تصاعدتْ في الآونة الأخيرة ، على وسائل التواصل الاجتماعي بخاصّة ، الحَمَلات العنصرية الشعوبية ( الشوفينية ) المعادية للعرب وللّغة العربية ، مع محاولات واضحة ، يغلب عليها التّعصّب والسذاجة والجهلُ بجغرافية المِنطقة وتاريخها ولغاتها ؛ وذلك طِبقاً لمخطّط مرسوم يسعى لطمس هويّة بلاد الشام بخاصّة ، وعزلها عن محيطها العربيّ تحت ذرائع ومزاعم وحُججٍ واهية ما تلبثُ أنْ تتهاوى أمام أول امتحان تاريخيّ وعلميّ بسيط .
وقد اتّخذتْ هذه الحَمَلات البائسة من المقارنات اللغويّة المتسرّعة والسطحيّة بين بعض المفردات العربية المتداولة في بعض الأماكن في بلاد الشام ، وما يقابلها من المفردات في ( السريانية ) بخاصة ، وهي فرع أو لهجة من اللغة ( الآرامية ) ، وسيلة أساسية للتشكيك في عروبة سوريا وبلاد الشام .
أودّ التأكيد هنا على أنّ كاتب هذا المقال لاينطلق من منطلق قوميّ ؛ فالعروبة هنا إنّما هي واقع حضاريّ وثقافيّ جامع للناطقين بالعربية في هذه البلاد العريقة على اختلاف أصولهم العرقية ومعتقداتهم الدينية وانتماءاتهم الأيديولوجية .
وهذا يشبه إلى حدّ ما ، مع التفاوت في الدرجة والبعد الحضاري والتاريخي ، الناطقين بالإنكليزية أو الفرنسية على امتداد قارّات العالم ، ممّن يستظلّون بظلّ ثقافة وحضارة هاتين اللغتين .
نعود إلى صُلب الموضوع لنبيّن طبيعة وعمق الصلة القائمة بين اللغة العربية وأخواتها الساميات فنشير باختصار وتبسيط شديدين بما يناسب هذا السياق ، إلى شجرة اللغات السامية ، وذلك للتعريف بأصولها وفروعها والتشابه القائم بينها .
يجمع العلماء والباحثون في هذا المجال على أنّ مجموعة اللغات السامية تنقسم إلى ثلاثة أقسام رئيسية ، هي :
١- لغات القسم الشرقي ، وتضمّ كلّاً من : البابلية والآشورية والكلدانية .
٢- لغات القسم الغربي ، وتضمّ كلّاً من : الكنعانية والفينيقية والآرامية والعبرية والسريانية والتدمرية والنبطيّة .
٣- لغات القسم الجنوبي ، وتتفرّع إلى فرعين :
أ- الفرع العربي ، ويضم ، بخاصّة : العربية القديمة والقحطانية والقرشية الفُصحى .
ب - الفرع الحبشيّ ، ويضمّ ، بخاصّة : الأثوبية والجعزية والتيجرية . (١)
على أنّه من المهمّ أنْ نلاحظ هنا أنّ هجرات القبائل العربية من شبه الجزيرة العربية إلى بلاد الشام وبعض جزر البحر الأبيض المتوسّط لم تبدأ مع ظهور الإسلام في القرن السادس الميلاديّ ، كما يظن بعضٌ منّا ، بل تعود إلى أقدم من ذلك بكثير ؛ إذ يرى العلماء أنّ ( الكنعانية ) إنّما هي لغة القبائل العربية التي نزحتْ إلى المناطق المذكورة حوالي الألف الثاني قبل الميلاد ( ٢٠٠٠ ق.م ) .(٢)
هذا ، ولم يتّفق العلماء والباحثون على تحديد أقدم اللغات السامية ، لكن المستشرق المعروف ( أولسهوزن ) ويؤيده في ذلك عدد من المستشرقين ، يرى أنّ ( اللغة العربية )
هي أقرب اللغات السامية إلى اللغة السامية القديمة . (٣)
نستخلص ممّا تقدّم أنّ التشابه بين اللغات السامية في مفرداتها ونحوها وصرفها وتراكيبها أمر طبيعي جدّاً ؛ إذ إنها تعود جميعها إلى أصول واحدة .
على أنّ اللغة العربية بجذورها العميقة الضاربة في التاريخ ، وبامتدادها الجغرافي المترامي الأطراف ، وبظلها الحضاري
الخِصب مع بزوغ فجر الحضارة العربية الإسلامية منذ أربعة عشر قرناً إلى الآن ، وبحيويتها المتجدّدة بكونها لغة مئات الملايين من الناطقن بها عبر العالم ، وإحدى اللغات الرسمية المعتَرَف بها لمنظّمة الأمم المتّحدة وفروعها المتعدّدة ، تظلّ هي اللغة الساميّة الأولى والأهم على جميع المستويات .
أخيراً..أضع بين يدي محبي المقارنات بين اللغات واللهجات هذا الجدول في المقارنة اللفظية بين عدد من اللغات السامية على سبيل الاستئناس . (٤)
وتمثّل ( العبرية ) فيه جميع اللهجات الكنعانية ، بينما تمثّل ( السريانية ) جميع اللهجات الآرامية ، في حين تمثّل ( الجعزيّة ) لهجات جنوب بلاد العرب والحبشة .
١- يُنظَر ، د. ربحي كمال ، دروس اللغة العبرية ، دار العلم للملايين ، بيروت ، ١٩٦٣م ، ص ص ، ٧- ٨ .
٢- يُنظَر ، د.صبحي الصالح ، دراسات في فقه اللغة ، دار العلم للملايين ، بيروت ،١٩٧٣م ، ط ه ، ص، ٥٠.
٣- دروس الغة العبرية، ص، ١٤.
٤- " " " " " ص، ٢٥.
دكتور زياد العوف
وقد اتّخذتْ هذه الحَمَلات البائسة من المقارنات اللغويّة المتسرّعة والسطحيّة بين بعض المفردات العربية المتداولة في بعض الأماكن في بلاد الشام ، وما يقابلها من المفردات في ( السريانية ) بخاصة ، وهي فرع أو لهجة من اللغة ( الآرامية ) ، وسيلة أساسية للتشكيك في عروبة سوريا وبلاد الشام .
أودّ التأكيد هنا على أنّ كاتب هذا المقال لاينطلق من منطلق قوميّ ؛ فالعروبة هنا إنّما هي واقع حضاريّ وثقافيّ جامع للناطقين بالعربية في هذه البلاد العريقة على اختلاف أصولهم العرقية ومعتقداتهم الدينية وانتماءاتهم الأيديولوجية .
وهذا يشبه إلى حدّ ما ، مع التفاوت في الدرجة والبعد الحضاري والتاريخي ، الناطقين بالإنكليزية أو الفرنسية على امتداد قارّات العالم ، ممّن يستظلّون بظلّ ثقافة وحضارة هاتين اللغتين .
نعود إلى صُلب الموضوع لنبيّن طبيعة وعمق الصلة القائمة بين اللغة العربية وأخواتها الساميات فنشير باختصار وتبسيط شديدين بما يناسب هذا السياق ، إلى شجرة اللغات السامية ، وذلك للتعريف بأصولها وفروعها والتشابه القائم بينها .
يجمع العلماء والباحثون في هذا المجال على أنّ مجموعة اللغات السامية تنقسم إلى ثلاثة أقسام رئيسية ، هي :
١- لغات القسم الشرقي ، وتضمّ كلّاً من : البابلية والآشورية والكلدانية .
٢- لغات القسم الغربي ، وتضمّ كلّاً من : الكنعانية والفينيقية والآرامية والعبرية والسريانية والتدمرية والنبطيّة .
٣- لغات القسم الجنوبي ، وتتفرّع إلى فرعين :
أ- الفرع العربي ، ويضم ، بخاصّة : العربية القديمة والقحطانية والقرشية الفُصحى .
ب - الفرع الحبشيّ ، ويضمّ ، بخاصّة : الأثوبية والجعزية والتيجرية . (١)
على أنّه من المهمّ أنْ نلاحظ هنا أنّ هجرات القبائل العربية من شبه الجزيرة العربية إلى بلاد الشام وبعض جزر البحر الأبيض المتوسّط لم تبدأ مع ظهور الإسلام في القرن السادس الميلاديّ ، كما يظن بعضٌ منّا ، بل تعود إلى أقدم من ذلك بكثير ؛ إذ يرى العلماء أنّ ( الكنعانية ) إنّما هي لغة القبائل العربية التي نزحتْ إلى المناطق المذكورة حوالي الألف الثاني قبل الميلاد ( ٢٠٠٠ ق.م ) .(٢)
هذا ، ولم يتّفق العلماء والباحثون على تحديد أقدم اللغات السامية ، لكن المستشرق المعروف ( أولسهوزن ) ويؤيده في ذلك عدد من المستشرقين ، يرى أنّ ( اللغة العربية )
هي أقرب اللغات السامية إلى اللغة السامية القديمة . (٣)
نستخلص ممّا تقدّم أنّ التشابه بين اللغات السامية في مفرداتها ونحوها وصرفها وتراكيبها أمر طبيعي جدّاً ؛ إذ إنها تعود جميعها إلى أصول واحدة .
على أنّ اللغة العربية بجذورها العميقة الضاربة في التاريخ ، وبامتدادها الجغرافي المترامي الأطراف ، وبظلها الحضاري
الخِصب مع بزوغ فجر الحضارة العربية الإسلامية منذ أربعة عشر قرناً إلى الآن ، وبحيويتها المتجدّدة بكونها لغة مئات الملايين من الناطقن بها عبر العالم ، وإحدى اللغات الرسمية المعتَرَف بها لمنظّمة الأمم المتّحدة وفروعها المتعدّدة ، تظلّ هي اللغة الساميّة الأولى والأهم على جميع المستويات .
أخيراً..أضع بين يدي محبي المقارنات بين اللغات واللهجات هذا الجدول في المقارنة اللفظية بين عدد من اللغات السامية على سبيل الاستئناس . (٤)
وتمثّل ( العبرية ) فيه جميع اللهجات الكنعانية ، بينما تمثّل ( السريانية ) جميع اللهجات الآرامية ، في حين تمثّل ( الجعزيّة ) لهجات جنوب بلاد العرب والحبشة .
١- يُنظَر ، د. ربحي كمال ، دروس اللغة العبرية ، دار العلم للملايين ، بيروت ، ١٩٦٣م ، ص ص ، ٧- ٨ .
٢- يُنظَر ، د.صبحي الصالح ، دراسات في فقه اللغة ، دار العلم للملايين ، بيروت ،١٩٧٣م ، ط ه ، ص، ٥٠.
٣- دروس الغة العبرية، ص، ١٤.
٤- " " " " " ص، ٢٥.
دكتور زياد العوف