من الكثير الذي صدره لنا الغرب هو فكرة الأحزاب السياسية، كمعبر عن الشعوب؛ دعونا نطرح أسئلة أولية:
اولا: هل الحزب السياسي تعبير عن قطاع معتبر من الجماهير؟
ثانياً: إذا كانت الإجابة بنعم، فهل يعبر الحزب عن آيدولوجيا مفهومة من ذلك القطاع؟
ثالثا: هل يجوز للحزب أن يعبر عن احتياجات اقتصادية للمجتمع من خلال نظرية شمولية؟
إن هذه الأسئلة تبدو كلها بحاجة إلى إجابات مؤسسة على دراسات إحصائية وتحليلية أعمق مما يمكن أن نتحرك فيه داخل مقال مختصر كهذا. لذلك وإلى أن تُجري تلك الدراسات وفق منهج البحث العلمي، فإننا نستند إلى واقع فينومينولوجي، وبيانات حدسية معيشة. فمبدئياً يمكن للأحزاب أن تعبر عن قطاعات عريضة من المجتمع، وفق آيدولوجيا مفهومة من خلال نظرية شمولية. لكن قد يبدو أننا إذا استخدمنا هذه الإجابة كعناصر لقوة الفكرة الحزبية، فسنواجه بأن هذه العناصر لم تكتمل أبداً، لا في الدول النامية ولا في المتقدمة.
إذ أن الإعتبار الكمي (عدد الأعضاء) لا يمكن تحديده على أساس معيار محدد، إلا في حالة الدول شديدة الصغر وقلة عدد السكان. أما إن اتسعت الدولة فإن هذا العنصر سيكون قلقاً جداً خاصة مع زيادة القوى الإعلامية التي تحاول أن تسيطر على السبق الإعلامي للتأثير على المشهد. وبفرض أننا نجحنا في بناء أحزاب ضخمة كالجمهوري والديموقراطي في أمريكا، فإن عنصر الآيدولوجيا سيكون بدوره أكثر قلقاً، خاصةمع اضطراب الحقيقة الآيدولوجية وعدم مرونتها من ناحية وعدم فهم جماهير الحزب لتفاصيلها من ناحية أخرى. لقد قال قيادي الحزب الشيوعي السوداني بأنه لم يقرأ ماركس، وأغلب أعضاء الحركة الإسلامية إلمامهم بالإسلام نفسه ضعيف. إن الجماهير عامة تتحرك وفق إحساس أعمى. هنا سيكون الحزب مجرد واجهة بغير رقابة جماهيرية فكرية عليه. إذاً فالحزب هو في الواقع أقلية ذكية تدير أغلبية عمياء من خلال عاطفة سياقات شديدة العمومية و(شعبوية). لذلك ليس بالضرورة أن تعبر الأحزاب عن مصالح حقيقية لجماهيرها، بل تعبر عن مصالح فئة صغيرة تتحكم فيها. لذلك فإن الحزب لكي يكون قوياً يجب أن يمتلك إما (سلطة المال والسلاح) أو (سلطة الدين). لذلك تكون الأحزاب السلطوية والطائفية أقوى من أي حزب يعتمد فقط على قوة الفكر المجرد. هذا الأمر يقود دائماً إلى سطوة اللاعقلانية واللا أداتية في نشاط الجماهير، بل يمكن أن يتطور الأمر إلى دوغمائية شمولية خاصة في حالة الأحزاب العقائدية، ومن ثم يقود ذلك لتسلطية قيادة الزعيم الإله. بحيث لا تحاول تلك القيادات المستقرة مراجعة عقيدتها أو تجديدها نظرياً. بل تحاول باستماتة أن تمنع أي قلقلة للاستقرار الذي يمنح رموزها حماية مطمئنة لمزاياهم.
تفشل الأحزاب باستمرار في السلطة إن لم تمتلك العقيدة بالإضافة إلى المال والسلاح.
لذلك فإن كل الأنظمة الديموقراطية تعتمد على سيطرة مركزية تحت مسميات مختلفة؛ كتشخيص مصلحة النظام في إيران أو حماية النظام الديموقراطي في ألمانيا، أو أجهزة أقل علنية مما سبق كما في امريكا.
الإنفلات نحو الخارج مشكلة أخرى عندما يرتبط الحزب بأيدولوجيا شمولية، كالتنظيم العالمي للإخوان المسلمين، وكالشيوعية العالمية،...الخ. هذا فضلاً عن الإلتقاطات الاستخباراتية للأحزاب الواهنة ودفعها للتوجه نحو توجهات تخدم أجندة خارجية محددة.
يبدو النظام الحزبي نظاماً ترفياً وغير لصيق بواقع المواطنين، وعلى الأقل تفتقر الاحزاب لفهم اغلب الجماهير لها أو معرفة طموحاتها ومناهج عملها المستقبلية، ولذلك فالأحزاب في الدول النامية على وجه الخصوص هي أحزاب هيمنة الرجل الواحد، ومجموعة ضئيلة من المنتفعين من هذا الرجل المهيمن. أما نظرة الجماهير للأحزاب فهي نظرة مستخفة بهذه المؤسسات السياسية، ومع زيادة حدة الفقر والأمية فإن من النادر أن يهتم مواطن بالبحث عن حزب يناسبه، إن مهمة البحث تقوم بها الطبقة الوسطى، بل وقلة قليلة من الطبقة الوسطى، التي تبحث من خلال بحثها عن الإنتقال من طبقتها الوسطى إلى طبقة أو شريحة أعلى عبر النشاط السياسي. لذلك هناك فجوة بين الأحزاب والشعوب، وهي فجوة واسعة من حيث المتطلبات والاحتياجات الماسة والنفعية المباشرة وغير المباشرة، والأحلام والطموحات التي لا تستطيع الطبقة الكادحة أن تصبر على تأخرها حتى عبر أفضل الاطروحات والبرامج الاقتصادية لحل الأزمات الاقتصادية وإشباع حاجات المواطنين.
هيكلية الأحزاب هي هيكلية تتأسس في الواقع على التسلط لا على قاعدة انتخابية واعية، فالمؤسس أو المؤسسون يهيمنون على الحزب السياسي، ثم يسعون لاستقطاب أعضاء منقادين لا نقديين. إن المؤسسين وحدهم القادرون على الإجابة على الأسئلة الصعبة. ولذلك فهناك فجوة تواصلية بين الجماعة والحزب السياسي، وتحاول أجهزة الإعلام سد هذه الفجوة، ولكن أجهزة الإعلام تعتمد على المال، ولذلك فإن القوى الرأسمالية هي التي تستطيع أن ترفع مرشح حزبي إلى السماء أو تسقطه على الأرض. ولذلك فإن الأحزاب تحتاج للمال، ورسوم الأعضاء لا يمكن أن تغطي التعبئة الإعلامية، مما يجعل الأحزاب تعتمد على السلطة الحاكمة (تابعة للحكومة) أو على الرأسمالية (تابعة للرأسمالية)، وهكذا تفتقر الأحزاب للاستقلالية وللتعبير عن حاجات المواطنين الحقيقية.
هذا كله إذا تجاهلنا الصراعات الداخلية في الحزب، والتي تنتهي بانشقاقات مستمرة، وهي صراعات حول السيادة والهيمنة، وليس صراعاً فكرياً حتى لو بدا كذلك في العلن..
اولا: هل الحزب السياسي تعبير عن قطاع معتبر من الجماهير؟
ثانياً: إذا كانت الإجابة بنعم، فهل يعبر الحزب عن آيدولوجيا مفهومة من ذلك القطاع؟
ثالثا: هل يجوز للحزب أن يعبر عن احتياجات اقتصادية للمجتمع من خلال نظرية شمولية؟
إن هذه الأسئلة تبدو كلها بحاجة إلى إجابات مؤسسة على دراسات إحصائية وتحليلية أعمق مما يمكن أن نتحرك فيه داخل مقال مختصر كهذا. لذلك وإلى أن تُجري تلك الدراسات وفق منهج البحث العلمي، فإننا نستند إلى واقع فينومينولوجي، وبيانات حدسية معيشة. فمبدئياً يمكن للأحزاب أن تعبر عن قطاعات عريضة من المجتمع، وفق آيدولوجيا مفهومة من خلال نظرية شمولية. لكن قد يبدو أننا إذا استخدمنا هذه الإجابة كعناصر لقوة الفكرة الحزبية، فسنواجه بأن هذه العناصر لم تكتمل أبداً، لا في الدول النامية ولا في المتقدمة.
إذ أن الإعتبار الكمي (عدد الأعضاء) لا يمكن تحديده على أساس معيار محدد، إلا في حالة الدول شديدة الصغر وقلة عدد السكان. أما إن اتسعت الدولة فإن هذا العنصر سيكون قلقاً جداً خاصة مع زيادة القوى الإعلامية التي تحاول أن تسيطر على السبق الإعلامي للتأثير على المشهد. وبفرض أننا نجحنا في بناء أحزاب ضخمة كالجمهوري والديموقراطي في أمريكا، فإن عنصر الآيدولوجيا سيكون بدوره أكثر قلقاً، خاصةمع اضطراب الحقيقة الآيدولوجية وعدم مرونتها من ناحية وعدم فهم جماهير الحزب لتفاصيلها من ناحية أخرى. لقد قال قيادي الحزب الشيوعي السوداني بأنه لم يقرأ ماركس، وأغلب أعضاء الحركة الإسلامية إلمامهم بالإسلام نفسه ضعيف. إن الجماهير عامة تتحرك وفق إحساس أعمى. هنا سيكون الحزب مجرد واجهة بغير رقابة جماهيرية فكرية عليه. إذاً فالحزب هو في الواقع أقلية ذكية تدير أغلبية عمياء من خلال عاطفة سياقات شديدة العمومية و(شعبوية). لذلك ليس بالضرورة أن تعبر الأحزاب عن مصالح حقيقية لجماهيرها، بل تعبر عن مصالح فئة صغيرة تتحكم فيها. لذلك فإن الحزب لكي يكون قوياً يجب أن يمتلك إما (سلطة المال والسلاح) أو (سلطة الدين). لذلك تكون الأحزاب السلطوية والطائفية أقوى من أي حزب يعتمد فقط على قوة الفكر المجرد. هذا الأمر يقود دائماً إلى سطوة اللاعقلانية واللا أداتية في نشاط الجماهير، بل يمكن أن يتطور الأمر إلى دوغمائية شمولية خاصة في حالة الأحزاب العقائدية، ومن ثم يقود ذلك لتسلطية قيادة الزعيم الإله. بحيث لا تحاول تلك القيادات المستقرة مراجعة عقيدتها أو تجديدها نظرياً. بل تحاول باستماتة أن تمنع أي قلقلة للاستقرار الذي يمنح رموزها حماية مطمئنة لمزاياهم.
تفشل الأحزاب باستمرار في السلطة إن لم تمتلك العقيدة بالإضافة إلى المال والسلاح.
لذلك فإن كل الأنظمة الديموقراطية تعتمد على سيطرة مركزية تحت مسميات مختلفة؛ كتشخيص مصلحة النظام في إيران أو حماية النظام الديموقراطي في ألمانيا، أو أجهزة أقل علنية مما سبق كما في امريكا.
الإنفلات نحو الخارج مشكلة أخرى عندما يرتبط الحزب بأيدولوجيا شمولية، كالتنظيم العالمي للإخوان المسلمين، وكالشيوعية العالمية،...الخ. هذا فضلاً عن الإلتقاطات الاستخباراتية للأحزاب الواهنة ودفعها للتوجه نحو توجهات تخدم أجندة خارجية محددة.
يبدو النظام الحزبي نظاماً ترفياً وغير لصيق بواقع المواطنين، وعلى الأقل تفتقر الاحزاب لفهم اغلب الجماهير لها أو معرفة طموحاتها ومناهج عملها المستقبلية، ولذلك فالأحزاب في الدول النامية على وجه الخصوص هي أحزاب هيمنة الرجل الواحد، ومجموعة ضئيلة من المنتفعين من هذا الرجل المهيمن. أما نظرة الجماهير للأحزاب فهي نظرة مستخفة بهذه المؤسسات السياسية، ومع زيادة حدة الفقر والأمية فإن من النادر أن يهتم مواطن بالبحث عن حزب يناسبه، إن مهمة البحث تقوم بها الطبقة الوسطى، بل وقلة قليلة من الطبقة الوسطى، التي تبحث من خلال بحثها عن الإنتقال من طبقتها الوسطى إلى طبقة أو شريحة أعلى عبر النشاط السياسي. لذلك هناك فجوة بين الأحزاب والشعوب، وهي فجوة واسعة من حيث المتطلبات والاحتياجات الماسة والنفعية المباشرة وغير المباشرة، والأحلام والطموحات التي لا تستطيع الطبقة الكادحة أن تصبر على تأخرها حتى عبر أفضل الاطروحات والبرامج الاقتصادية لحل الأزمات الاقتصادية وإشباع حاجات المواطنين.
هيكلية الأحزاب هي هيكلية تتأسس في الواقع على التسلط لا على قاعدة انتخابية واعية، فالمؤسس أو المؤسسون يهيمنون على الحزب السياسي، ثم يسعون لاستقطاب أعضاء منقادين لا نقديين. إن المؤسسين وحدهم القادرون على الإجابة على الأسئلة الصعبة. ولذلك فهناك فجوة تواصلية بين الجماعة والحزب السياسي، وتحاول أجهزة الإعلام سد هذه الفجوة، ولكن أجهزة الإعلام تعتمد على المال، ولذلك فإن القوى الرأسمالية هي التي تستطيع أن ترفع مرشح حزبي إلى السماء أو تسقطه على الأرض. ولذلك فإن الأحزاب تحتاج للمال، ورسوم الأعضاء لا يمكن أن تغطي التعبئة الإعلامية، مما يجعل الأحزاب تعتمد على السلطة الحاكمة (تابعة للحكومة) أو على الرأسمالية (تابعة للرأسمالية)، وهكذا تفتقر الأحزاب للاستقلالية وللتعبير عن حاجات المواطنين الحقيقية.
هذا كله إذا تجاهلنا الصراعات الداخلية في الحزب، والتي تنتهي بانشقاقات مستمرة، وهي صراعات حول السيادة والهيمنة، وليس صراعاً فكرياً حتى لو بدا كذلك في العلن..