قراءة نص جديد
النص بلا عنوان
في مثل هذا القفر يا فرويد
لا الأنا منفردة
ولا الأعلى من أناك زائلة
الهو يحاصرك وحدك
ويفكّك طلاسم الإسترخاء
على سرير خفافيش الذكريات
في معبدك المعلّق أرجوحة للخيال
فرّخت طيورك المذنّبة قبائل من الفقد والمستحيل
أزيح فلاسفة السماء عن عرش الحقيقة
وتسوّل صنّاع الأكفان على كل الطرقات باسم " اتّحدوا"
الأعلى من الأواني طبق الغيم والفارس غيمة تمطر
أو لا تمطر حين تغضب
والغضب مديد العمر في السماء
قبيلة من الطوفان المنحبس في الأحداق
الوجع سفينة المسافر والمغامر والشجاع
لا ترقد وحدك نم قرير النفس
وهذا الوجود عدم
لا الأنا أبرقت
ولا دموع الأعالي تدحرجت إلى سهل الغاب
ولا الهمو رجعوا من ضباب المنافي
أسترخي بكل اليقين على حافة الطريق
وأنام ملء الجفن
كما قطط الحياة
في الغربة الفسيحة..
رشيدة المراسي
ا=========
فاتحة قبل البدء
احسب ان فرويد (1856 / 1939) أحد الخمسة الذين صفعونا بقوة وقالوا للبشرية( اتحدوا ) وهزوا أركان فكرها، خلال أربعة قرون..
تقديم
صفعة (اتّحدوا) الأولى
من نيكولاس كوبيرنيكوس (1473 / 1543) صرخة( اتحدوا) قلبت حقيقة فكرة الفلك القديم فغادرت الأرض مركزها لتدور حول الشمس الثابتة، مما خلق رجات متعددة الجوانب في النفس البشرية، جعلت الإنسان يعيش أزمة إدراك حسي رهيب، وشكوك عارمة في الأدوات المعرفية للإنسان، إذ إن ما نراه لم يعد هو الحقيقة.
أما (اتّحدوا) الثانية
فكانت من إسحاق نيوتن (1642 / 1727)، الذي دمج الأرض بالسماء في قوانين واحدة، إذ سقوط التفاحة بشَرطَيْ المسافة والكتلة، أدى إلى اعتبار السقوط دورانا والدوران سقوطا والعالم بنية واحدة لا انشطار فيها.
وأما (اتّحدوا) الثالثة فكانت لتشارلز داروين (1809 / 1882)، وجاءت (اتحدوا) ضربا لكبرياء الإنسان.. ولتذكره بجذوره الحيوانية.
وأما (اتّحدوا) الرابعة، لسيغموند فرويد، المحلل النفسي ذائع الصيت، حين تحليل النفس البشرية والإشارة الى اللاشعور،
واهتمامه بذاكرتين:
ذاكرة واعية يمكن استرجاعها بيسر، ذاكرة كما الأرشيف سرعان ما نستحضرها واستعادتها.
وذاكرة أخرى لا واعية، أي منسية وغائرة في غياهب النفس، يصعب استحضارها.
والصفعة التالية صفعة الشعر.. ما الحدث المسبب لهذا الرهاب الغائر والمنسي بنص الاستاذة رشيدة المراسي؟
رهاب الأنا والآخر
أولا - في تقنية وجهة النظر..
يقول سارتر:
“أنا في حاجة إلى توسط الآخر لأكون ما أنا عليه”.
إن من أبرز تجليات الأنا في مظهريتها الذاتية داخل النص الشعري يتمثل في استعمال تقنية وجهة النظر..
بما هي قوة اختراق الإنساني فينا ليتكلم كل واحد منا سواه بحثا عن الحوار والضيافة والتنافذ.
وبماهي في ظاهرها معبرة عن الآخر بوصفه مقابلاً حيوياً منتجا، لتلك العلاقة التي يؤلفها جدل التفاعل أو الحوار أو الصدام بينهما، وذاك التمظهر للوجود والفعل والتعبير المحرض على الذات بدلالة الآخر..وبدلالتها ذاتها ـ ناظرا ومنظورا إليها ـ على وفق الحال التأثيثية والصورة البسيطة والمركبة والمنهج الرؤيوي.
تراءت لنا من خلال النص شعرية الأنوات واضحة في تنضيد الضمائر معبرة عن اضطرابها ولقد مثّل تشتتها تعبيرا عن الواقع وفهمه واستيعابا لنزعات الحياة ..
وعليه كان التعبير عن مفهوم الأنا الشعرية وظيفي:
أحيانا يتستر في صمت وهدوء الذاكرة واللسان على نحو يقتضيه المعجم والصرف والنطق والسياق.. لتبين الشاعرة عن تصور واحساس صادق بعمق التضاد والمشاكل التي تعانيها ذاتها ومجتمعها (الذاتوات الجمعية)..
وأحيان أخرى يخرج للسطح بصداه المدوي رافضا للاستتار ليعبر بصيغ مختلفة مثل : (أنا، تاء الفاعل وياء النسبة وياء المتكلم )
ليعبر عن نرجسية صفوية الشاعرة وتمجيد ذاتها المتكهفة وتعاليها بالقيم الإنسانية .. مما خلق صورا شعرية تكتظ بأسئلة الوجود والعدم، وأوجد لذة تحقق النِّرفانا، وتلامس اليقين الدونكيخوتي..
وهكذا تجلت ((الأنا)) الشاعرة بهذا النص تجليا واضحا ومقصودا في كل مراحل النص وعلى مختلف الاسطر الشعرية، وتبين لنا انه على قدر تعلق الأمر بصورة ((الآخر)) في النص فإن هذا ((الآخر)) لم يظهر الا بصورة تشكيلية تصويرية ممسرحة واعية مقصودة على نحو يمكن تشخيص الأنوات من ناحية والاخر والآخرون من ناحية اخرى ومحاورتهما أو محاكمتهما، بل ظهر مفتونا في تجليات الأنا وبمصاحبتها..
ثانيا - في الدال والمدلول البنيوي ( الأمراض السريرية)
كما يعالج فرويد مرضاه.. وضعت الشاعرة الذات موضع المريض الكلينيكي تتفحص الأنا والانا الأعلى والوعي واللاوعي.. والهو والآخر والهمو.. في بحث شعري دائب عن التجليات الفنية لعلاقة الأنا بالآخر.. اذ تبرز الأنا في هذا النص الشعري، نسقاً غير منعزل عن الآخر، وحتى في حدود ظهورها محصورة في نطاق ذاتها نلحظها بمقام مناجاة الشاعرة لنفسها ليحقق النص الشعري غنائيته الداخلية واتساقه وانسجامه.. نتبين ذلك من عنصرين هما:
1- البنية ومعمار النص
أ- في رد النهاية على البداية بالمفارقة الضدية..
بالاستهلال تقول الشاعرة
(في مثل هذا القفر يا فرويد
لا الأنا منفردة)
كما لو أنه ابتداء خاطف بارق يضع الذات أمام أمرها المقضي
أما:
وبالاقفال والنهاية تقول الشاعرة عن الذات:
(أسترخي بكل اليقين على حافة الطريق
وأنام ملء الجفن
كما قطط الحياة
في الغربة الفسيحة..)..
ب- الحركة المعجمية والصرفية
أما ما يتعلق بتحقيق المشهدية والحركة فكانت من خلال الأفعال المزيدة التي تعضد حركة الشخصيات الفعلية وتساهم في التقدم إلى بؤرة القصيد والوصول لمنتهاه:
انظر:
(يحاصرك وزنه: فاعل=فعل مشاركة..) مما يضمن حركة لولبية للأنوات المعتمدة بالنص ..
(ويفكّك طلاسم /فرّخت طيورك - فعّل= التعدية والمبالغة) مما يحقق تقديم الأحداث ومحاولة دفعها الى التسارع..
(تسوّل صنّاع الأكفان وزنه: تفعّل= التدرج)..
(أبرقت/ أفعل=معنى الصيرورة)
(تدحرجت/ تفعلل=معنى المطاوعة
مما يؤكد استثمار المعجم الصرفي في أحداث الحركة
ثالثا - تأثيث الركح والسينوغرافيا (السريرية)
لجأت الشاعرة لتأثيث ( عيادتها الكلينيكية) إلى تقنية الفرجة وركحية النص.
اذ سعت الى تعمير ردهاته (كما بالمسرح /الفوندو) بفن المسرح الذي تهدف من خلاله إلى خلق الصور والرؤى من خلال تفعيل الإضاءة والألوان والتشكيل البصري والموسيقي واستلهام معطيات اخراجية موحية تساعد الشخصيات والممثلين على تطوير آدائهم وأدوارهم..
فكانت شخصيات ثلاث ( الأنا/الأنا الأعلى/ الهو) التي تضعها الشاعرة مستلهمة من الاخراج المسرحي ما يتحكم في تقنيات الخشبة الشعرية فتلجأ الشاعرة إلى اختيار تموضع الممثلين مع ظهور الأصوات الثلاث ( الأنا/الأنا الأعلى/ الهو) المحاصرة والصارخة بنفس الآن.. وإلى الأقفال النصي على (الهمو / والانا الاخرى نلمس ذلك في الابتداء بقولها:
(لا الأنا منفردة
ولا الأعلى من أناك زائلة
الهو يحاصرك وحدك) وعند الانتهاء بقولها (انظر قولها: لا الأنا أبرقت
ولا دموع الأعالي تدحرجت إلى سهل الغاب
ولا الهمو رجعوا من ضباب المنافي)
هكذا تلجأ إلى تأثيث الخشبة الشعرية الركحية، وهندسة الفضاء الشعري من خلال توفير هرمونية وانسجام متآلف بين ما هو سمعي وبصري وحركي.
فكان التأثيث السمعي حين تفكيك اللغة انظر النص يقول: (ويفكّك طلاسم الإسترخاء
على سرير خفافيش الذكريات)..
وكان التأثيث البصري من خلال استحضار الرؤية العينية بوجود كائنات ( خفافيش/ طيورك المذنّبة/ قبيلة/قطط الحياة)..
انظر وقع استثمار المكان لعملية طبية سريرية وقع استحضار كل الأدوات الفنية والمشارط الطبية (الإسترخاء على سرير/أرجوحة للخيال/عرش الحقيقة/معبد / الطرقات/ الأواني / طبق الغيم/ )..
أما التنبيهات الطبية فستكون لعملية التنويم..
(لا ترقد وحدك /نم قرير النفس/ اتحدوا)..
أما ما يتعلق بالإضاءة والتصوير الركحي.. فكانت من خلال ثنائية السواد والبياض التي يحيكها تشكيل النص( انتثار السواد والبياض على الورقة (سطر طويل /سطر متوسط/ سطر صغير.. ) من ناحية..
ومن ناحية أخرى انتثار الضوء بالركح الشعري أثناء يوم غائم(طبق الغيم/ غيمة تمطر) أو خلال صدور الضوء القوي كما البرق (أبرقت) أو انحسار الكتلة الضوئية بالضباب(ضباب المنافي)..
أما ما يتعلق بالاكسيسوارات وقع استحضار طقوسية متفردة (الطلاسم/ الأواني / الطبق) تنفتح على الفضاءات الداخلية والخارجية(القفر/سرير معبد/أرجوحة/السماء ) تقابلها امكنة (كل الطرقات/حافة الطريق )..
وأما ما يخص الأزياء وقع استدعاء الصنّاع للأكفان..
هكذا ومن ثم، من خلال ما بيننا، تحيل اذن السينوغرافيا بهذا النص على ماهو حركي بصري ومشهدي من أجساد وديكورات وإكسسوارات وماكياج وأزياء وتشكيل وصوت وإضاءة.
الخلاصة
لئن ارتكزت الصياغة الشعرية على البنية التلفظية (كما بيننا بالتركيب) وعلى المشهدية حين انزياح الصور المقدمة عن معانيها الأصلية فانها لم تكن الا لغائية واعية تؤسس لمجموعة من الصور السيميائية.. الدالة على المضمون الشعري..
وان ما وجدنا من تشكيل فضائي للقصيد وما أثّث لبنية نصية متكاملة.. انما هو لتبيان الحدث المسبب لهذا الرهاب الغائر والمنسي بالنص..
وكذا ارتكزت السينوغرافيا الشعرية على ما وجدناه من الصورة الجسدية والصورة الضوئية والصورة التشكيلية والصورة اللفظية والصورة التشكيلية الرقمية والصورة السمعية الموسيقية والصورة الأيقونية.. إلا تأثيث للشعري بالنص واتكاء على فن المسرح لكسر حواجز صفاء النوع الشعري ونقائه إلى مفهوم بالشعرية حديثٍ يرنو إلى المابعد حداثي حين الانفتاح والتنافذ والتحاقل على الفنون والاجناس الأدبية الأخرى وعلى العلوم وهنا ما وجدنا من اتصال وتنافذ مع علم النفس وما ذهب إليه فرويد..
انتهى
النص بلا عنوان
في مثل هذا القفر يا فرويد
لا الأنا منفردة
ولا الأعلى من أناك زائلة
الهو يحاصرك وحدك
ويفكّك طلاسم الإسترخاء
على سرير خفافيش الذكريات
في معبدك المعلّق أرجوحة للخيال
فرّخت طيورك المذنّبة قبائل من الفقد والمستحيل
أزيح فلاسفة السماء عن عرش الحقيقة
وتسوّل صنّاع الأكفان على كل الطرقات باسم " اتّحدوا"
الأعلى من الأواني طبق الغيم والفارس غيمة تمطر
أو لا تمطر حين تغضب
والغضب مديد العمر في السماء
قبيلة من الطوفان المنحبس في الأحداق
الوجع سفينة المسافر والمغامر والشجاع
لا ترقد وحدك نم قرير النفس
وهذا الوجود عدم
لا الأنا أبرقت
ولا دموع الأعالي تدحرجت إلى سهل الغاب
ولا الهمو رجعوا من ضباب المنافي
أسترخي بكل اليقين على حافة الطريق
وأنام ملء الجفن
كما قطط الحياة
في الغربة الفسيحة..
رشيدة المراسي
ا=========
فاتحة قبل البدء
احسب ان فرويد (1856 / 1939) أحد الخمسة الذين صفعونا بقوة وقالوا للبشرية( اتحدوا ) وهزوا أركان فكرها، خلال أربعة قرون..
تقديم
صفعة (اتّحدوا) الأولى
من نيكولاس كوبيرنيكوس (1473 / 1543) صرخة( اتحدوا) قلبت حقيقة فكرة الفلك القديم فغادرت الأرض مركزها لتدور حول الشمس الثابتة، مما خلق رجات متعددة الجوانب في النفس البشرية، جعلت الإنسان يعيش أزمة إدراك حسي رهيب، وشكوك عارمة في الأدوات المعرفية للإنسان، إذ إن ما نراه لم يعد هو الحقيقة.
أما (اتّحدوا) الثانية
فكانت من إسحاق نيوتن (1642 / 1727)، الذي دمج الأرض بالسماء في قوانين واحدة، إذ سقوط التفاحة بشَرطَيْ المسافة والكتلة، أدى إلى اعتبار السقوط دورانا والدوران سقوطا والعالم بنية واحدة لا انشطار فيها.
وأما (اتّحدوا) الثالثة فكانت لتشارلز داروين (1809 / 1882)، وجاءت (اتحدوا) ضربا لكبرياء الإنسان.. ولتذكره بجذوره الحيوانية.
وأما (اتّحدوا) الرابعة، لسيغموند فرويد، المحلل النفسي ذائع الصيت، حين تحليل النفس البشرية والإشارة الى اللاشعور،
واهتمامه بذاكرتين:
ذاكرة واعية يمكن استرجاعها بيسر، ذاكرة كما الأرشيف سرعان ما نستحضرها واستعادتها.
وذاكرة أخرى لا واعية، أي منسية وغائرة في غياهب النفس، يصعب استحضارها.
والصفعة التالية صفعة الشعر.. ما الحدث المسبب لهذا الرهاب الغائر والمنسي بنص الاستاذة رشيدة المراسي؟
رهاب الأنا والآخر
أولا - في تقنية وجهة النظر..
يقول سارتر:
“أنا في حاجة إلى توسط الآخر لأكون ما أنا عليه”.
إن من أبرز تجليات الأنا في مظهريتها الذاتية داخل النص الشعري يتمثل في استعمال تقنية وجهة النظر..
بما هي قوة اختراق الإنساني فينا ليتكلم كل واحد منا سواه بحثا عن الحوار والضيافة والتنافذ.
وبماهي في ظاهرها معبرة عن الآخر بوصفه مقابلاً حيوياً منتجا، لتلك العلاقة التي يؤلفها جدل التفاعل أو الحوار أو الصدام بينهما، وذاك التمظهر للوجود والفعل والتعبير المحرض على الذات بدلالة الآخر..وبدلالتها ذاتها ـ ناظرا ومنظورا إليها ـ على وفق الحال التأثيثية والصورة البسيطة والمركبة والمنهج الرؤيوي.
تراءت لنا من خلال النص شعرية الأنوات واضحة في تنضيد الضمائر معبرة عن اضطرابها ولقد مثّل تشتتها تعبيرا عن الواقع وفهمه واستيعابا لنزعات الحياة ..
وعليه كان التعبير عن مفهوم الأنا الشعرية وظيفي:
أحيانا يتستر في صمت وهدوء الذاكرة واللسان على نحو يقتضيه المعجم والصرف والنطق والسياق.. لتبين الشاعرة عن تصور واحساس صادق بعمق التضاد والمشاكل التي تعانيها ذاتها ومجتمعها (الذاتوات الجمعية)..
وأحيان أخرى يخرج للسطح بصداه المدوي رافضا للاستتار ليعبر بصيغ مختلفة مثل : (أنا، تاء الفاعل وياء النسبة وياء المتكلم )
ليعبر عن نرجسية صفوية الشاعرة وتمجيد ذاتها المتكهفة وتعاليها بالقيم الإنسانية .. مما خلق صورا شعرية تكتظ بأسئلة الوجود والعدم، وأوجد لذة تحقق النِّرفانا، وتلامس اليقين الدونكيخوتي..
وهكذا تجلت ((الأنا)) الشاعرة بهذا النص تجليا واضحا ومقصودا في كل مراحل النص وعلى مختلف الاسطر الشعرية، وتبين لنا انه على قدر تعلق الأمر بصورة ((الآخر)) في النص فإن هذا ((الآخر)) لم يظهر الا بصورة تشكيلية تصويرية ممسرحة واعية مقصودة على نحو يمكن تشخيص الأنوات من ناحية والاخر والآخرون من ناحية اخرى ومحاورتهما أو محاكمتهما، بل ظهر مفتونا في تجليات الأنا وبمصاحبتها..
ثانيا - في الدال والمدلول البنيوي ( الأمراض السريرية)
كما يعالج فرويد مرضاه.. وضعت الشاعرة الذات موضع المريض الكلينيكي تتفحص الأنا والانا الأعلى والوعي واللاوعي.. والهو والآخر والهمو.. في بحث شعري دائب عن التجليات الفنية لعلاقة الأنا بالآخر.. اذ تبرز الأنا في هذا النص الشعري، نسقاً غير منعزل عن الآخر، وحتى في حدود ظهورها محصورة في نطاق ذاتها نلحظها بمقام مناجاة الشاعرة لنفسها ليحقق النص الشعري غنائيته الداخلية واتساقه وانسجامه.. نتبين ذلك من عنصرين هما:
1- البنية ومعمار النص
أ- في رد النهاية على البداية بالمفارقة الضدية..
بالاستهلال تقول الشاعرة
(في مثل هذا القفر يا فرويد
لا الأنا منفردة)
كما لو أنه ابتداء خاطف بارق يضع الذات أمام أمرها المقضي
أما:
وبالاقفال والنهاية تقول الشاعرة عن الذات:
(أسترخي بكل اليقين على حافة الطريق
وأنام ملء الجفن
كما قطط الحياة
في الغربة الفسيحة..)..
ب- الحركة المعجمية والصرفية
أما ما يتعلق بتحقيق المشهدية والحركة فكانت من خلال الأفعال المزيدة التي تعضد حركة الشخصيات الفعلية وتساهم في التقدم إلى بؤرة القصيد والوصول لمنتهاه:
انظر:
(يحاصرك وزنه: فاعل=فعل مشاركة..) مما يضمن حركة لولبية للأنوات المعتمدة بالنص ..
(ويفكّك طلاسم /فرّخت طيورك - فعّل= التعدية والمبالغة) مما يحقق تقديم الأحداث ومحاولة دفعها الى التسارع..
(تسوّل صنّاع الأكفان وزنه: تفعّل= التدرج)..
(أبرقت/ أفعل=معنى الصيرورة)
(تدحرجت/ تفعلل=معنى المطاوعة
مما يؤكد استثمار المعجم الصرفي في أحداث الحركة
ثالثا - تأثيث الركح والسينوغرافيا (السريرية)
لجأت الشاعرة لتأثيث ( عيادتها الكلينيكية) إلى تقنية الفرجة وركحية النص.
اذ سعت الى تعمير ردهاته (كما بالمسرح /الفوندو) بفن المسرح الذي تهدف من خلاله إلى خلق الصور والرؤى من خلال تفعيل الإضاءة والألوان والتشكيل البصري والموسيقي واستلهام معطيات اخراجية موحية تساعد الشخصيات والممثلين على تطوير آدائهم وأدوارهم..
فكانت شخصيات ثلاث ( الأنا/الأنا الأعلى/ الهو) التي تضعها الشاعرة مستلهمة من الاخراج المسرحي ما يتحكم في تقنيات الخشبة الشعرية فتلجأ الشاعرة إلى اختيار تموضع الممثلين مع ظهور الأصوات الثلاث ( الأنا/الأنا الأعلى/ الهو) المحاصرة والصارخة بنفس الآن.. وإلى الأقفال النصي على (الهمو / والانا الاخرى نلمس ذلك في الابتداء بقولها:
(لا الأنا منفردة
ولا الأعلى من أناك زائلة
الهو يحاصرك وحدك) وعند الانتهاء بقولها (انظر قولها: لا الأنا أبرقت
ولا دموع الأعالي تدحرجت إلى سهل الغاب
ولا الهمو رجعوا من ضباب المنافي)
هكذا تلجأ إلى تأثيث الخشبة الشعرية الركحية، وهندسة الفضاء الشعري من خلال توفير هرمونية وانسجام متآلف بين ما هو سمعي وبصري وحركي.
فكان التأثيث السمعي حين تفكيك اللغة انظر النص يقول: (ويفكّك طلاسم الإسترخاء
على سرير خفافيش الذكريات)..
وكان التأثيث البصري من خلال استحضار الرؤية العينية بوجود كائنات ( خفافيش/ طيورك المذنّبة/ قبيلة/قطط الحياة)..
انظر وقع استثمار المكان لعملية طبية سريرية وقع استحضار كل الأدوات الفنية والمشارط الطبية (الإسترخاء على سرير/أرجوحة للخيال/عرش الحقيقة/معبد / الطرقات/ الأواني / طبق الغيم/ )..
أما التنبيهات الطبية فستكون لعملية التنويم..
(لا ترقد وحدك /نم قرير النفس/ اتحدوا)..
أما ما يتعلق بالإضاءة والتصوير الركحي.. فكانت من خلال ثنائية السواد والبياض التي يحيكها تشكيل النص( انتثار السواد والبياض على الورقة (سطر طويل /سطر متوسط/ سطر صغير.. ) من ناحية..
ومن ناحية أخرى انتثار الضوء بالركح الشعري أثناء يوم غائم(طبق الغيم/ غيمة تمطر) أو خلال صدور الضوء القوي كما البرق (أبرقت) أو انحسار الكتلة الضوئية بالضباب(ضباب المنافي)..
أما ما يتعلق بالاكسيسوارات وقع استحضار طقوسية متفردة (الطلاسم/ الأواني / الطبق) تنفتح على الفضاءات الداخلية والخارجية(القفر/سرير معبد/أرجوحة/السماء ) تقابلها امكنة (كل الطرقات/حافة الطريق )..
وأما ما يخص الأزياء وقع استدعاء الصنّاع للأكفان..
هكذا ومن ثم، من خلال ما بيننا، تحيل اذن السينوغرافيا بهذا النص على ماهو حركي بصري ومشهدي من أجساد وديكورات وإكسسوارات وماكياج وأزياء وتشكيل وصوت وإضاءة.
الخلاصة
لئن ارتكزت الصياغة الشعرية على البنية التلفظية (كما بيننا بالتركيب) وعلى المشهدية حين انزياح الصور المقدمة عن معانيها الأصلية فانها لم تكن الا لغائية واعية تؤسس لمجموعة من الصور السيميائية.. الدالة على المضمون الشعري..
وان ما وجدنا من تشكيل فضائي للقصيد وما أثّث لبنية نصية متكاملة.. انما هو لتبيان الحدث المسبب لهذا الرهاب الغائر والمنسي بالنص..
وكذا ارتكزت السينوغرافيا الشعرية على ما وجدناه من الصورة الجسدية والصورة الضوئية والصورة التشكيلية والصورة اللفظية والصورة التشكيلية الرقمية والصورة السمعية الموسيقية والصورة الأيقونية.. إلا تأثيث للشعري بالنص واتكاء على فن المسرح لكسر حواجز صفاء النوع الشعري ونقائه إلى مفهوم بالشعرية حديثٍ يرنو إلى المابعد حداثي حين الانفتاح والتنافذ والتحاقل على الفنون والاجناس الأدبية الأخرى وعلى العلوم وهنا ما وجدنا من اتصال وتنافذ مع علم النفس وما ذهب إليه فرويد..
انتهى