يعد د. محمد الخزاعي، أحد الباحثين والنقاد والمترجمين البحرينيين المهمين، سبق وأصدر عديدا من الترجمات، منها؛ "مزرعة الحيوان" لجورج أورويل، و"المعطف" و"الأنف" لجوجول. أما الرائعة الجديدة التي ترجمها د. الخزاعي، فهي "قصيدة البحار العجوز" للكاتب والشاعر الانجليزي صموئيل تايلور كولردج. وهي ترجمة صدرت عن وزارة الثقافة، في 150 صفحة، واحتوت على تعريف واف عن الشاعر وعصره.
وفي تقديمه لترجمته الجديدة، يذكر د. الخزاعي أن الكاتب والشاعر الإنجليزي صاموئيل تايلور مولريدج (1834 – 1772) يعد واحداً من كبار شعراء الحركة الرومانطيقية في انجلترا. كما أشتهر إضافة إلى ذلك، بأعماله النثرية في الأدب والدين وتنظيم المجتمع.
ورغم حالته الصحية البائسة التي اعتاد عليها، كانت الفترة بين عامي 1795 و1982 فترة نمو سريع في تطور موهبة كولريدج الشعرية ونضوج ملكته الذهنية. فقد بدأ العام 1795 بكتابة أول قصيدة رئيسية له هي "القيثارة الإيولية" التي نشرها ضمن مجموعته "قصائد في موضوعات متنوعة" العام 1796، وبهذه المجموعة أعلن كولريدج إسهاماته الفريدة لنشأة الرومانطيقية الإنجليزية: من خلال الإسراف في التعبير العاطفي بدمج المشاعر الغنائية والوصفية مع الفكر الفلسفي لينتج عنه شعر رمزي حقيقي.
الفلسفة والدين
قام كولريدج في الفترة من مارس حتى مايو من العام 1796 بتحرير مطبوعة فصلية أسماها "الحارس" وهي صحيفة ذات اتجاه ليبرالي، لم يكتب لها الاستمرار بعد عددها العاشر. فبينما جعله هذا الفشل يدرك بأنه "لا يصلح للحياة العامة" فإن عمله المتباهي "قصيدة للسنة المنقضية" تبين أنه لم يتخل عن عاطفته الثورية. مع ذلك كانت الفلسفة والدين محور اهتمامه الفكري. فقراءاته النهمة كانت منصبه في اتجاه واحد، فقد كان واضحاً في "تأملات دينية" التي بدأ بتأليفها العام 1794 ونشرها العام 1796، أنه كان يهدف من ورائها إلى إعادة التعريف بالنصرانية الأرثوذكسية لكي يحررها من الثنائية النيوتونية بين الروح والمادة، ليشرح الوحدة والكمال في الكون، وأن يعيد تقييم العلاقة بين الإله الخالق والعام المخلوق.
وليم وشقيقته دوروثي
ويشير د. الخزاعي إلى أن علاقة كولريدج الحميمة مع وليم وشقيقته دوروثي وردزورث كانت أكثر الأحداث تأثيراً في حياته، حيث قضى بجوارهما معظم حياته من العام 1796 إلى 1810. وكانت صداقته هذه السبب في كتابته "السنة العجيبة" يوليو 1797 إلى يوليو 1798، التي بلغت ذروتها نشره المشترك مع وردزورث للمجموعة الشعرية القصائد الغنائية "التي كانت بمثابة إعلان (منفسنو) للحركة الرومانطيقية" في سبتمبر من العام 1798. ومن بين 19 قصيدة لوردزورث، احتوت المجموعة 4 قصائد فقط ل كولريدج، إلا أنه كان من بينها رائعته "البحار العجوز". وقد وصف كولريدج تقسيم العمل بين الشاعرين على أساس أن يقوم وردزورث بتقديم السحر والجدة للأشياء في كل يوم من خلال إيقاظ انتباه الذهن للأشياء العجيبة التي أمامنا، فقد تم الاتفاق على أن "يحاول كولريدج أن يصرف اهتمامه إلى الأشخاص والشخصيات الخارقة للطبيعة، أو على الأقل الرومانطيقية. ولكن النظرة الرئيسية للعالم بالنسبة للشاعرين كانت أساساً متشابهة. فمثل قصيدة وردزورث "الشوكة" فإن قصيدة كولريدج "البحار العجوز" تعالج موضوعات كالخطيئة والعقاب والخلاص من خلال المعاناة وفهم عاطفي للطبيعة.
ويضيف د. الخزاعي: في العام 1798 ظهرت طبعة ثانية موسعة لمجموعة كولريدج الموسومة بقصائد احتوت على مزيد من الأعمال الغنائية والرمزية كقصائد "غصن شجرة الليمون هذه، سجني" و" مخاوف في الوحدة". وكتب كولريدج في ذلك الوقت أيضاً "كبلا خان" ربما أشهر قصائده، كما بدأ في تأليف قطعته الروائية الكموحة كريستابل".
وفي سبتمبر من العام 1798 غادر كولريدج و وردذروث إلى ألمانيا حيث بقيا قرابة تسعة أشهر حتى شهر يوليو من العام 1799. ومن خلال كتابات الفلاسفة الألمان لفترة ما بعد كانت، كفخته وشلنج وشليجل اكتشف كولريدج نظرة عالمية صادقة لدرجة يكاد يستحيل حلها، كما تبين له فيما بعد، لمعرفة ماهية نظرته وما قد استقاه من تأثيراته الألمانية. ونشر مجموعة شعرية أسماها "أوراق سبيلية" العام 1817 تحتوي على قصص ونوادر فكاهية عن تجاربه الألمانية.
ذاكرة مذهلة
ويذكر د. الخزاعي أن كولريدج ولد في 21 أكتوبر من العام 1772 وكان الابن العاشر وآخر أولاد قس كنيسة أوتري القديسة ماري بالقرب من مدينة إكستر بجنوب إنجلترا. وبعد وفاة والده، أرسل العام 1872 كطالب مكفول بالصدقات إلى مستشفى المسيح. وقد تميز بذاكرة مذهلة وشغف بنهل المعرفة من أي صنف من صنوف العلوم مما أهله لأن يصبح طالباً من طلاب الدراسات الكلاسيكية (اليونانية واللاتينية) وكان ذا مقدرة غير عادية عندما دخل كلية يسوع بجامعة كمبريديج العام 1791. وشعر، كمعظم مثقفي زمانه، بحماس للثورة الفرنسية وشارك بدور متواضع في التعبير عن احتجاجه ضمن احتجاجات الطلاب ضد الحرب على فرنسا العام 1793. ولحاجته وابتلائه بالديون اضطر للالتحاق بسلاح الفرسان في ديسمبر من العام 1793. وبعد إن تم تسريحه من الخدمة في أبريل 1794 عاد إلى جامعة كمبريدج التي غادرها في ديسمبر دون أن يحصل على شهادة جامعية.
ويوضح د. الخزاعي أن سبب هذه الخطوة، كان عادة كولريدج في اتخاذ القرارات الخاطئة الناتجة عن شخصيته المتهورة، وهي صداقته الناشئة مع روبرت سوثي. فقد كان كلا الشابين شديد الاهتمام بالشعر كما كانا يشتركان في كرههما لتقاليد الكلاسيكية الجديدة. حيث كانا يعتبران من بين راديكاليي زمانهما عندما يتعلق الأمر بالسياسة. ومن خلال مناقشاتهما المحمومة كونا فكرة لمجتمع "بانتيسوقراطي.. يقوم على مبادئ طوباوية يتساوى فيها المجتمع، وهي أساس نظرة مثالية لمجتمع شمولي ستتأسس في أمريكا". غير إن طوباوية الأحداث هذه لم ينتج عنها شيء يذكر سوى اقتران كولريدج في الرابع من أكتوبر العام 1797 بسارة فريكر، شقيقة زوجة سوثبي المستقبلية. غير إنه بحلول ذلك الوقت كانت صداقته بسوثبي قد وصلت إلى طريق مسدود نتج عنها انفصام علاقتهما.
مقتطف من "البحار العجوز"
"إنه لبحار عجوز،
يستوقف واحداً من ثلاثة.
"بحق لحيتك الطويلة المشتعلة شيباً وعينك المتألقة بريقاً لماذا استوقفتني الآن؟
"إن أبواب العريس مشرعة على مصراعيها،
وأنا أقرب الناس إليه،
فالضيوف تم استقبالهم والوليمة تم إعدادها،
لعلك تسمع الضجيج المرح".
يمسكه بيده الناحلة:
قائلاً له: "كانت هناك سفينة"
"دعني، ولا تمسكني، أيها الشيخ الأخرق
وبسرعة يسحب يده" .