حارب المصرى القديم الطبيعة ليزرع، روّض نهرا عفيا، ومهد أحراشا ثم قاتل دفاعا عما زرعه وعما بناه ذلك ما وصف به أرنولد توينبى أو ما عناه بقوله إن للمصريين حضارة قتال.
عقب حرب اكتوبر 1973 مباشرة، وتحديدا فى بدايات عام 1974 صدرت الطبعة الأولى من كتاب يحمل عنوان: «المصريون والحرب» ضمن سلسلة الكتاب الذهبى عن مؤسسة روز اليوسف، الكتاب كان مزيجا من أمرين تأصيلا لتلك الخصوصية، وأكرر الخصوصية، التى ربطت بين المصريين على مدى وجودهم، وبين جيشهم من قبل حتى أن تتوحد مصر تحت قيادة مينا موحد القطرين وحتى حرب 73، والجزء الثانى تسجيل ورصد ومعايشة للمصريين عسكريين ومدنيين خلال فترة حرب 73 .
تستطيع أن تقول إن صاحب الكتاب العارف بمصر جمال الغيطانى ـ رحمه الله ـ أراد بهذا العمل ردا نظريا وعمليا على افتئات وظلم لاحق مصر والمصريين، عقب حرب 67، تعمد تشكيكا فى قدرات المصريين القتالية، انطلاقا من كونهم شعبا أقام حضارة زرع وبنى فاستخدمت هذه الحقيقة لخدمة باطل، استهدف تكسير عظام شعب بتحطيم ثقته فى ذاته بعد اثنين وأربعين عاما أعادت هيئة الكتاب المصرية طباعة هذا العمل الذى لابد أن تقرأه هذه الأجيال التى لم تعش 73، وأيضا لا تعرف عن مصر وتاريخها إلا تلك الأجزاء الكسول والمتهافتة فى مناهج التعليم ما عرضها لتأثيرات، قد تكون مسئولة عن الشرود بعيدا، لجزء من هذه الأجيال.
الأمر استدعى أن يعود الغيطانى كعادته إلى تاريخ مصر البعيد جدا قبل أن يمهد إنسانها الأرض ويروض النهر، كان عليه أن يدخل فى صراع مع الطبيعة ليتمكن من أن يزرع ويبني، ولتتبلور مجموعة دويلات أو إمارات صغيرة كان لكل منها جيشها، ثم اتحدت هذه الدويلات فى إمارتين أو مملكتين (الشمال والجنوب) وحدهما مينا الوثائق تقول إن المقاتل المصرى أقدم مقاتلى العالم، وإن التجنيد فى الدولة القديمة شمل الجميع، وإن المصرى فى تلك الفترة المبكرة كان يطور من أسلحته، وإنه أول من عرف فن التمويه. ويقول مونتجمرى إن المصريين برعوا قديما فى فن الكمائن والاستطلاع لم يحترف المصريون فنون القتال بغرض القتال فى حد ذاته، ولا التحق أحدهم يوما بجيش آخر كمرتزقة، وباختصار لم يحمل الجندى المصرى سلاحه إلا دفاعا عن حدوده الامر اللافت أن «هبات» الشعب عندما تتعرض بلاده للخطر تكاد تتوحد ملامحها على مدى التاريخ، لحظة الخطر يصبح الكل فى واحد، على رأى أستاذنا توفيق الحكيم. مهما كانت الحقبة التاريخية يهب كل أهل البلاد لدفع الخطر، سواء كان المعتدى من الهكسوس الفرس، اليونان، التتار، الصليبيين، العثمانيين، الفرنسين، الإنجليز الإسرائيلين. هى نفس الثورة التى هب على شاكلتها المصريون، فيما أقدم ما كتب أيام الملك «بيبي»: تطوع الفلاحون من القرى وجاء النوبيون وسكان الواحات. واقرأ ما تركه قائد الجيش «أوني» محفورا فى مقبرته إن رجل جزيرة «الفانتين» لم يستطع أن يتفاهم هو ومواطنه الذى يسكن شمال الدلتا، لكن لم يتشاجر أحد من الجنود مع زميله، ولم ينهب أحد منهم عجينة الخبز من جوال أو يسرق نعاله ولم يأخذ أحد منهم خبز أى مدينة كما لم يستول أحدهم على عنزة من أى شخص، باختصار ساعة الخطر تستنفر وحدة المصريين، وتستخرج ملكات لا تظهر فى فترات السكون تتبع الحقيقة التاريخية يدهش فى مدى تطابق السلوك المصرى حيال الخطر والشهيد فى «نن العين من سقنن رع الذى سقط دفاعا عن مصر ضد الهكسوس».
كان جيشى شجاعا يسير كعاصفة من نار، تلك الرؤية المصرية القديمة سوف تمتد بطول حقب التاريخ، والتى سوف يتتبعها الغيطانى حقبة حقبة من مصر القديمة حتى الجيش الذى حارب فى 73 مرورا بكل الحروب الدفاعية التى خاضها الشعب المصري، شارحا ومفسرا آليات الدفع وخصوصية كل حقبة وقاسمها المشترك المصريون، كما يقول أستاذنا عباس العقاد فى مقدمة كتابه عن سعد زغلول إن الشعب المصرى وإن بدا محافظا، ميالا للاستقرار، والأسرة، إلا أن دفعه للعدوان يكون بنفس قدر حبه لهذا الاستقرار وهذه الأسرة..
تأصيل الغيطانى للأمرين علاقة المصرى بأرضه وعلاقة المصرى بالدفاع عن هذه الأرض، والتزامه على مدى آلاف السنين بكونه مدافعا عن حدود أرضه لا يستأجر جندية تدافع عن عرضه، ولا يؤجر جنديته لقاء أجر، أما الأخص فهو ذلك التماهى للخط الفاصل ما بين المدنى والعسكرى عند اللزوم فيقتلع الفلاح فى الإسماعيلية أشجارا يستغرق نموها عشرات السنين كأشجار الزيتون أو المانجو ليغطى رتل دبابات، وتبل سيدة السويس فى أثناء الحصار بقايا خبز تيبس بالماء، و«تطريه» قبل أن تجود بالموجود ليستمر الوجود.
ماجدة الجندى
عقب حرب اكتوبر 1973 مباشرة، وتحديدا فى بدايات عام 1974 صدرت الطبعة الأولى من كتاب يحمل عنوان: «المصريون والحرب» ضمن سلسلة الكتاب الذهبى عن مؤسسة روز اليوسف، الكتاب كان مزيجا من أمرين تأصيلا لتلك الخصوصية، وأكرر الخصوصية، التى ربطت بين المصريين على مدى وجودهم، وبين جيشهم من قبل حتى أن تتوحد مصر تحت قيادة مينا موحد القطرين وحتى حرب 73، والجزء الثانى تسجيل ورصد ومعايشة للمصريين عسكريين ومدنيين خلال فترة حرب 73 .
تستطيع أن تقول إن صاحب الكتاب العارف بمصر جمال الغيطانى ـ رحمه الله ـ أراد بهذا العمل ردا نظريا وعمليا على افتئات وظلم لاحق مصر والمصريين، عقب حرب 67، تعمد تشكيكا فى قدرات المصريين القتالية، انطلاقا من كونهم شعبا أقام حضارة زرع وبنى فاستخدمت هذه الحقيقة لخدمة باطل، استهدف تكسير عظام شعب بتحطيم ثقته فى ذاته بعد اثنين وأربعين عاما أعادت هيئة الكتاب المصرية طباعة هذا العمل الذى لابد أن تقرأه هذه الأجيال التى لم تعش 73، وأيضا لا تعرف عن مصر وتاريخها إلا تلك الأجزاء الكسول والمتهافتة فى مناهج التعليم ما عرضها لتأثيرات، قد تكون مسئولة عن الشرود بعيدا، لجزء من هذه الأجيال.
الأمر استدعى أن يعود الغيطانى كعادته إلى تاريخ مصر البعيد جدا قبل أن يمهد إنسانها الأرض ويروض النهر، كان عليه أن يدخل فى صراع مع الطبيعة ليتمكن من أن يزرع ويبني، ولتتبلور مجموعة دويلات أو إمارات صغيرة كان لكل منها جيشها، ثم اتحدت هذه الدويلات فى إمارتين أو مملكتين (الشمال والجنوب) وحدهما مينا الوثائق تقول إن المقاتل المصرى أقدم مقاتلى العالم، وإن التجنيد فى الدولة القديمة شمل الجميع، وإن المصرى فى تلك الفترة المبكرة كان يطور من أسلحته، وإنه أول من عرف فن التمويه. ويقول مونتجمرى إن المصريين برعوا قديما فى فن الكمائن والاستطلاع لم يحترف المصريون فنون القتال بغرض القتال فى حد ذاته، ولا التحق أحدهم يوما بجيش آخر كمرتزقة، وباختصار لم يحمل الجندى المصرى سلاحه إلا دفاعا عن حدوده الامر اللافت أن «هبات» الشعب عندما تتعرض بلاده للخطر تكاد تتوحد ملامحها على مدى التاريخ، لحظة الخطر يصبح الكل فى واحد، على رأى أستاذنا توفيق الحكيم. مهما كانت الحقبة التاريخية يهب كل أهل البلاد لدفع الخطر، سواء كان المعتدى من الهكسوس الفرس، اليونان، التتار، الصليبيين، العثمانيين، الفرنسين، الإنجليز الإسرائيلين. هى نفس الثورة التى هب على شاكلتها المصريون، فيما أقدم ما كتب أيام الملك «بيبي»: تطوع الفلاحون من القرى وجاء النوبيون وسكان الواحات. واقرأ ما تركه قائد الجيش «أوني» محفورا فى مقبرته إن رجل جزيرة «الفانتين» لم يستطع أن يتفاهم هو ومواطنه الذى يسكن شمال الدلتا، لكن لم يتشاجر أحد من الجنود مع زميله، ولم ينهب أحد منهم عجينة الخبز من جوال أو يسرق نعاله ولم يأخذ أحد منهم خبز أى مدينة كما لم يستول أحدهم على عنزة من أى شخص، باختصار ساعة الخطر تستنفر وحدة المصريين، وتستخرج ملكات لا تظهر فى فترات السكون تتبع الحقيقة التاريخية يدهش فى مدى تطابق السلوك المصرى حيال الخطر والشهيد فى «نن العين من سقنن رع الذى سقط دفاعا عن مصر ضد الهكسوس».
كان جيشى شجاعا يسير كعاصفة من نار، تلك الرؤية المصرية القديمة سوف تمتد بطول حقب التاريخ، والتى سوف يتتبعها الغيطانى حقبة حقبة من مصر القديمة حتى الجيش الذى حارب فى 73 مرورا بكل الحروب الدفاعية التى خاضها الشعب المصري، شارحا ومفسرا آليات الدفع وخصوصية كل حقبة وقاسمها المشترك المصريون، كما يقول أستاذنا عباس العقاد فى مقدمة كتابه عن سعد زغلول إن الشعب المصرى وإن بدا محافظا، ميالا للاستقرار، والأسرة، إلا أن دفعه للعدوان يكون بنفس قدر حبه لهذا الاستقرار وهذه الأسرة..
تأصيل الغيطانى للأمرين علاقة المصرى بأرضه وعلاقة المصرى بالدفاع عن هذه الأرض، والتزامه على مدى آلاف السنين بكونه مدافعا عن حدود أرضه لا يستأجر جندية تدافع عن عرضه، ولا يؤجر جنديته لقاء أجر، أما الأخص فهو ذلك التماهى للخط الفاصل ما بين المدنى والعسكرى عند اللزوم فيقتلع الفلاح فى الإسماعيلية أشجارا يستغرق نموها عشرات السنين كأشجار الزيتون أو المانجو ليغطى رتل دبابات، وتبل سيدة السويس فى أثناء الحصار بقايا خبز تيبس بالماء، و«تطريه» قبل أن تجود بالموجود ليستمر الوجود.
ماجدة الجندى