نصت المادة (25) من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات على أن "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تجاوز مائة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من اعتدى على أي من المبادئ أو القيم الأسرية في المجتمع المصري أو انتهك حرمة الحياه الخاصة، أو أرسل بكثافة العديد من الرسائل الالكترونية لشخص معين دون موافقته، أو منح بيانات الى نظام أو موقع اليكتروني لترويج السلع أو الخدمات دون موافقته، أو نشر عن طريق الشبكة المعلوماتية أو بإحدى وسائل تقنية المعلومات معلومات أو أخبارا أو صورا وما في حكمها، تنتهك خصوصية أي شخص دون رضاه، سواء كانت المعلومات المنشورة صحيحة أم غير صحيحة".
- تمهيد:
ــــــــــــــــــ
مما لا شك فيه أن شبكة المعلومات الدولية "الإنترنت" صارت جزءا هاما من الحياة اليومية للمواطنين، ما جعل الناس يعتقدون أنها فضاءً مُباح يمرحون فيه بدون ضابط من أخلاق أو قانون، فتحولت بعض مواقع التواصل الاجتماعي من فضاءات للتعارف إلى منابر للتراشُق، وساحة لنشر ما لا يتفق وقيم المجتمع، فأفرز الواقع الإلكتروني والعالم الافتراضي العديد من التجاوزات الأخلاقية من خلال الاستخدام غير المشروع لمواقع التواصل الاجتماعي
ومن هنا كان قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رادعًا لمن لا يرتدع ذاتيا أو أخلاقيا عن إتيان مثل تلك الممارسات، ليعاقب المجرم المعلوماتي إذا ما اعتدى على الحرية الشخصية للناس أو أساء إليهم أو أزعجهم عمدا، أو اعتدى على القيم والمبادئ الأسرية.
فقد نصت المادة 57 من دستور 2014 على أن "للحياة الخاصة حرمة وهي مصونة لا تمس.
وللمراسلات البريدية والبرقية والالكترونية والمحادثات الهاتفية وغيرها من رسائل الاتصال حرمة، وسريتها مكفولة ولا تجوز مصادرتها أو الاطلاع عليها أو رقابتها، إلا بأمر قضائي مسبب ولمدة محددة وفى الأحوال التي يبينها القانون.
كما تلتزم الدولة بحماية حق المواطنين في استخدام وسائل الاتصال العامة بكافة أشكالها، ولا يجوز تعطيلها أو وقفها أو حرمان المواطنين منها بشكل تعسفي وينظم القانون ذلك".
ويُعد الحق في حرمة الحياة الخاصة من أكثر الحقوق التي تواجه انتهاكا بعد التطور والانتشار السريع لشبكة الإنترنت والهواتف النقالة عالية الجودة، ووسائل التصوير الرقمي، التي أصبحت في أيدي الغالبية العظمى من الناس، واستعمال أجهزة التنصت عن بُعد، مما سهَّل التقاط ونقل وتسجيل الأحاديث والصور، واختراق البريد الإلكتروني والمواقع وصفحات التواصل الاجتماعي، مما يعد انتهاكا شديدا لحق الفرد في الخصوصية.
ومما يجدر الاشارة اليه أنه حتى تاريخ موافقة البرلمان على قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات في يونيو سنة 2018 لم يكن في مصر قانون يجرم العدوان على هذه الخصوصية عن طريق الإنترنت، وكان قانون العقوبات يجرمها بنصوص تم وضعها قديما قبل ظهور هذه التقنية، ومن ثم كانت هذه الجرائم إذا ارتكبت عن طريق أجهزة الاتصالات أو الانترنت، أي كانت هذه التقنية هي الأداة في ارتكابها واختصت بها المحاكم الاقتصادية نظرا لتجريم قانون تنظيم الاتصالات رقم 10 لسنة 2003 لإزعاج الغير بواسطة أجهزة الاتصالات وإساءة استعمال أو الاشتراك في اساءة استعمال هذه الأجهزة، أو قيام موظف الاتصالات بإذاعة أو نشر أو تسجيل لمضمون رسالة اتصالات دون سند قانوني، أو إفشاء الموظف بدون وجه حق أية معلومات خاصة بمستخدمي شبكة الاتصالات أو ما يتلقونه من اتصالات، كان وصف الجريمة يتعدد وتختص بها المحاكم الاقتصادية.
ولكن المشكلة التي كانت تثور قبل صدور قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، هي أن قانون العقوبات عندما كفل حماية تلك الحرمات لم يكن العلم الحديث قد كشف لنا عن وسائل التقنيات الحديثة في مجال الاتصالات، والتي من شأنها تسهيل الاعتداء على تلك الحرمات بكل سهولة ويسر وسرعة اقتراف الجريمة، فلم يعد انتهاك المسكن بالطريقة المألوفة لدى كافة الناس بل يمكن أن تحدث داخل مكان مغلق من خلال أجهزة توضع خارج مسكنه أو تلصق بالنافذة أو عن بُعد عن طريق الإنترنت أو التليفون محمول أو أية وسيلة أخرى من هذا القبيل وما أكثرها.
كما أن قانون العقوبات قصر هذه الحماية على حرمة المساكن والمراسلات وأسرار المهنة والأحاديث الخاصة، في حين يعتبر دخول الشخص إلى النظام المعلوماتي الخاص بالأفراد والموجود في أجهزتهم الشخصية بداخل مساكنهم الخاصة (مثل الهارد ديسك) يعتبر تعديا واضحا وصارخا على حقوقهم وحرياتهم الشخصية، فقد أصبح من السهل اقتحام تلك الخصوصية والاطلاع على أمور الحياة الخاصة للأفراد وذلك اذا ما تم اختراق الحواسيب الشخصية لهم وأسرارهم التي تخزن عادة في (Hard Disk) بجهاز الكومبيوتر أو في ذاكرة الهاتف الذكي أو بريدهم الالكتروني أو مواقعهم أو صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي.
إن حماية المجتمع من جرائم الاعتداء على القيم الأسرية ومبادئ المجتمع واجب وطني يشارك فيه جميع المواطنين، الذين يقع عليهم واجب الإبلاغ عنها لا سيما الشباب.
(وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا) صدق الله العظيم.
والحديث الشريف: (ما كان الفحش في شيء إلا شانه، وما كان الحياء في شيء إلا زانه) سورة النساء: الآية (27).
فإذا كان الإبلاغ عن جريمة حق لكل مواطن، إلا أنه لا يصح الإبلاغ عن جريمة من خلال ارتكاب جريمة، فتلك التي نشرت على شبكة الإنترنت فيديو يصور تعرضها لجريمة اغتصاب، فقد ارتكبت جريمة هي نشر محتوى إلكتروني مخل وخادش للحياء، ومن حق، بل من واجب النيابة العامة أن تتصدى لهذا الجرم.
ومن جَاهَرت على شاشة قناة فضائية، بأنها تشاهد أفلام "البورنو" الإباحية، وأن فيها قصصا جميلة، ودعت الشباب إلى مشاهدتها، فقد ارتكبت جريمة تحريض على الفسق، والإخلال بقيم المجتمع، ووجب على النيابة العامة التصدي لها.
ومن يَنعت نساء إحدى المحافظات بالزنا نظرا لسفر أزواجهن للعمل في الخارج سعيا على أرزاقهم، فقد ارتكب جريمة القذف في حقن عبر شبكة الإنترنت أو عبر قناة تليفزيونية علانية.
ومن ينشر أغاني "المهرجانات" الهابطة، التي تنحدر بالذوق العام إلى الحضيض لاحتوائها على تحبيذ للمخدرات، وانطوائها على تلميحات جنسية، فهو يرتكب جريمة ضد قيم المجتمع فضلا عن خدش الحياء العام.
ومَن تدعو الفتيات صغيرات السن إلى إنشاء علاقات خليعة مع الرجال على شبكات التواصل الاجتماعي بهدف تحقيق ربح، فهو سلوك ودعوة للرذيلة مما يقع تحت طائلة القانون، ومما يدخل في السلوك المادي المكون لجريمة الاتجار بالبشر.
فمثل هذا - وغيره مما يماثله - لا يعدو أن يكون شرا غايته تبديد وإهدار قيم المجتمع، وتزيين الفواحش وتعاطي المخدرات والخلاعة للشباب والفتيات.
فهل المطلوب من النيابة العامة وجهات الدولة الشرطية والقضاء، غض الطرف بمقولة إن ضبط هذه الجرائم يعد حملة ضد المدونين على شبكة الإنترنت؟! وبدعوى الحرية الشخصية، التي يجب أن تقف حدودها عند عدم إهدار قيم المجتمع والأسرة.
إن الحرية الشخصية لا تعني أبدا خدش حياء الغير، وهدم قيم وأخلاقيات المجتمع، وقيم الأسرة، التي حث عليها الدين الحنيف.
فماذا نصنع إذا رأينا الخناصر قد انعقدت على مَحو القيم وإهانة الفضائل بلغة سوقية ركيكة، تنهل من ألفاظ جنسية مُتدنية، ماذا نصنع؟ أنبتسم ابتسامة المُهادنة؟ أم ابتسامة المُداهنة؟
إن اللطف مع هذه الدسائس مَرض ينبغي علاجه، والإسراع في تقديم المتهمين لساحة العدالة أبسط قواعد العدل، غَيرة على القيم التي يجب أن تُحمَى، والأخلاق التي يجب أن تُصان.
إن الآداب والفنون دعامتان رئيسيتان في بناء الأمم والحضارات، ينبغي أن تقدم غذاء صالحًا يبني ولا يهدم، يُعمِّر ولا يخرِّب، لقد خلَّد التاريخ عمالقة في الأدب والفنون قدموا فكرا بنَّاءً للمجتمع، حتى تجاربهم الشخصية صاغوها في قالب عَفٍّ نظيف بعيد عن الإسفاف، وما الأيام للدكتور طه حسين بمنكرة أو مستهجنة، ولكن لما اضْمَحلت البراعة الأدبية عند المُتأخرين في الألفاظ والمعاني، والفن وخلافه، اتجهوا إلى الابتذال في استثارة الغرائز.
فمثل ما سَلَفَ من نماذج العدوان على قيم المجتمع، هو في الوقت نفسه عدوانا على الآداب العامة، التي هي كل ما يتصل بحُسن السلوك وحُسن القول، وحُسن الفن، والتي تراعى المبادئ الأخلاقية التقليدية، والمتفق بين أفراد المجتمع على وجوب الالتزام بها في العلانية على الأقل، فيكون انتهاك هذه المبادئ عن طريق إغفالها وعن التمسك بها، أو الدعوة بأي منشورات أو تغريدات، أو ما شابه، لابد من الوقوف في وجهها طبقا لأحكام القانون.
وقد أرست محكمة النقض هذه القيم فيما قضت به من أن: "الكتب التي تحوى روايات لكيفية اجتماع الجنسين، وما يحدثه ذلك من اللذة، كالأقاصيص الموضوعة لبيان ما تفعله العاهرات في التفريط في أعراضهن وكيف يَعرضن سلعتهن، وكيف يتلذذن بالرجال وكيف يتلذذ الرجال بهن، هذه الكتب يعتبر نشرها انتهاكا لحرمة الآداب وحسن الأخلاق لما فيه من الإغراء بالعُهر خروجا على عاطفة الحياء وهدمًا لقواعد الآداب العامة المصطلح عليها، والتي تقضى بأن اجتماع الجنسين يجب أن يكون سرِّيا وأن تُكتم أخباره، ولا يُجدى في هذا الصدد القول بأن الأخلاق تطورت في مصر بحيث أصبح عرض مثل تلك الكتب لا ينافى الآداب العامة استنادا إلى ما يجرى في المراقص ودور السينما وشواطئ الاستحمام لأنه مهما قلَّت عاطفة الحياء بين الناس فإنه لا يجوز للقضاء التراخي في تثبيت الفضيلة وفى تطبيق القانون.
- صور الركن المادي للجريمة في هذا القانون:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الاعتداء على أي من المبادئ أو القيم الاسرية في المجتمع المصري:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يتمثل السلوك المادي في هذه الصورة باستخدام تقنية المعلومات أو الشبكات المعلوماتية أو شبكة الانترنت لبث أو إرسال أو مخاطبة الأفراد على نحو يهدم الترابط الأسرى أو يقلل من شأن العمل الإيجابي من أجل الأسرة، أو الحث على التنافر فيما بين أفرادها أو النيل من الضوابط والمبادئ التي تحكمها.
- المقصود بالأسرة والقيم الأسرية:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأسرة في القانون هي كيان اجتماعي ينتمي له الأفراد وتختلف مواقعهم فيه، وهي نواة كل مجتمع كما نص دستور مصر 2014 في مادته العاشرة: "الأسرة أساس المجتمع، قوامها الدين والأخلاق الوطنية، وتحرص الدولة على تماسكها وترسيخ قيمها".
فما يسود فيها، يسود من المجموع في المجتمع، ومن هنا وجب عدم الإخلال بالقيم والمبادئ التي تقوم عليها.
والأسرة هي أول بيئة ينشأ فيها الطفل، وبالتالي هي أول من يُعلمه السلوك القويم، والعادات والتقاليد والأخلاق الحميدة، فإما أن ينشأ على المَودة والسكينة والوطنية والقيم الدينية، وإما يَشُب على القسوة والاضطراب والاغتراب والعنف. وتعتبر الأسرة أكبر مجتمع تُدَعَم القيم في داخلها، وبقدر وحدة القيم داخل الأسرة يكون تماسك المجتمع أو تفككه، ولذلك حرص المشرع المصري على حماية هذه القيم سواء بالنص على ذلك في قانون العقوبات، أم في القوانين الجزائية الخاصة مثل قانون تنظيم الاتصالات، وقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، لِما لتقنية المعلومات وشبكات المعلومات وشبكة المعلومات الدولية "الانترنت" وأجهزة الاتصالات الحديثة من أثر بالغ على هذه القيم والمبادئ الأسرية في المجتمع المصري، وذلك لِما يتوافر على شبكة الإنترنت من أفكار وقيم وعادات وثقافات وسلوكيات تختلف في معظمها وتتناقض في الكثير منها مع أفكار وقيم وثقافات المجتمع المصري والأسرة المصرية، مما يشكل تهديدا لهذه القيم والمبادئ.
وبدأ مصطلح القيم الأسرية في الانتشار مع بدايات القرن العشرين والواحد والعشرين بعد الحرب العالمية الثانية، حيثُ كان الاعتقاد آنذاك؛ أن قيمة الأسرة في تراجع لحساب الفرديّة والحريات الشخصية.
ويُرمز "للعائلية" أيضا، بأنها أيدولوجيا مرتبطة بالقيم المحافظة، وما يُعرف بالعادات والتقاليد المُتوارثة عبر الأجيال.
والقيم الأسرية هي أيضا مجموعة الأخلاقيات والمعايير الاجتماعية، التي يتم نقلها للأطفال عن طريق التربية، كالصدق، والأمانة، وحب الخير وعدم إيذاء الآخرين واحترام الكبير، والتسامح ...إلخ هذه الصفات الحميدة.
إذن، فإن القيم الأسرية في سياق المجتمع المصري، لا تُحددها الأسرة، بل هي محددة بالقانون والدستور.
ومفهوم القيم الأسرية وقيم المجتمع، مسألة موضوعية يقدرها قاضي الموضوع؛ مستندا في ذلك إلى العُـرف السائد في المجتمع، أي مما يَعتبره المجتمع ليس متصادمًا مع الأخلاق من عدمه.
واستخدام مواقع التواصل والسوشيال ميديا عمومًا في نشر فيديوهات راقصة وصور فاضحة، وأغاني تحتوي على إيحاءات جنسية، يمثل خطورة على المجتمع، لا سيما النشء، فقد يترسب في وجدانه وذاكرته لشيوع هذا الهراء أنه أمر طبيعي أو عادي، وهي في ذات الوقت تتجاوز حدود المقبول اجتماعيا.
ومن أمثلة القيم الأسرية: الترابط الأسرى، وبِـر الوالدين واحترامهما، وتقوية العلاقة بين الزوجين، وحُب الأسرة والانتماء لها والعلاقة الحسنة بالجيران، إلخ.
ومما لا شك فيه أن الأسرة تواجه مشكلات شتى مع الأبناء نتيجة وقوعهم تحت التأثير البالغ للإنترنت والمحمول والحاسبات الآلية، وبرمجيات التكنولوجيا المعاصرة، مما يؤثر بالسلب على مبادئ وقيم الأسرة وأبرزها انقطاع التواصل والحديث والتجمع اليومي فيما بين أفرادها بسبب إفراطهم في استعمال تلك الأجهزة على مدار الساعة، ومن هنا وجب ضبط هذه المسائل حتى لا تهدر القيم.
ويقع السلوك المادي في هذه الصورة بالنشر عبر شبكة الإنترنت أو في مواقع التواصل الاجتماعي أو البريد الالكتروني أو بأي طريقة إلكترونية كانت، ما يُحبذ أو يدعو أو يُروج لعدم الصدق والأمانة واحترام الوالدين والعفة، أو ما يدعو لهدم قيمة العلم والتدين سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وسواء بمقال أو رسالة الكترونية أو مادة مرئية أو مسموعة أو برسم أو كاريكاتير أو مسلسل أو فيلم ما دام كان النشر عن طريق تقنية المعلومات.
فهل يُعتبر ما تحويه بعض المسلسلات والأفلام من مشاهد مُتوالية على مَدار المسلسل أو الفيلم من خيانة بين المحارم، أو القتل من أجل المال أو الميراث، وما يَتفوه به المُمثلون من عبارات بذيئة، أو تلميحات جنسية بُغية الإضحاك الهابط، أو التبذل في خطاب الابن لأبيه أو أمِّه، أو لفتاة تبيت مع صديقها أو تتعاطى معه المخدرات، أو الترويج لتعاطي المخدرات كلما مرَّ البطل بأذمة ما، إلا هدمًا للقيم الأسرية؟!
ويستوي أن يقع هذا السلوك بالتخاطب والتواصل الصوتي أو المرئي أو الهاتف المحمول أو البريد الالكتروني أو المواقع وصفحات التواصل الاجتماعي أو التغريدات، وسواء كان ذلك بالصور أو الرسوم أو الإرسال التليفزيوني أو الارسال المسموع أو الألعاب الالكترونية، أو كان في صورة مقال أو مسلسل أو فيلم، ما دام الجاني قد استخدم في توصيلها للأفراد تقنية المعلومات أو شبكة الإنترنت، ومواقع التواصل الاجتماعي.
ومسألة ما إذا كان سلوك الجاني يُعد اعتداء على المبادئ والقيم الأسرية من عدمه، فذلك مما يخضع لتقدير قاضى الموضوع يستخلصه في ضوء قيم الأسرة المصرية ومبادئها التي استقرت في أذهان الناس وتعارفوا عليها.
ولقد برز هذا النوع من الاعتداء على القيم الأسرية بعد شيوع استخدام تطبيقات التواصل الاجتماعي عبر شبكة المعلومات الدولية "الإنترنت" ومنها ما شهده المجتمع المصري 2020 من أحداث قضية عرفت إعلاميا بــــ (فتاة التيك توك) اتهمت فيها فتاتين، قامت إحداهما بنشر صور ومقاطع مرئية مُخلة وخادشة للحياء العام على حسابها الشخصي على شبكة المعلومات الدولية الإنترنت، وقامت الثانية بالإعلان عن طريق حسابها الشخصي على ذات الشبكة لعقد لقاءات مخلة بالآداب عن طريق دعوة الفتيات البالغات والقاصرات إلى وكالة أسستها عبر تطبيق التواصل الاجتماعي المسمى "لايكي" للقاء الشباب عبر محادثات مرئية مباشرة وإنشاء علاقات صداقة خليعة؛ مقابل حصولهن على أجر يَتحدد بمدى اتساع مساحة المتابعين لهذه المحادثات وهذه الخلاعة، وهو ما قام به السلوك المادي لهذه الجريمة، فضلا عن جريمة الاتجار بالبشر.
وتصدت النيابة العامة للقضية بالتحقيق وأحالتهما إلى المحاكمة الجنائية متهمة كلتاهما: أولا - "بالاعتداء على المبادئ والقيم الأسرية في المجتمع المصري، بأن قامت الأولى بنشر صور ومقاطع مرئية مخلة وخادشة للحياء العام على حسابها الشخصي على شبكة المعلومات الدولية، وقامت الثانية بالإعلان عن طريق حسابها لعقد لقاءات مخلة بالآداب عن طريق دعوة الفتيات والبالغات والقاصرات على حد سواء إلى وكالة أسستها على تطبيق التواصل الاجتماعي المسمى "لايكي" للقاء الشباب عبر محادثات مرئية مباشرة وإنشاء علاقات صداقة مقابل حصولهن على أجر يتحدد بمدى اتساع المتابعين لتلك المحادثات التي تذاع للكافة دون تمييز. ثانيا: قامتا بإنشاء وإدارة واستخدام حسابات خاصة على شبكة المعلومات الدولية تهدف إلى ارتكاب الجريمة موضوع الاتهام السابق". وقضت محكمة أول درجة بعقابهما( ).
(2) إرسال العديد من الرسائل الاليكترونية لشخص معين بكثافة دون موافقة:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
البريد الالكتروني هو من التقنية التي تُسهل الاتصال بالأشخاص سواء كتابة بإرسال رسالة نصية، أو بإرسال مقطع صوتي أو مقطع فيديو أو رسم أو صورة، وما شابه ذلك.
ويتحقق السلوك المادي في هذه الصورة من خلال إرسال الجاني للمجني عليه رسائل الكترونية بكثافة على بريده الالكتروني أو على الخاص في صفحته على الفيس بوك بكثافة دون موافقته، أيا كان نوع وطبيعة هذه الرسالة، لأن إغراق بريده أو صفحته بهذه الرسائل الكثيفة بدون موافقته يعد اعتداء على حرمة حياته الشخصية.
ويستوي أن تكون هذه الرسائل مخلة بالحياء، أو تنطوي على أي جرمة ما، أو كانت رسائل عادية ليس فيها شيئا من ذلك، ويعتبر إرسال إعلانات بكثرة من شركات الإعلانات أو الشركات المنتجة لأية منتجات ترغب في تسويقها محققا للسلوك المادي لهذه الصورة من الجريمة.
ومسألة ما إذا كانت الرسائل المرسلة من الجاني تعد من الكثافة بمكان من عدمه، فتلك مسألة موضوعية تخضع لتقدير قاضى الموضوع يستخلصها من ظروف وملابسات الدعوى.
(3) منح بيانات الى نظام أو موقع اليكتروني لترويج السلع أو الخدمات بدون موافقة صاحبها:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إن قيام الدولة والأجهزة التابعة لها أو قطاع الأعمال الخاص بإنشاء نُظم المعلومات الآلية، ليس من الأمور المُطلقة دون ضوابط، فقد وضعت التشريعات المقارنة مجموعة من هذه الضوابط والضمانات والتي تهدف إلى رقابة فاعلة على إنشاء نظم المعلومات وكيفية استخدامها وذلك حماية للحريات العامة ومنها الحريات الشخصية( ).
ومعلومات الأشخاص عموما تتوافر لدى الكثير من الجهات بسبب معاملاتهم الإلكترونية، لا سيما عندما يتم التسوق عبر شبكات الإنترنت أو عبر مواقع المراكز التجارية، فتكون بيانات الشخص الاسمية أو الشخصية والمهنية وغيرها متاحة لدى هؤلاء.
وبصدور قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات أصبح محظورا تجميع البيانات عن الأشخاص وإجراء معالجة لها إلا برضاء الشخص طبقا للمادة (25) من هذا القانون.
والتجميع قد يكون من عناوين البريد الالكتروني للأشخاص بدون علمهم، وقد يكون عن طريق ملفات "الكوكيز" وهي ملفات نَصية يُرسلها الخادم الخاص بالموقع الذى يتم زيارته أو عند الاتصال بالإنترنت إلى القرص الصلب للكمبيوتر المربوط بشبكة الإنترنت وتُسمى في هذه الحالة (IP ) كما يوضح الكوكيز نوع الجهاز المتصل والبيانات التي يكون مطلوبا من المستخدم إدخالها كالاسم والبريد الإلكتروني ورقم البطاقة البنكية مثلا، وفى حالة الاتصال بأي موقع يحتفظ الموقع بنسخة من ملف الكوكيز المحتوى على هذه البيانات؛ فيتم التعرف على المستخدم عند زيارته للموقع مرة أخرى، ومن هنا يمكن تجميع البيانات عن الشخص، كما يتم من خلال الكوكيز معرفة المواقع التي يزورها المستخدم، وهو الأمر الذى يُستخدم في إرسال الاعلانات للأشخاص، بل يمكن سرقة هذه المعلومات وإجراء تصفح بدلا من الشخص نفسه.
كما يتم تجميع البيانات عن طريق البريد غير المرغوب فيه، مثل رسائل معايدة أو تهنئة من مجهول، أو غرف الدردشة أو المجموعات الإخبارية، وتقوم الجهات التي تتولى تجميع هذه البيانات عن الأشخاص ببيعها إلى شركات تجارية أو مراكز تسوق أو مواقع الخدمات الأخرى.
وأكثر ما تتوافر عليه بيانات عن الأشخاص هي مواقع التواصل الاجتماعي؛ لأنها تعتمد على الصفحات الشخصية التي تحتوي على خانات للبيانات الشخصية للمستخدمين "الاسم والعمر ومكان الإقامة والمهنة وتفضيلاتهم وصورهم وملفاتهم المرئية إلخ" فهي صفحات شخصية أصلا تمكنهم من الظهور بالأسلوب الذي يرغبون في الظهور به للآخرين، ومن خلال معلومات الكوكيز هذه يتم اختراق المواقع والدخول إلى صفحة المستخدم أيضا.
كما تتوافر البيانات عن الأشخاص من المعاملات البنكية من ماكينات الصرف الآلي، وحجز الفنادق والمطاعم وتذاكر الطيران والسفر للخارج يتم بشكل رقمي، ودفع الفواتير المنزلية، وفى كل هذه العمليات يكون مطلوبا من الشخص إدخال بيانته الشخصية، فأنظمة المعلومات تزيد كمية البيانات المجمعة والمعالجة عن الأشخاص.
وكثيرة هي الابتكارات التكنولوجية التي تجمع البيانات الشخصية حول الأشخاص وتخزنها وتعالجها معلوماتيا كتقنيات المراقبة الفيديوية ورقابة البريد الإلكتروني والاتصالات، مما يشكل اعتداءً على الحياة الخاصة للأشخاص لا سيما عندما تستخدم تلك المعلومات لغايات مختلفة بدون رضاء أصحابها.
وقبل صدور قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، لم يكن ثمة تنظيم أو حماية لبيانات الأشخاص، وكان مما يَحدث أن تتداول هذه البيانات لدى شركات التسويق والدعاية وكانت تغمر الأشخاص بعشوائية بالرسائل التسويقية أو الاعلانية وأيضا بالاتصال المباشر بهم مما يسبب لهم ازعاجا.
وقد فطن المشرع المصري إلى هذه المضايقات واعتبرها من صور العدوان على الحياة الخاصة للمواطن، فجرَّم كل من يمنح بيانات شخص إلى نظام أو موقع الكتروني من المواقع الدعائية، كالتي تقوم بترويج السلع أو الخدمات المختلفة بدون موافقة الشخص.
وبالتالي يقوم الركن المادي لهذه الجريمة، في حالة ما إذا قامت جهة من الجهات، أو حتى فرد، بمنح بيانات شخص ما لموقع من المواقع التسويقية للسلع أو أي نوع من الخدمات بدون موافقته، سواء اتصل به أو راسله هذا الموقع أم لم يتصل إذا ثبت هذا المنح للبيانات، وغالبا لن يتأتى للشخص الممنوح بياناته لأي من هذه المواقع إلا إذا راسلته إلكترونيا أو اتصلت به مباشرة بأي وسيلة اتصال والتي غالبا ما تكون الهواتف المحمولة.
ومن ثم فإن البيانات المعالجة إلكترونيا في نطاق أي تعامل عبر الشبكات المعلوماتية صارت لها حرمتها وسريتها، ولا يحق لأي شخص أو جهة أن تمنحها للمواقع التسويقية والخدمية بدون رضاء صاحب هذه البيانات.
- البيانات الشخصية للأشخاص:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مع انتشار شبكة الإنترنت وتطورها، لم تعد البيانات الشخصية قاصرة على الاسم واللقب والعنوان البريدي، بل اتسعت لتشمل صورة الشخص، واهتماماته ومهنته وسلوكياته وعاداته، وغيرها من البيانات.
ويعتبر بيانا شخصيا يحميه قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات أي معلومة تتعلق بشخص طبيعي محدد الشخصية، أو من الممكن تحديدها من خلال تلك المعلومة.
والاسم واللقب من البيانات الشخصية، والاسم من الحقوق اللصيقة بالشخصية حسب المادتين 38، 51 من القانون المدني المصري وهو الذي يميز أفراد المجتمع عن بعضهم.
ولا يشترط أن يكون اسم الشخص في العالم الافتراضي أو في مجال التعامل مع شبكة الإ،نترنت هو اسمه الحقيقي فقد يتخذ اسما افتراضيا أو مستعارا ولكنه يدل عليه ويمكن من خلاله الوصول إلى شخصه.
ومن التطبيقات والاستخدامات التي يظهر فيها الاسم البريد الالكتروني والصفحات الشخصية مثل صفحات الفيس بوك وتويتر وغيرها ومواقع التسوق الالكتروني أو مواقع المراكز والمحال التجارية.
وبالتالي يقوم الركن المادي لهذه الجريمة؛ إذا ما منح أي من هذه الجهات معلومات عن الاسم لموقع من مواقع التسويق أو الخدمات بدون رضاء صاحب الاسم.
والصور أصبحت من البيانات الشخصية للشخص الطبيعي، وبفعل التطور التقني المستمر، فإنه يتم تخزين الصور عند التعامل الالكتروني في مناحي التعامل الإلكتروني المختلفة.
فإذا ما قام الجاني بمنح صورة الشخص، فإنه يكون قد منح جزءا من بيانات هذا الشخص بدون رضائه، ويقوم بهذا المنح صورة من صور السلوك المادي للجريمة.
والرقم الشخصي الذي يُمنح للشخص الطبيعي كالرقم القومي والرقم التأميني يعتبر من البيانات والمعلومات الخاصة.
وعنوان المسكن أو العمل أو البريد الالكتروني هي من البيانات الشخصية التي تتعلق بشخص معين أو بشخص من الممكن تحديده عن طريقها، ومن ثم كان منحها لمواقع التسويق والخدمات الأخرى بدون رضاء صاحبها يشكل صورة من صور السلوك المادي لهذه الجريمة.
ورقم الهاتف المنزلي أو المحمول ورقم السيارة من البيانات الشخصية التي يكون منحها لمواقع التسويق والخدمات الأخرى بغير رضاء صاحبها سلوكا مكونا للركن المادي لهذه الجريمة معاقب عليه قانونا.
(4) القيام بالنشر عن طريق الشبكة المعلوماتية أو بإحدى وسائل تقنية المعلومات، لمعلومات أو أخبار أو صور وما في حكمها تنتهك خصوصية أي شخص دون رضاه:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
موضوع هذه الصورة من السلوك الاجرامي الذي يقوم به الركن المادي في هذه الجريمة هو معلومات عن الشخص، أو أخباره، أو صوره وما في حكمها.
- مفهوم النشر الالكتروني:
النشر الإلكتروني للمعلومات، يعنى معالجة المعلومات وتخزينها وبثها إلكترونيا عبر شبكات المعلومات، أو عبر أي من وسائل تقنية المعلومات، مثل الأقراص المضغوطة والفيديو أو أجهزة الاتصال الحديثة ليطلع عليها العامة دون تخصيص.
- نشر المعلومات:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يقع السلوك الإجرامي بقيام الجاني عن طريق شبكة معلوماتية أو بإحدى وسائل تقنية المعلومات بنشر معلومات عن المجني عليه دون رضاه.
ومع عموم النص فإن "المعلومات" يستوي أن تكون مالية أو تجارية أو صناعية أو شخصية أو عائلية أو مهنية أو غيرها.
والمعلومات كانت في الأصل بيانات تتعلق بالشخص، وتم إدخالها بعد معالجتها إلى الحواسيب الآلية أو وسائل الاتصال أو شبكات المعلومات لتتحكم فيها من خلال تجميعها وتخزينها ومعالجتها، ليتم استرجاعها ثم طبعها أو نشرها في صورة مخرجات.
ويستوي في المعلومات المنشورة عن المجني عليه أن تكون في صورة نصوص مكتوبة أو رسومات أو فيديوية أو صوتية إلخ.
- نشر الأخبار:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الخبر هو ما يُنقل ويُحدَّث به قولا أَو كتِابة، ونشر الأخبار يعنى اذاعتها على العامة.
ونشر الأخبار الكترونيا يقتضي وجود برامج معلوماتية ووسائل تقنية تتيح للناشر الدخول على الإنترنت لتبادل المعلومات، ثم يَنشر الأخبار التي تم تخزينها ومعالجتها من خلال الشبكة المعلوماتية.
وتقع الجريمة في هذه الصورة سواء بنشر أخبار عن الشخص لأول مرة أو بإعادة النشر، ولا يُشترط أن تكون تلك الأخبار صحيحة أو غير صحيحة، شخصية أو عامة.
ولم يتطلب المشرع صفة خاصة فيمن يقوم بنشر الأخبار، فالجريمة تقع بمجرد نشر الأخبار التي تخص شخص ما عن طريق الشبكة المعلوماتية أو بإحدى وسائل تقنية المعلومات.
ونظرا لعدم تقييد المشرع "للأخبار" بوصف معين، فإن السلوك المادي للجريمة يرتكب بنشر أية أخبار عن المجني عليه بدون رضاه، يستوي أن تكون أخبارا شخصية أو عامة والتي لا يرغب في نشرها بدون رضاه.
- نشر الصور:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صورة الشخص أصبحت بفعل التطور التقني المستمر جزءا من بياناته الشخصية، وبفعل ذات التطور التقني فكثيرا ما يتم تخزين صور الأشخاص عند التعامل الالكتروني لهم في شتى مناحي التعامل، حتى أن كثيرا من الأطباء وهم يُدخلون بيانات مرضاهم على الحاسب الآلي المتضمنة الاسم واللقب والسن والعنوان والمهنة والبريد الالكتروني صاروا يصورون الأشخاص للاحتفاظ بصورهم مقرونة بباقي بياناتهم الشخصية.
ولذلك فقد أصبحت صور الأشخاص مهددة بفعل التطور التقني المستمر في مجال جمع المعلومات أو البيانات وتخزينها، ومعالجتها ونشرها أو مشاركتها مع الآخرين، ولهذا، فإن الاعتراف للشخص بحق على صورته يعطيه إمكانية الاعتراض على تناولها بأي فعل من الأفعال التقنية، وكذلك حقه في اقتضاء التعويض عن الأضرار التي أصابته من جراء ذلك؛ أمر بات من الضروريات في مجتمعه، يزداد إقبالا على الحضور الافتراضي في عالم الانترنت، بما يعنى خضوع صور الأشخاص لهذه الأفعال بشكل يسير
وصورة الشخص تتمتع بحماية قانونية باعتبار أن الحق في الصورة هو مظهر من مظاهر الحق في الخصوصية( ).
ويستوي أن تكون صورة الشخص الطبيعي صورة ثابتة أم صورة متحركة فهي بيان شخصي يخضع للحماية القانونية.
واعتبرت اللجنة القومية للمعلوماتية والحريات في فرنسا أن صورة الشخص الطبيعي سواء أكانت ثابتة أم صورة متحركة بيان شخصي يخضع للحماية القانونية، وكذلك الأمر بالنسبة إلى صوت الشخص فقد اعتبرته اللجنة بيانا شخصيا، وقد استندت اللجنة في ذلك إلى أن التكنولوجيا الرقمية الحديثة قد سمحت بمعالجة الصوت والصورة ووضعهما على دعامة واحدة بجانب النص مما يؤدى إلى اعتبارهما بيانات شخصية يمكن معالجتها بطريقة منفصلة( ).
- نشر ما في حُكم ذلك:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ويتضح من عبارة معلومات أو أخبار أو صور أو "وما في حكمها" أن المشرع توسع في مفهوم ما يمكن نشره من خصوصيات عن المجني عليه عن طريق شبكة معلوماتية أو بإحدى وسائل تقنية المعلومات.
ويشترط في كل صور السلوك الاجرامي لهذه الجريمة أن يكون النشر وإرسال الرسائل الالكترونية بكثافة أو اعلانات بدون رضاء المجني عليه، فإذا ثبت رضاءه بذلك سواء كان رضاء صريحا أم ضمنيا انهار الركن المادي للجريمة، واستخلاص هذا الرضا مسألة موضوعية تخضع لتقدير قاضى الموضوع من ظروف وملابسات الدعوى.
(2) انتهاك حرمة الحياة الخاصة (في قانون مكافحة جرائم الانترنت):
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثمة مناطق من الحياة الخاصة لكل فرد تُمثل أغوارا لا يجوز النفاذ إليها، وينبغي دوما ولاعتبار مشروع ألا يقتحمها أحد ضمانا لسريتها وصونا لحرمتها، ودفعا لمحاولة التلصص عليها أو اختلاس بعض جوانبها وبوجه خاص من خلال الوسائل العلمية الحديثة التي بلغ تطورها حدا مذهلا وكان لتنامى قدراتها على الاختراق أثر بعيد على الناس جميعهم حتى في أدق شئونهم، وما يتصل بملامح حياتهم، بل وببياناتهم الشخصية التي غدا الاطلاع عليها وتجميعها نهبا لأعينها ولآذانها، وكثيرا ما ألحق النفاذ إليها الحرج أو الضرر بأصحابها( ).
- ملاحظة هامة:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوصف القانوني لهذه الجريمة يتعدد بإضافة المادة 309 مكررا عقوبات والمحكمة تطبق العقوبة المقررة للوصف الأشد.
ومما لا شك فيه أن الاعتداء على حرمة الحياة الخاصة والذي أصبح من جرائم تقنية المعلومات نظرا لسهولة التواصل بين الأفراد من خلال برامج وأجهزة تقنية متعددة وعبر شبكة الانترنت والهواتف المحمولة.
فالحقوق الملازمة لشخصية الفرد ومنها حياته الخاصة لها حرمة يحميها للقانون، والكشف عنها بطريق إعلانها للغير بأمور من شأنها أن تذيع دون إذن منه أسرارا عن حياته الخاصة يحرص على كتمانها، أو تنطوي على مساس باعتباره وكرامته، يعد اعتداء غير مشروع على هذه الحقوق( ).
- المقصود بالحياة الخاصة:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اختلفت التعريفات لماهية الحياة الخاصة للإنسان، ونحن نرى أن المقصود بالحياة الخاصة في ضوء ما يحميه قانون العقوبات والقوانين الجزائية الخاصة أنها كل شأن يتعلق بحياته الشخصية ولا يحب أن يطلع عليه غيره أو يفشيه بدون رضاه، ومثال ذلك ما يتعلق بحياته العائلية أو المهنية أو الصحية أو بنمط سلوكه أو دخله المادي أو معتقداته الدينية أو الفكرية أو السياسية أو مراسلاته أو محادثاته وجميع المظاهر غير العلنية لما يمارسه في سلوكه الشخصي والتي يحرص على عدم إذاعتها على غيره.
ومن صور الاعتداء على هذه الحياة الخاصة التقاط أو نشر صورة شخص يوجد في مكان خاص وهو المكان الذي لا يرتاده إلا المسموح لهم بذلك كمسكن الإنسان ومكتبه، ولا يشترط لوقوع الجريمة في هذه الحالة أن تكون صورة المجني عليه المنشورة أو الملتقطة له في وضع يخجله أن يطلع عليه الناس لأن الحماية هنا هي حرمة الحياة الخاصة وليس شرفه واعتباره ومن هذه الصور استرق السمع للتنصت على محادثاته ولو كانت في شأن عام وليس خاص، ومنها كذلك منح جهة ما ممن لديهم بياناته إلى موقع مما يروج للسلع أو الخدمات ليغمره بوابل من الرسائل بصدد نشاطه، ومنها أيضا نشر أخبار عن الشخص بدون رضاه ولو كانت هذه الأخبار صحيحة.
وكل ما يشترطه القانون لوقوع هذه الجريمة بهذه الصور من السلوك الإجرامي أو ما يماثلها هو أن يكون العدوان على الحياة الخاصة من خلال النظم المعلوماتية بمعناها الواسع ولا سيما شبكة الانترنت والشبكات المعلوماتية عموما وأي من تقنيات الاتصال الحديثة، فيستوى أن تكون الوسيلة المستخدمة هي الشبكة المعلوماتية أو وسائل تقنية المعلومات كالهاتف النقال المزود بآلة تصوير أو تسجيل فيديوي أو صوتي أو من خلال أية برامج من برامج تقنية المعلومات التي يمكن من خلالها التعدي انتهاك حرمة الحياة الخاصة للناس.
- الركن المعنوي للجريمة:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذه الجريمة من الجرائم العمدية التي يقوم الركن المعنوي فيها على القصد الجنائي العام بعنصريه العلم والإرادة، فيجب أن يعلم الجاني أن سلوكه المتمثل في الاعتداء على المبادئ والقيم الأسرية في المجتمع المصري، أو انتهاك حرمة الحياة الخاصة للمجنى عليه بإرسال رسائل الكترونية له بكثافة، أو منح أي موقع تسويقي بياناته ليرسل له إعلانات، أو قيامه بنشر معلومات عنه، أو أخباره أو صوره عبر شبكة معلوماتية، أو بأي وسيلة تقنية حديثة بدون رضائه، هي كلها أمور يجرمها القانون، ثم تتجه إرادته بعد تحقق هذا العلم في جانبه إلى إتيان أي صورة من صور السلوك الاجرامي سالفة البيات والتي يقوم بها الركن المادي للجريمة راضيا وقوع نتيجة هذا السلوك.
- ظرف مشدد للعقوبة:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إذا وقعت هذه الجريمة بغرض الاخلال بالنظام العام أو تعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر، أو الاضرار بالأمن القومي للبلاد أو بمركزها الاقتصادي أو منع أو عرقلة ممارسة السلطات العامة لأعمالها، أو تعطيل احكام الدستور أو القوانين أو اللوائح أو الاضرار بالوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي تكون العقوبة السجن المشدد(المادة 34).
والمشرع لم يضع تعريفا للنظام العام ولكن الفقه التمس له تعريفات متعددة تدور أغلبها إلى تعريفه بأنه مجموعة القواعد القانونية التي ترمي إلى تحقيق المصلحة العامة للبلاد سواء من الناحية السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية أو الأخلاقية التي يقوم عليها كيان الدولة كما ترسمه القوانين النافذة فيها والتي تتعلق بالوضع الطبيعي المادي والمعنوي لمجتمع منظم تقوم فكرته على أساس مدني بحت يطبق مذهبا عاما تدين به الجماعة بأسرها.
والنظام العام بهذا المفهوم يعنى وجوب المحافظة على الركائز
الأساسية التي يقوم عليها المجتمع، وهي الكيان السياسي والكيان الاجتماعي والكيان الاقتصادي ومن ثم فمتى كان غرض الجاني من ارتكاب الجريمة هو المساس بهذه الركيزة كانت العقوبة هي السجن.
وسلامة المجتمع تعنى سيره وفقا للمجرى الطبيعي من الأمور من خلال انتظام أفراده في أداء نمط حياتهم المعتاد في سكينة وهدوء ومن ثم فمتى كان ارتكاب الجاني لهذه الجريمة بغرض تعطيل هذا النمط الحياتي العادي لأفراد المجتمع كان هذا الظرف المشدد متوافرا وتكون العقوبة هي السجن.
وأمن المجتمع يعنى شعور المواطنين بالسكينة والطمأنينة في حياتهم اليومية سواء على أرواحهم أو أموالهم ومن ثم كان الغرض من ارتكاب الجريمة بث مؤامرات أو إحداث اضطرابات أو فتن من شأنها المساس بهذه السكينة كانت العقوبة السجن.
أما الأمن القومي فهو قدرة الدولة على حماية أراضيها سواء داخليا أو خارجيا، وحماية قدرتها الاقتصادية والعسكرية في مواجهة أي تهديد في الداخل والخارج وفى حالتي السلم والحرب، ومن ثم فهو تعبير عن مجموعة السياسات التي تتخذها الدولة لضمان سلامة إقليمها وشعبها سواء في الداخل أو الخارج.
ومن ثم يدخل في مفهوم الأمن القومي أمن الفرد ضد أي أخطار تهدد حياته أو ممتلكاته، كما يدخل في مفهوم الأمن القومي الحفاظ على الكيان السياسي للدولة سواء على المستوى الداخلي من خلال الحفاظ على تماسك الجبهة الداخلية والسلام الاجتماعي والوحدة الوطنية أم على المستوى الخارجي من خلال مدى تطابق أو تعارض مصالح الدولة مع مصالح غيرها من الدول سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.
ومن الأمن القومي أيضا البعد الاقتصادي وهو يعنى توفير احتياجات الشعب وما يتصل بها من موارد الدولة التي تكفل تحقيق أهدافها ويتحقق ذلك بالنمو الاقتصادي والتقدم التكنولوجي، كما أن البعد الاجتماعي في الدولة هو من الأمن القومي ويعنى ذلك توفير الأمن للمواطنين من خلال إقامة العدل والمساواة بينهم، وكذلك البعد الثقافي كحماية الفكر والمعتقدات والحفاظ على التقاليد والقيم الاجتماعية والثقافية، فمتى كان ارتكاب الجريمة يهدف إلى الإضرار بهذه الثوابت كانت العقوبة السجن.
وتعطيل أحكام الدستور كمنع المواطنين بالقوة من التصويت في صناديق الانتخاب، ومنع إحدى مؤسسات الدولة أو إحدى السلطات العامة من ممارسة أعمالها كمنع رجال الشرطة بالقوة من التصدي لتفريق مظاهرة خطرة على الأمن العام، والاعتداء على الحرية الشخصية للمواطن وغيرها من الحريات والحقوق العامة التي كفلها الدستور والقانون كالتصدي لنواب الشعب تعطيلا لهم عن الاجتماع في مجلس النواب، والإضرار بالوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي كالعدوان على دور العبادة.
والوحدة الوطنية تعنى وجود سلام وتوافق ومحبة بين أفراد الشعب في الوطن الواحد الذي يجمعهم على أرضه وتحت سمائه، والنأي عن استخدام الدين لإثارة الفتن بين طوائف الشعب مختلفة الديانات أو بين أصحاب المذاهب والطوائف المختلفة، وأن تكون هناك عقيدة وطنية لا عقائدية، ومن ثم فإذا كان ارتكاب الجريمة يهدف إلى هدم هذه الوحدة الوطنية وتخريبها وإثارة الفتن بين أفراد الشعب الواحد توافر في حق الجاني هذا الظرف المشدد وكانت الجريمة جناية عقوبتها السجن.
أما السلام الاجتماعي فهو حالة الوئام والتعايش السلمي الناشئ على الوحدة الوطنية بين مختلف طوائف الشعب، فإذا ما كان الغرض من ارتكاب الجريمة هو تعكير صفو هذا السلام الذي يتعين أن يكون عليه أفراد الشعب بمختلف دياناتهم، كانت الجريمة جناية.
- العقوبة:
ـــــــــــــــــــــــــ
عقوبة الجريمة هي الحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تجاوز مائة ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين.
- المصادرة:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
على المحكمة في حالة الحكم بالإدانة في أي جريمة من الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون، أن تقضي بمصادرة الأدوات والآلات والمعدات والأجهزة مما لا يجوز حيازتها قانونا، أو غيرها مما يكون قد استخدم في ارتكاب الجريمة، أو سهل أو ساهم في ارتكابها (المادة 38).
- العزل من الوظيفة:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- للمحكمة إذا قضت بالإدانة على أحد الموظفين العموميين لارتكابه جريمة من الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون، أثناء وبسبب تأديته لوظيفته، أن تقضى بعزله مؤقتا من وظيفته إلا في الحالات المشار اليها في المادة (35) من هذا القانون فيكون العزل وجوبيا (وحالة المادة 35 هي المسئول عن الادارة الفعلية لشخص اعتباري ولم يبلغ عن جريمة من جرائم هذا القانون تعرض لها موقعه أو حسابه الخاص أو بريده الالكتروني أو النظام المعلوماتي (المادة 39).
- الشروع:
ـــــــــــــــــــــ
- يعاقب على الشروع في ارتكاب الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون بما لا يجاوز نصف الحد الأقصى للعقوبة المقررة للجريمة (المادة 40).
- الإعفاء الوجوبي من العقوبة:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يعفي من العقوبات، المقررة للجرائم المنصوص عليها في هذا القانون، كل من بادر من الجناة أو الشركاء إلى إبلاغ السلطات القضائية أو السلطات العامة بما يعلمه عنها قبل البدء في تنفيذ الجريمة وقبل كشفها (المادة 41).
- الإعفاء الجوازي:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ويجوز للمحكمة الاعفاء من العقوبة أو التخفيف منها إذا حصل البلاغ بعد كشف الجريمة وقبل التصرف في التحقيق فيها، إذا مكن الجاني أو الشريك – في أثناء التحقيق – السلطات المختصة من القبض على مرتكبي الجريمة الأخرين، أو على ضبط الأموال موضوع الجريمة، أو أعان أثناء البحث والتحقيق على كشف الحقيقة فيها، أو على القبض على مرتكبي جريمة أخرى مماثله لهذا النوع والخطورة. ولا يخل حكم هذه المادة، بوجوب الحكم برد المال المتحصل من الجرائم المنصوص عليها بالقانون.
- التصالح:
ـــــــــــــــــــــــــــ
ـ لا يجوز للمتهم التصالح في هذه الجريمة (المادة 25) حيث لم ترد ضمن المواد المنصوص عليها في المادة 42 من القانون والتي نظمت أحوال التصالح في بعض جرائم هذا القانون.
www.facebook.com
- تمهيد:
ــــــــــــــــــ
مما لا شك فيه أن شبكة المعلومات الدولية "الإنترنت" صارت جزءا هاما من الحياة اليومية للمواطنين، ما جعل الناس يعتقدون أنها فضاءً مُباح يمرحون فيه بدون ضابط من أخلاق أو قانون، فتحولت بعض مواقع التواصل الاجتماعي من فضاءات للتعارف إلى منابر للتراشُق، وساحة لنشر ما لا يتفق وقيم المجتمع، فأفرز الواقع الإلكتروني والعالم الافتراضي العديد من التجاوزات الأخلاقية من خلال الاستخدام غير المشروع لمواقع التواصل الاجتماعي
ومن هنا كان قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رادعًا لمن لا يرتدع ذاتيا أو أخلاقيا عن إتيان مثل تلك الممارسات، ليعاقب المجرم المعلوماتي إذا ما اعتدى على الحرية الشخصية للناس أو أساء إليهم أو أزعجهم عمدا، أو اعتدى على القيم والمبادئ الأسرية.
فقد نصت المادة 57 من دستور 2014 على أن "للحياة الخاصة حرمة وهي مصونة لا تمس.
وللمراسلات البريدية والبرقية والالكترونية والمحادثات الهاتفية وغيرها من رسائل الاتصال حرمة، وسريتها مكفولة ولا تجوز مصادرتها أو الاطلاع عليها أو رقابتها، إلا بأمر قضائي مسبب ولمدة محددة وفى الأحوال التي يبينها القانون.
كما تلتزم الدولة بحماية حق المواطنين في استخدام وسائل الاتصال العامة بكافة أشكالها، ولا يجوز تعطيلها أو وقفها أو حرمان المواطنين منها بشكل تعسفي وينظم القانون ذلك".
ويُعد الحق في حرمة الحياة الخاصة من أكثر الحقوق التي تواجه انتهاكا بعد التطور والانتشار السريع لشبكة الإنترنت والهواتف النقالة عالية الجودة، ووسائل التصوير الرقمي، التي أصبحت في أيدي الغالبية العظمى من الناس، واستعمال أجهزة التنصت عن بُعد، مما سهَّل التقاط ونقل وتسجيل الأحاديث والصور، واختراق البريد الإلكتروني والمواقع وصفحات التواصل الاجتماعي، مما يعد انتهاكا شديدا لحق الفرد في الخصوصية.
ومما يجدر الاشارة اليه أنه حتى تاريخ موافقة البرلمان على قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات في يونيو سنة 2018 لم يكن في مصر قانون يجرم العدوان على هذه الخصوصية عن طريق الإنترنت، وكان قانون العقوبات يجرمها بنصوص تم وضعها قديما قبل ظهور هذه التقنية، ومن ثم كانت هذه الجرائم إذا ارتكبت عن طريق أجهزة الاتصالات أو الانترنت، أي كانت هذه التقنية هي الأداة في ارتكابها واختصت بها المحاكم الاقتصادية نظرا لتجريم قانون تنظيم الاتصالات رقم 10 لسنة 2003 لإزعاج الغير بواسطة أجهزة الاتصالات وإساءة استعمال أو الاشتراك في اساءة استعمال هذه الأجهزة، أو قيام موظف الاتصالات بإذاعة أو نشر أو تسجيل لمضمون رسالة اتصالات دون سند قانوني، أو إفشاء الموظف بدون وجه حق أية معلومات خاصة بمستخدمي شبكة الاتصالات أو ما يتلقونه من اتصالات، كان وصف الجريمة يتعدد وتختص بها المحاكم الاقتصادية.
ولكن المشكلة التي كانت تثور قبل صدور قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، هي أن قانون العقوبات عندما كفل حماية تلك الحرمات لم يكن العلم الحديث قد كشف لنا عن وسائل التقنيات الحديثة في مجال الاتصالات، والتي من شأنها تسهيل الاعتداء على تلك الحرمات بكل سهولة ويسر وسرعة اقتراف الجريمة، فلم يعد انتهاك المسكن بالطريقة المألوفة لدى كافة الناس بل يمكن أن تحدث داخل مكان مغلق من خلال أجهزة توضع خارج مسكنه أو تلصق بالنافذة أو عن بُعد عن طريق الإنترنت أو التليفون محمول أو أية وسيلة أخرى من هذا القبيل وما أكثرها.
كما أن قانون العقوبات قصر هذه الحماية على حرمة المساكن والمراسلات وأسرار المهنة والأحاديث الخاصة، في حين يعتبر دخول الشخص إلى النظام المعلوماتي الخاص بالأفراد والموجود في أجهزتهم الشخصية بداخل مساكنهم الخاصة (مثل الهارد ديسك) يعتبر تعديا واضحا وصارخا على حقوقهم وحرياتهم الشخصية، فقد أصبح من السهل اقتحام تلك الخصوصية والاطلاع على أمور الحياة الخاصة للأفراد وذلك اذا ما تم اختراق الحواسيب الشخصية لهم وأسرارهم التي تخزن عادة في (Hard Disk) بجهاز الكومبيوتر أو في ذاكرة الهاتف الذكي أو بريدهم الالكتروني أو مواقعهم أو صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي.
إن حماية المجتمع من جرائم الاعتداء على القيم الأسرية ومبادئ المجتمع واجب وطني يشارك فيه جميع المواطنين، الذين يقع عليهم واجب الإبلاغ عنها لا سيما الشباب.
(وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا) صدق الله العظيم.
والحديث الشريف: (ما كان الفحش في شيء إلا شانه، وما كان الحياء في شيء إلا زانه) سورة النساء: الآية (27).
فإذا كان الإبلاغ عن جريمة حق لكل مواطن، إلا أنه لا يصح الإبلاغ عن جريمة من خلال ارتكاب جريمة، فتلك التي نشرت على شبكة الإنترنت فيديو يصور تعرضها لجريمة اغتصاب، فقد ارتكبت جريمة هي نشر محتوى إلكتروني مخل وخادش للحياء، ومن حق، بل من واجب النيابة العامة أن تتصدى لهذا الجرم.
ومن جَاهَرت على شاشة قناة فضائية، بأنها تشاهد أفلام "البورنو" الإباحية، وأن فيها قصصا جميلة، ودعت الشباب إلى مشاهدتها، فقد ارتكبت جريمة تحريض على الفسق، والإخلال بقيم المجتمع، ووجب على النيابة العامة التصدي لها.
ومن يَنعت نساء إحدى المحافظات بالزنا نظرا لسفر أزواجهن للعمل في الخارج سعيا على أرزاقهم، فقد ارتكب جريمة القذف في حقن عبر شبكة الإنترنت أو عبر قناة تليفزيونية علانية.
ومن ينشر أغاني "المهرجانات" الهابطة، التي تنحدر بالذوق العام إلى الحضيض لاحتوائها على تحبيذ للمخدرات، وانطوائها على تلميحات جنسية، فهو يرتكب جريمة ضد قيم المجتمع فضلا عن خدش الحياء العام.
ومَن تدعو الفتيات صغيرات السن إلى إنشاء علاقات خليعة مع الرجال على شبكات التواصل الاجتماعي بهدف تحقيق ربح، فهو سلوك ودعوة للرذيلة مما يقع تحت طائلة القانون، ومما يدخل في السلوك المادي المكون لجريمة الاتجار بالبشر.
فمثل هذا - وغيره مما يماثله - لا يعدو أن يكون شرا غايته تبديد وإهدار قيم المجتمع، وتزيين الفواحش وتعاطي المخدرات والخلاعة للشباب والفتيات.
فهل المطلوب من النيابة العامة وجهات الدولة الشرطية والقضاء، غض الطرف بمقولة إن ضبط هذه الجرائم يعد حملة ضد المدونين على شبكة الإنترنت؟! وبدعوى الحرية الشخصية، التي يجب أن تقف حدودها عند عدم إهدار قيم المجتمع والأسرة.
إن الحرية الشخصية لا تعني أبدا خدش حياء الغير، وهدم قيم وأخلاقيات المجتمع، وقيم الأسرة، التي حث عليها الدين الحنيف.
فماذا نصنع إذا رأينا الخناصر قد انعقدت على مَحو القيم وإهانة الفضائل بلغة سوقية ركيكة، تنهل من ألفاظ جنسية مُتدنية، ماذا نصنع؟ أنبتسم ابتسامة المُهادنة؟ أم ابتسامة المُداهنة؟
إن اللطف مع هذه الدسائس مَرض ينبغي علاجه، والإسراع في تقديم المتهمين لساحة العدالة أبسط قواعد العدل، غَيرة على القيم التي يجب أن تُحمَى، والأخلاق التي يجب أن تُصان.
إن الآداب والفنون دعامتان رئيسيتان في بناء الأمم والحضارات، ينبغي أن تقدم غذاء صالحًا يبني ولا يهدم، يُعمِّر ولا يخرِّب، لقد خلَّد التاريخ عمالقة في الأدب والفنون قدموا فكرا بنَّاءً للمجتمع، حتى تجاربهم الشخصية صاغوها في قالب عَفٍّ نظيف بعيد عن الإسفاف، وما الأيام للدكتور طه حسين بمنكرة أو مستهجنة، ولكن لما اضْمَحلت البراعة الأدبية عند المُتأخرين في الألفاظ والمعاني، والفن وخلافه، اتجهوا إلى الابتذال في استثارة الغرائز.
فمثل ما سَلَفَ من نماذج العدوان على قيم المجتمع، هو في الوقت نفسه عدوانا على الآداب العامة، التي هي كل ما يتصل بحُسن السلوك وحُسن القول، وحُسن الفن، والتي تراعى المبادئ الأخلاقية التقليدية، والمتفق بين أفراد المجتمع على وجوب الالتزام بها في العلانية على الأقل، فيكون انتهاك هذه المبادئ عن طريق إغفالها وعن التمسك بها، أو الدعوة بأي منشورات أو تغريدات، أو ما شابه، لابد من الوقوف في وجهها طبقا لأحكام القانون.
وقد أرست محكمة النقض هذه القيم فيما قضت به من أن: "الكتب التي تحوى روايات لكيفية اجتماع الجنسين، وما يحدثه ذلك من اللذة، كالأقاصيص الموضوعة لبيان ما تفعله العاهرات في التفريط في أعراضهن وكيف يَعرضن سلعتهن، وكيف يتلذذن بالرجال وكيف يتلذذ الرجال بهن، هذه الكتب يعتبر نشرها انتهاكا لحرمة الآداب وحسن الأخلاق لما فيه من الإغراء بالعُهر خروجا على عاطفة الحياء وهدمًا لقواعد الآداب العامة المصطلح عليها، والتي تقضى بأن اجتماع الجنسين يجب أن يكون سرِّيا وأن تُكتم أخباره، ولا يُجدى في هذا الصدد القول بأن الأخلاق تطورت في مصر بحيث أصبح عرض مثل تلك الكتب لا ينافى الآداب العامة استنادا إلى ما يجرى في المراقص ودور السينما وشواطئ الاستحمام لأنه مهما قلَّت عاطفة الحياء بين الناس فإنه لا يجوز للقضاء التراخي في تثبيت الفضيلة وفى تطبيق القانون.
- صور الركن المادي للجريمة في هذا القانون:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الاعتداء على أي من المبادئ أو القيم الاسرية في المجتمع المصري:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يتمثل السلوك المادي في هذه الصورة باستخدام تقنية المعلومات أو الشبكات المعلوماتية أو شبكة الانترنت لبث أو إرسال أو مخاطبة الأفراد على نحو يهدم الترابط الأسرى أو يقلل من شأن العمل الإيجابي من أجل الأسرة، أو الحث على التنافر فيما بين أفرادها أو النيل من الضوابط والمبادئ التي تحكمها.
- المقصود بالأسرة والقيم الأسرية:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأسرة في القانون هي كيان اجتماعي ينتمي له الأفراد وتختلف مواقعهم فيه، وهي نواة كل مجتمع كما نص دستور مصر 2014 في مادته العاشرة: "الأسرة أساس المجتمع، قوامها الدين والأخلاق الوطنية، وتحرص الدولة على تماسكها وترسيخ قيمها".
فما يسود فيها، يسود من المجموع في المجتمع، ومن هنا وجب عدم الإخلال بالقيم والمبادئ التي تقوم عليها.
والأسرة هي أول بيئة ينشأ فيها الطفل، وبالتالي هي أول من يُعلمه السلوك القويم، والعادات والتقاليد والأخلاق الحميدة، فإما أن ينشأ على المَودة والسكينة والوطنية والقيم الدينية، وإما يَشُب على القسوة والاضطراب والاغتراب والعنف. وتعتبر الأسرة أكبر مجتمع تُدَعَم القيم في داخلها، وبقدر وحدة القيم داخل الأسرة يكون تماسك المجتمع أو تفككه، ولذلك حرص المشرع المصري على حماية هذه القيم سواء بالنص على ذلك في قانون العقوبات، أم في القوانين الجزائية الخاصة مثل قانون تنظيم الاتصالات، وقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، لِما لتقنية المعلومات وشبكات المعلومات وشبكة المعلومات الدولية "الانترنت" وأجهزة الاتصالات الحديثة من أثر بالغ على هذه القيم والمبادئ الأسرية في المجتمع المصري، وذلك لِما يتوافر على شبكة الإنترنت من أفكار وقيم وعادات وثقافات وسلوكيات تختلف في معظمها وتتناقض في الكثير منها مع أفكار وقيم وثقافات المجتمع المصري والأسرة المصرية، مما يشكل تهديدا لهذه القيم والمبادئ.
وبدأ مصطلح القيم الأسرية في الانتشار مع بدايات القرن العشرين والواحد والعشرين بعد الحرب العالمية الثانية، حيثُ كان الاعتقاد آنذاك؛ أن قيمة الأسرة في تراجع لحساب الفرديّة والحريات الشخصية.
ويُرمز "للعائلية" أيضا، بأنها أيدولوجيا مرتبطة بالقيم المحافظة، وما يُعرف بالعادات والتقاليد المُتوارثة عبر الأجيال.
والقيم الأسرية هي أيضا مجموعة الأخلاقيات والمعايير الاجتماعية، التي يتم نقلها للأطفال عن طريق التربية، كالصدق، والأمانة، وحب الخير وعدم إيذاء الآخرين واحترام الكبير، والتسامح ...إلخ هذه الصفات الحميدة.
إذن، فإن القيم الأسرية في سياق المجتمع المصري، لا تُحددها الأسرة، بل هي محددة بالقانون والدستور.
ومفهوم القيم الأسرية وقيم المجتمع، مسألة موضوعية يقدرها قاضي الموضوع؛ مستندا في ذلك إلى العُـرف السائد في المجتمع، أي مما يَعتبره المجتمع ليس متصادمًا مع الأخلاق من عدمه.
واستخدام مواقع التواصل والسوشيال ميديا عمومًا في نشر فيديوهات راقصة وصور فاضحة، وأغاني تحتوي على إيحاءات جنسية، يمثل خطورة على المجتمع، لا سيما النشء، فقد يترسب في وجدانه وذاكرته لشيوع هذا الهراء أنه أمر طبيعي أو عادي، وهي في ذات الوقت تتجاوز حدود المقبول اجتماعيا.
ومن أمثلة القيم الأسرية: الترابط الأسرى، وبِـر الوالدين واحترامهما، وتقوية العلاقة بين الزوجين، وحُب الأسرة والانتماء لها والعلاقة الحسنة بالجيران، إلخ.
ومما لا شك فيه أن الأسرة تواجه مشكلات شتى مع الأبناء نتيجة وقوعهم تحت التأثير البالغ للإنترنت والمحمول والحاسبات الآلية، وبرمجيات التكنولوجيا المعاصرة، مما يؤثر بالسلب على مبادئ وقيم الأسرة وأبرزها انقطاع التواصل والحديث والتجمع اليومي فيما بين أفرادها بسبب إفراطهم في استعمال تلك الأجهزة على مدار الساعة، ومن هنا وجب ضبط هذه المسائل حتى لا تهدر القيم.
ويقع السلوك المادي في هذه الصورة بالنشر عبر شبكة الإنترنت أو في مواقع التواصل الاجتماعي أو البريد الالكتروني أو بأي طريقة إلكترونية كانت، ما يُحبذ أو يدعو أو يُروج لعدم الصدق والأمانة واحترام الوالدين والعفة، أو ما يدعو لهدم قيمة العلم والتدين سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وسواء بمقال أو رسالة الكترونية أو مادة مرئية أو مسموعة أو برسم أو كاريكاتير أو مسلسل أو فيلم ما دام كان النشر عن طريق تقنية المعلومات.
فهل يُعتبر ما تحويه بعض المسلسلات والأفلام من مشاهد مُتوالية على مَدار المسلسل أو الفيلم من خيانة بين المحارم، أو القتل من أجل المال أو الميراث، وما يَتفوه به المُمثلون من عبارات بذيئة، أو تلميحات جنسية بُغية الإضحاك الهابط، أو التبذل في خطاب الابن لأبيه أو أمِّه، أو لفتاة تبيت مع صديقها أو تتعاطى معه المخدرات، أو الترويج لتعاطي المخدرات كلما مرَّ البطل بأذمة ما، إلا هدمًا للقيم الأسرية؟!
ويستوي أن يقع هذا السلوك بالتخاطب والتواصل الصوتي أو المرئي أو الهاتف المحمول أو البريد الالكتروني أو المواقع وصفحات التواصل الاجتماعي أو التغريدات، وسواء كان ذلك بالصور أو الرسوم أو الإرسال التليفزيوني أو الارسال المسموع أو الألعاب الالكترونية، أو كان في صورة مقال أو مسلسل أو فيلم، ما دام الجاني قد استخدم في توصيلها للأفراد تقنية المعلومات أو شبكة الإنترنت، ومواقع التواصل الاجتماعي.
ومسألة ما إذا كان سلوك الجاني يُعد اعتداء على المبادئ والقيم الأسرية من عدمه، فذلك مما يخضع لتقدير قاضى الموضوع يستخلصه في ضوء قيم الأسرة المصرية ومبادئها التي استقرت في أذهان الناس وتعارفوا عليها.
ولقد برز هذا النوع من الاعتداء على القيم الأسرية بعد شيوع استخدام تطبيقات التواصل الاجتماعي عبر شبكة المعلومات الدولية "الإنترنت" ومنها ما شهده المجتمع المصري 2020 من أحداث قضية عرفت إعلاميا بــــ (فتاة التيك توك) اتهمت فيها فتاتين، قامت إحداهما بنشر صور ومقاطع مرئية مُخلة وخادشة للحياء العام على حسابها الشخصي على شبكة المعلومات الدولية الإنترنت، وقامت الثانية بالإعلان عن طريق حسابها الشخصي على ذات الشبكة لعقد لقاءات مخلة بالآداب عن طريق دعوة الفتيات البالغات والقاصرات إلى وكالة أسستها عبر تطبيق التواصل الاجتماعي المسمى "لايكي" للقاء الشباب عبر محادثات مرئية مباشرة وإنشاء علاقات صداقة خليعة؛ مقابل حصولهن على أجر يَتحدد بمدى اتساع مساحة المتابعين لهذه المحادثات وهذه الخلاعة، وهو ما قام به السلوك المادي لهذه الجريمة، فضلا عن جريمة الاتجار بالبشر.
وتصدت النيابة العامة للقضية بالتحقيق وأحالتهما إلى المحاكمة الجنائية متهمة كلتاهما: أولا - "بالاعتداء على المبادئ والقيم الأسرية في المجتمع المصري، بأن قامت الأولى بنشر صور ومقاطع مرئية مخلة وخادشة للحياء العام على حسابها الشخصي على شبكة المعلومات الدولية، وقامت الثانية بالإعلان عن طريق حسابها لعقد لقاءات مخلة بالآداب عن طريق دعوة الفتيات والبالغات والقاصرات على حد سواء إلى وكالة أسستها على تطبيق التواصل الاجتماعي المسمى "لايكي" للقاء الشباب عبر محادثات مرئية مباشرة وإنشاء علاقات صداقة مقابل حصولهن على أجر يتحدد بمدى اتساع المتابعين لتلك المحادثات التي تذاع للكافة دون تمييز. ثانيا: قامتا بإنشاء وإدارة واستخدام حسابات خاصة على شبكة المعلومات الدولية تهدف إلى ارتكاب الجريمة موضوع الاتهام السابق". وقضت محكمة أول درجة بعقابهما( ).
(2) إرسال العديد من الرسائل الاليكترونية لشخص معين بكثافة دون موافقة:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
البريد الالكتروني هو من التقنية التي تُسهل الاتصال بالأشخاص سواء كتابة بإرسال رسالة نصية، أو بإرسال مقطع صوتي أو مقطع فيديو أو رسم أو صورة، وما شابه ذلك.
ويتحقق السلوك المادي في هذه الصورة من خلال إرسال الجاني للمجني عليه رسائل الكترونية بكثافة على بريده الالكتروني أو على الخاص في صفحته على الفيس بوك بكثافة دون موافقته، أيا كان نوع وطبيعة هذه الرسالة، لأن إغراق بريده أو صفحته بهذه الرسائل الكثيفة بدون موافقته يعد اعتداء على حرمة حياته الشخصية.
ويستوي أن تكون هذه الرسائل مخلة بالحياء، أو تنطوي على أي جرمة ما، أو كانت رسائل عادية ليس فيها شيئا من ذلك، ويعتبر إرسال إعلانات بكثرة من شركات الإعلانات أو الشركات المنتجة لأية منتجات ترغب في تسويقها محققا للسلوك المادي لهذه الصورة من الجريمة.
ومسألة ما إذا كانت الرسائل المرسلة من الجاني تعد من الكثافة بمكان من عدمه، فتلك مسألة موضوعية تخضع لتقدير قاضى الموضوع يستخلصها من ظروف وملابسات الدعوى.
(3) منح بيانات الى نظام أو موقع اليكتروني لترويج السلع أو الخدمات بدون موافقة صاحبها:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إن قيام الدولة والأجهزة التابعة لها أو قطاع الأعمال الخاص بإنشاء نُظم المعلومات الآلية، ليس من الأمور المُطلقة دون ضوابط، فقد وضعت التشريعات المقارنة مجموعة من هذه الضوابط والضمانات والتي تهدف إلى رقابة فاعلة على إنشاء نظم المعلومات وكيفية استخدامها وذلك حماية للحريات العامة ومنها الحريات الشخصية( ).
ومعلومات الأشخاص عموما تتوافر لدى الكثير من الجهات بسبب معاملاتهم الإلكترونية، لا سيما عندما يتم التسوق عبر شبكات الإنترنت أو عبر مواقع المراكز التجارية، فتكون بيانات الشخص الاسمية أو الشخصية والمهنية وغيرها متاحة لدى هؤلاء.
وبصدور قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات أصبح محظورا تجميع البيانات عن الأشخاص وإجراء معالجة لها إلا برضاء الشخص طبقا للمادة (25) من هذا القانون.
والتجميع قد يكون من عناوين البريد الالكتروني للأشخاص بدون علمهم، وقد يكون عن طريق ملفات "الكوكيز" وهي ملفات نَصية يُرسلها الخادم الخاص بالموقع الذى يتم زيارته أو عند الاتصال بالإنترنت إلى القرص الصلب للكمبيوتر المربوط بشبكة الإنترنت وتُسمى في هذه الحالة (IP ) كما يوضح الكوكيز نوع الجهاز المتصل والبيانات التي يكون مطلوبا من المستخدم إدخالها كالاسم والبريد الإلكتروني ورقم البطاقة البنكية مثلا، وفى حالة الاتصال بأي موقع يحتفظ الموقع بنسخة من ملف الكوكيز المحتوى على هذه البيانات؛ فيتم التعرف على المستخدم عند زيارته للموقع مرة أخرى، ومن هنا يمكن تجميع البيانات عن الشخص، كما يتم من خلال الكوكيز معرفة المواقع التي يزورها المستخدم، وهو الأمر الذى يُستخدم في إرسال الاعلانات للأشخاص، بل يمكن سرقة هذه المعلومات وإجراء تصفح بدلا من الشخص نفسه.
كما يتم تجميع البيانات عن طريق البريد غير المرغوب فيه، مثل رسائل معايدة أو تهنئة من مجهول، أو غرف الدردشة أو المجموعات الإخبارية، وتقوم الجهات التي تتولى تجميع هذه البيانات عن الأشخاص ببيعها إلى شركات تجارية أو مراكز تسوق أو مواقع الخدمات الأخرى.
وأكثر ما تتوافر عليه بيانات عن الأشخاص هي مواقع التواصل الاجتماعي؛ لأنها تعتمد على الصفحات الشخصية التي تحتوي على خانات للبيانات الشخصية للمستخدمين "الاسم والعمر ومكان الإقامة والمهنة وتفضيلاتهم وصورهم وملفاتهم المرئية إلخ" فهي صفحات شخصية أصلا تمكنهم من الظهور بالأسلوب الذي يرغبون في الظهور به للآخرين، ومن خلال معلومات الكوكيز هذه يتم اختراق المواقع والدخول إلى صفحة المستخدم أيضا.
كما تتوافر البيانات عن الأشخاص من المعاملات البنكية من ماكينات الصرف الآلي، وحجز الفنادق والمطاعم وتذاكر الطيران والسفر للخارج يتم بشكل رقمي، ودفع الفواتير المنزلية، وفى كل هذه العمليات يكون مطلوبا من الشخص إدخال بيانته الشخصية، فأنظمة المعلومات تزيد كمية البيانات المجمعة والمعالجة عن الأشخاص.
وكثيرة هي الابتكارات التكنولوجية التي تجمع البيانات الشخصية حول الأشخاص وتخزنها وتعالجها معلوماتيا كتقنيات المراقبة الفيديوية ورقابة البريد الإلكتروني والاتصالات، مما يشكل اعتداءً على الحياة الخاصة للأشخاص لا سيما عندما تستخدم تلك المعلومات لغايات مختلفة بدون رضاء أصحابها.
وقبل صدور قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، لم يكن ثمة تنظيم أو حماية لبيانات الأشخاص، وكان مما يَحدث أن تتداول هذه البيانات لدى شركات التسويق والدعاية وكانت تغمر الأشخاص بعشوائية بالرسائل التسويقية أو الاعلانية وأيضا بالاتصال المباشر بهم مما يسبب لهم ازعاجا.
وقد فطن المشرع المصري إلى هذه المضايقات واعتبرها من صور العدوان على الحياة الخاصة للمواطن، فجرَّم كل من يمنح بيانات شخص إلى نظام أو موقع الكتروني من المواقع الدعائية، كالتي تقوم بترويج السلع أو الخدمات المختلفة بدون موافقة الشخص.
وبالتالي يقوم الركن المادي لهذه الجريمة، في حالة ما إذا قامت جهة من الجهات، أو حتى فرد، بمنح بيانات شخص ما لموقع من المواقع التسويقية للسلع أو أي نوع من الخدمات بدون موافقته، سواء اتصل به أو راسله هذا الموقع أم لم يتصل إذا ثبت هذا المنح للبيانات، وغالبا لن يتأتى للشخص الممنوح بياناته لأي من هذه المواقع إلا إذا راسلته إلكترونيا أو اتصلت به مباشرة بأي وسيلة اتصال والتي غالبا ما تكون الهواتف المحمولة.
ومن ثم فإن البيانات المعالجة إلكترونيا في نطاق أي تعامل عبر الشبكات المعلوماتية صارت لها حرمتها وسريتها، ولا يحق لأي شخص أو جهة أن تمنحها للمواقع التسويقية والخدمية بدون رضاء صاحب هذه البيانات.
- البيانات الشخصية للأشخاص:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مع انتشار شبكة الإنترنت وتطورها، لم تعد البيانات الشخصية قاصرة على الاسم واللقب والعنوان البريدي، بل اتسعت لتشمل صورة الشخص، واهتماماته ومهنته وسلوكياته وعاداته، وغيرها من البيانات.
ويعتبر بيانا شخصيا يحميه قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات أي معلومة تتعلق بشخص طبيعي محدد الشخصية، أو من الممكن تحديدها من خلال تلك المعلومة.
والاسم واللقب من البيانات الشخصية، والاسم من الحقوق اللصيقة بالشخصية حسب المادتين 38، 51 من القانون المدني المصري وهو الذي يميز أفراد المجتمع عن بعضهم.
ولا يشترط أن يكون اسم الشخص في العالم الافتراضي أو في مجال التعامل مع شبكة الإ،نترنت هو اسمه الحقيقي فقد يتخذ اسما افتراضيا أو مستعارا ولكنه يدل عليه ويمكن من خلاله الوصول إلى شخصه.
ومن التطبيقات والاستخدامات التي يظهر فيها الاسم البريد الالكتروني والصفحات الشخصية مثل صفحات الفيس بوك وتويتر وغيرها ومواقع التسوق الالكتروني أو مواقع المراكز والمحال التجارية.
وبالتالي يقوم الركن المادي لهذه الجريمة؛ إذا ما منح أي من هذه الجهات معلومات عن الاسم لموقع من مواقع التسويق أو الخدمات بدون رضاء صاحب الاسم.
والصور أصبحت من البيانات الشخصية للشخص الطبيعي، وبفعل التطور التقني المستمر، فإنه يتم تخزين الصور عند التعامل الالكتروني في مناحي التعامل الإلكتروني المختلفة.
فإذا ما قام الجاني بمنح صورة الشخص، فإنه يكون قد منح جزءا من بيانات هذا الشخص بدون رضائه، ويقوم بهذا المنح صورة من صور السلوك المادي للجريمة.
والرقم الشخصي الذي يُمنح للشخص الطبيعي كالرقم القومي والرقم التأميني يعتبر من البيانات والمعلومات الخاصة.
وعنوان المسكن أو العمل أو البريد الالكتروني هي من البيانات الشخصية التي تتعلق بشخص معين أو بشخص من الممكن تحديده عن طريقها، ومن ثم كان منحها لمواقع التسويق والخدمات الأخرى بدون رضاء صاحبها يشكل صورة من صور السلوك المادي لهذه الجريمة.
ورقم الهاتف المنزلي أو المحمول ورقم السيارة من البيانات الشخصية التي يكون منحها لمواقع التسويق والخدمات الأخرى بغير رضاء صاحبها سلوكا مكونا للركن المادي لهذه الجريمة معاقب عليه قانونا.
(4) القيام بالنشر عن طريق الشبكة المعلوماتية أو بإحدى وسائل تقنية المعلومات، لمعلومات أو أخبار أو صور وما في حكمها تنتهك خصوصية أي شخص دون رضاه:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
موضوع هذه الصورة من السلوك الاجرامي الذي يقوم به الركن المادي في هذه الجريمة هو معلومات عن الشخص، أو أخباره، أو صوره وما في حكمها.
- مفهوم النشر الالكتروني:
النشر الإلكتروني للمعلومات، يعنى معالجة المعلومات وتخزينها وبثها إلكترونيا عبر شبكات المعلومات، أو عبر أي من وسائل تقنية المعلومات، مثل الأقراص المضغوطة والفيديو أو أجهزة الاتصال الحديثة ليطلع عليها العامة دون تخصيص.
- نشر المعلومات:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يقع السلوك الإجرامي بقيام الجاني عن طريق شبكة معلوماتية أو بإحدى وسائل تقنية المعلومات بنشر معلومات عن المجني عليه دون رضاه.
ومع عموم النص فإن "المعلومات" يستوي أن تكون مالية أو تجارية أو صناعية أو شخصية أو عائلية أو مهنية أو غيرها.
والمعلومات كانت في الأصل بيانات تتعلق بالشخص، وتم إدخالها بعد معالجتها إلى الحواسيب الآلية أو وسائل الاتصال أو شبكات المعلومات لتتحكم فيها من خلال تجميعها وتخزينها ومعالجتها، ليتم استرجاعها ثم طبعها أو نشرها في صورة مخرجات.
ويستوي في المعلومات المنشورة عن المجني عليه أن تكون في صورة نصوص مكتوبة أو رسومات أو فيديوية أو صوتية إلخ.
- نشر الأخبار:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الخبر هو ما يُنقل ويُحدَّث به قولا أَو كتِابة، ونشر الأخبار يعنى اذاعتها على العامة.
ونشر الأخبار الكترونيا يقتضي وجود برامج معلوماتية ووسائل تقنية تتيح للناشر الدخول على الإنترنت لتبادل المعلومات، ثم يَنشر الأخبار التي تم تخزينها ومعالجتها من خلال الشبكة المعلوماتية.
وتقع الجريمة في هذه الصورة سواء بنشر أخبار عن الشخص لأول مرة أو بإعادة النشر، ولا يُشترط أن تكون تلك الأخبار صحيحة أو غير صحيحة، شخصية أو عامة.
ولم يتطلب المشرع صفة خاصة فيمن يقوم بنشر الأخبار، فالجريمة تقع بمجرد نشر الأخبار التي تخص شخص ما عن طريق الشبكة المعلوماتية أو بإحدى وسائل تقنية المعلومات.
ونظرا لعدم تقييد المشرع "للأخبار" بوصف معين، فإن السلوك المادي للجريمة يرتكب بنشر أية أخبار عن المجني عليه بدون رضاه، يستوي أن تكون أخبارا شخصية أو عامة والتي لا يرغب في نشرها بدون رضاه.
- نشر الصور:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صورة الشخص أصبحت بفعل التطور التقني المستمر جزءا من بياناته الشخصية، وبفعل ذات التطور التقني فكثيرا ما يتم تخزين صور الأشخاص عند التعامل الالكتروني لهم في شتى مناحي التعامل، حتى أن كثيرا من الأطباء وهم يُدخلون بيانات مرضاهم على الحاسب الآلي المتضمنة الاسم واللقب والسن والعنوان والمهنة والبريد الالكتروني صاروا يصورون الأشخاص للاحتفاظ بصورهم مقرونة بباقي بياناتهم الشخصية.
ولذلك فقد أصبحت صور الأشخاص مهددة بفعل التطور التقني المستمر في مجال جمع المعلومات أو البيانات وتخزينها، ومعالجتها ونشرها أو مشاركتها مع الآخرين، ولهذا، فإن الاعتراف للشخص بحق على صورته يعطيه إمكانية الاعتراض على تناولها بأي فعل من الأفعال التقنية، وكذلك حقه في اقتضاء التعويض عن الأضرار التي أصابته من جراء ذلك؛ أمر بات من الضروريات في مجتمعه، يزداد إقبالا على الحضور الافتراضي في عالم الانترنت، بما يعنى خضوع صور الأشخاص لهذه الأفعال بشكل يسير
وصورة الشخص تتمتع بحماية قانونية باعتبار أن الحق في الصورة هو مظهر من مظاهر الحق في الخصوصية( ).
ويستوي أن تكون صورة الشخص الطبيعي صورة ثابتة أم صورة متحركة فهي بيان شخصي يخضع للحماية القانونية.
واعتبرت اللجنة القومية للمعلوماتية والحريات في فرنسا أن صورة الشخص الطبيعي سواء أكانت ثابتة أم صورة متحركة بيان شخصي يخضع للحماية القانونية، وكذلك الأمر بالنسبة إلى صوت الشخص فقد اعتبرته اللجنة بيانا شخصيا، وقد استندت اللجنة في ذلك إلى أن التكنولوجيا الرقمية الحديثة قد سمحت بمعالجة الصوت والصورة ووضعهما على دعامة واحدة بجانب النص مما يؤدى إلى اعتبارهما بيانات شخصية يمكن معالجتها بطريقة منفصلة( ).
- نشر ما في حُكم ذلك:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ويتضح من عبارة معلومات أو أخبار أو صور أو "وما في حكمها" أن المشرع توسع في مفهوم ما يمكن نشره من خصوصيات عن المجني عليه عن طريق شبكة معلوماتية أو بإحدى وسائل تقنية المعلومات.
ويشترط في كل صور السلوك الاجرامي لهذه الجريمة أن يكون النشر وإرسال الرسائل الالكترونية بكثافة أو اعلانات بدون رضاء المجني عليه، فإذا ثبت رضاءه بذلك سواء كان رضاء صريحا أم ضمنيا انهار الركن المادي للجريمة، واستخلاص هذا الرضا مسألة موضوعية تخضع لتقدير قاضى الموضوع من ظروف وملابسات الدعوى.
(2) انتهاك حرمة الحياة الخاصة (في قانون مكافحة جرائم الانترنت):
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثمة مناطق من الحياة الخاصة لكل فرد تُمثل أغوارا لا يجوز النفاذ إليها، وينبغي دوما ولاعتبار مشروع ألا يقتحمها أحد ضمانا لسريتها وصونا لحرمتها، ودفعا لمحاولة التلصص عليها أو اختلاس بعض جوانبها وبوجه خاص من خلال الوسائل العلمية الحديثة التي بلغ تطورها حدا مذهلا وكان لتنامى قدراتها على الاختراق أثر بعيد على الناس جميعهم حتى في أدق شئونهم، وما يتصل بملامح حياتهم، بل وببياناتهم الشخصية التي غدا الاطلاع عليها وتجميعها نهبا لأعينها ولآذانها، وكثيرا ما ألحق النفاذ إليها الحرج أو الضرر بأصحابها( ).
- ملاحظة هامة:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوصف القانوني لهذه الجريمة يتعدد بإضافة المادة 309 مكررا عقوبات والمحكمة تطبق العقوبة المقررة للوصف الأشد.
ومما لا شك فيه أن الاعتداء على حرمة الحياة الخاصة والذي أصبح من جرائم تقنية المعلومات نظرا لسهولة التواصل بين الأفراد من خلال برامج وأجهزة تقنية متعددة وعبر شبكة الانترنت والهواتف المحمولة.
فالحقوق الملازمة لشخصية الفرد ومنها حياته الخاصة لها حرمة يحميها للقانون، والكشف عنها بطريق إعلانها للغير بأمور من شأنها أن تذيع دون إذن منه أسرارا عن حياته الخاصة يحرص على كتمانها، أو تنطوي على مساس باعتباره وكرامته، يعد اعتداء غير مشروع على هذه الحقوق( ).
- المقصود بالحياة الخاصة:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اختلفت التعريفات لماهية الحياة الخاصة للإنسان، ونحن نرى أن المقصود بالحياة الخاصة في ضوء ما يحميه قانون العقوبات والقوانين الجزائية الخاصة أنها كل شأن يتعلق بحياته الشخصية ولا يحب أن يطلع عليه غيره أو يفشيه بدون رضاه، ومثال ذلك ما يتعلق بحياته العائلية أو المهنية أو الصحية أو بنمط سلوكه أو دخله المادي أو معتقداته الدينية أو الفكرية أو السياسية أو مراسلاته أو محادثاته وجميع المظاهر غير العلنية لما يمارسه في سلوكه الشخصي والتي يحرص على عدم إذاعتها على غيره.
ومن صور الاعتداء على هذه الحياة الخاصة التقاط أو نشر صورة شخص يوجد في مكان خاص وهو المكان الذي لا يرتاده إلا المسموح لهم بذلك كمسكن الإنسان ومكتبه، ولا يشترط لوقوع الجريمة في هذه الحالة أن تكون صورة المجني عليه المنشورة أو الملتقطة له في وضع يخجله أن يطلع عليه الناس لأن الحماية هنا هي حرمة الحياة الخاصة وليس شرفه واعتباره ومن هذه الصور استرق السمع للتنصت على محادثاته ولو كانت في شأن عام وليس خاص، ومنها كذلك منح جهة ما ممن لديهم بياناته إلى موقع مما يروج للسلع أو الخدمات ليغمره بوابل من الرسائل بصدد نشاطه، ومنها أيضا نشر أخبار عن الشخص بدون رضاه ولو كانت هذه الأخبار صحيحة.
وكل ما يشترطه القانون لوقوع هذه الجريمة بهذه الصور من السلوك الإجرامي أو ما يماثلها هو أن يكون العدوان على الحياة الخاصة من خلال النظم المعلوماتية بمعناها الواسع ولا سيما شبكة الانترنت والشبكات المعلوماتية عموما وأي من تقنيات الاتصال الحديثة، فيستوى أن تكون الوسيلة المستخدمة هي الشبكة المعلوماتية أو وسائل تقنية المعلومات كالهاتف النقال المزود بآلة تصوير أو تسجيل فيديوي أو صوتي أو من خلال أية برامج من برامج تقنية المعلومات التي يمكن من خلالها التعدي انتهاك حرمة الحياة الخاصة للناس.
- الركن المعنوي للجريمة:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذه الجريمة من الجرائم العمدية التي يقوم الركن المعنوي فيها على القصد الجنائي العام بعنصريه العلم والإرادة، فيجب أن يعلم الجاني أن سلوكه المتمثل في الاعتداء على المبادئ والقيم الأسرية في المجتمع المصري، أو انتهاك حرمة الحياة الخاصة للمجنى عليه بإرسال رسائل الكترونية له بكثافة، أو منح أي موقع تسويقي بياناته ليرسل له إعلانات، أو قيامه بنشر معلومات عنه، أو أخباره أو صوره عبر شبكة معلوماتية، أو بأي وسيلة تقنية حديثة بدون رضائه، هي كلها أمور يجرمها القانون، ثم تتجه إرادته بعد تحقق هذا العلم في جانبه إلى إتيان أي صورة من صور السلوك الاجرامي سالفة البيات والتي يقوم بها الركن المادي للجريمة راضيا وقوع نتيجة هذا السلوك.
- ظرف مشدد للعقوبة:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إذا وقعت هذه الجريمة بغرض الاخلال بالنظام العام أو تعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر، أو الاضرار بالأمن القومي للبلاد أو بمركزها الاقتصادي أو منع أو عرقلة ممارسة السلطات العامة لأعمالها، أو تعطيل احكام الدستور أو القوانين أو اللوائح أو الاضرار بالوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي تكون العقوبة السجن المشدد(المادة 34).
والمشرع لم يضع تعريفا للنظام العام ولكن الفقه التمس له تعريفات متعددة تدور أغلبها إلى تعريفه بأنه مجموعة القواعد القانونية التي ترمي إلى تحقيق المصلحة العامة للبلاد سواء من الناحية السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية أو الأخلاقية التي يقوم عليها كيان الدولة كما ترسمه القوانين النافذة فيها والتي تتعلق بالوضع الطبيعي المادي والمعنوي لمجتمع منظم تقوم فكرته على أساس مدني بحت يطبق مذهبا عاما تدين به الجماعة بأسرها.
والنظام العام بهذا المفهوم يعنى وجوب المحافظة على الركائز
الأساسية التي يقوم عليها المجتمع، وهي الكيان السياسي والكيان الاجتماعي والكيان الاقتصادي ومن ثم فمتى كان غرض الجاني من ارتكاب الجريمة هو المساس بهذه الركيزة كانت العقوبة هي السجن.
وسلامة المجتمع تعنى سيره وفقا للمجرى الطبيعي من الأمور من خلال انتظام أفراده في أداء نمط حياتهم المعتاد في سكينة وهدوء ومن ثم فمتى كان ارتكاب الجاني لهذه الجريمة بغرض تعطيل هذا النمط الحياتي العادي لأفراد المجتمع كان هذا الظرف المشدد متوافرا وتكون العقوبة هي السجن.
وأمن المجتمع يعنى شعور المواطنين بالسكينة والطمأنينة في حياتهم اليومية سواء على أرواحهم أو أموالهم ومن ثم كان الغرض من ارتكاب الجريمة بث مؤامرات أو إحداث اضطرابات أو فتن من شأنها المساس بهذه السكينة كانت العقوبة السجن.
أما الأمن القومي فهو قدرة الدولة على حماية أراضيها سواء داخليا أو خارجيا، وحماية قدرتها الاقتصادية والعسكرية في مواجهة أي تهديد في الداخل والخارج وفى حالتي السلم والحرب، ومن ثم فهو تعبير عن مجموعة السياسات التي تتخذها الدولة لضمان سلامة إقليمها وشعبها سواء في الداخل أو الخارج.
ومن ثم يدخل في مفهوم الأمن القومي أمن الفرد ضد أي أخطار تهدد حياته أو ممتلكاته، كما يدخل في مفهوم الأمن القومي الحفاظ على الكيان السياسي للدولة سواء على المستوى الداخلي من خلال الحفاظ على تماسك الجبهة الداخلية والسلام الاجتماعي والوحدة الوطنية أم على المستوى الخارجي من خلال مدى تطابق أو تعارض مصالح الدولة مع مصالح غيرها من الدول سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.
ومن الأمن القومي أيضا البعد الاقتصادي وهو يعنى توفير احتياجات الشعب وما يتصل بها من موارد الدولة التي تكفل تحقيق أهدافها ويتحقق ذلك بالنمو الاقتصادي والتقدم التكنولوجي، كما أن البعد الاجتماعي في الدولة هو من الأمن القومي ويعنى ذلك توفير الأمن للمواطنين من خلال إقامة العدل والمساواة بينهم، وكذلك البعد الثقافي كحماية الفكر والمعتقدات والحفاظ على التقاليد والقيم الاجتماعية والثقافية، فمتى كان ارتكاب الجريمة يهدف إلى الإضرار بهذه الثوابت كانت العقوبة السجن.
وتعطيل أحكام الدستور كمنع المواطنين بالقوة من التصويت في صناديق الانتخاب، ومنع إحدى مؤسسات الدولة أو إحدى السلطات العامة من ممارسة أعمالها كمنع رجال الشرطة بالقوة من التصدي لتفريق مظاهرة خطرة على الأمن العام، والاعتداء على الحرية الشخصية للمواطن وغيرها من الحريات والحقوق العامة التي كفلها الدستور والقانون كالتصدي لنواب الشعب تعطيلا لهم عن الاجتماع في مجلس النواب، والإضرار بالوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي كالعدوان على دور العبادة.
والوحدة الوطنية تعنى وجود سلام وتوافق ومحبة بين أفراد الشعب في الوطن الواحد الذي يجمعهم على أرضه وتحت سمائه، والنأي عن استخدام الدين لإثارة الفتن بين طوائف الشعب مختلفة الديانات أو بين أصحاب المذاهب والطوائف المختلفة، وأن تكون هناك عقيدة وطنية لا عقائدية، ومن ثم فإذا كان ارتكاب الجريمة يهدف إلى هدم هذه الوحدة الوطنية وتخريبها وإثارة الفتن بين أفراد الشعب الواحد توافر في حق الجاني هذا الظرف المشدد وكانت الجريمة جناية عقوبتها السجن.
أما السلام الاجتماعي فهو حالة الوئام والتعايش السلمي الناشئ على الوحدة الوطنية بين مختلف طوائف الشعب، فإذا ما كان الغرض من ارتكاب الجريمة هو تعكير صفو هذا السلام الذي يتعين أن يكون عليه أفراد الشعب بمختلف دياناتهم، كانت الجريمة جناية.
- العقوبة:
ـــــــــــــــــــــــــ
عقوبة الجريمة هي الحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تجاوز مائة ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين.
- المصادرة:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
على المحكمة في حالة الحكم بالإدانة في أي جريمة من الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون، أن تقضي بمصادرة الأدوات والآلات والمعدات والأجهزة مما لا يجوز حيازتها قانونا، أو غيرها مما يكون قد استخدم في ارتكاب الجريمة، أو سهل أو ساهم في ارتكابها (المادة 38).
- العزل من الوظيفة:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- للمحكمة إذا قضت بالإدانة على أحد الموظفين العموميين لارتكابه جريمة من الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون، أثناء وبسبب تأديته لوظيفته، أن تقضى بعزله مؤقتا من وظيفته إلا في الحالات المشار اليها في المادة (35) من هذا القانون فيكون العزل وجوبيا (وحالة المادة 35 هي المسئول عن الادارة الفعلية لشخص اعتباري ولم يبلغ عن جريمة من جرائم هذا القانون تعرض لها موقعه أو حسابه الخاص أو بريده الالكتروني أو النظام المعلوماتي (المادة 39).
- الشروع:
ـــــــــــــــــــــ
- يعاقب على الشروع في ارتكاب الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون بما لا يجاوز نصف الحد الأقصى للعقوبة المقررة للجريمة (المادة 40).
- الإعفاء الوجوبي من العقوبة:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يعفي من العقوبات، المقررة للجرائم المنصوص عليها في هذا القانون، كل من بادر من الجناة أو الشركاء إلى إبلاغ السلطات القضائية أو السلطات العامة بما يعلمه عنها قبل البدء في تنفيذ الجريمة وقبل كشفها (المادة 41).
- الإعفاء الجوازي:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ويجوز للمحكمة الاعفاء من العقوبة أو التخفيف منها إذا حصل البلاغ بعد كشف الجريمة وقبل التصرف في التحقيق فيها، إذا مكن الجاني أو الشريك – في أثناء التحقيق – السلطات المختصة من القبض على مرتكبي الجريمة الأخرين، أو على ضبط الأموال موضوع الجريمة، أو أعان أثناء البحث والتحقيق على كشف الحقيقة فيها، أو على القبض على مرتكبي جريمة أخرى مماثله لهذا النوع والخطورة. ولا يخل حكم هذه المادة، بوجوب الحكم برد المال المتحصل من الجرائم المنصوص عليها بالقانون.
- التصالح:
ـــــــــــــــــــــــــــ
ـ لا يجوز للمتهم التصالح في هذه الجريمة (المادة 25) حيث لم ترد ضمن المواد المنصوص عليها في المادة 42 من القانون والتي نظمت أحوال التصالح في بعض جرائم هذا القانون.
بهاء المري
بهاء المري is on Facebook. Join Facebook to connect with بهاء المري and others you may know. Facebook gives people the power to share and makes the world more open and connected.