كلنا بشكلٍ أو بآخر كنا نتداول عبارات تصف وقوع بعض الأحداث الصعبة على أنها لا تحدث سوى في الأحلام أو الأفلام، وكان هذا القول شائعاً حتى في بقية ثقافات العالم وكانت لجميع المجتمعات شكلٌ متعارف عليه حتى في تلك الأكثر تحرراً، حيث كان هناك نوعٌ من التحفظ الذي يتسم بالأناقة والذي يخلق حداً فاصلاً يعرف من خلاله طبيعة العلاقات والسلوك وما يريده كل شخص بحرية لكن دون وقاحة أو ابتذال، وبرغم تقديم السينما الغربية لأعمالٍ حملت مشاهد جمعت بين العري والإباحية إلا أن شاشة التلفزيون ظلت بعيدة عن تقديم ذلك لمشاهديها، لفصلها بين ما يمكن أن يكون محل خلاف في الحياة اليومية وخيارات الأشخاص وبين ما يصل إلى كل بيت، والذي أصبح لاحقاً يعرض بعد منتصف الليل حتى في المنصات المدفوعة وهي النظام المعتمد غربياً إلى جانب بضع قنوات رسمية لعامة الشعب، ولا نستطيع إنكار تأثر بلادنا وشعوبنا بمختلف شرائحها بالثقافة الأمريكية واعلامها وفنونها ونمط حياتها التي أصبحت حلماً يراود الكثيرين، ولذلك أركز عليها في هذا المقال من خلال لمحة سريعة..
وقد عرض الكثير من التفاصيل الهامة إعلامياً واجتماعياً ضمن سلسلةٍ من الوثائقيات التي أنتجتها شبكة (سي إن إن) الإخبارية الأمريكية عن أهم اللحظات الفارقة في تاريخ الإعلام الأمريكي خلال حقبتي الثمانينات والتسعينات والتي ظهر فيها كل الأسماء الأمريكية اللامعة، قدمت بشكل ٍ غير مباشر في الوقت ذاته صورةً عن شكل حياة المواطن الأمريكي الملتبسة في الأذهان والتي تخضع إلى الكثير من المبالغات والمغالطات التي اعتدناها في مجتمعاتنا على وجه الخصوص، وظهر فيها المواطن العادي الذي يعمل لساعات طويلة ويأتي في نهاية اليوم لمتابعة برامجه المفضلة عبر المنصة التي اختارها واشترك فيها والتي كانت رغم انفتاحها تخضع لحدود ما يقبله الناس، والذين كانوا يتعاطون مع ما يتم تقديمه بإنبهار وترقب وتحفز، ومن خلال استضافة الكثير من صناع الإعلام ومنتجي الحلقات والبرامج التلفزيونية الترفيهية والحوارية سواءاً كانت تلك التي تذاع في الفترة النهارية أو المسائية أو التي تذاع في فترة السهرة المتأخرة، حكى أغلبهم عن تلك الأوقات التي كان يتم التحضير فيها من خلال لقاءاتٍ وورش عمل واجتماعات مكثفة ليقدموا فيها نقلات في (السوق والإعلام الأمريكي) وعرضهم الكثير من الأفكار بشكلٍ تدريجي ومراقبة ردود أفعال المشاهدين لحظةً بلحظة سواءاً كان ذلك عبر البدء بتقديم محتوى جديد على الأمريكيين ويتسم بالإستفاضة في تقديم الإيحاءات الجنسية التي بدأت في البرامج الكوميدية الساخرة التي تذاع في أوقاتٍ متأخرة كنوعٍ من التمهيد، ومن ثم تقديمها عبر الشاشة فكانت تلقى سخطاً وهجوماً قاسياً من الناس، إلى جانب تقديم أفكار كان لا يزال المجتمع الأمريكي غير معتادٍ عليها كظهور فنانين وإعلاميين من أصول إفريقية ضمن برامج تذاع في وقت الذروة أو أن يكونوا هم من يقدمها، وكان كل حاجز يتم كسره يستتبع بالمزيد من الخطوات التي تقدمها نفس الشبكة أو الشبكات الإعلامية الأخرى المنافسة لها، وذلك عبر رصد الإقبال ونسب المشاهدة لتحديد نجاح الخطوة من عدمه فشهدت الشاشة قدراً كبيراً من حرية العلاقات الجنسية على الشاشة والحديث عنها وعن طريقة ممارستها خاصةً بين المراهقين في المدارس الثانوية الأمريكية التي تمتاز بوضعٍ خاص..
وتم كسر هذا المحظور تدريجياً والذي تم بالتوازي معه محاولات أكثر نعومة وحذراً والتفافاً عند التطرق إلى المعتقدات الدينية المسيحية، والتي كانت تحترف تقديم ما يدفع المشاهد إلى التشكيك بها من خلال التجسيد المتكرر لشخصية الراهبة بطريقة ماجنة وبشكل موجه وغير حيادي أو موضوعي، ورأيناها كثيراً من خلال السينما الأمريكية بطريقةٍ ملتوية ضمن مقولاتٍ تبدو عابرة، لكنها كتبت ونفذت بهذا الشكل لترسخ في لا وعي المشاهد لتغيير معتقداته تدريجياً، ليس فقط الدينية ولكن الإنسانية بشكل ٍ عام عن نماذج مختلفة في الحياة، وفي أفلام تحمل طابع الغموض والتشويق والرعب مثل فيلم (الآخرون The Others) والذي مثلت دور البطولة فيه الممثلة الأوسترالية (نيكول كيدمان)، وكانت ضمن دورها طوال الفيلم تلقن أبنائها تعاليم الإنجيل والذي كان جزءاً هاماً من القصة، مروراً بمراحل تخلط بين البشر والأرواح الميتة لتحكي عن إمكانية (التعايش) بين العالمين، لتنتهي بمشهد يبدي (حيرتها) حول كل ما كانت تعتقده وكانت تلقنه لصغارها من تعاليم الإنجيل، وبالطبع تم تقديم نماذج أكثر وضوحاً من هذا الفيلم والذي ذكر على سبيل المثال، إلى جانب صناعة أفلام الرعب المليئة بالقتل والدم والدمار لجعل المشاهد المتداولة في نشرات الأخبار من مختلف دول العالم عادية ولا تتمتع بذات التأثير على نفسية البشر وهو ما كان ضرورياً لخدمة ما سيحدث لاحقاً..
ولم ينفصل ذلك عن الأحداث السياسية التي تزامنت مع الحرب العراقية الإيرانية وحرب الخليج، والإنتفاضتين الأولى والثانية في فلسطين المحتلة، والعشرية السوداء في الجزائر، ومجازر البوسنة والهرسك ورواندا والكثير من الأزمات والحروب في العالم، والتي كانت تتم بالتوازي مع تغيير سلوك المجتمع ومزاجه العام وتقبله للكثير مما لم يكن يقبله وجعله مشغولاً به بصفةٍ مستمرة سواءاً كان ذلك من خلال قضايا متصلة بالدين أو الجنس أو الأزمات الإقتصادية، وذلك عبر الإعلام الذي كان يبدأ خطواته بتهيئة المناخ عبر البرامج الساخرة التي تحول القضايا الإنسانية الكبرى إلى عرضٍ ضاحك، ومن ثم الحديث عنها بشكل مستمر حتى يحدث تشبع لدى المشاهد من متابعة هذا الحدث أو ذاك والذي سينساه بمرور الوقت، كما تم تسجيل العديد من التغطيات الهامة ورصد ردة فعل الشارع الأمريكي منها في الوقت الذي بدأت تنتشر معظم الأعمال الفنية والإعلامية الأمريكية من أفلام ومسلسلات وبرامج وأفكار وحتى من خلال رسوم متحركة أو برامج أطفال وأغنيات ونجوم حول العالم، حتى وإن كان ذلك بشكلٍ أقل في دول كثيرة تحاول الحفاظ على هويتها الثقافية والفنية كفرنسا وإيطاليا وألمانيا وأمريكا اللاتينية وغيرها إلى جانب محاربة وفود اللغة الإنجليزية عليها، ورفض استنساخ النمط الإعلامي لها خاصةً بعد حدوث ذلك في عددٍ كبير من دول العالم..
وقد حدث ذلك في برامج المنوعات والبرامج الحوارية وحتى من خلال استحداث نمطٍ جديد كالبرامج النسائية التي تناقش أحداث الساعة وليست مجرد تقارير نمطية عن المرأة مثل برنامج (ذا ڤيو The View )، والذي تم استنساخه إلى العديد من البرامج العربية دون أن يحقق أي منها ذات الهدف في النسخة الأصلية كون اقتباس الفكرة ومعالجتها تمت بشكل سطحي، فكان هناك على الدوام سيداتٌ أمريكيات من خلفيات وشرائح ثقافية واجتماعية وفكرية مختلفة تمثل الأمريكيين البيض وذوي الأصول اللاتينية والإفريقية يتناقشن في كافة المواضيع حتى السياسية منها، وكانت كثيراً ما تنتهي بمشادات واشتباكات طاحنة خاصةً تلك التي تتطرق إلى قضايا متصلة بحقوق الإنسان والديمقراطية، ففي الفترة التي تزامنت مع احتلال الولايات المتحدة وبريطانيا للعراق كان الجدل مشتعلاً بين مؤيد ومعارض ومع تلميحات عنصرية كانت تتم بشكل ٍ خاص بين المذيعة الشقراء اليزابيث هاسيلبيك المؤيدة للغزو والتي كانت تهاجم المعارضين له قائلةً بأن جنود بلادنا يضحون بحياتهم ليجعلوا الشعوب الأخرى تنعم بالحرية والديمقراطية.. في مواجهة الممثلة المخضرمة ووبي جولدبيرغ الرافضة له بشدة حيث قالت أصبحت سمعتنا في الحضيض في مختلف بلاد العالم وأصبحنا غزاة لا يحترمنا أحد.. مما استدعى رد اليزابيث لتقول أنه من المعيب انتقاد جنودنا وهم بالخارج وأن علينا دعمهم حتى يعودوا.. لترد ووبي بسخرية عندما سيعودون لن يستريحوا لأنهم سيستعدون لغزو بلد آخر تحت ذريعة أخرى ويجب علينا أن نلتزم الصمت وأن نمول الحرب من الضرائب التي ندفعها.. أنا أرفض ذلك بشدة.. وهنا في لحظة تليفزيونية هامة تكشف الكثير من النار تحت الرماد وجهت اليزابيث فيها الكلام لووبي..أنتِ لستي أمريكية بما يكفي.. ليأتي رد واثق هادىء محنك ومتمكن في كلمتين وضعتها في الزاوية بنظرة مشتعلة ونبرة صوت ووبي حازمة وحادة وسط صمت الجمهور.. ماذا تعنين بذلك؟ ليشتعل الجمهور غضباً ويهتف ضد اليزابيث التي انسحبت باكية وسط حرج من بقية المذيعات لأنه يحمل إهانة مباشرة وانتقاصاً من وطنية ووبي لمجرد أنها من أصول إفريقية والتي ردت هذه هي الديمقراطية التي تريدها شقراء تافهة ومدللة على حساب كرامة وأرواح الآخرين، هذا الهراء ليس حرية..
وكل هذا غيض من فيض لما نشره وعرضه الإعلام الغربي ليمهد الطريق أمام تغيير المشهد عالمياً عبر بوابة الفن والمشاهير والثقافة والترفيه في القرن العشرين وصولاً إلى مطلع القرن الحالي الذي بدأ تغييراته الجذرية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول عام ٢٠٠١ والذي أعقبه غزو أفغانستان والعراق والذي لم يكن ليحدث دون أرضية تمهد الطريق لحدوثه وتسهم في تغيير المفاهيم الحياتية والإجتماعية وخلطها ببعضها لنصل إلى ما نعيشه اليوم..
خالد جهاد..
وقد عرض الكثير من التفاصيل الهامة إعلامياً واجتماعياً ضمن سلسلةٍ من الوثائقيات التي أنتجتها شبكة (سي إن إن) الإخبارية الأمريكية عن أهم اللحظات الفارقة في تاريخ الإعلام الأمريكي خلال حقبتي الثمانينات والتسعينات والتي ظهر فيها كل الأسماء الأمريكية اللامعة، قدمت بشكل ٍ غير مباشر في الوقت ذاته صورةً عن شكل حياة المواطن الأمريكي الملتبسة في الأذهان والتي تخضع إلى الكثير من المبالغات والمغالطات التي اعتدناها في مجتمعاتنا على وجه الخصوص، وظهر فيها المواطن العادي الذي يعمل لساعات طويلة ويأتي في نهاية اليوم لمتابعة برامجه المفضلة عبر المنصة التي اختارها واشترك فيها والتي كانت رغم انفتاحها تخضع لحدود ما يقبله الناس، والذين كانوا يتعاطون مع ما يتم تقديمه بإنبهار وترقب وتحفز، ومن خلال استضافة الكثير من صناع الإعلام ومنتجي الحلقات والبرامج التلفزيونية الترفيهية والحوارية سواءاً كانت تلك التي تذاع في الفترة النهارية أو المسائية أو التي تذاع في فترة السهرة المتأخرة، حكى أغلبهم عن تلك الأوقات التي كان يتم التحضير فيها من خلال لقاءاتٍ وورش عمل واجتماعات مكثفة ليقدموا فيها نقلات في (السوق والإعلام الأمريكي) وعرضهم الكثير من الأفكار بشكلٍ تدريجي ومراقبة ردود أفعال المشاهدين لحظةً بلحظة سواءاً كان ذلك عبر البدء بتقديم محتوى جديد على الأمريكيين ويتسم بالإستفاضة في تقديم الإيحاءات الجنسية التي بدأت في البرامج الكوميدية الساخرة التي تذاع في أوقاتٍ متأخرة كنوعٍ من التمهيد، ومن ثم تقديمها عبر الشاشة فكانت تلقى سخطاً وهجوماً قاسياً من الناس، إلى جانب تقديم أفكار كان لا يزال المجتمع الأمريكي غير معتادٍ عليها كظهور فنانين وإعلاميين من أصول إفريقية ضمن برامج تذاع في وقت الذروة أو أن يكونوا هم من يقدمها، وكان كل حاجز يتم كسره يستتبع بالمزيد من الخطوات التي تقدمها نفس الشبكة أو الشبكات الإعلامية الأخرى المنافسة لها، وذلك عبر رصد الإقبال ونسب المشاهدة لتحديد نجاح الخطوة من عدمه فشهدت الشاشة قدراً كبيراً من حرية العلاقات الجنسية على الشاشة والحديث عنها وعن طريقة ممارستها خاصةً بين المراهقين في المدارس الثانوية الأمريكية التي تمتاز بوضعٍ خاص..
وتم كسر هذا المحظور تدريجياً والذي تم بالتوازي معه محاولات أكثر نعومة وحذراً والتفافاً عند التطرق إلى المعتقدات الدينية المسيحية، والتي كانت تحترف تقديم ما يدفع المشاهد إلى التشكيك بها من خلال التجسيد المتكرر لشخصية الراهبة بطريقة ماجنة وبشكل موجه وغير حيادي أو موضوعي، ورأيناها كثيراً من خلال السينما الأمريكية بطريقةٍ ملتوية ضمن مقولاتٍ تبدو عابرة، لكنها كتبت ونفذت بهذا الشكل لترسخ في لا وعي المشاهد لتغيير معتقداته تدريجياً، ليس فقط الدينية ولكن الإنسانية بشكل ٍ عام عن نماذج مختلفة في الحياة، وفي أفلام تحمل طابع الغموض والتشويق والرعب مثل فيلم (الآخرون The Others) والذي مثلت دور البطولة فيه الممثلة الأوسترالية (نيكول كيدمان)، وكانت ضمن دورها طوال الفيلم تلقن أبنائها تعاليم الإنجيل والذي كان جزءاً هاماً من القصة، مروراً بمراحل تخلط بين البشر والأرواح الميتة لتحكي عن إمكانية (التعايش) بين العالمين، لتنتهي بمشهد يبدي (حيرتها) حول كل ما كانت تعتقده وكانت تلقنه لصغارها من تعاليم الإنجيل، وبالطبع تم تقديم نماذج أكثر وضوحاً من هذا الفيلم والذي ذكر على سبيل المثال، إلى جانب صناعة أفلام الرعب المليئة بالقتل والدم والدمار لجعل المشاهد المتداولة في نشرات الأخبار من مختلف دول العالم عادية ولا تتمتع بذات التأثير على نفسية البشر وهو ما كان ضرورياً لخدمة ما سيحدث لاحقاً..
ولم ينفصل ذلك عن الأحداث السياسية التي تزامنت مع الحرب العراقية الإيرانية وحرب الخليج، والإنتفاضتين الأولى والثانية في فلسطين المحتلة، والعشرية السوداء في الجزائر، ومجازر البوسنة والهرسك ورواندا والكثير من الأزمات والحروب في العالم، والتي كانت تتم بالتوازي مع تغيير سلوك المجتمع ومزاجه العام وتقبله للكثير مما لم يكن يقبله وجعله مشغولاً به بصفةٍ مستمرة سواءاً كان ذلك من خلال قضايا متصلة بالدين أو الجنس أو الأزمات الإقتصادية، وذلك عبر الإعلام الذي كان يبدأ خطواته بتهيئة المناخ عبر البرامج الساخرة التي تحول القضايا الإنسانية الكبرى إلى عرضٍ ضاحك، ومن ثم الحديث عنها بشكل مستمر حتى يحدث تشبع لدى المشاهد من متابعة هذا الحدث أو ذاك والذي سينساه بمرور الوقت، كما تم تسجيل العديد من التغطيات الهامة ورصد ردة فعل الشارع الأمريكي منها في الوقت الذي بدأت تنتشر معظم الأعمال الفنية والإعلامية الأمريكية من أفلام ومسلسلات وبرامج وأفكار وحتى من خلال رسوم متحركة أو برامج أطفال وأغنيات ونجوم حول العالم، حتى وإن كان ذلك بشكلٍ أقل في دول كثيرة تحاول الحفاظ على هويتها الثقافية والفنية كفرنسا وإيطاليا وألمانيا وأمريكا اللاتينية وغيرها إلى جانب محاربة وفود اللغة الإنجليزية عليها، ورفض استنساخ النمط الإعلامي لها خاصةً بعد حدوث ذلك في عددٍ كبير من دول العالم..
وقد حدث ذلك في برامج المنوعات والبرامج الحوارية وحتى من خلال استحداث نمطٍ جديد كالبرامج النسائية التي تناقش أحداث الساعة وليست مجرد تقارير نمطية عن المرأة مثل برنامج (ذا ڤيو The View )، والذي تم استنساخه إلى العديد من البرامج العربية دون أن يحقق أي منها ذات الهدف في النسخة الأصلية كون اقتباس الفكرة ومعالجتها تمت بشكل سطحي، فكان هناك على الدوام سيداتٌ أمريكيات من خلفيات وشرائح ثقافية واجتماعية وفكرية مختلفة تمثل الأمريكيين البيض وذوي الأصول اللاتينية والإفريقية يتناقشن في كافة المواضيع حتى السياسية منها، وكانت كثيراً ما تنتهي بمشادات واشتباكات طاحنة خاصةً تلك التي تتطرق إلى قضايا متصلة بحقوق الإنسان والديمقراطية، ففي الفترة التي تزامنت مع احتلال الولايات المتحدة وبريطانيا للعراق كان الجدل مشتعلاً بين مؤيد ومعارض ومع تلميحات عنصرية كانت تتم بشكل ٍ خاص بين المذيعة الشقراء اليزابيث هاسيلبيك المؤيدة للغزو والتي كانت تهاجم المعارضين له قائلةً بأن جنود بلادنا يضحون بحياتهم ليجعلوا الشعوب الأخرى تنعم بالحرية والديمقراطية.. في مواجهة الممثلة المخضرمة ووبي جولدبيرغ الرافضة له بشدة حيث قالت أصبحت سمعتنا في الحضيض في مختلف بلاد العالم وأصبحنا غزاة لا يحترمنا أحد.. مما استدعى رد اليزابيث لتقول أنه من المعيب انتقاد جنودنا وهم بالخارج وأن علينا دعمهم حتى يعودوا.. لترد ووبي بسخرية عندما سيعودون لن يستريحوا لأنهم سيستعدون لغزو بلد آخر تحت ذريعة أخرى ويجب علينا أن نلتزم الصمت وأن نمول الحرب من الضرائب التي ندفعها.. أنا أرفض ذلك بشدة.. وهنا في لحظة تليفزيونية هامة تكشف الكثير من النار تحت الرماد وجهت اليزابيث فيها الكلام لووبي..أنتِ لستي أمريكية بما يكفي.. ليأتي رد واثق هادىء محنك ومتمكن في كلمتين وضعتها في الزاوية بنظرة مشتعلة ونبرة صوت ووبي حازمة وحادة وسط صمت الجمهور.. ماذا تعنين بذلك؟ ليشتعل الجمهور غضباً ويهتف ضد اليزابيث التي انسحبت باكية وسط حرج من بقية المذيعات لأنه يحمل إهانة مباشرة وانتقاصاً من وطنية ووبي لمجرد أنها من أصول إفريقية والتي ردت هذه هي الديمقراطية التي تريدها شقراء تافهة ومدللة على حساب كرامة وأرواح الآخرين، هذا الهراء ليس حرية..
وكل هذا غيض من فيض لما نشره وعرضه الإعلام الغربي ليمهد الطريق أمام تغيير المشهد عالمياً عبر بوابة الفن والمشاهير والثقافة والترفيه في القرن العشرين وصولاً إلى مطلع القرن الحالي الذي بدأ تغييراته الجذرية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول عام ٢٠٠١ والذي أعقبه غزو أفغانستان والعراق والذي لم يكن ليحدث دون أرضية تمهد الطريق لحدوثه وتسهم في تغيير المفاهيم الحياتية والإجتماعية وخلطها ببعضها لنصل إلى ما نعيشه اليوم..
خالد جهاد..