كنت مثلك يا من تقرأ هذا المقال الآن، كنت بريئاً، وليبرالياً معجباً بمفاهيم الحرية والفردانية (مذهب)، ولا مركزية الآيدولوجيات. هكذا نبدأ مشوارنا التحرري بمزيد من الإنغلاق.
لذلك فإنني ما كنت لأعي ما يحدث في العالم لولا أن قرأت بالصدفة بعض المؤلفات التي تبدو بعيدة كل البعد عن السياسة فإذا بها تكشف لي عن تلك الشبكة التاريخية الضخمة التي بدأت تتكون منذ عصر النهضة عبر بعض الأسر البرحوازية التي دعمت فلاسفة التنوير ثم العلماء.
نقرأ كل يوم بشكل عشوائي دون أن نربط بين المفاهيم التي نستقيها من كتب تبدو غير متعلقة ببعضها البعض. ولكن دعوني أعيد كتابة التاريخ على أساس نظرية المؤامرة. هذه النظرية التي تم تبخيسها عمداً والتهكم منها ليولي كل من يُتهم بها فراراً خجلاً من أن يوصم بالجنون.
دعونا نعرف كيف بدأت حرب اوكرانيا قبل مئات السنين..أي منذ نهاية العصور الوسطى، وبداية عصر النهضة والتنوير، وكيف تم دعم تلك الفلسفة (الحرية، الفردانية، اللا مركزية الآيدولوجية). كانت تلك القوى الرأسمالية قد عقدت عزمها على إنهاء كل المنظومات الكلاسيكية التقليدية (الإقطاع، الكنيسة، الأسرة) وبدأت بالفعل بالكنيسة ثم انقضت على الاقطاع، وتم بالفعل تدميرهما تماماً، وكانت الحرب الأهلية (وهي ليست أهلية) الأمريكية هي خاتمة إعلان النصر على الإقطاع.
الكنيسة والإقطاع شكلا حائط صد أمام الرأسمالية، إذ أن الأولى تعزز القوة الدينية الجماعية الداعمة للفرد، وتعزز الثانية القوة الاجتماعية الاقتصادية الداعمة للفرد). كان هم القوى الرأسمالية هو تجريد الفرد من تلك الدواعم والمعززات، حتى يخضع تماماً للمفاهيم الحديثة (العمل كنشاط مقدس)، ثم العمل، ولا شيء غير العمل. ظلت التكافلية الدينية والإقطاعية تغرق العالم بالكسالى الإتكاليين، وبالأُسر التي تعتمد على العبيد، وعندما امتلكت الرأسمالية قوة الآلة البخارية، كان عليها تصفية الإقطاع القديم وتفكيكه وتوزيع تركته، وتم الاعتماد في ذلك على نداءات حقوق الإنسان، وهكذا تم شيطنة نظام العبودية وسرد مئات الروايات والقصص والمسرحيات عن عمليات التعذيب التي عانى منها العبيد، رغم أن هذا لم يكن صحيحاً، فبالفعل كانت هناك حالات قهر للعبيد ولكنها قليلة جداً. فالعبيد كانوا يضمنون لأنفسهم استقراراً كبيراً في السكن والأكل والشرب، وعندما تم استبدال نظام العبودية التقليدية بعبودية العمل في المؤسسات الرأسمالية أصبح العبيد الجدد غير مستقرين بالمرة، فبلا عمل سيفقدون السكن والأكل والشرب. نظام العمل المفتوح في العبودية كان يسعف العبيد بالكثير من أوقات الراحة، وبما أن العبد يعتبر قوة بشرية، كان السيد يحرص كل الحرص على تغذيته وصحته الجسدية والنفسية حتى لا يلحق به خسائر فادحة. في حين أن العبودية الجديدة داخل المؤسسات الرأسمالية لا تحفل بالعبد، إذ أنها غير مسؤولة عنه، ويمكنها ببساطة استبداله بعبد جديد في أي وقت. لقد ثار العمال حول العالم وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية بسبب القهر الذي تعرضوا له من تلك المؤسسات الرأسمالية، في الوقت الذي لم يفكر فيه العبيد الكلاسيكيون في الثورة على أسيادهم. فالعمال أو العبيد الجدد كانوا يشعرون بالفزع المزمن بسبب إمكانية لفظ الواحد منهم خارج النظام الاقتصادي ككلب مريض. ظلت عقود العمل مجحفة جداً، في بريطانيا -الدولة الصناعية الأولى- كان استغلال العمال قد بلغ أوجه، حينما حرم العمال من الحصول على مرتباتهم في شكل نقود، واستبدلت بالسلع. فالمصنع الذي ينتج الزيت كان يعطي مرتبات العمال قارورات زيت، والمصنع الذي ينتج قطناً مغزولاً كان يعطيهم قماشاً وهكذا. لقد اضطر العمال -بفكرة شقيقين منهم- تشكيل الجمعيات التعاونية لتبادل السلع. أما في أمريكا، فكانت ظروف العمال بالغة السوء، وكان مبدأ "العقد شريعة المتعاقدين" يتيح لأصحاب المصانع استغلال حاجة العمال للعمل فيبرموا معهم عقوداً مجحفة، يتم فيها إرهاق العامل بالعمل لساعات طويلة وبأجور زهيدة. وبعد الثورات العمالية بتأثير من ماركس وانجلز، خافت القوى الرأسمالية الغربية من تفشي الروح الثورية وأصبحت عقود العمل أقل إجحافاً مما كانت عليه.
كانت الماركسية طريقاً ثالثاً يقف ضد البرجوازية الحديثة والإقطاع القديم، كانت المفاهيم الماركسية ضرورة في ذلك الوقت لكنها لم تعد ملائمة اليوم.
بعد أن نجحت القوى الرأسمالية في تحطيم البنية الاقتصادية القديمة (الإقطاع) عبر تحرير العبيد واستبدال العبودية التقليدية بعبودية المؤسسات الاقتصادية الضخمة، من خلال استخدام مفاهيم الحداثة (الفردانية كمذهب، الحرية الاقتصادية، لا مركزية القيم). ظهرت تنظيرات داعمة لتلك الفلسفة، مثل التفكيكية، وإرادة القوة، وغيرهما. ثم تم تصنيف الأخطار المستقبلية على القيم للراسمالية الجديدة، وقد وضعها صمويل هنتجتون في مؤلفه "الموجة الثالثة" ورتبها، وجعل الكاثوليكية والإسلام السني على وجه الخصوص أخطر تلك القوى التي تعيق الدموقراطية (الدموقراطية هي قدرة القوى المسيطرة على المال على توجيه الشعوب نحو اختيار القيادات المناسبة).
انقسم العالم إلى فسطاطين، فسطاط المحافظين الكلاسيكيين، وفسطاط الليبراليين. تمثل روسيا إلى جانب الشعوب ذات الاستنادات الدينية، الخطر الأكبر، والتي تعزز من قوة الفرد من خلال الجماعة. روسيا تمثل المحافظين ومعهم الدول العربية.
المنظومة الرأسمالية هي منظومة تأسست على قوى يهودية ليبرالية، في حين نشأت الماركسية من قوى يهودية. (فبدءً من ماركس وحتى لينين وغيرهم هم يهود) في المقابل كانت (القوى الغربية الرأسمالية يهودية أيضاً).
إذاً فالصراع بين المعسكر الشرقي والغربي قاده اليهود. الصراع بين أمريكا والاتحاد السوفيتي قاده اليهود. بغض النظر عن كونهم ملحدين أم لا، فلا نستطيع ان نضمن ما يبطنه اليهودي مهما بدا منه في الظاهر.
ففي فيينا مثلاً قاد كارل لويجير الحزب الاشتراكي المسيحي متهماً اليهود بالسيطرة على الرأسمال، وبتزايد التضييق على اليهود، قرر هؤلاء اعتناق المسيحية، وبالفعل دخلت جموع غفيرة من اليهود في الدين المسيحي فاضطرب حزب لويجير، وبنهاية التضييق عاد اليهود إلى يهوديتهم.
لذلك يمكننا أن نقسم العالم إلى فسطاطين: فسطاط اليهود المحافظين واليهود الليبراليين. يعتمد المحافظون على بقاء اليهودية كديانة أصيلة، ويعترفون بالقيم الاجتماعية الكلاسيكية (الأسرة، المعبد، المجتمع)، ويعتمد الليبراليون على تحطيم تلك القيم القديمة واستبدالها بقيم (الحرية الفردية، الحرية الاقتصادية، اللا مركزية) لخدمة الرأسمال.
من هنا يمكننا أن نفهم خطاب بوتين وبريجنسكي، ونفهم الصراع بين القوى الليبرالية وآخر معاقل القوى المحافظة أي روسيا. لا تمثل الصين خطراً كبيراً على القيم الليبرالية إلا من حيث النظام السياسي لا النظام الثقافي..
ظلت الدموقراطية لعبة القوى الرأسمالية وسلاحها الأول، فنحن نعلم -ومن خلال تجارب طويلة- بأن الدموقراطية لو طبقت بحذافيرها لأدى ذلك إلى الفوضى وهشاشة الدول، لأن الأصل في الإنسان والشعوب هو الاختلاف المفاهيمي والتنازع. ولذلك كان لا بد من السيطرة على الدموقراطية نفسها، لتكون دكتاتورية (لا دكتاتورية الأغلبية) بل دكتاتورية الأقلية التي تملك المال وتسيطر على الإعلام وتوجيه الرأي العام.
خلال قرنين، وبتطور سريع منذ منتصف القرن العشرين، بدأ الاستخدام العلمي والفعلي للعلوم الطبيعية والانسانية لتمكين القوى المسيطرة على المال من السيطرة أيضاً على الشعوب. أصبحت كل العلوم النفسية والانسانية والاجتماعية تستخدم للسيطرة على توجهات الشعوب، فظهرت الهندسة الاجتماعية، وسيكولوجيا الجماهير، وعلم التحكم (السايبرنيتك) أو السيبرانية، وغير ذلك من نظريات وأدوات تم وضعها تحت يد مؤسسات العمليات النفسية، ومن خلال تلك العمليات وعمليات موازية أخرى يتم ضبط الدموقراطية في مناخ حر، ويتم اختيار الحكام بشكل دقيق تلبية لحاجة كل مرحلة ابتداء من حمدوك وحتى زيلينسكي وقبلهما أوباما وترامب..الخ. اصبحت هذه الشبكة الليبرالية تتضخم يوماً بعد يوم، وتسيطر على العالم. وهي تواجه اليوم آخر معاقل الأعداء الحقيقيين أي روسيا المحافظة. وبلا أدنى شك سيتم تدمير روسيا القديمة واستبدالها بروسيا جديدة بحكومات ليبرالية جديدة مسيطر عليها. فروسيا مهما كانت تمتلك من قوة لكنها لن تستطيع الاستمرار في مقاومة هؤلاء الشياطين...سيتم تفكيك روسيا (من الداخل وليس من الخارج).
لذلك فإنني ما كنت لأعي ما يحدث في العالم لولا أن قرأت بالصدفة بعض المؤلفات التي تبدو بعيدة كل البعد عن السياسة فإذا بها تكشف لي عن تلك الشبكة التاريخية الضخمة التي بدأت تتكون منذ عصر النهضة عبر بعض الأسر البرحوازية التي دعمت فلاسفة التنوير ثم العلماء.
نقرأ كل يوم بشكل عشوائي دون أن نربط بين المفاهيم التي نستقيها من كتب تبدو غير متعلقة ببعضها البعض. ولكن دعوني أعيد كتابة التاريخ على أساس نظرية المؤامرة. هذه النظرية التي تم تبخيسها عمداً والتهكم منها ليولي كل من يُتهم بها فراراً خجلاً من أن يوصم بالجنون.
دعونا نعرف كيف بدأت حرب اوكرانيا قبل مئات السنين..أي منذ نهاية العصور الوسطى، وبداية عصر النهضة والتنوير، وكيف تم دعم تلك الفلسفة (الحرية، الفردانية، اللا مركزية الآيدولوجية). كانت تلك القوى الرأسمالية قد عقدت عزمها على إنهاء كل المنظومات الكلاسيكية التقليدية (الإقطاع، الكنيسة، الأسرة) وبدأت بالفعل بالكنيسة ثم انقضت على الاقطاع، وتم بالفعل تدميرهما تماماً، وكانت الحرب الأهلية (وهي ليست أهلية) الأمريكية هي خاتمة إعلان النصر على الإقطاع.
الكنيسة والإقطاع شكلا حائط صد أمام الرأسمالية، إذ أن الأولى تعزز القوة الدينية الجماعية الداعمة للفرد، وتعزز الثانية القوة الاجتماعية الاقتصادية الداعمة للفرد). كان هم القوى الرأسمالية هو تجريد الفرد من تلك الدواعم والمعززات، حتى يخضع تماماً للمفاهيم الحديثة (العمل كنشاط مقدس)، ثم العمل، ولا شيء غير العمل. ظلت التكافلية الدينية والإقطاعية تغرق العالم بالكسالى الإتكاليين، وبالأُسر التي تعتمد على العبيد، وعندما امتلكت الرأسمالية قوة الآلة البخارية، كان عليها تصفية الإقطاع القديم وتفكيكه وتوزيع تركته، وتم الاعتماد في ذلك على نداءات حقوق الإنسان، وهكذا تم شيطنة نظام العبودية وسرد مئات الروايات والقصص والمسرحيات عن عمليات التعذيب التي عانى منها العبيد، رغم أن هذا لم يكن صحيحاً، فبالفعل كانت هناك حالات قهر للعبيد ولكنها قليلة جداً. فالعبيد كانوا يضمنون لأنفسهم استقراراً كبيراً في السكن والأكل والشرب، وعندما تم استبدال نظام العبودية التقليدية بعبودية العمل في المؤسسات الرأسمالية أصبح العبيد الجدد غير مستقرين بالمرة، فبلا عمل سيفقدون السكن والأكل والشرب. نظام العمل المفتوح في العبودية كان يسعف العبيد بالكثير من أوقات الراحة، وبما أن العبد يعتبر قوة بشرية، كان السيد يحرص كل الحرص على تغذيته وصحته الجسدية والنفسية حتى لا يلحق به خسائر فادحة. في حين أن العبودية الجديدة داخل المؤسسات الرأسمالية لا تحفل بالعبد، إذ أنها غير مسؤولة عنه، ويمكنها ببساطة استبداله بعبد جديد في أي وقت. لقد ثار العمال حول العالم وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية بسبب القهر الذي تعرضوا له من تلك المؤسسات الرأسمالية، في الوقت الذي لم يفكر فيه العبيد الكلاسيكيون في الثورة على أسيادهم. فالعمال أو العبيد الجدد كانوا يشعرون بالفزع المزمن بسبب إمكانية لفظ الواحد منهم خارج النظام الاقتصادي ككلب مريض. ظلت عقود العمل مجحفة جداً، في بريطانيا -الدولة الصناعية الأولى- كان استغلال العمال قد بلغ أوجه، حينما حرم العمال من الحصول على مرتباتهم في شكل نقود، واستبدلت بالسلع. فالمصنع الذي ينتج الزيت كان يعطي مرتبات العمال قارورات زيت، والمصنع الذي ينتج قطناً مغزولاً كان يعطيهم قماشاً وهكذا. لقد اضطر العمال -بفكرة شقيقين منهم- تشكيل الجمعيات التعاونية لتبادل السلع. أما في أمريكا، فكانت ظروف العمال بالغة السوء، وكان مبدأ "العقد شريعة المتعاقدين" يتيح لأصحاب المصانع استغلال حاجة العمال للعمل فيبرموا معهم عقوداً مجحفة، يتم فيها إرهاق العامل بالعمل لساعات طويلة وبأجور زهيدة. وبعد الثورات العمالية بتأثير من ماركس وانجلز، خافت القوى الرأسمالية الغربية من تفشي الروح الثورية وأصبحت عقود العمل أقل إجحافاً مما كانت عليه.
كانت الماركسية طريقاً ثالثاً يقف ضد البرجوازية الحديثة والإقطاع القديم، كانت المفاهيم الماركسية ضرورة في ذلك الوقت لكنها لم تعد ملائمة اليوم.
بعد أن نجحت القوى الرأسمالية في تحطيم البنية الاقتصادية القديمة (الإقطاع) عبر تحرير العبيد واستبدال العبودية التقليدية بعبودية المؤسسات الاقتصادية الضخمة، من خلال استخدام مفاهيم الحداثة (الفردانية كمذهب، الحرية الاقتصادية، لا مركزية القيم). ظهرت تنظيرات داعمة لتلك الفلسفة، مثل التفكيكية، وإرادة القوة، وغيرهما. ثم تم تصنيف الأخطار المستقبلية على القيم للراسمالية الجديدة، وقد وضعها صمويل هنتجتون في مؤلفه "الموجة الثالثة" ورتبها، وجعل الكاثوليكية والإسلام السني على وجه الخصوص أخطر تلك القوى التي تعيق الدموقراطية (الدموقراطية هي قدرة القوى المسيطرة على المال على توجيه الشعوب نحو اختيار القيادات المناسبة).
انقسم العالم إلى فسطاطين، فسطاط المحافظين الكلاسيكيين، وفسطاط الليبراليين. تمثل روسيا إلى جانب الشعوب ذات الاستنادات الدينية، الخطر الأكبر، والتي تعزز من قوة الفرد من خلال الجماعة. روسيا تمثل المحافظين ومعهم الدول العربية.
المنظومة الرأسمالية هي منظومة تأسست على قوى يهودية ليبرالية، في حين نشأت الماركسية من قوى يهودية. (فبدءً من ماركس وحتى لينين وغيرهم هم يهود) في المقابل كانت (القوى الغربية الرأسمالية يهودية أيضاً).
إذاً فالصراع بين المعسكر الشرقي والغربي قاده اليهود. الصراع بين أمريكا والاتحاد السوفيتي قاده اليهود. بغض النظر عن كونهم ملحدين أم لا، فلا نستطيع ان نضمن ما يبطنه اليهودي مهما بدا منه في الظاهر.
ففي فيينا مثلاً قاد كارل لويجير الحزب الاشتراكي المسيحي متهماً اليهود بالسيطرة على الرأسمال، وبتزايد التضييق على اليهود، قرر هؤلاء اعتناق المسيحية، وبالفعل دخلت جموع غفيرة من اليهود في الدين المسيحي فاضطرب حزب لويجير، وبنهاية التضييق عاد اليهود إلى يهوديتهم.
لذلك يمكننا أن نقسم العالم إلى فسطاطين: فسطاط اليهود المحافظين واليهود الليبراليين. يعتمد المحافظون على بقاء اليهودية كديانة أصيلة، ويعترفون بالقيم الاجتماعية الكلاسيكية (الأسرة، المعبد، المجتمع)، ويعتمد الليبراليون على تحطيم تلك القيم القديمة واستبدالها بقيم (الحرية الفردية، الحرية الاقتصادية، اللا مركزية) لخدمة الرأسمال.
من هنا يمكننا أن نفهم خطاب بوتين وبريجنسكي، ونفهم الصراع بين القوى الليبرالية وآخر معاقل القوى المحافظة أي روسيا. لا تمثل الصين خطراً كبيراً على القيم الليبرالية إلا من حيث النظام السياسي لا النظام الثقافي..
ظلت الدموقراطية لعبة القوى الرأسمالية وسلاحها الأول، فنحن نعلم -ومن خلال تجارب طويلة- بأن الدموقراطية لو طبقت بحذافيرها لأدى ذلك إلى الفوضى وهشاشة الدول، لأن الأصل في الإنسان والشعوب هو الاختلاف المفاهيمي والتنازع. ولذلك كان لا بد من السيطرة على الدموقراطية نفسها، لتكون دكتاتورية (لا دكتاتورية الأغلبية) بل دكتاتورية الأقلية التي تملك المال وتسيطر على الإعلام وتوجيه الرأي العام.
خلال قرنين، وبتطور سريع منذ منتصف القرن العشرين، بدأ الاستخدام العلمي والفعلي للعلوم الطبيعية والانسانية لتمكين القوى المسيطرة على المال من السيطرة أيضاً على الشعوب. أصبحت كل العلوم النفسية والانسانية والاجتماعية تستخدم للسيطرة على توجهات الشعوب، فظهرت الهندسة الاجتماعية، وسيكولوجيا الجماهير، وعلم التحكم (السايبرنيتك) أو السيبرانية، وغير ذلك من نظريات وأدوات تم وضعها تحت يد مؤسسات العمليات النفسية، ومن خلال تلك العمليات وعمليات موازية أخرى يتم ضبط الدموقراطية في مناخ حر، ويتم اختيار الحكام بشكل دقيق تلبية لحاجة كل مرحلة ابتداء من حمدوك وحتى زيلينسكي وقبلهما أوباما وترامب..الخ. اصبحت هذه الشبكة الليبرالية تتضخم يوماً بعد يوم، وتسيطر على العالم. وهي تواجه اليوم آخر معاقل الأعداء الحقيقيين أي روسيا المحافظة. وبلا أدنى شك سيتم تدمير روسيا القديمة واستبدالها بروسيا جديدة بحكومات ليبرالية جديدة مسيطر عليها. فروسيا مهما كانت تمتلك من قوة لكنها لن تستطيع الاستمرار في مقاومة هؤلاء الشياطين...سيتم تفكيك روسيا (من الداخل وليس من الخارج).