أ. د. عادل الأسطة - رنا قباني ومحمود درويش

ثمة مثل شعبي يقول ما نصه: يا داخل بين البصلة وقشرتها ما نابك إلا دمعتها، فهل ستجر الكتابة عن مقالات رنا قباني التي تنشرها في القدس العربي عن علاقتها بزوجها الشاعر محمود درويش، هل ستجر علي المشاكل وتسبب لي الدموع؟
حين كتبتُ عن إشكالية الشاعر والسياسي في أشعار محمود درويش، سألني وأنا أسأله عن صياغات قصائده المختلفة: هل تريد أن تتبع مواقفي السياسية من أشعاري؟ والشاعر الذي التقيت به اربع خمس مرات، او ست مرات على اكثر تقدير كان مهذبا حقا، وربما لو لم تقم الانتفاضة، ولم تندلع، ربما اكون التقيت به اكثر، فقد ارسل إليّ لأكون عضوا من أعضاء هيئة مجلس السكاكيني، وما زلت احتفظ بالكتاب. ترى ماذا كان سيكون ردّه لو سألته عن علاقته بالمرأة؟
في المقابلات التي أجريت معه سألته صحافية فرنسية هي (لور ادلير) عن علاقته بالمرأة اليهودية (ريتا)، وأجابها، وقد فصلت الكتابة في هذا في مقالة مطولة هي "بين ريتا وعيوني بندقية" ونشرتها في كتابي "أدب المقاومة .. من تفاؤل البدايات الى خيبة النهايات" (١٩٩٨ غزة / ٢٠٠٨ دمشق)، ولم أقرأ، في المقابلات التي أجريت معه، عن علاقته بزوجتيه رنا قباني وحياة البهيني - ان لم تخني ذاكرة الأسماء.
أول مرة قرأت فيها اسم رنا قباني كان يوم قرأت قصيدته "أحمد الزعتر" التي صدرت في ١٩٧٦ بطبعة خاصة، باللغتين العربية والانجليزية، قبل ان تصدر في مجموعة "أعراس" (١٩٧٧) وكانت إحدى دور النشر، هنا في فلسطين، وأظن كان يقف وراءها الكاتب عادل سمارة، نشرت القصيدة معيدة طباعتها، هي وقصيدة لمعين بسيسو كتبها أيضا في أحداث سقوط مخيم تل الزعتر (١٩٧٦) وسأعرف لاحقا ان رنا قباني هي زوجة الشاعر، وانهما سرعان ما انفصلا، وان قصيدة الرمل التي ظهرت في ديوان "أعراس" (١٩٧٧) هي قصيدة الانفصال:
"والرمل هو الرمل، أرى عصرا من الرمل يغطينا
ويرمينا من الأيام
ضاعت فكرتي وامرأتي ضاعت
وضاع الرمل في الرمل.
وكان الشاعر علي الخليلي نشر هذه القصيدة على صفحات ملحق جريدة الفجر "الفجر الأدبي" وكانت فاتحة حديث عن مناسبتها. كان عليّ قد قدم حديثا من بيروت، وأعاد على سمعي حكاية انفصال الشاعر عن زوجته، والشائعة التي رددتها الأوساط الثقافية حول سبب الانفصال.
هل خطر ببالي، ذات يوم، ان اسأل عن علاقة الشاعر بزوجته وعن زواجه؟ طبعا لا، فلم يخطر هذا ببالي أبدا، والطريف أنني، وغيري من النقاد، في حدود ما قرأت من مقابلات ومقالات ودراسات، لم تتوقف امام هذا الموضوع، علما بأن الشاعر كتب قصائد فيه، وعلما بأن هناك مناهج نقدية تبيح لنا هذا، وأبرزها منهج الفرنسي (سانت بيف) الذي "يقوم على جمع المعلومات عن الشاعر المدروس، من أقاربه وأصحابه ومعارفه، وأعدائه أيضا، ولا أنسى ما كتبه الشاعر احمد دحبور في تقديمه لكتابي "أدب المقاومة...": "سيختلف الكثيرون مع هذا الكتاب وصاحبه، سيعطيه كثيرون أصواتهم، ولكننا نذهب اليه على شفير خطر، حيث لا يمكن إنكار الصدمة أحيانا، او الدهشة من التوغل في الشخصي.." "أما د. عادل الأسطة الواثق من مشروعه فهو يرى المبدع شخصية عامة، تماما كما هو نصه حق عام، يدعمه في ذلك انه يقدم شهادة عامة على مرحلة ملتبسة، ولهذا فهو لا يجد حرجا في هذا التزيد" (غزة، ١٩٩٨، ص ٧).
بل والطريف ان ما لفت انتباهي اكثر ان لا احد، تقريبا، من الدارسين توقف أمام قصائد درويش الأخيرة في ديوانه "أعراس" وهي قصائد كتبت في المرأة، وأظنها من وحي علاقته بزوجته رنا. "هكذا قالت الشجرة المهملة، قطار الساعة الواحدة، لمساء آخر، يوم احد ازرق، حالة واحدة لبحار كثيرة" وهذه خمسة مقاطع أدرجت تحت عنوان "حالات وفواصل"، وسبقتها قصيدة "الحديقة النائمة" التي يذكر فيها ريتا.
في مقطع "لمساء آخر" يكتب درويش: "البحيرات كثيرة / وهي النهر الوحيد / قصتي كانت قصيرة / وهي النهر الوحيد"، وكانت قصته مع رنا قصيرة، فقد دام زواجهما الأول تسعة اشهر فقط (سأقرأ في مقالات رنا انهما تزوجا مرتين، الأول استمر تسعة اشهر).
هل تفيدنا مقالات رنا في إضاءة أشعار الشاعر وموقفه من المرأة، وهل تقول لنا أشعار الشاعر، ونثره، ما تقوله المقالات أم أنها تتزيد وتبالغ في القول؟
ثمة كتابان أثارا في أوساطنا الثقافية جدلا كبيرا، بل ان الجدل تعدى الأوساط الثقافية أحيانا، الأول رسائل غسان كنفاني الى غادة السمان، والثاني "انا الموقع أدناه .. محمود درويش" لايفانا مارشليان، والآن تثير مقالات رنا عن علاقتها بزوجها الشاعر جدلا لافتا، ومن يرد التأكد من هذا فما عليه الا قراءة المقالات في القدس العربي اللندنية وقراءة التعقيبات عليها. والجدل الذي يثار أسبابه كثيرة منها ما هو جندري (الذكورة والأنثوثة) ومنها ما هو حضاري (الريفي والمدنية) ومنها ما هو سياسي (الثورة في بيروت) ومنها ما هو شخصي (صورة محمود درويش الشخصية عن قرب وعلاقته بالمرأة، في الواقع لا في القصائد) ..و.. و.. واعتقد ان الكتابة في هذا ستطول.
وأنا أتابع المقالات في القدس العربي قرأت عن اللقاء الأول بين الشاعر ورنا وتعارفهما وزواجهما السريع ونظرة درويش الى ساقيها: "في اللحظة التي جلست أثناءها، كانت عينا محمود تحدقان بالأسود الطاغي المتنافر مع بياض جلدي. كان ينظر بفضول واستغراب،، وحين رفع عينيه، وجد أنني أمسكته متلبسا بالنظر الى ساقي فضحكت. حينها بدا هو الآخر بالضحك اللاإرادي، ثم التثاؤب من دون توقف محاولا ضبط نفسه، لأنه كان على وشك إلقاء الشعر" (١٦ / ٨ / ٢٠١٤) ولقد استهجن بعض القراء ما كتبته رنا وذهب الى ان الشاعر لا يمكن ان يكون فعل هذا. انا شخصيا لا ارفض ولا أؤيد، ولكني، دارسا، أعود الى قصائده، لأرى ان كان قال شيئا من هذا يؤيد ما تذهب إليه رنا. في قصيدة "الحديقة النائمة" التي يذكر فيها ريتا يكتب: "سرقت يدي حين عانقها النوم / غطيت أحلامها / نظرت الى عسل يختفي خلف جفنين / صليت من اجل ساقين معجزتين / انحنيت على نبضها المتواصل" فهل ريتا هنا هي رنا؟ وهل ساقا رنا ذكرته بساقي ريتا.
ما لفت نظري أيضا ما أوردته رنا عن أصدقاء درويش ورموز في القيادة. هل نعثر في كتابات درويش على نقد لهؤلاء؟ لطالما لفت نظري نص في كتابه "ذاكرة للنسيان" عن المحاكمة التي تستحقها الثورة وبعض قياداتها التي ارتكبت جرائم مدوية. حين قرأت مقالة رنا "القوة ١٧" عقبت: ماذا يقول أفراد هذه القوة فيما تكتبه رنا عنهم، لنقرأ وجهة نظرهم؟ هل كتب درويش عن مراقبته امنيا؟ في "في الحديقة النائمة نقرأ: "لا وداع ولا شجرة / فقد نامت الشهوات وراء الشبابيك / نامت جميع العلاقات / نامت جميع الخيانات خلف الشبابيك / نام رجال المباحث أيضا"، واعتقد أنا ان مقالات رنا تثير ضجة كبيرة، ولكنها لي، وللدارسين، قد تكون مدخلا لإعادة قراءة بعض أشعار درويش في ضوئها، ليغفر لنا الشاعر هذا، وتوغلنا في الشخصي؟!!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...