ذات يوم.. 24 يناير 1969
انتهى تصوير فيلم «شىء من الخوف»، بطولة محمود مرسى وشادية ويحيى شاهين ومحمد توفيق، عن قصة للكاتب ثروت أباظة فى يناير 1969، فسرت شائعة بأن شخصية «عتريس» التى يؤديها محمود مرسى ترمز إلى جمال عبدالناصر، وأن «فؤادة» التى تؤديها «شادية» هى مصر، وفيما يذكر مخرج الفيلم حسين كمال، فى حوار له على قناة «آر.تى» مع الفنانة صفاء أبوالسعود: «لا أعرف من صاحب هذه الشائعة التى ملأت البلد فجأة»، يكشف الكاتب الروائى نجيب محفوظ فى مذكراته للناقد رجاء النقاش: «عبدالمنعم الصاوى وكيل وزارة الثقافة فى ذلك الوقت هو الذى لفت أنظار السلطة إليها».. يضيف: «عندما شاهد عبدالناصر الفيلم المأخوذ عن الرواية سمح بعرضه فورًا، وقال جملة مشهورة لا أنساها: «لو كنا إحنا الحرامية، وأنا عتريس يبقى ما نستاهلش نقعد فى الحكم».. يؤكد «محفوظ»: «كانت هذه الواقعة هى بداية تراجع سلطة عبدالمنعم الصاوى فى عهد عبدالناصر، لأنه بعدها بدأ نجمه فى الأفول».
فى هذه الحكاية تفاصيل كثيرة، فيها ما هو مغلوط بادعاء بطولات زائفة ونسبها إلى بعض أطراف الفيلم، كالقول بأنه تحديد إقامة المخرج حسين كمال، ومنتج الفيلم الفنان صلاح ذوالفقار، ومؤلف القصة ثروت أباظة، لمدة أسبوع، ويرد حسين كمال على ذلك قائلا: «إطلاقا لم يتم تحديد إقامة أحد، وطلب عبدالناصر مشاهدة الفيلم وصرح به وتضايقت جدًا من هذه الشائعة، فعبدالناصر زعيم كبير جدا لمصر، ولا يمكن أن يكون هو شخصية عتريس فى الفيلم».
كان الشاعر عبدالرحمن الأبنودى هو مؤلف أغانى الفيلم، كما قام بتعديل كامل فى السيناريو والحوار الذى كتبه «صبرى عزت»، ويذكر هو تفاصيل ذلك للكاتب الصحفى محمد توفيق فى كتاب «الخال»، مؤكدًا أن حسين كمال أعطاه السيناريو ليكتب الأغانى على أن تكون بصورة ملحمية مختلفة، وحين قرأ السيناريو شعر بحاسة الشاعر أن الفيلم بهذه الصورة سيخرج عاديا، ولن يكون ملحميا، فقرر أن يعيد كتابته دون أن يستشير أحدا، ولم ينم أربعة أيام متتالية، كان يحذف ويكتب حتى وجد أنه كتب الفيلم من جديد، ومزج بين الأغانى والحوار، وذهب إلى حسين كمال بأوراقه، وطلب منه إحضار جهاز تسجيل لتسجيل الأغانى التى كتبها، وكانت المفاجأة فى أنه قرأ عليه السيناريو والحوار بدلًا من الأغانى، ولما انتهى من قراءته، انفجر «كمال» قائلا: «يا لهوى».
نسخ حسين كمال الشريط الذى سجله بصوت الأبنودى، ووزعه على الممثلين ليحفظوا أدوارهم من جديد، ودارت العجلة، وانتهى العمل فى الفيلم، وسرت شائعة أن «عبدالناصر» هو المقصود، فالتفتت الرقابة إليه وقررت عدم عرضه، وكان ثروت أباظة هو أكثر الخائفين، حسب الكاتب والمؤرخ الفنى ماهر زهدى فى كتابه «شادية قمر لا يغيب»، قائلا: «جرأة شادية دفعتها إلى القيام بمعركة كبرى على صفحات الصحف مع الرقابة، ولم تقتنع بإلحاح ثروت أباظة بأن يرتضى فريق عمل الفيلم بالأمر الواقع، وألا يثير مشاكل مع الدولة خوفا من أن يتم البطش بهم».
يذكر «زهدى» أن صوت شادية وصل إلى عبدالناصر، فقرر مشاهدة الفيلم فى عرض خاص، وسارع حسين كمال بدعوة فريق العمل لمشاهدته قبل أن يشاهده الرئيس، وأثناء ذلك كان ثروت أباظة يقول: «الأبنودى هو السبب منه لله، الرواية ما كنتش بالشكل ده خالص.. لكن خلاص ما فيش فايدة من الكلام، والفيلم اتحسب عليه، والأحداث اللى فيه هتبين إن أنا اللى كاتبها».. يكشف «زهدى» أنه أثناء العرض الذى دعا إليه حسين كمال، كان الأبنودى يجلس بجوار ثروت أباظة، وكلما مر مشهد أو حوار لا يعجبه تغوص أصابعه فى ذراع الأبنودى بشدة، حتى شعر الأبنودى بألم شديد فى ذراعه، فالتفت إليه هامسًا: فى إيه يا عم ثروت ذراعى اتخدل حرام عليك.. رد ثروت: حرام عليك..منك لله هتودينى فى داهية.. رد الأبنودى: ليه بس ما الفيلم زى الفل أهه.. رد ثروت: ما أنا قلت كده برضه هم علشان اعتقلوك جاى تنتقم منهم فى شخصى، وتفش غلك فى فيلمى، وأروح أنا فى داهية».
كانت النسخة التى شاهدها فريق الفيلم هى التى شاهدها عبدالناصر، وشاهدها أيضًا ثروت عكاشة وزير الثقافة، ودعا على أثرها أسرة الفيلم لمقابلته بمكتبه فى 24 يناير، مثل هذا اليوم، 1969، وفقا للأهرام، 25 يناير، 1969 التى نشرت وبالصور فى صفحتها الأخيرة، قائلة: «فى مكتب وزير الثقافة ثروت عكاشة، اجتمع فنانو وفنيو فيلم «شىء من الخوف» لمقابلته بناء على طلبه.. كان دكتور عكاشة قد شاهد الفيلم فى عرض خاص، وطلب بعده مقابلة جميع العاملين لتهنئتهم شخصيا، وخلال المقابلة قال الوزير: شاهدت أفلاما جيدة هذا الموسم، ولكن هذا الفيلم بلغ مرتبة الامتياز، وأعتقد أنكم بهذا الفيلم ستعبرون البحر الأبيض المتوسط».
.....................................................
#سعيد_الشحات_ذات_يوم_اليوم_السابع
www.facebook.com
انتهى تصوير فيلم «شىء من الخوف»، بطولة محمود مرسى وشادية ويحيى شاهين ومحمد توفيق، عن قصة للكاتب ثروت أباظة فى يناير 1969، فسرت شائعة بأن شخصية «عتريس» التى يؤديها محمود مرسى ترمز إلى جمال عبدالناصر، وأن «فؤادة» التى تؤديها «شادية» هى مصر، وفيما يذكر مخرج الفيلم حسين كمال، فى حوار له على قناة «آر.تى» مع الفنانة صفاء أبوالسعود: «لا أعرف من صاحب هذه الشائعة التى ملأت البلد فجأة»، يكشف الكاتب الروائى نجيب محفوظ فى مذكراته للناقد رجاء النقاش: «عبدالمنعم الصاوى وكيل وزارة الثقافة فى ذلك الوقت هو الذى لفت أنظار السلطة إليها».. يضيف: «عندما شاهد عبدالناصر الفيلم المأخوذ عن الرواية سمح بعرضه فورًا، وقال جملة مشهورة لا أنساها: «لو كنا إحنا الحرامية، وأنا عتريس يبقى ما نستاهلش نقعد فى الحكم».. يؤكد «محفوظ»: «كانت هذه الواقعة هى بداية تراجع سلطة عبدالمنعم الصاوى فى عهد عبدالناصر، لأنه بعدها بدأ نجمه فى الأفول».
فى هذه الحكاية تفاصيل كثيرة، فيها ما هو مغلوط بادعاء بطولات زائفة ونسبها إلى بعض أطراف الفيلم، كالقول بأنه تحديد إقامة المخرج حسين كمال، ومنتج الفيلم الفنان صلاح ذوالفقار، ومؤلف القصة ثروت أباظة، لمدة أسبوع، ويرد حسين كمال على ذلك قائلا: «إطلاقا لم يتم تحديد إقامة أحد، وطلب عبدالناصر مشاهدة الفيلم وصرح به وتضايقت جدًا من هذه الشائعة، فعبدالناصر زعيم كبير جدا لمصر، ولا يمكن أن يكون هو شخصية عتريس فى الفيلم».
كان الشاعر عبدالرحمن الأبنودى هو مؤلف أغانى الفيلم، كما قام بتعديل كامل فى السيناريو والحوار الذى كتبه «صبرى عزت»، ويذكر هو تفاصيل ذلك للكاتب الصحفى محمد توفيق فى كتاب «الخال»، مؤكدًا أن حسين كمال أعطاه السيناريو ليكتب الأغانى على أن تكون بصورة ملحمية مختلفة، وحين قرأ السيناريو شعر بحاسة الشاعر أن الفيلم بهذه الصورة سيخرج عاديا، ولن يكون ملحميا، فقرر أن يعيد كتابته دون أن يستشير أحدا، ولم ينم أربعة أيام متتالية، كان يحذف ويكتب حتى وجد أنه كتب الفيلم من جديد، ومزج بين الأغانى والحوار، وذهب إلى حسين كمال بأوراقه، وطلب منه إحضار جهاز تسجيل لتسجيل الأغانى التى كتبها، وكانت المفاجأة فى أنه قرأ عليه السيناريو والحوار بدلًا من الأغانى، ولما انتهى من قراءته، انفجر «كمال» قائلا: «يا لهوى».
نسخ حسين كمال الشريط الذى سجله بصوت الأبنودى، ووزعه على الممثلين ليحفظوا أدوارهم من جديد، ودارت العجلة، وانتهى العمل فى الفيلم، وسرت شائعة أن «عبدالناصر» هو المقصود، فالتفتت الرقابة إليه وقررت عدم عرضه، وكان ثروت أباظة هو أكثر الخائفين، حسب الكاتب والمؤرخ الفنى ماهر زهدى فى كتابه «شادية قمر لا يغيب»، قائلا: «جرأة شادية دفعتها إلى القيام بمعركة كبرى على صفحات الصحف مع الرقابة، ولم تقتنع بإلحاح ثروت أباظة بأن يرتضى فريق عمل الفيلم بالأمر الواقع، وألا يثير مشاكل مع الدولة خوفا من أن يتم البطش بهم».
يذكر «زهدى» أن صوت شادية وصل إلى عبدالناصر، فقرر مشاهدة الفيلم فى عرض خاص، وسارع حسين كمال بدعوة فريق العمل لمشاهدته قبل أن يشاهده الرئيس، وأثناء ذلك كان ثروت أباظة يقول: «الأبنودى هو السبب منه لله، الرواية ما كنتش بالشكل ده خالص.. لكن خلاص ما فيش فايدة من الكلام، والفيلم اتحسب عليه، والأحداث اللى فيه هتبين إن أنا اللى كاتبها».. يكشف «زهدى» أنه أثناء العرض الذى دعا إليه حسين كمال، كان الأبنودى يجلس بجوار ثروت أباظة، وكلما مر مشهد أو حوار لا يعجبه تغوص أصابعه فى ذراع الأبنودى بشدة، حتى شعر الأبنودى بألم شديد فى ذراعه، فالتفت إليه هامسًا: فى إيه يا عم ثروت ذراعى اتخدل حرام عليك.. رد ثروت: حرام عليك..منك لله هتودينى فى داهية.. رد الأبنودى: ليه بس ما الفيلم زى الفل أهه.. رد ثروت: ما أنا قلت كده برضه هم علشان اعتقلوك جاى تنتقم منهم فى شخصى، وتفش غلك فى فيلمى، وأروح أنا فى داهية».
كانت النسخة التى شاهدها فريق الفيلم هى التى شاهدها عبدالناصر، وشاهدها أيضًا ثروت عكاشة وزير الثقافة، ودعا على أثرها أسرة الفيلم لمقابلته بمكتبه فى 24 يناير، مثل هذا اليوم، 1969، وفقا للأهرام، 25 يناير، 1969 التى نشرت وبالصور فى صفحتها الأخيرة، قائلة: «فى مكتب وزير الثقافة ثروت عكاشة، اجتمع فنانو وفنيو فيلم «شىء من الخوف» لمقابلته بناء على طلبه.. كان دكتور عكاشة قد شاهد الفيلم فى عرض خاص، وطلب بعده مقابلة جميع العاملين لتهنئتهم شخصيا، وخلال المقابلة قال الوزير: شاهدت أفلاما جيدة هذا الموسم، ولكن هذا الفيلم بلغ مرتبة الامتياز، وأعتقد أنكم بهذا الفيلم ستعبرون البحر الأبيض المتوسط».
.....................................................
#سعيد_الشحات_ذات_يوم_اليوم_السابع
ذات يوم
ذات يوم. 10,410 likes · 6,325 talking about this. إبحار في يوميات التاريخ بسهولة السرد، وتكثيف في العرض