د. محمد الشرقاوي - سلاحُ نار حارقة ضد سلاح أرقام خانقة!

يتحدّد مستوى الصراع عادة في أي أزمة أو مواجهة مسلّحة بتوازي الفعل لدى طرف وما يلوّح به الطرف الآخر من أدوات الردع لقلب معادلة التصعيد إلى القبول بالجلوس إلى مائدة مفاوضات مباشرة أو غير مباشرة. وحتى الساعة، ليس هناك استعداد لحوار سياسي بين الكرملين وقيادة حلف شمال الأطلسي والبيت الأبيض.
يحذر الرئيس بوتين الغرب بفزاعة حرب من نوع جديد قائلا "أمرت وزير الدفاع ورئيس الأركان العامة بنقل قوات الردع التابعة للجيش الروسي إلى وضع قتالي خاص." ومن المفارقات المثيرة أن روسيا ودول الغرب تخوض حرب أوكرانيا بأسلحة مختلفة وكأنها تنتمي إلى عصور متباعدة: فقد أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بوضع قوات الردع النووي الروسية في حالة التأهب الأحد، بعد أن حرّك قاذفات اللهب الثقيلة TOS-1، وهي سلاحٌ متطورٌ يستطيع تبخير الأجساد البشرية تم تركيبها على هيكل الدبابة من طراز T-72 عبر الحدود الروسية الأوكرانية السبت.
لا يزال المسؤولون في واشنطن يناقشون ما إذا كان سيتم تغيير وضع القوات النووية الأمريكية. لكنهم في الوقت الحالي، وفقًا لمسؤولين حكوميين، يحاولون تجنب الانجذاب إلى دوامة التصعيد، ويتمسكون بموقف مفاده أن القوات النووية الأمريكية في حالة تأهب منخفضة ومستمرة كافية لردع استخدام روسيا للأسلحة النووية.
وأعلنت جين ساكي المتحدثة باسم البيت الأبيض الأحد بعد أن أمر بوتين برفع حالة التأهب: "لم تتعرض روسيا في أي وقت لتهديد الناتو… ولدينا القدرة على الدفاع عن أنفسنا." وفي نيويورك، قالت سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة ليندا توماس گرينفيلد إن الرئيس الروسي "يواصل تصعيد" الحرب في أوكرانيا بطريقة "غير مقبولة". وحث الرئيس الاوكراني زيلينسكي زعماء العالم على تجريد روسيا من قدرتها على التصويت في مجلس الأمن في الأمم المتحدة.
على الضفة الأخرى من الأطلسي، قالت جل الدول الأوروبية إنها ستحظر الطائرات الروسية من مجالها الجوي. وأعلن المستشار الألماني عن زيادة كبيرة في الإنفاق العسكري، مما يعكس سياسة طويلة الأمد. وتتجه الأنظار إلى تركيا وما إذا كانت ستمنع السفن الروسية من عبر نهر البسفور والدردنيل، وما إذا كانت اتفاقية مونترو لعام 1936 ستغير الجغرافيا السياسية للنفوذ الروسي في هذه المرحلة.
حتى اللحظة، يسود الاعتقاد بين جل الدول الغربية أن عزل الشركات والبنوك الروسية عن استخدام نظام سويفت Swift للتحويلات المالية هو سلاح فعال سيضيّق الخناق على الكرملين والرئيس بوتين. لكن المشهد الراهن ينطوي على تقابل سريالي جامح بين سلاحيْن لا يلتقيان عند أي جبهة ولا أرض المعارك الضروس: الجبروتُ العسكري وسياسة الأرض المحروقة على وقع الحربين العالميتين التي أوديتا بأرواح الملايين ضد الاقتصاد السياسي الذي يعتمده الغرب من منطلق أن العقوبات المالية والاقتصادية ستوقف الرئيس بوتين عن استكمال غزوه أوكرانيا وما يعتزم فعله لاحقا في شرق أوروبا.
وحث الرئيس الاوكراني زيلينسكي زعماء العالم على تجريد روسيا من قدرتها على التصويت في مجلس الأمن الدولي. وأضاف أن "الإجراءات الإجرامية لروسيا ضد أوكرانيا تحمل علامات الإبادة الجماعية". ورفعت أوكرانيا دعوى قضائية أمام محكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة في لاهاي يوم الأحد. وأضاف أن روسيا تقصف مناطق سكنية لكنه حذر من أننا "سنقاتل ما دامت هناك حاجة لتحرير البلاد".
هي متاهة مزدوجة تتوخى البراغماتية ولي ذراع الخصم بين الحرب التقليدية كما يتصورها الرئيس بوتين في مسعاه لفرض ميزان قوة جديد على الغرب بمنطق المعادلة الصفرية مقابل سلاح الاقتصاد السياسي وكوابح الروابط المالية بين المصارف والتجارية الروسية والأسواق والمؤسسات المالية الغربية. ويعتد البيت الأبيض والعواصم الأوروبية بأنها سلاح الحرب في القرن الحادي والعشرين حتى إشعار آخر.





تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...