ستكون دائما ..
_ اتمنى ذلك .. ستكون هذه الايام اجمل ذكرياتي رغم ما اعاني من غربة وصعوب في توفير ما احتاج .
كان الاطفال يتقاذفون الورد والعشب ويتصارعون على البساط النباتي .. في هذه اللحظة اردت ان لا اكون ثقيلا .. قلت
_ اسمحي لي بالذهاب ... وداعا
_ وداعا .. لكن ما هو عنوان الكتاب الذي بيدك ؟
_ اللزوميات .
_ أبهذا الجو تقرأ هذا الكتاب ؟ ثم ماذا نقول نحن ابناء المدينة ؟ ان عدوى التشاؤم انتقلت اليكم ابناء القرى !
_ صحيح ما تقولين .. لكني لا اقرأ " لنزار "
_ لم تفهم قصدي .. فأنا لا احب نزار .. ليس كل الفتيات تحب شعر نزار رغم ما به من حلاوة وشاعرية كبيرة .
في اللحظة هذه وقفت ولم استطع ان اذهب عن من يناقشني , انها تقف على ارضية ثقافية اذاً .
_الا تعتقدين ان الاصالة في التشاؤم ؟
_ لا .. انك تغالط نفسك .. ان التشاؤم جاء نتيجة سوء تصرف القائمين على هذا العالم .
مثل مصعوق .. وقفت امامها , غسلتها بنظراتي .. ابحرت في عينيها .. قلت في نفسي , الاصالة في عينيك .
منذ ذلك الوقت كانت " ايمان " ملتقاي في قريتي عند عودتي من الجامعة .. هي شيء جاء ولم يتكرر .. كانت ومضة مضيئة ابعدتني عن وجودية وعبث " المعري " , التصقت بقريتي لأنها فيها .. خرجنا الى الحقول معاً . وركضنا وراء صغار الطيور وتجادلنا في الادب العظيم للعالم وثوراته الاصيلة .. كانت تمتلك قناعات من الصعب التنازل عنها .. انها المرأة الوحيدة التي تمنيتها في حياتي .. وحين عدت من الجامعة في مساء احد الايام الى قريتي , سألت عنها قالوا انها انتقلت الى مدينتها نينوى ولم التق بها ..بعد سنوات سمعت انها رشحت لانتخابات المجلس الوطني ولم تفز .. لا اعرف لماذا .. وانقطعت اخبارها عني ,
كل ما اعرفه انها رئيسة الاتحاد النسوي في نينوى الان , قد لا تعرفني في هذه اللحظة بعد كل السنوات لكنها لن تنسى " اسديرة " الجميلة .
هرب الليل بنا واطلقنا كلمات الهوى الى ما بعد المدى الاخضر , اسراب من الاحلام تغمرنا في لحظة التلاقي .. كل معايير الحب تراجعت عند ملحمتنا . كنتِ تحبين الوداع الى لقاء جديد و انا اودع الزهر المعانق للشفاه .
دع طيور القلب ترحل او تحط متى تشاء , فضياتي واسعة ومترامية تحت هذي السماء , ارضي آمنة فارحل متى شئت او حط بين ثنايا القلب ايها الحبيب , ودع مسافات الخوف تختصر الى الامان المزدهر , اشتاق لحلم الفراشات الصغيرة وهمس الريح بين اوراق العشب الندي .. انا اول العاشقين بلا اسى او ندم و اكثرهم تيها في بحر العيون .. ارتل آيات الغرام على الوسائد الخالية , اوزع قلبي على مفترق الطرق , ارحل الى اخر حدود العشق .. اذوب بين همس الكلمات وارتجاف الشفاه الطرية ..
انتِ البداية الحقة ونهاية النهاية .. تزوجي احلامي فهذا اضعف "الايمان" .

رواية "شواطئ الدم شواطئ الملح"



تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...