أَ. د. لطفي منصور - الْفَقيرُ وَالْمِسْكِينُ.. صِفاتُهُما والْفَرْقُ بَيْنَهُما

الْفَقِيرُ شَرْعًا هُوَ الَّذِي لا يَمْتَلِكُ نِصابَ الزَّكاةِ.
وَمالُهُ يَتَراوَحُ ما بَيْنَ دِينارٍ إلَى مِائَةِ دِينارٍ، أَوِ امْتَلَكَ دارًا مُتَوَسِّطَةً لا يَتَعَدَّى ثَمَنُها مِائَةَ دِينارٍ. وَلِذَلِكَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ حِصَّةً مِنَ الصَّدَقاتِ بِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ:” إنَّما الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ والْمَساكِينِ .. الْآيَةَ.
وَجَدْتُ في كُتُبِ الْفِقْهِ أَنَّ الْغَنِيَّ الْمُتَوَسِّطَ هوَ الّّذي يَمْتَلِكُ مَنْ مِائَةِ دِينارٍ حَتَّى خَمْسِمِائَةِ دِينارٍ. وَالدِّنارُ مِنَ الذَّهَبِ، وَالدِّرْهَمُ مِنَ الْفِضَّةِ.
الْفَقِيرُ أَغْنَى مِنَ الْمِسْكْينِ لِأنَّهُ يَمْتَلِكُ شَيْئًا. وَالْمِسْكِينُ لا يَمْتَلِكُ شَيْئًا. وَقَدْ وَصَفَهُ اللَّهُ في الْقُرْآنِ فَقالَ سُبْحانَه:”أَوْ مِسْكِينًا ذا مَتْرَبَةٍ .. الْآيَةَ. مَتْرَبَةٌ مُلْتَصِقٌ بِالتُّرابِ، يَجْلِسُ عَلَيْهِ، وَيَنامُ عَلَيْهِ، لَيْسَ لَهُ بَيْتٌ يُؤْوِيهِ. وَجاءَ في الْقُرْآنِ الشَّرِيفِ في صِفَةِ الَّذي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ "فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ، وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعامِ الْمِسْكِينِ ". يَدُعُّ: يَدْفَعُهُ وَيَطْرُدُهُ، فَقَرَنَ الْيَتِيمَ بِالْمِسْكِينِ لِفَقْرِهِما، وَجَعَلَ اللَّهُ سُبْحانَهُ لَهُما نَصِيبًا مِنَ الصَّدَقاتِ، وَهِيَ الزََكاةُ وَمَعْناها الطَّهارَةُ، أَيْ طَهارَةُ الْمالِ ، وَهِيَ فَرْضٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ بالِغٍ عاقِلٍ يمْتَلِكُ نِصابَ الزَّكاة. وَلَأَهَمِّيَتِها اقْتَرَنَتْ بِالصَّلاةِ. قالَ سُبْحانَهُ مُخاطِبًا رَسولَهُ صَلاةُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلامُهْ: "خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِها، الْآيَةَ.
وَسَأَلَ يُونُسُ بْنُ حَبيبٍ النَّحْوِي الْبَصْرْي (ت ١٨٢هج) أَعْرابِيًَا: أَفَقِيرٌ أَنْتَ؟ قَالَ: لا، بَلْ مِسْكِينٌ، فَفَرَّقَ بَيْنَ الْفَقْرِ وَالْمَسْكَنَةِ.
وَقالَ الشّاعِرُ: مِنَ الْبَسِيط (مَجْهُولٌ)
يَسْتَحْسِنُ النّاسُ ما قالَ الْغَنِيُّ وَلا
يَسْتَقْبِحُونَ لَهُ قَوْلًا وَإنْ قَبُحَا
وَيَزْدَرِي النّاسُ مَنْ أَمْسَى أخا عَدَمٍ
مِنْهُمْ وَإنْ كانَ مَنْ يُوزَنُ بِهِمْ رَجَحَا
نَقُولُ: فَقِيرٌ مُعْدِمٌ، أَيْ شَديدُ الْفَقْرِ، وَلا نَقُولُ "مُعْدَمٌ". فَافْهَمُوا ذَلِكَ.
سُئٍلَ حَكِيمُ الْهِنْدِ بُزُرْجِمَهْرُ: أَيُّهُما أَفْضَلُ الْعِلْمُ أَمِ الْمالُ؟ قالَ: الْعِلْمُ، قِيلَ: فَلِماذا نَرَى الْعُلَماءَ عَلَى أَبْوابِ الْأَغْنِياءِ ، وَلا نَرَى الْأَغْنِياءَ عَلَى أَبْوابِ الْعُلَماءِ؟ قالَ: لِجَهْلِ الْأَغْنِياءِ بِقِيمَةِ ما عِنْدَ الْعُلَماءِ، وَمَعْرِفَةِ الْعُلَماءِ بِقيمَةِ ما عِنْدَ الْأَغْنِياءِ.
وَقالَ شاعِرٌ آخَرَ : مِنَ الْكامِلِ. (مَجْهُولٌ)
مَنْ صارَ يَمْلِكُ دِرْهَمَيْنِ تَكَلَّمَتْ
شَفَتاهُ أَنْواعَ الْكَلامِ فَقالَا
وَتَقَدَّمَ الْإخْوانُ فَاسْتَمَعُوا لَهُ
وَرَأَيْتَهُ بَيْنَ الْمَلَإ مُخْتالا
لَوْلا دَراهِمُهُ وَكَثْرَةُ مالِهِ
لَرَأَيْتَهُ أَسْوَأَ الْبَرِيَّةِ حالَا
إنَّ الدَّراهِمَ في الْمَواطِنِ كُلِّها
تَكْسُو الرِّجالَ مَهابَةً وَجَمالا
فَهِيَ الْغِنَى وَهِيَ الشِّفا وَهِيَ الْحَيا
وَهِيَ السِّلاحُ لِمَنْ أَرادَ قِتالا
وَقالَ شاعِرٌ ظَرِيفٌ يَدْعُو رَبَّهُ أنْ لا يُوَسِّعَ عَلَى خَلِيلِهِ مَخافَةَ أنْ يَغْنَى فَيَتْرُكَهُ: مِنْ مَجْزُوءِ الرَّمَل
رَبِّ لا تَغْذُ بِوُسْعِ الرِّ = زْقِ إلْفِي. وَخَلِيلِي
وَاغْذُهُ ما عاشَ بِالْقُو = تِ وَالرِّزْقِ الْقَلِيلِ
خَوْفًا أنُ يُبْلِغَهُ الْمالُ = إلى طَبْعِ الْمَلُولِ
أَوْ يَرانِي بَعْدَ إجْلَا = لٍ بِعَيْنِ الْمُسْتَطِيلِ
أَوْ يَغُضَّ طَرْفَهُ دُو = نِي بِالْجَفُنِ الثَّقِيلِ
أوْ يُخَلِّينِي وَراءَ البا = بِ كَالْعَبْدِ الذَّليلِ
فَإِذا اسْتَأْذَنْتُ قالُوا = جِئْتَ في وَقُتِ الٍمَقِيلِ
وَادَّخِرِ الْباقي لَهًُ عِنْ = دَكَ لِلْيَوْمِ الْجَلِيلِ
لَمْ أَقْرَأْ مِثْلَ هذا الدُّعاءِ الّذي جاءَ عَنْ مَحَبَّةٍ، لِتَبْقَى الصَّداقَةُ قَوِيَّةً، خَوْفَ أَنْ يُفْسِدُها الْمال.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...