د. سيد شعبان - لماذا كل هذا السرد؟

سؤال حاولت كثيرا الإجابة عليه، في كل مرة أراوغ وأقدم غير مافي نفسي؛ فالبوح اتهام وتجن، كتبت مقالة عن السرد عند المنحنى الخطر، تبلعت حبوب الشجاعة وأبنت عن بعض الدلائل من حياتي بله من آرائي، تراجعت بعد؛ لأن السرد لابد له من غموض شفيف يغلف الجمل والعبارات، لو وضح لصار مملا، ثمة فرق بين السرد والسيرة الذاتية، فالسرد مسور بالإبداع وفنياته يجنح به الخيال ويميد به الرمز بعيدا.
أما السيرة فقد تغلبها المنطقية وتتخللها الحقيقة مجردة، قد لاتغفل ما يصم، لذا رأيتني في السرد على خشبة مسرح العرائس، أراقص شخوصي مبتعدا عن صفة الراوي العليم الذي يتلبسني في كثير من كتاباتي، متهم أنا بأنني أعيش الماضي أقدمه زادا لليوم، غير أن هذا ليس بمسلم على الإطلاق، فهذه الكتابات تتحدث عن خيالات ساردها ورؤيته لعالم قد انطوى بشخوصه وأحداثه، تتبقى منه جذاذات رصت في سجلات الذاكرة.
يحسن أن يبدع أحدنا، يلتزم بتقنيات السرد وقواعد الشعر، أجمل الحكايات تلك التي سمعناها من أفواه الأمهات، نسترق السمع إليها من تحت أغطية الشتاء، كنا أكثر براءة حين نتخيل العنزة ماز وأختها حاز وثالثة معهما تضرب بالعكاز، كم كان جميلا أن تحكي لي أمي عن حمار عمي سلطان وكيف خدع الخالة فاطمة تلك الجارة الطيبة التي عمرت طويلا، كانت أشبه بمخزون من الحب نسترفده زمن الجفاء!
شاغبت كثيرا وانتقلت من رأي إلى آخر؛ ربما كنت فوضويا في فترة من حياتي، فالأفكار صرعات وأماثل كما الثياب، أعجبت بالجميلات على شاشة التلفاز فكن فتيات لأحلام الصبا وزهوة الشباب، مضى كل هذا وبقي لي منه أريج الذكرى!
لم أكن عابثا إلا بما يكفي لأزجي وقت الفراغ ثم تكون دراسة وكد وسعي.
وجدت في عالم الكتب نفسي، أزاوج بينها وبين معتقدي، مرة يكون العقاد وأخرى المتنبي وثالثة نجيب محفوظ والرافعي، هؤلاء علموني فنون الصنعة، أقرب الأدباء إلى سردي الطيب صالح وعبدالرحمن منيف وينضم إليهما ماركيز، توالت المعرفة وتشعبت سبلها، كنت- وماأزال- محبا لوطني العربي الكبير عشت زمن المد القومي حتى حلمت بالقاهرة عاصمة له، نعم ثمة تقرحات لكن يبقى لنا الحلم!
جعلت تيمة سردي قريتي؛ لأنها عالمي الأول، في شوارعها وحاراتها كانت الحكايات، في حنايا الذاكرة طيبون عاشوا معي، رافقتهم حينا، منهم من تبدل كما وأدار ظهر المجن بل انتكس في حمأة ما كان يجهر بمخالفته، آسفت مرات عليه لكنه ابن الأرض إذ أخلد إليها.
كثير من كتابات سخرية سارد لكنها المتدثرة بحكمة الجنون.
لذلك أكتب عن عالم الحلم الذي يسكنني، كثير منه حكايات سمعتها وأحداث عاصرتها ورؤى خايلت بها، ربما تكون مملة مكررة لكنها مفردات تراقصت فسجلتها كما هي!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...