د. أحمد إبراهيم الباسوسي - الاختيار والمقامرة من واقع كوتشينة نشأت المصري.. قراءة في رواية كوتشينة

رغم القلق والاضطراب الذي يعيشه الناس بسبب تفشي وباء الكورونا في جنبات الكرة الارضية، والجدل العقيم بشان امكانيات الامصال المضادة له ومقدرتها على انقاذ البشرية من الوباء واستعادة الايقاع الطبيعي للحياة مثلما كانت قبل ظهور الوباء قبل أكثر من عام، تخرج علينا مؤسسة دار الهلال العريقة في القاهرة برواية جديدة ضمن سلسلة روايات الهلال، تحت عنوان كوتشينة للكاتب المخضرم نشأت المصري، الذي ولد في منية النصر تلك القرية التي تقع شمال شرق النيل في محافظة الدقهلية المشهورة، ومؤكد لاتبتعد كثيرا عن مدينة المنصورة صاحبة الواقعة الشهيرة في تاريخ القرن الثالث عشر وصمود المصريين في مواجهة الجحافل الصليبية بقيادة ملكهم الفرنسي المتغطرس لويس التاسع واذلاله وامرائه ونبلائه وحبسهم في دار ابن لقمان، ومنعهم من التقدم نحو القاهرة بغرض سحق الجيش المصري. ومؤكد ايضا ان الكاتب نشأت المصري يتشبع جسده بمورثات بيولوجية تحمل صفات اجداده الشجعان النبلاء الذين شهدوا واقعة المنصورة العظيمة. ان النص الذي ابدعه ربما يعكس الكثير من الخصائص الانسانية على وجه العموم وكذلك الخصائص المصرية الخالصة على وجه الخصوص، وبداية البداية تبدأ عادة بالعنوان عتبة النص ومدخله الرئسي للولوج الى عقل الكاتب حفيد ابطال معركة المنصورة العظام. بمجرد ذكر مفردة "الكوتشينة" عنوان الرواية يتمثل في ذهن القارئ عالم المقامرة والفراغ غير الجاد، لكن يبدو ان للمبدع حسابات ودروب أخرى لعلها تعكس داخله قلقا مشروعا بصدد الواقع المتقلب، والعلاقات الانسانية التي يتعمق تفسخها، ويتحول المرؤ خلالها الى مجرد مقامر يقلب في ورق الكوتشينة لعله يجد بغيته في الربح المناور، أو الخسارة الحتمية التي تستشيط قلقه واضطرابه، وتدفع به الى أتون صراعات داخلية مرهقة لأعصابه وتفكيره. هنا تتحول اوراق الكوتشينة على مدى النص الروائي من مجرد أدوات ترفيه ومغامرة الى مشرط حاد النصل لتشريح عالم الروائي الخارجي، وعالمه الداخلي المتخم بالقلق والصراعات الداخلية والتوترات التي كان لها تأثير جوهري على مسار الرؤية الفكرية الابداعية لحركة شخصيات الرواية الذين يسبحون في عالم من الغموض والاضطراب وعدم التوافق رغم التكامل الظاهري في حيواتهم. واذا كان اصرار الكاتب حفيد ابطال معركة المنصورة مستمد من جينات اجداده في محاولات ضبط والسيطرة على الواقع المتحدي الذي يعيشه، مثلما فعلها اجداده في القرن الثالث عشر وفرضوا ارادتهم على الصليبيين الفرنجة واذلو ملكهم وقادتهم ونبلائهم، لذلك لجأ الى المقامرة والمخاطرة "ورق الكوتشينة" بلغة عصرنا في النفاذ الى عمق الواقع المضطرب، محاولا اعادة ترتيبه وتنظيمه وتحقيق الربح في نهاية المطاف.

ان عنوان النص الروائي "كوتشينة" يتسق مع ما اراده الكاتب في عقله الواعي، وأيضا ما اراده في عقله الباطن، وما يعتمل داخله من صراعات ورغبات مشروعة وغير مشروعة أيضا، اضافة الى احلام وامنيات مجهضة وجدت لها مكان داخله للاختباء وتخفيف التوترات الغبية حتى يظهر للناس وكأنه تصالح مع نفسه وواقعه وقرائه.

العنوان وعتبة النص من منظور سيكلوجي

الكوتشينة عبارة عن أوراق لعب، كل ورقة عليها رسومات تتشكل في هيئة صور رمزية وارقام وحروف متفردة مقارنة ببقية الأوراق الأخرى، يمكن ترتيبها أو التعامل معها بأكثر من طريقة بحسب طريقة اللعب التي اتفق عليها الأطراف سواء أثناء اللعب الفردي أو الجماعي. تستخدم اوراق الكوتشينة بصفة عامة ضمن العاب التسلية والترفيه بين الأفراد وقضاء وقت من المتعة. الصورة الذهنية الشائعة في العقل الجمعي عن أوراق الكوتشينة سلبية في المجمل نظرا لارتباطها بالقمار المجرم شرعا وفق اجتهادات فقهية مترسخة في أذهان العامة. كذلك يجرم قانون العقوبات المصري رقم 73 لسنة 1957 الخاص باحكام القمار والنصيب لعب القمار بكافة اشكاله، وبالتالي فان تلك الصورة الذهينة الجمعية عن الكوتشينة تظل سلبية بقدر انحرافها عن الثقافة الشعبية/الدينية السائدة. ان القمار يعمل على تحفيز نظام المكافأة في الدماغ مثلما تفعل المخدرات والكحوليات الأمر الذي يقود الى الادمان لاحقا. المقامرة اذن سلوك قهري لايمكن السيطرة عليه ويؤدي الى تدمير الحياة. وعلى الرغم من الخسائر الكبيرة التي تحدث لدى المقامر فانه مستعد ان يخسر أكثر على امل الحصول على مكاسب أعظم من التي خسرها. ودائما لايتحقق ذلك، ودائما يستمر المقامر في المحاولة حتى يتبدد كل شيء. وربطا بالعنوان المثير للجدل وعلاقته بمجمل النص يتضح ان الكاتب نجح في الايحاء بما سوف تكون عليه أجواء النص وتفاصيله في ضوء استخدامه مفردة "كوتشينة" باعتبارها عتبة النص وذلك وفق الاعتبارات التالية:

اولا: ان الواقع الذي نعيشه مجرد لعبة ورق كوتشينة يقوم أساسه على عمودين أساسيين هما المخاطرة والحظ .

ثانيا: ان المغامرة بقدر ما تميز الشخصية الطموحة صاحبة الهدف المحدد والواضح، بقدر ما تتطلب طاقات بدنية/نفسية غير مسقوفة، ومهارات شخصية واجتماعية كثيرة التنوع وبالغة الكفاءة

ثالثا: في الواقع الذي نحياه لايوجد رابح الى الأبد ولا يوجد خسران الى الأبد، كما لايوجد رابح كامل ولا خسران كامل.

واذا انتقلنا الى سائر تفاصل محتوى النص الروائي الذي يشتمل على ستة وعشرون فصلا اضافة الى الفصل الأخير الذي منحه الكاتب عنوان "لكنه اكذوبة" في علاقته بالعنوان "كوتشينة" يتبين لنا ما يلي

اولا: سائر عناوين الفصول السبعة عشر استهلها الكاتب بحرف الأداة "لكن"، والمعجم الغني يشير ان "لكن" حرف عطف واستدراك يثبت لما بعده حكما مخالفا لحكم ما قبله. أو حرف ابتداء يفيد الاستدراك ويليه جملة اسمية أو فعلية. والمعجم الوسيط يشبر ان "لكن" حرف مشبه بالفعل ينصب الاسم ويرفع الخبر، ويكون للاستدراك أو للتوكيد. ان شغف الكاتب في جميع العناوين الفرعية لنصه الروائي بتأكيد الشيء المنفي أصلا يمكن ربطه ابتداء بعنوان النص الكاشف عن المقامرة والرغبة الدفينة في المغامرة والمخاطرة يكشف بجلاء عن رغبة الكاتب الدفينة في الولوج داخل تلك العوالم التي لايرصدها عقله الواعي بدقة، لكنها مرقت بوضوح من خلال العقل اللاواعي داخله واثبتت حضورها بقوة من خلال العنوان عتبة النص الرئيسة وسائر العناوين الثانوية للرواية.

ثانيا: "الكوتشينة" والعابها النفسية وخياراتها فيما يتعلق بقوانين الواقع التي شغف بها الكاتب وحركت شخوصه وأفكارهم تظل حاضرة في صورة نكوصية للماضي كما شرحها لنا الراوي العليم في فصل الرواية الأول "لكن قيثارة الماضي تثرثر"، عن طريق الولوج داخل الماضي السحيق لعائلة الشيخ عبد الستار من ذوي الأصول التركية وصاحب السرجة التي يطحن فيها السمسم للحصول على الزيت والكسبة البنية بعد ان تدهور بهم الحال. هناك في ذلك الماضي البعيد كان يدور ورق الكوتشينة والرهانات على الزمن والأيام والأفكار بين خليل الشخصية المفتاح في الرواية الذي لم يراهن على التعليم بقدر مراهنته على ذراعه ودراجته القديمة الصدئة ال 32 ،وقدراته الخاصة في ادارة الأعمال على استعادة ماضي العائلة ذات التاريخ من الثراء واستعادة النفوذ، واعتلاء سماح ابنة خالته المتعلمة النابهة والنابغة الجميلة. في حين راهن أخوه عوض على العلم والتعليم ونجح في تحقيق أرفع الدرجات والتحق بكلية الهندسة. وفي فصل الرواية الثاني "لكنها ضربة معلم" يقتحم خليل بذات نفسه النص الروائي ويفسح المجال للحديث عن ذاته المتباهية دوما، يحظى بتعاطف المؤلف حينما يشي عنوان النص بالتأكيد على "معلمة" خليل، الذي قاد عملية التحول الكبرى في عائلة عبد الستار أو الجميعي من خلال هجرتهم الى القاهرة وسكناهم في احدى المناطق الفاخرة، وافتتاحهم مشروع السوبر ماركت واستعادة مجد العائلة في الثراء.

رابعا: دائما تتناسب الصراعات بين الأفراد مع مقدار التحولات المادية والثقافية فيما بينهما على مستوى بنيانهم النفسي / الشخصي. هذا بالضبط ماحدث في علاقة سماح بزوجها خليل. اقترحت عليه شراء مسدس لحماية نفسه مثل زوج جارتهم الضابط المتقاعد الذي يمتلك مسدسا وجرى خلفها غاضبا، قالت لنفسها " ربما استخدمه ضده يوما ما، فما بيننا جفاف بلا ضفاف، هو يأكل ويشرب، ويعشق، وينام، ويتكبر، وانا قلبي يخاصم واقعي، فالى متى نمايز بين الأيام بما نربحه من أموال، وما جدوى هذه المتتاليات البشرية التي تومض أمامنا قليلا ثم تمضي، كأنها طفح جلدي طارئ" (ص28 ). ان هذه البصيرة التي تملكها سماح في ديناميات علاقتها بزوجها وتفاصيل تلك العلاقة داخلها وداخله تشير بوضوح الى ان مقامرتها على المال قادتها الى التعاسة الأبدية، حتى تلك اللحظة الومضة التي اقشعر فيها جسدها برعشة الحب في اعقاب اقتراب شاب من جسدها أثناء عملية انقاذها من الغرق في البحر اختفت الى الأبد أيضا.

خامسا: لاتزال العلاقات الانسانية تتابع بطريقة زجزاجية وتحمل في طياتها من التناقضات والتداخلات ما يثير الدهشة والاعجاب بقدرة كاتب النص على ادارة هذه العلاقات بنفس طريقة ادارة مبارة في لعبة ورق الكوتشينة، تعقيدات، مناورات، خطط مرسومة بدقة، وترك مساحة واسعة لتدخلات الحظ والقدر. واذا كانت البداية في لقاء عائلة خليل وزوجته سماح وولدهما مهند بعائلة صفوت وزوجته شيماء وتؤمهما فريدة ورولا في النادي الذي قاد الى حدوث تفجيرات سردية ولغوية وحكائية مهمة في عوالم النص الروائي، استخدم المؤلف خلالها زملة من مهاراته في الحكي عن طريق الراوي العليم تارة ثم عن طريق شخوص الحكايات أنفسهم (وذلك هو التكنيك الغالب في لغة السرد) تارة أخرى ، الأمر الذي نجح فيه الكاتب في خلق خليط سردي بسيط بين ماهو لغة سردية تقليدية للرواية ولغة سردية أخرى تعتمد كتابة اليوميات أو المذكرات اليومية وسيلة للتعبير عن المشاعر الداخلية في تفاعلاتها مع تفاصيل الحياة اليومية المعتادة. ويبدو ان الكاتب من خلال مزجه الطريقتين في معالجة نصه الروائي حقق هدفه الأهم وهو جذب اهتمام قارئه ومتابعته بمنتهى الجدية والتشوق.

سادسا: الزمن العدو الرسمي للانسان، هكذا يبدو في الرواية، ليس مجرد مساحة من الوقت تمر مرور الكرام وكفى، بل يعتبر الزمن في نص كوتشينة ترنيمة يعزفها الكاتب على طريقته، بداية من تحرير نفسه تماما من كافة القيود التقليدية. صنع في البداية ما يمكن تسميته بتداخل الأزمنة، وتداخل الفلاشباكات على طريقة السينما، ثم يفجأنا أو بمعنى أدق يسرقنا أو يسرق منا الأيام حين نصبح فجأة ونكتشف ان عشرة سنوات غادروا على تاريخ صداقة العائلتين واندماجهم في عنفوان الواقع يقول صفوت لنفسه " لقد نفخ الزمن في كل شيء، فتضخم تضخم جيب خليل، وتضخم عقلي، وتضخمت لهفاتك ياشيماء، ورصف النت شوارع غريبة وهائلة بين الناس، واخضرت صحراوات من المشاعر القاحلة التي بلغ بعضها حد الاحتقان، وشيماء جامدة كالحائط" ص45. وفي سياق آخر تقول سماح سائلة ولدها مهند " مر العامان 2008-2009 في سياق تراتبي تراكمي، لايضيف ولايخصم شيئا، عرفت لماذا اعمارنا في الحقيقة أقل بكثير مما هو مسجل في الأوراق الرسمية، بعضنا عمره بضعة أشهر وهو في السبعين، فاليوم الخامل يسقط من اجندة العمر والتاريخ، ثم سألته في أي يوم نحن رد عليها بجدية "يوم من الأيام، ثم تستطرد الأيام المتشابهة تصنع بشرا متشابهين، ننتظر الحياة وهي لاتنتظرنا" ص56". الزمن في الرواية مرادف للتغيير المدرك، لكن التغيير غير المدرك (شيماء جامدة كالحائط) لايمكن حسابه من الزمن، ولكي تدرك الزمن لابد ان تدرك كم تغيرت. لكن هل نجحت تيمة الزمن في التحقق من فرضية ان علاقات افراد الاسرتين ببعضهما، وكذلك علاقات الافراد الشخصية كل مع ذاته كلها تدور في فراغ حول طاولة لعب ورق الكوتشينة، انهم اناس يقامرون باجسادهم، وأفكارهم وأحلامهم وبأولادهم كذلك (صفوت دهس وليده عامين ونصف بسيارته الجديدة بينما كان يجربها لأول مرة) . الزمن هنا لدى شخوص الرواية عبارة عن مدركات هؤلاء الشخوص ورؤيتهم لبعضهم البعض ورؤيتهم الأهم لأنفسهم التي استلبتها خلاياهم التي شاخت من فرط الوهن.

سابعا: الجنس طاقة الحياة بحسب مقولة كارل جوستاف يونج الوجه الأيقوني للعلامة سيجموند فرويد، وصف فرويد الغرائز الجنسية باعتبارها رغبة جنسية، وله الفضل الأعظم في عزو الكثير من الاضطرابات العصابية الى مشكلات تتعلق بالحياة الجنسية، قائلا دائما دائما الجنس يقبع خلف العصاب Always Always Six behind Neurosis . ان الجنس في سياق النص الروائي يبدو انعكاس لواقع الحياة ومحرك لأقدار الشخصيات على الرغم من تباين شخصياتهم وأفكارهم وطموحاتهم، وعلى الرغم أيضا من تباين أجيالهم خلال مسار دورانهم في الواقع الذي تراكمت ضغوطه وتحدياته وصعوباته في علاقاتهم بعضهم البعض. يبدو خليل رجل الأعمال والشخصية المحورية في النص متسقا تماما مع ما جبل عليه من شخصية متمردة على التعليم بمعناه الفكري العقلي، ومنجذب بقوة للاعمال الشاقة والاندماج في علاقات انسانية وعملية مع مستويات طبقية أدنى في السلم الاجتماعي، الأمر التي مكن خليل من التحرر الغريزي خاصة ما يتعلق باسلوب الحياة والاستجابة بطريقة بدائية عفوية لنداء غرائزه خاصة غريزة الجنس . تصفه سماح زوجته بأنه " يأكل ويشرب ويعشق وينام ويتكبر" ص28، ثم بعد زواج الأولاد تقول عنه " كثرت جرائمه في حق مشاعري تكبرا أو تجاهلا أو غموضا، فهو متعجرف، وغبي ولايرحم لهفات جسدي حين تكون، وعشيقاته شتى". ص100. ثم نلحظ مدى الانفلات الجنسي المتحرر من قيود الأعراف والأخلاق التقليدية حينما تنجذب سماح زوجة خليل جسديا الى صفوت زوج شيماء، وتتوتر علاقة شيماء بزوجها وتنجذب جسديا الى خليل زوج صديقتها سماح رغبة في الثراء والحياة المريحة، وهكذا تدور مسائل الجنس والقيم بين اللاعبين مثلما تدور أصابعهم بورق الكوتشينة فيما بينهم في منتهى السلاسة وفي منتهى التوتر أيضا. الجنس في الرواية تتعلق أهميته بأهمية الحياة ذاتها في فكر الكاتب، وشخوص الرواية الذين يناضلون من أجل الاستمتاع الجسدي في واقع مضطرب، يلفه الغموض وعدم الأمان ولا يترك لك من خيارات بديلة سوى الاستمرار في لعب الورق والمقامرة على كل شيء.

ثامنا: اتسع نطاق النص الروائي للاحتفاء بالعقل ولغته أو بالأحرى بالمثقف في صورة صفوت الذي قتل ولده الصغير تحت علاجات سيارته ولديه شغف بالقراءة والفكر والمسئول في احدى المؤسسات الثقافية لكنه يكابد أزمة وجودية دفعته بقوة لاختيار الموت والراحة بديلا عن القهر الذي يستشعره في كل مظاهر الحياة حوله، اكتشف مؤخرا انه مجرد صفر في عالم فوضوي يتحرك في اتجاهات مرتبكة، علاقته بالعالم كلها تحديات وسير عكس الاتجاه. يظهر له صديق من رحم الغيب اتفقا ان لايتبادلا اسميهما أو عنوانهما، كذلك تقتحم حياته فتاة تطلب منه بالأمر ان يكون والدها، يسير صفوت عكس الاتجاه لكن أزمته الوجودية تتصاعد حتى يقرر الانتحار والقفز بسيارته في المياه، ورغم نجاته بغرابة لكن لايزال يتملكه اعتقاد راسخ انه شخص ممسوخ الفكر والملامح ولم يعد يصلح لهذا الزمان، وانه عبأ على بناته وان بناته عبأ عليه. مجرد سماح معشوقته وزوجة صديقه نسمته التي يتنفسها في هذا الواقع الصعب الأليم. ان صفوت المثقف المفكر الذي قامر من أجل الموت لم يفلح في الحصول عليه مثلما لم يفلح في الحصول على سماح الجميلة، مثلما لم يفلح في الاحتفاظ بشيماء زوجته المتمردة المتطلعة، مثلما لم يفلح أيضا في الظهور في حياة بناته بمظهر الأب الحقيقي وليس الأب الافتراضي الغائم. وتستمر لعبة الكوتشينة، ويستمر المقامرون حول الطاولة يثرثرون ويتصايحون حتى يزورهم وباء كورونا اللئيم الذي تمكن من غزو عقولهم واجسادهم ومشاعرهم، وتركهم مضطربين، مرعوبين، تسمرت مشاعرهم وغرائزهم القبيحة حول طاولة القمار لايلون على شيء.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...