- الحرب البيولوجية مع بني إسرائيل
- واقعة الفيل وهزيمة أبرهة الحبشي
- بين التيفوس والطاعون
• • •
الحرب البيولوجية مع بني إسرائيل
قال تعالى: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ}.
سبحانه وتعالى القاهر فوق عباده الجبار المتكبر، العزيز القوي، المتين المهيمن، لا يعز من عادى، ولا يذل من والى، نصر عباده المؤمنين وأعزَّ جنده، وهزم الأحزاب وحده.
أراد الله أن يهلك قوم فرعون فأرسل عليهم الطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، كتائب من جيوش عاتية وجحافل جرَّارة، وصفوف متحفزة فقضت على الكافرين بالسحق التام، وعلى المُرجفين الضالين بالفناء والدمار.
القمل :
ينقل مرض التيفوس وهو من أبشع الأمراض المُعْدية التي عرفتها البشريَّة، وهذا المرض من الحميات الوبائية، ويحدث هزالاً في جسم المريض ترتفع درجة حرارته؛ وتجف الشفتان، ويتغطى اللسان فيه بطبقة قذرة سوداء؛ ثم يظهر الطفح ذو اللون الأحمر القاتم على السطح والبطن على هيئة بقع مختلفة الحجم يبلغ حجمها نحو 2 سم، وعددها من بقعة إلى ثلاث، وبعد أسبوع تقريبًا تتحسن حال المريض نسبيًّا، ثم ما تلبث أن تزداد سوءًا بعد ذلك مرة أخرى، ويصحبها هزال شديد وهلوسة مستمرة مع رعاف من الأنف ونزيف من الأمعاء لا يزيد عن ثلاثة أسابيع عادة ومصيره مؤلم وعواقبه وخيمة.
وينقل القمل أيضًا حمى الخنادق، وهي حُمى مروعة أيضًا قد تطيح بحياة الإنسان.
كما ينقل القمل مرض "كالازار"، والذي ينقله قملة اسمها : "سيمكس لاكتورين".
وهناك أربعة أنوع من القمل هي :
1 - قمل الرأس.
2 - قمل الجسم.
3 - قمل الملابس.
4 - قمل العانة.
ومتوسط عمر القملة من ثلاثة إلى أربعة أسابيع تضع فيها الأنثى ما يقرب من ثلاثمائة بيضة.
مرض كالازار :
عرفته البشرية بواسطة "كلارك" سنة 1882 م، وطفيل هذا المرض من جنس طفيل "الليشمانيا"، وتقوم بنقله قملة "سيمكس لاكتورين"، وفيه ترتفع درجة حرارة الجسم لعدة شهور، وقد تستمر لبضع سنوات، ثم يتضخم الكبد، ويتورم الطحال، وينقص الوزن باستمرار، وفيه يحدث قيء شديد وانتفاخ الساقين والقدمين، مع ظهور نقط سوداء بالوجه، مع الألم الشديد في المفاصل على هيئة أوجاع روماتيزمية، وجفاف الجلد والشعر، واصفرار الوجه وامتقاعه مع ضعف مقاومة الجسم.
الضفادع :
قال ابن سينا : من أكل لحم الضفدع أو دمه ورم بدنه، وكمد لونه، وقذف المني حتى يموت.
وقيل : إن طبيبًا ذكره عند النبي -صلى الله عليه وسلم- في دواء، فنهاه عن قتلها.
عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن كل دواء خبيث؛ كالسم ونحوه"؛ رواه أبو داود.
كما نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن قتل الضفدع؛ لأنها من جملة السموم، وأكل لحمها يؤذي البدن، ويكمد اللون، ويورم الجسم؛ كما لوحظ أن الصغير منها أشد ضررًا من الكبير.
في بلاد غرب أوروبا وفرنسا بالذات يأكلون الضفدع؛ لكنه نوع خاص من الضفدع ويقتلون سمومه بالغليان الشديد؛ كما أن الكثير منَ السموم تتركَّز في غُدده الجلدية التي تُسْتَبْعَد مع الجِلد أول طبخهم الضفدع، لكنا نعاف الضفدع على أي حال، ولا تقبله خواطرنا.
الدم :
والدم الذي أرسله الله على أولئك القوم الفاسقين الناشزين عن طاعته، ويقصد بالدم الكائنات ماصَّات الدماء، والتي يسري فيها دم غيرها وتعيش هي عليه، فهي تتغذى على ما لأجهزته من دم، وماصَّات الدماء مثل : البعوض، والقمل، والبراغيث، والبق.
البعوض :
وينقل مرض الملاريا، وهي من الحميات المتوطِّنة، وقد عرف "أبو قراط" الملاريا منذ خمسة قرون قبل الميلاد، والبعوض على عدة أنواع قد تصل إلى الخمسين نوعًا مختلفة، وينقل بلازموديوم الملاريا أنثى بعوضة الأنوفيليس؛ لكن بعض الأمراض والأعراض الأخرى الخطيرة ألفيناها تنتقل على متن البعوض، مثل: أمراض الدم، والحمى، الصفراء، ومرض الفيل، أما القمل والبراغيث والبق فتنقل جميعًا التيفوس والطاعون.
البراغيث :
وتنقل التيفوس والطاعون، وكلاهما من أفْتكِ الأمراض التي لا تبقي ولا تذر، تهلك الحرث والنسل، وتحدث عدوى الطاعون بواسطة البرغوث الذي يمتص دم المريض المُحَمَّل بالميكروب، ثم ينتقل البرغوث بالميكروب في أحشائه إلى الفأر، الذي يحمله ويصير بدوره ناقلاً غير مباشر للمرض؛ أي: يرمي بالبرغوث في ثياب الشخص الموعود؛ فيكون قضاءً وقدرًا!
الطاعون :
قال -صلى الله عليه وسلم-: ((الطاعون شهادة لكل مسلم))؛ عن أنس -رضي الله عنه، والطاعون : هو الموت من الوباء.
قال ابن سينا : "إذا وقع الخراج في اللحم الرخو المغابن، وخلف الأذن - سمي طاعونًا"؛ ذلك لأنه يطعن الإنسان طعنًا.
وقالت السيدة عائشة -رضي الله عنها- : "سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الطاعون، فأخبرني أنه عذاب يبعثه الله على من يشاء، وأنه تعالى جعله رحمة للمؤمنين، وليس من أحد يقع الطاعون في جلده، فيمكث صابرًا محتسبًا - إلا كان له مثل أجر شهيد".
وعن سعد، سأل أسامة بن زيد: ماذا سمعت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الطاعون؟ فقال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((الطاعون رجز أرسل على طائفة من بني إسرائيل - أو: على من كان قبلكم - فإذا سمعتم به بأرض فلا تدخلوا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارًا منه))؛ رواه البخاري ومسلم.
حكمة طبية لها قيمتها في الطب القديم والحديث على حد سواء؛ فالبيئة الموبوءة يجب فرض الحجر الصحي عليها، فلا دخول إليها ولا خروج منها.
من الطاعون يتعفن الهواء كتعفن الماء المستنقع الآسن؛ بسبب عدم دفن القتلى.
والطاعون هو حرب إبادة جماعية شاملة، وهو من حروب السماء، وسهام القضاء والقدر على الغزاة المعتدين، وقد عصف بكثير من الجيوش المتحاربة، وأبادها عن بكرة أبيها، وذاع أنه هو الذي حطم مقاومة نابليون بونابرت في حملته على الشام، كما قيل : إنه أثخن جيش لويس التاسع الذي جاء مصر غازيًا عام 1250م؛ فالطاعون هو داء الجيوش العضال، وقاهرها العنيد الجبار.
وقيل : إنه مات في ساعة واحدة منه عشرون ألفًا من بني إسرائيل، وقيل: إن عددهم ليس عشرين ألفًا، وقال البعض: إنهم سبعون ألفًا، وربما يكونون أول من عذب بالطاعون، وقد جاء فيهم قوله تعالى : {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ المَوْتِ}.
{حَذَرَ المَوْتِ}؛ أي: حذر الطاعون - من قبيل الاستعارة التصريحية - أي الإصابة بالطاعون - وكانت تعني الموت - فهو محقق ومؤكد.
وقال ابن عباس: "كانوا أربعة آلاف هربوا من الطاعون فماتوا، فدعا لهم نبي من الأنبياء فأحياهم الله".
وقال التميمي : "لم تزل الشام إلى آخر أيام بني مروان مطروقة بالطاعون، يزورها بين الحين والحين، ولا سيما دمشق والأردن".
وخطب عم السفاح بدمشق فقال : "يا أهل الشام، أحسن الله إليكم إذ رفع عنكم الطاعون في زماننا.. "؛ قال رجل : "إن الله أعدل من أن يجمعكم والطاعون علينا".
وفي "الموطأ" عن عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- قال : سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول : ((إذا نزل الوباء بأرض وأنتم بها؛ فلا تخرجوا منها فرارًا منه، وإذا سمعتم به بأرض؛ فلا تقدموا عليه))؛ رواه البخاري.
• • •
واقعة الفيل وهزيمة أبرهة الحبشي
خرج أبرهة الحبشي في جيش جرار لم تشهد الأرض مثله، طلع عليها طلوع القدر، لم يعرف المشرقان مثيلاً له من قبل، ولم تعهد بطاح مكة، ولم تر جيشًا كجيشه عددًا وعدة.
كان ذلك في عام 576م بعد ميلاد المسيح، حين جاء أبرهة على رأس جحفل جرار لهدم الكعبة، ولم يلق أي مقاومة ألبتة، وكان جنوده وعساكره قد استولوا على نوق عبدالمطلب جد النبي -صلى الله عليه وسلم- فذهب عبد المطلب يسأل عن نوقه؛ فسأله أبرهة عن طلبه، وفيم مجيئه إليه؟ فقال عبد المطلب : "إنما جئتُ لأسأل عن نوقي، أما البيت فإن له ربًّا يحميه"، وكان أبرهة قد توهم أن عبدالمطلب ما جاء إلا ليتفاوض معه في شأن الكعبة.
صدق عبد المطلب؛ لأن جيش العدو كان مدججًا بالسلاح، يملأ السهل والجبل، عددهم كعدد الحصى، لا قِبَل للقرشيين ولا لمكة جمعاء بهم.
ماذا كان موقف الله من بيته؟
{وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ}.
اختلف المفسرون اختلافًا كبيرًا في معنى "أبابيل":
قال ابن عباس : "ذاهبة وجائية، تنقل الحجارة بمناقيرها، فتبلبل عليهم رؤوسهم".
وصدق عليه قول الشاعر :
وَبِالفَوَارِسِ مِنْ وَرْقَاءَ قَدْ عَلِمُوا أَحْلاسَ خَيْلٍ عَلَى جُرْدٍ أَبَابِيلِ
ويقول جمهور الناس : إن أبابيل هو جمع لا واحد له من لفظه.
وتفسير ابن عباس من قبيل المعنى اللغوي للكلمة؛ أي إن هذه الطير كانت تبلبل عليهم رؤوسهم.
وقال الزمخشري : "إن واحدها (أبالة)"، وقال الراغب: "إنها متفرقة كقطعان الإبل، والواحد (أبيل)، والكلمة معربة، وتدل على الإبل المؤبلة ؛ أي المجموعة".
هاجت بلابله : أي ثارت ظنونه ووساوسه؛ لأن الباء واللام إذا اجتمعتا وتكررتا في كلمة دلتا على معنى الاختلاط والهياج، كما في بلبلة الأسنة إذا اختلطت، وبلبلة اللسان؛ أي ثأثأته عند النطق، ومثل ذلك في الزلزلة، والدمدمة، والهزهزة، والطأطأة؛ ففيها جميعًا معنى الاصطخاب والاضطراب.
وقال ابن كثير في "تفسير القرآن العظيم"، في معرض تفسيره لسورة الفيل :
"هذه من النعم التي امتن الله بها على قريش فيما صرف عنهم من أصحاب الفيل، الذين كانوا قد عزموا على هدم الكعبة ومحو أثرها من الوجود؛ فأبادهم الله، وأرغم أنوفهم، وخيب سعيهم، وأضل عملهم، وردهم بشر خيبة، وكانوا قومًا نصارى، وكان دينهم إذ ذاك أقرب حالاً مما كان عليه قريش من عبادة الأوثان، ولكن كان هذا من باب الإرهاص والتوطئة لمبعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإنه في ذلك العام ولد على أشهر الأقوال، ولسان حال القدرة يقول : لم ننصركم يا معشر قريش على الحبشة لخيريتكم عليهم، ولكن صيانةً للبيت العتيق، الذي سنشرفه ونعظمه ونوقره ببعثة النبي الأمي محمد -صلوات الله وسلامه عليه- خاتم الأنبياء".
ويقال : إنه ذهب مع عبدالمطلب جماعة من أشراف العرب، فعرضوا على أبرهة ثلث أموال تهامة، على أن يرجع عن البيت فأبى عليهم، ورد أبرهة على عبد المطلب إبله، ورجع عبد المطلب إلى قريش، فأمرهم بالخروج من مكة والتحصين في رؤوس الجبال؛ تخوفًا عليهم من معرة الجيش، فلما أصبح أبرهة تهيأ لدخول مكة، وهيأ فيله، وعبأ جيشه؛ فلمَّا وجهوا الفيل نحو مكة أقبل نفيل بن حبيب حتى قام إلى جنبه، ثم أخذ بأذنه وقال: أبرك محمودًا، وارجع راشدًا من حيث جئت؛ فإنك في بلد الله الحرام.
ثم أرسل أذنه فبرك الفيل، وخرج نفيل بن حبيب يشتد حتى أصعد في الجبل، وضربوا الفيل ليقوم فأبى، فضربوا في رأسه بالطبرزين، وأدخلوا محاجن لهم في مراقه، فنزعوه بها ليقوم فأبى، فوجهوه راجعًا إلى اليمن فقام يهرول، ووجهوه إلى الشام ففعل مثل ذلك، ووجهوه إلى المشرق ففعل مثل ذلك، ووجهوه إلى مكة فبرك، وأرسل الله عليهم طيرًا من البحر أمثال الخطاطيف والبلسان، مع كل طائر منها ثلاثة أحجار يحملها: حجر في منقاره، وحجران في رجليه، أمثال الحمص والعدس، لا يصيب منهم أحدًا إلا هلك، وليس كلهم أصابت، وخرجوا هاربين يبتدرون الطريق، ويسألون عن نفيل ليدلهم على الطريق، هذا ونفيل على رأس الجبل مع قريش وعرب الحجاز، ينظرون ماذا أنزل الله بأصحاب الفيل من النقمة!!
• • •
بين التيفوس والطاعون
لا غرو إن كان التيفوس أو الطاعون أو كلاهما جنودًا من جنود الله التي لم نرها ولم يروها، وهذه إحصائية طبية عساها تكون دليلاً ماديًّا محسوسًا للإقناع.
انتشر التيفوس في جيش (كوالالامبور) في جمهورية مالاوي، وقد تحقق "فلتشر" من هذه الحالات، وفصل منها نوعين، الأول اسمه "أوربان تيفوس"، والثاني اسمه "أسكرب تيفوس"، ذلك ينتشر في المدن، وهذا ينتشر في الريف والقرى بصفة خاصة، وقد قضى على جيش جمهورية مالاوي الفيدرالية.
وقد اكتشفت يد الطب في أوروبا في قطاع جغرافي على شريط طويل، يبدأ من مصر وينتشر فوق الإمبراطورية الرومانية، ثم يغشى بلاد الشام.
وقد زار الطاعون بلاد الشام وإنكلترا كوباء منتشر عام 1664م - 1679م.
وقد هلك سبعون ألفًا من تعداد السكان - وعددهم أربعمائة وستون ألفًا - من مدينة لندن في يوم واحد! من ثم سمي الطاعون "الموت الأسود"، ثم ظهر بعدها عام 1920 في باريس بعد غياب ثلاثة قرون، ومعدل الوفاة كان قرابة 60 - 95 في المائة في لندن، وفي هونغ كونغ 93.4 في المائة.
اللهم تقبل من أبى صلاته ، وصيامه لك ، وسائر طاعاته ، وصالح أعماله ، وأثقل بها ميزانه يوم القيامة ، وثبِّته على الصراط يوم تزل الأقدام ، واجعله من الفائزين ، وأسكِنه في أعلى الجنات في جوار نبيِّك ومصطفاك ﷺ .. يا رب العالمين
- واقعة الفيل وهزيمة أبرهة الحبشي
- بين التيفوس والطاعون
• • •
الحرب البيولوجية مع بني إسرائيل
قال تعالى: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ}.
سبحانه وتعالى القاهر فوق عباده الجبار المتكبر، العزيز القوي، المتين المهيمن، لا يعز من عادى، ولا يذل من والى، نصر عباده المؤمنين وأعزَّ جنده، وهزم الأحزاب وحده.
أراد الله أن يهلك قوم فرعون فأرسل عليهم الطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، كتائب من جيوش عاتية وجحافل جرَّارة، وصفوف متحفزة فقضت على الكافرين بالسحق التام، وعلى المُرجفين الضالين بالفناء والدمار.
القمل :
ينقل مرض التيفوس وهو من أبشع الأمراض المُعْدية التي عرفتها البشريَّة، وهذا المرض من الحميات الوبائية، ويحدث هزالاً في جسم المريض ترتفع درجة حرارته؛ وتجف الشفتان، ويتغطى اللسان فيه بطبقة قذرة سوداء؛ ثم يظهر الطفح ذو اللون الأحمر القاتم على السطح والبطن على هيئة بقع مختلفة الحجم يبلغ حجمها نحو 2 سم، وعددها من بقعة إلى ثلاث، وبعد أسبوع تقريبًا تتحسن حال المريض نسبيًّا، ثم ما تلبث أن تزداد سوءًا بعد ذلك مرة أخرى، ويصحبها هزال شديد وهلوسة مستمرة مع رعاف من الأنف ونزيف من الأمعاء لا يزيد عن ثلاثة أسابيع عادة ومصيره مؤلم وعواقبه وخيمة.
وينقل القمل أيضًا حمى الخنادق، وهي حُمى مروعة أيضًا قد تطيح بحياة الإنسان.
كما ينقل القمل مرض "كالازار"، والذي ينقله قملة اسمها : "سيمكس لاكتورين".
وهناك أربعة أنوع من القمل هي :
1 - قمل الرأس.
2 - قمل الجسم.
3 - قمل الملابس.
4 - قمل العانة.
ومتوسط عمر القملة من ثلاثة إلى أربعة أسابيع تضع فيها الأنثى ما يقرب من ثلاثمائة بيضة.
مرض كالازار :
عرفته البشرية بواسطة "كلارك" سنة 1882 م، وطفيل هذا المرض من جنس طفيل "الليشمانيا"، وتقوم بنقله قملة "سيمكس لاكتورين"، وفيه ترتفع درجة حرارة الجسم لعدة شهور، وقد تستمر لبضع سنوات، ثم يتضخم الكبد، ويتورم الطحال، وينقص الوزن باستمرار، وفيه يحدث قيء شديد وانتفاخ الساقين والقدمين، مع ظهور نقط سوداء بالوجه، مع الألم الشديد في المفاصل على هيئة أوجاع روماتيزمية، وجفاف الجلد والشعر، واصفرار الوجه وامتقاعه مع ضعف مقاومة الجسم.
الضفادع :
قال ابن سينا : من أكل لحم الضفدع أو دمه ورم بدنه، وكمد لونه، وقذف المني حتى يموت.
وقيل : إن طبيبًا ذكره عند النبي -صلى الله عليه وسلم- في دواء، فنهاه عن قتلها.
عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن كل دواء خبيث؛ كالسم ونحوه"؛ رواه أبو داود.
كما نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن قتل الضفدع؛ لأنها من جملة السموم، وأكل لحمها يؤذي البدن، ويكمد اللون، ويورم الجسم؛ كما لوحظ أن الصغير منها أشد ضررًا من الكبير.
في بلاد غرب أوروبا وفرنسا بالذات يأكلون الضفدع؛ لكنه نوع خاص من الضفدع ويقتلون سمومه بالغليان الشديد؛ كما أن الكثير منَ السموم تتركَّز في غُدده الجلدية التي تُسْتَبْعَد مع الجِلد أول طبخهم الضفدع، لكنا نعاف الضفدع على أي حال، ولا تقبله خواطرنا.
الدم :
والدم الذي أرسله الله على أولئك القوم الفاسقين الناشزين عن طاعته، ويقصد بالدم الكائنات ماصَّات الدماء، والتي يسري فيها دم غيرها وتعيش هي عليه، فهي تتغذى على ما لأجهزته من دم، وماصَّات الدماء مثل : البعوض، والقمل، والبراغيث، والبق.
البعوض :
وينقل مرض الملاريا، وهي من الحميات المتوطِّنة، وقد عرف "أبو قراط" الملاريا منذ خمسة قرون قبل الميلاد، والبعوض على عدة أنواع قد تصل إلى الخمسين نوعًا مختلفة، وينقل بلازموديوم الملاريا أنثى بعوضة الأنوفيليس؛ لكن بعض الأمراض والأعراض الأخرى الخطيرة ألفيناها تنتقل على متن البعوض، مثل: أمراض الدم، والحمى، الصفراء، ومرض الفيل، أما القمل والبراغيث والبق فتنقل جميعًا التيفوس والطاعون.
البراغيث :
وتنقل التيفوس والطاعون، وكلاهما من أفْتكِ الأمراض التي لا تبقي ولا تذر، تهلك الحرث والنسل، وتحدث عدوى الطاعون بواسطة البرغوث الذي يمتص دم المريض المُحَمَّل بالميكروب، ثم ينتقل البرغوث بالميكروب في أحشائه إلى الفأر، الذي يحمله ويصير بدوره ناقلاً غير مباشر للمرض؛ أي: يرمي بالبرغوث في ثياب الشخص الموعود؛ فيكون قضاءً وقدرًا!
الطاعون :
قال -صلى الله عليه وسلم-: ((الطاعون شهادة لكل مسلم))؛ عن أنس -رضي الله عنه، والطاعون : هو الموت من الوباء.
قال ابن سينا : "إذا وقع الخراج في اللحم الرخو المغابن، وخلف الأذن - سمي طاعونًا"؛ ذلك لأنه يطعن الإنسان طعنًا.
وقالت السيدة عائشة -رضي الله عنها- : "سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الطاعون، فأخبرني أنه عذاب يبعثه الله على من يشاء، وأنه تعالى جعله رحمة للمؤمنين، وليس من أحد يقع الطاعون في جلده، فيمكث صابرًا محتسبًا - إلا كان له مثل أجر شهيد".
وعن سعد، سأل أسامة بن زيد: ماذا سمعت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الطاعون؟ فقال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((الطاعون رجز أرسل على طائفة من بني إسرائيل - أو: على من كان قبلكم - فإذا سمعتم به بأرض فلا تدخلوا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارًا منه))؛ رواه البخاري ومسلم.
حكمة طبية لها قيمتها في الطب القديم والحديث على حد سواء؛ فالبيئة الموبوءة يجب فرض الحجر الصحي عليها، فلا دخول إليها ولا خروج منها.
من الطاعون يتعفن الهواء كتعفن الماء المستنقع الآسن؛ بسبب عدم دفن القتلى.
والطاعون هو حرب إبادة جماعية شاملة، وهو من حروب السماء، وسهام القضاء والقدر على الغزاة المعتدين، وقد عصف بكثير من الجيوش المتحاربة، وأبادها عن بكرة أبيها، وذاع أنه هو الذي حطم مقاومة نابليون بونابرت في حملته على الشام، كما قيل : إنه أثخن جيش لويس التاسع الذي جاء مصر غازيًا عام 1250م؛ فالطاعون هو داء الجيوش العضال، وقاهرها العنيد الجبار.
وقيل : إنه مات في ساعة واحدة منه عشرون ألفًا من بني إسرائيل، وقيل: إن عددهم ليس عشرين ألفًا، وقال البعض: إنهم سبعون ألفًا، وربما يكونون أول من عذب بالطاعون، وقد جاء فيهم قوله تعالى : {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ المَوْتِ}.
{حَذَرَ المَوْتِ}؛ أي: حذر الطاعون - من قبيل الاستعارة التصريحية - أي الإصابة بالطاعون - وكانت تعني الموت - فهو محقق ومؤكد.
وقال ابن عباس: "كانوا أربعة آلاف هربوا من الطاعون فماتوا، فدعا لهم نبي من الأنبياء فأحياهم الله".
وقال التميمي : "لم تزل الشام إلى آخر أيام بني مروان مطروقة بالطاعون، يزورها بين الحين والحين، ولا سيما دمشق والأردن".
وخطب عم السفاح بدمشق فقال : "يا أهل الشام، أحسن الله إليكم إذ رفع عنكم الطاعون في زماننا.. "؛ قال رجل : "إن الله أعدل من أن يجمعكم والطاعون علينا".
وفي "الموطأ" عن عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- قال : سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول : ((إذا نزل الوباء بأرض وأنتم بها؛ فلا تخرجوا منها فرارًا منه، وإذا سمعتم به بأرض؛ فلا تقدموا عليه))؛ رواه البخاري.
• • •
واقعة الفيل وهزيمة أبرهة الحبشي
خرج أبرهة الحبشي في جيش جرار لم تشهد الأرض مثله، طلع عليها طلوع القدر، لم يعرف المشرقان مثيلاً له من قبل، ولم تعهد بطاح مكة، ولم تر جيشًا كجيشه عددًا وعدة.
كان ذلك في عام 576م بعد ميلاد المسيح، حين جاء أبرهة على رأس جحفل جرار لهدم الكعبة، ولم يلق أي مقاومة ألبتة، وكان جنوده وعساكره قد استولوا على نوق عبدالمطلب جد النبي -صلى الله عليه وسلم- فذهب عبد المطلب يسأل عن نوقه؛ فسأله أبرهة عن طلبه، وفيم مجيئه إليه؟ فقال عبد المطلب : "إنما جئتُ لأسأل عن نوقي، أما البيت فإن له ربًّا يحميه"، وكان أبرهة قد توهم أن عبدالمطلب ما جاء إلا ليتفاوض معه في شأن الكعبة.
صدق عبد المطلب؛ لأن جيش العدو كان مدججًا بالسلاح، يملأ السهل والجبل، عددهم كعدد الحصى، لا قِبَل للقرشيين ولا لمكة جمعاء بهم.
ماذا كان موقف الله من بيته؟
{وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ}.
اختلف المفسرون اختلافًا كبيرًا في معنى "أبابيل":
قال ابن عباس : "ذاهبة وجائية، تنقل الحجارة بمناقيرها، فتبلبل عليهم رؤوسهم".
وصدق عليه قول الشاعر :
وَبِالفَوَارِسِ مِنْ وَرْقَاءَ قَدْ عَلِمُوا أَحْلاسَ خَيْلٍ عَلَى جُرْدٍ أَبَابِيلِ
ويقول جمهور الناس : إن أبابيل هو جمع لا واحد له من لفظه.
وتفسير ابن عباس من قبيل المعنى اللغوي للكلمة؛ أي إن هذه الطير كانت تبلبل عليهم رؤوسهم.
وقال الزمخشري : "إن واحدها (أبالة)"، وقال الراغب: "إنها متفرقة كقطعان الإبل، والواحد (أبيل)، والكلمة معربة، وتدل على الإبل المؤبلة ؛ أي المجموعة".
هاجت بلابله : أي ثارت ظنونه ووساوسه؛ لأن الباء واللام إذا اجتمعتا وتكررتا في كلمة دلتا على معنى الاختلاط والهياج، كما في بلبلة الأسنة إذا اختلطت، وبلبلة اللسان؛ أي ثأثأته عند النطق، ومثل ذلك في الزلزلة، والدمدمة، والهزهزة، والطأطأة؛ ففيها جميعًا معنى الاصطخاب والاضطراب.
وقال ابن كثير في "تفسير القرآن العظيم"، في معرض تفسيره لسورة الفيل :
"هذه من النعم التي امتن الله بها على قريش فيما صرف عنهم من أصحاب الفيل، الذين كانوا قد عزموا على هدم الكعبة ومحو أثرها من الوجود؛ فأبادهم الله، وأرغم أنوفهم، وخيب سعيهم، وأضل عملهم، وردهم بشر خيبة، وكانوا قومًا نصارى، وكان دينهم إذ ذاك أقرب حالاً مما كان عليه قريش من عبادة الأوثان، ولكن كان هذا من باب الإرهاص والتوطئة لمبعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإنه في ذلك العام ولد على أشهر الأقوال، ولسان حال القدرة يقول : لم ننصركم يا معشر قريش على الحبشة لخيريتكم عليهم، ولكن صيانةً للبيت العتيق، الذي سنشرفه ونعظمه ونوقره ببعثة النبي الأمي محمد -صلوات الله وسلامه عليه- خاتم الأنبياء".
ويقال : إنه ذهب مع عبدالمطلب جماعة من أشراف العرب، فعرضوا على أبرهة ثلث أموال تهامة، على أن يرجع عن البيت فأبى عليهم، ورد أبرهة على عبد المطلب إبله، ورجع عبد المطلب إلى قريش، فأمرهم بالخروج من مكة والتحصين في رؤوس الجبال؛ تخوفًا عليهم من معرة الجيش، فلما أصبح أبرهة تهيأ لدخول مكة، وهيأ فيله، وعبأ جيشه؛ فلمَّا وجهوا الفيل نحو مكة أقبل نفيل بن حبيب حتى قام إلى جنبه، ثم أخذ بأذنه وقال: أبرك محمودًا، وارجع راشدًا من حيث جئت؛ فإنك في بلد الله الحرام.
ثم أرسل أذنه فبرك الفيل، وخرج نفيل بن حبيب يشتد حتى أصعد في الجبل، وضربوا الفيل ليقوم فأبى، فضربوا في رأسه بالطبرزين، وأدخلوا محاجن لهم في مراقه، فنزعوه بها ليقوم فأبى، فوجهوه راجعًا إلى اليمن فقام يهرول، ووجهوه إلى الشام ففعل مثل ذلك، ووجهوه إلى المشرق ففعل مثل ذلك، ووجهوه إلى مكة فبرك، وأرسل الله عليهم طيرًا من البحر أمثال الخطاطيف والبلسان، مع كل طائر منها ثلاثة أحجار يحملها: حجر في منقاره، وحجران في رجليه، أمثال الحمص والعدس، لا يصيب منهم أحدًا إلا هلك، وليس كلهم أصابت، وخرجوا هاربين يبتدرون الطريق، ويسألون عن نفيل ليدلهم على الطريق، هذا ونفيل على رأس الجبل مع قريش وعرب الحجاز، ينظرون ماذا أنزل الله بأصحاب الفيل من النقمة!!
• • •
بين التيفوس والطاعون
لا غرو إن كان التيفوس أو الطاعون أو كلاهما جنودًا من جنود الله التي لم نرها ولم يروها، وهذه إحصائية طبية عساها تكون دليلاً ماديًّا محسوسًا للإقناع.
انتشر التيفوس في جيش (كوالالامبور) في جمهورية مالاوي، وقد تحقق "فلتشر" من هذه الحالات، وفصل منها نوعين، الأول اسمه "أوربان تيفوس"، والثاني اسمه "أسكرب تيفوس"، ذلك ينتشر في المدن، وهذا ينتشر في الريف والقرى بصفة خاصة، وقد قضى على جيش جمهورية مالاوي الفيدرالية.
وقد اكتشفت يد الطب في أوروبا في قطاع جغرافي على شريط طويل، يبدأ من مصر وينتشر فوق الإمبراطورية الرومانية، ثم يغشى بلاد الشام.
وقد زار الطاعون بلاد الشام وإنكلترا كوباء منتشر عام 1664م - 1679م.
وقد هلك سبعون ألفًا من تعداد السكان - وعددهم أربعمائة وستون ألفًا - من مدينة لندن في يوم واحد! من ثم سمي الطاعون "الموت الأسود"، ثم ظهر بعدها عام 1920 في باريس بعد غياب ثلاثة قرون، ومعدل الوفاة كان قرابة 60 - 95 في المائة في لندن، وفي هونغ كونغ 93.4 في المائة.
اللهم تقبل من أبى صلاته ، وصيامه لك ، وسائر طاعاته ، وصالح أعماله ، وأثقل بها ميزانه يوم القيامة ، وثبِّته على الصراط يوم تزل الأقدام ، واجعله من الفائزين ، وأسكِنه في أعلى الجنات في جوار نبيِّك ومصطفاك ﷺ .. يا رب العالمين