انتقل الإنسان في صراعه الأزلي مع الطبيعة بمراحل وأطوار مختلفة مع مرور الأزمان والأجيال المتعاقبة، واختلفت معها علاقة الإنسان وتعاطيه مع قوى الطبيعة، فقد تدرج الإنسان في علاقته مع الطبيعة من طور التقديس والخوف والابتهال لقواها المختلفة، إلى طور السيطرة على قواها والتعرف على قوانينها، ومن ثم وصل الإنسان إلى علاقة جديدة، وهي مرحلة إيذاء هذه الطبيعة والفتك بها.
كان الإنسان القديم عابداً لهذه الطبيعة ومقدساً لها، يعايشها بخوف ووجل وترقب فقد كانت تهدده ببراكينها وعواصفها وزلازلها، فلم يكن يتأخر عن تقديم قرابين الطاعة والتقرب حتى يأمن غضبها وتقلباتها التي طالما أفقدته أغلى ما يملك من مال وتجارة، فمن هذه الطبيعة كان يستخرج طعامه وشرابه ويبني مسكنه، إذ إن صراع الإنسان في هذه المرحلة التاريخية من عمر البشرية كان صراعاً من أجل الحياة وتحقيق القدر الأدنى من متطلبات البقاء، لضمان حفظ نوعه من الانقراض والزوال.
وصيرورة هذا الصراع القديم ما بين الإنسان والطبيعة استمر في تطوره وتشكله، وأخذ أشكالاً جديدةً انقلب فيها السحر على الساحر؛ فصارت الضحية تمارس دور الجلاد، فالإنسان لم يقف مكتوف الأيدي أمام سطوة هذه الطبيعة وجبروتها، إذ حول نظرته الماورائية لقوى الطبيعة، وأصبح ينظر إلى هذه القوى نظرة عقلانية علمية لا ترضخ لأي مفاهيم ميتافيزيقية متجاوزة.
وعبر هذه النظرة العلمية الخالصة للطبيعة اهتدى الإنسان إلى معرفة قوانينها وحل الكثير من ألغازها التي طالما حيرته وزادت من قلقه وترقبه من غضب الطبيعة، وتحول الصراع الإنساني مع الطبيعة من صراع من أجل البقاء إلى محاولة للهيمنة والسيطرة على قوى الطبيعة لتحقيق الرفاهية والرخاء على كوكب الأرض، وهذا الطموح الإنساني للسيطرة على الطبيعة بات يلهيه ويشغله عن مقدار الدمار والتلوث الذي يمارسه ضد الطبيعة والذي ظهرت آثاره المدمرة على البيئة من جانب وعلى الإنسان من جانب آخر، وهي من دون شك ستهدد مستقبل العيش على كوكب الأرض.
وصراع الإنسان مع الطبيعة كان مصدر إلهام لكثير من الفلاسفة والعلماء والأدباء والفنانين، وظهر ذلك جلياً في أعمالهم ونتاج أفكارهم، وأحد أشكال هذه الإبداعات البشرية المتعلقة بالصراع مع الطبيعة ما يعرف بأدب البحر وفيه يلعب البحر دور الطبيعة المتحدية لطموحات الإنسان والمهددة لسلامته وأمنه وفي الإطار نفسه مصدره الذي يستمد منه الغذاء.
وأي مكان يشهد معارك الإنسان ضد الطبيعة فإنه يكون مصدراً لنسج الخرافات والأساطير والبحر ليس بدعاً من القول، فقد كان البحر محرضاً لانتشار عنصر الخرافة واختراع الأشكال المختلفة من الفلكلور والفنون الشعبية والتي كانت مثل التسلية أو العزاء للإنسان في معاركه اللامنتهية مع الطبيعة، واخترع الإنسان الإغريقي للبحر آلهة سماها (بوسيدون) ونسب له كل الزلازل والعواصف البحرية التي يتعرض لها الإنسان في عرض البحر، وقدم لها كل الضحايا والقرابين حتى يأمن غضبها وسطوتها، وابتكر من وحي خياله عروسة للبحر «حورية البحر» وصب فيها كل معاني الجمال والجاذبية.
ويعد السندباد البحري من أشهر الشخصيات في عالم أدب البحر، ولا شك بأن قصة رحلاته السبع على متن سفينته التي مخرت عباب البحار والمحيطات، هي أقدم ما كتب في أدب البحر، فلم يوجد عمل أدبي قديم تناول عملية ركوب البحر بتفاصيله وصوره أكمل تصوير كما في مغامرات التاجر والبحار العربي السندباد، فقد كان البحر هو الشخصية الثانية في هذا العمل الأدبي، وتم تصويره بكل براعة وإتقان كما لو كان إنساناً ذا مشاعر وعواطف، إنه البحر الغدار المتقلب عديم الثبات، تارة يتصف بالهدوء والسكينة وتارة بالقسوة والرغبة في التدمير، وإضافة إلى تصوير البحر وجرائره لم تخلُ مغامرات السندباد من عنصر الخرافة، وهي العنصر الدائم عبر العصور في صراعات الإنسان مع الطبيعة.
وفي الأدب العالمي الحديث كان أهم الأعمال الأدبية التي تناولت البحر هي ملحمة «موبي ديك» للكاتب الأميركي هرمان ملفل، فيها تدور أحداث الصراع بين الإنسان (آخاب) والحوت «موبي ديك» وساحة الصراع هي البحر الذي يمثل الطبيعة المسيطرة، اعتبرها بعضهم موسوعة لصيد الحوت ونظر إليها آخرون على أنها رواية لمغامرة بحرية صور الكاتب فيها برمزية بديعة معاناة إنسانية متعددة الجوانب تعبر عن سعي الإنسان اللاهث للتسيد على الطبيعة وتنصيب ذاته حاكماً مطلقاً عليها.
وتصنف رواية «الشيخ والبحر» للكاتب الأميركي إرنست همنغواي ثاني أعظم روايات أدب البحر في الأدب الأميركي والعالمي بعد «موبي ديك» وهي التي رشحت همنغواي للحصول على جائزة نوبل، أبدع فيها همنغواي أيما إبداع وأتقن تجسيد أشكال الصبر والصمود والتحدي خلال الشخصية الرئيسة (سانتياغو) الذي كان طموحه الأكبر في الرواية هو «اصطياد سمكة كبيرة»، وهذا الطموح أبرز للقارئ قوة الإنسان وتصميمه على نيل أهدافه الرامية لتحقيق الانتصار على قوى الطبيعة والتي اختصرها همنغواي بمقولة: «قد يتحطم الإنسان ولكنه لم يهزم».
وفي العصر العربي الحديث لم يتطرق للبحر ويخوض في تفاصيله ويعالج قضايا البحارة العرب بشكل مكثف سوى كاتب البحر العربي الأول من دون منازع الأديب السوري حنا مينه، العربي الذي اقتحم عالم البحر وجعله ديباجة لتسليط الضوء على جرائم الاستعمار في العالم العربي، وما عليك سوى قراءة عناوين أعماله لتدرك مدى تعلقه بالبحر ورغبته في معالجة هموم البحارة والصيادين وتصوير معاناتهم وكفاحهم ضد أخطار البحر وقوى الطبيعة.
كان الإنسان القديم عابداً لهذه الطبيعة ومقدساً لها، يعايشها بخوف ووجل وترقب فقد كانت تهدده ببراكينها وعواصفها وزلازلها، فلم يكن يتأخر عن تقديم قرابين الطاعة والتقرب حتى يأمن غضبها وتقلباتها التي طالما أفقدته أغلى ما يملك من مال وتجارة، فمن هذه الطبيعة كان يستخرج طعامه وشرابه ويبني مسكنه، إذ إن صراع الإنسان في هذه المرحلة التاريخية من عمر البشرية كان صراعاً من أجل الحياة وتحقيق القدر الأدنى من متطلبات البقاء، لضمان حفظ نوعه من الانقراض والزوال.
وصيرورة هذا الصراع القديم ما بين الإنسان والطبيعة استمر في تطوره وتشكله، وأخذ أشكالاً جديدةً انقلب فيها السحر على الساحر؛ فصارت الضحية تمارس دور الجلاد، فالإنسان لم يقف مكتوف الأيدي أمام سطوة هذه الطبيعة وجبروتها، إذ حول نظرته الماورائية لقوى الطبيعة، وأصبح ينظر إلى هذه القوى نظرة عقلانية علمية لا ترضخ لأي مفاهيم ميتافيزيقية متجاوزة.
وعبر هذه النظرة العلمية الخالصة للطبيعة اهتدى الإنسان إلى معرفة قوانينها وحل الكثير من ألغازها التي طالما حيرته وزادت من قلقه وترقبه من غضب الطبيعة، وتحول الصراع الإنساني مع الطبيعة من صراع من أجل البقاء إلى محاولة للهيمنة والسيطرة على قوى الطبيعة لتحقيق الرفاهية والرخاء على كوكب الأرض، وهذا الطموح الإنساني للسيطرة على الطبيعة بات يلهيه ويشغله عن مقدار الدمار والتلوث الذي يمارسه ضد الطبيعة والذي ظهرت آثاره المدمرة على البيئة من جانب وعلى الإنسان من جانب آخر، وهي من دون شك ستهدد مستقبل العيش على كوكب الأرض.
وصراع الإنسان مع الطبيعة كان مصدر إلهام لكثير من الفلاسفة والعلماء والأدباء والفنانين، وظهر ذلك جلياً في أعمالهم ونتاج أفكارهم، وأحد أشكال هذه الإبداعات البشرية المتعلقة بالصراع مع الطبيعة ما يعرف بأدب البحر وفيه يلعب البحر دور الطبيعة المتحدية لطموحات الإنسان والمهددة لسلامته وأمنه وفي الإطار نفسه مصدره الذي يستمد منه الغذاء.
وأي مكان يشهد معارك الإنسان ضد الطبيعة فإنه يكون مصدراً لنسج الخرافات والأساطير والبحر ليس بدعاً من القول، فقد كان البحر محرضاً لانتشار عنصر الخرافة واختراع الأشكال المختلفة من الفلكلور والفنون الشعبية والتي كانت مثل التسلية أو العزاء للإنسان في معاركه اللامنتهية مع الطبيعة، واخترع الإنسان الإغريقي للبحر آلهة سماها (بوسيدون) ونسب له كل الزلازل والعواصف البحرية التي يتعرض لها الإنسان في عرض البحر، وقدم لها كل الضحايا والقرابين حتى يأمن غضبها وسطوتها، وابتكر من وحي خياله عروسة للبحر «حورية البحر» وصب فيها كل معاني الجمال والجاذبية.
ويعد السندباد البحري من أشهر الشخصيات في عالم أدب البحر، ولا شك بأن قصة رحلاته السبع على متن سفينته التي مخرت عباب البحار والمحيطات، هي أقدم ما كتب في أدب البحر، فلم يوجد عمل أدبي قديم تناول عملية ركوب البحر بتفاصيله وصوره أكمل تصوير كما في مغامرات التاجر والبحار العربي السندباد، فقد كان البحر هو الشخصية الثانية في هذا العمل الأدبي، وتم تصويره بكل براعة وإتقان كما لو كان إنساناً ذا مشاعر وعواطف، إنه البحر الغدار المتقلب عديم الثبات، تارة يتصف بالهدوء والسكينة وتارة بالقسوة والرغبة في التدمير، وإضافة إلى تصوير البحر وجرائره لم تخلُ مغامرات السندباد من عنصر الخرافة، وهي العنصر الدائم عبر العصور في صراعات الإنسان مع الطبيعة.
وفي الأدب العالمي الحديث كان أهم الأعمال الأدبية التي تناولت البحر هي ملحمة «موبي ديك» للكاتب الأميركي هرمان ملفل، فيها تدور أحداث الصراع بين الإنسان (آخاب) والحوت «موبي ديك» وساحة الصراع هي البحر الذي يمثل الطبيعة المسيطرة، اعتبرها بعضهم موسوعة لصيد الحوت ونظر إليها آخرون على أنها رواية لمغامرة بحرية صور الكاتب فيها برمزية بديعة معاناة إنسانية متعددة الجوانب تعبر عن سعي الإنسان اللاهث للتسيد على الطبيعة وتنصيب ذاته حاكماً مطلقاً عليها.
وتصنف رواية «الشيخ والبحر» للكاتب الأميركي إرنست همنغواي ثاني أعظم روايات أدب البحر في الأدب الأميركي والعالمي بعد «موبي ديك» وهي التي رشحت همنغواي للحصول على جائزة نوبل، أبدع فيها همنغواي أيما إبداع وأتقن تجسيد أشكال الصبر والصمود والتحدي خلال الشخصية الرئيسة (سانتياغو) الذي كان طموحه الأكبر في الرواية هو «اصطياد سمكة كبيرة»، وهذا الطموح أبرز للقارئ قوة الإنسان وتصميمه على نيل أهدافه الرامية لتحقيق الانتصار على قوى الطبيعة والتي اختصرها همنغواي بمقولة: «قد يتحطم الإنسان ولكنه لم يهزم».
وفي العصر العربي الحديث لم يتطرق للبحر ويخوض في تفاصيله ويعالج قضايا البحارة العرب بشكل مكثف سوى كاتب البحر العربي الأول من دون منازع الأديب السوري حنا مينه، العربي الذي اقتحم عالم البحر وجعله ديباجة لتسليط الضوء على جرائم الاستعمار في العالم العربي، وما عليك سوى قراءة عناوين أعماله لتدرك مدى تعلقه بالبحر ورغبته في معالجة هموم البحارة والصيادين وتصوير معاناتهم وكفاحهم ضد أخطار البحر وقوى الطبيعة.