ظلم عقد الثمانينات من الناحية التوثيقية ولم يحظى بذات الزخم الذي ذكرت به العقود الأربعة التي سبقته، وبرغم أنه شهد الكثير من التحولات السياسية والإقتصادية إلاّ أن المجتمع لم يكن بمعزلٍ عنها لكنه كان في نفس الوقت مثقلاً بالأحداث التي شهدها من قبل والتي استمرت في التدرج ككرة الثلج..
فشهدت الثمانينات موجاتٍ مختلفة وأزماتٍ معيشية وثقافية أيضاً غيرت في ذوق الناس وأطباعهم وتقبلهم لما رفضوه سابقاً، وبدأت منها ما اصطلح على تسميته في مصر ب(أفلام المقاولات) والتي قدمت نتاجاً رديئاً وتراجعاً في القيمة والمضمون ولغة الحوار والأفكار وبداية الإنجراف الكامل تجاه (معايير السوق) وظهر معها بالتوازي شكلٌ مختلف من (الغناء الشعبي) وما تحول لاحقاً إلى (الأغنية الشبابية) والتي كانت عبارة عن تجارب تتسم بالهبوط والتخبط وعدم وجود شكل موسيقي محدد لها، وفي نفس الوقت شهدت بداية الأسماء التي تتصدر الساحة الغنائية اليوم والتي انحسر الضوء عن أغلبها واستمر منها أسماءٌ قليلة، لكن ظل هناك بعض الأسماء الوازنة من الجيل الذهبي والتي كانت تنتقي ظهورها وأعمالها من وقت لآخر كالموسيقار محمد عبد الوهاب وبليغ حمدي ووردة وكانت الثمانينات أيضاً محطة للعديد من الأعمال الهامة في الذاكرة المصرية والعربية على مختلف الأصعدة لملامستها القيم الإنسانية ومشكلات الطبقة الوسطى والذي سيؤدي تغيير نمطها إلى تراجعها لاحقاً لسنوات..
أما في سوريا فكانت بداية التأسيس المتين للدراما السورية والتي ستبدأ بالإنتشار بشكلٍ تدريجي من نهاية الثمانينات وبداية التسعينات لتصل لاحقاً إلى مختلف الدول العربية بأعمال تقوم على البطولة الجماعية والنابعة من حياة الناس، إلى جانب تفوقها عربياً في إنجاز الأعمال التاريخية من حيث الأداء والمعالجة والإخراج ودقة التفاصيل والتمكن من اللغة العربية الفصحى دون إعطائها نغمة أي لهجة محلية والتي خلقت مصداقيةً لها وجعلت المشاهد يعود إلى متابعتها بعد عزوفه عنها في أعمال كثيرة مثل (الزير سالم وملوك الطوائف وربيع قرطبة) والكثير غيرها والتي كان أغلبها من إخراج الممثل والمخرج السوري الراحل حاتم علي، دون أن ننسى عدة أعمال كلاسيكية في السينما والمسرح السوري والتي كان ينقصها الدعم وتحدها الرقابة على الموضوعات والحوار الذي شهد أيضاً عدة محاولات للتحايل عليها وانتقاد الوضع العام وإن كان بشكل خجول أحياناً لكنها لم تمر مرور الكرام لدى الجماهير وكانت محل تقديرهم..
وفي لبنان برغم ظروف الحرب الأهلية اللبنانية إلاّ أن عقد الثمانينات كان العقد الذهبي للأغنية اللبنانية وشهد انتاج أهم الأعمال الفنية، وبرغم الكثير من المشاكل التي طبعت تلك الفترة إلا أن تقديم أعمالٍ اجتماعية معاصرة أو مستوحاة من الأدب العالمي باللغة العربية الفصحى كان مميزاً جدا، رغم أن السبب الرئيسي ورائه هو تسويق الأعمال للعرض في الدول العربية مع أسماء محايدة للشخصيات بعيداً عن أي دلالة دينية أو طائفية، وهو ما كان يمتاز بالجمال والرقي والتمتع بسماع اللغة العربية إلى جانب الكثير من الأعمال باللهجة اللبنانية أيضاً..
وكان الوضع الفني في الأردن أيضاً في حالة صعود وازدهار حتى توقف تدريجياً مع مطلع التسعينات لتأثره بالكثير من المتغيرات في المنطقة، لكنه شهد لسنوات طفرة وجرأة نقدية غير مسبوقة عربياً في المسرح الأردني السياسي والذي تعرض لضغوطات عديدة لإيقافه والتي امتدت تقريباً حتى المنتصف الأول للتسعينات، وشهد تجسيد سياسيين ورؤساء من مختلف الدول بشكل مباشر وصريح وبحضور ملك الأردن الحسين بن طلال آنذاك لمشاهدة العرض مباشرةً، وعرف بأيقوناته من الممثلين كهشام يانس ونبيل صوالحة والفنانة أمل الدباس..
كما شهدت أيضاً تونس والمغرب محاولات ٍ جادة لصناعة هوية فنية وثقافية خاصة بهما خارج أطر التجارب في بقية الدول العربية، والتي كان بعضها موفقاً وبعضها غارقاً في محاكاة التجارب الفرنسية والأوروبية، ولكن ذلك لا يعني بتاتاً عدم وجود بصمة خاصة بهما ستنمو تدريجياً وتحقق حضوراً لافتاً وبارزاً في العديد من المحافل الدولية لتشكل محطة لكثيرٍ من الوجوه العربية لتصنع انتشاراً أكبر وأوسع في أوروبا كونها حافظت على شكلها التراثي ومزجته بحرفية التنفيذ والذي سيتخذ في التسعينات شكلاً أكثر وضوحا ً وحضوراً سيصنع العديد من الكلاسيكيات في الذاكرة التونسية والمغربية سواءاً كان ذلك على المستوى السينمائي أو المسرحي، وقد تزامنت التسعينات في الجزائر مع مرحلة مظلمة من تاريخ البلاد عرفت بالعشرية السوداء والتي تفشت فيها الجماعات المتطرفة والإرهابية وهي ما عطل الحركة الثقافية والإجتماعية فيها فأخذت بعض الوقت لتعود إلى طبيعتها..
وبشكلٍ عام كان ظهور جميع الموجات في بلادنا مرتبطاً بالظروف السياسية والإقتصادية ارتباطاً وثيقاً وشهدت مجتمعاتنا بشكلٍ متفاوت حراكاً فكرياً وصراعاً مع مقص الرقيب خلال الثمانينات، وهو ما استمر مع درجةٍ أكثر مرونة مع بداية التسعينات والتي شهدت انفراجاً جزئياً، وقد لا يصدق بعضنا عند العودة بذاكرته إلى الوراء أن كثيراً من الكلاسيكيات والإصدارات الهامة تمت خلالها وكان فيها مساحة أكبر للنقد البناء وطرح الأسئلة أيضاً في مختلف بلادنا مع تجارب لافتة في مصر مثل مسرحية ( ع الرصيف) للمخرج الراحل جلال الشرقاوي والممثلة الراحلة سهير البابلي وبصمات عديدة في السينما سمحت بانتقاد الكثير من المظاهر واتسمت بقوة الحوار الذي يصعب كتابته اليوم في أفلام مثل (زوجة رجل مهم) للمخرج الراحل محمد خان..
وتزامن عقد التسعينيات مع المرحلة الأخيرة لتقديم أعمال كارتونية مدبلجة ذات قيمة على مستوى الدوبلاج أو الأداء أو الموضوع أو الصورة، ليحل محلها فراغٌ كبير لم يتم ملؤه حتى الآن وهو ما أثر على نشئة الجيل الحالي، وشاهد الكثير من الكارتون السطحي والخالي من جمال الصورة مقارنةً بأعمال مستوحاة من الأدب العالمي في طفولتنا، ولكن ليس هذا كل شيء فشهد هذا العقد غزو الثقافة الأمريكية ليس فقط من خلال الإعلام والفنون إنما أيضاً من خلال مطاعم الوجبات السريعة وانتشار المتاجر الكبرى و(السوبرماركت) إلى جانب مظاهر أخرى كإنتشار إرتداء (الجينز) للرجال والنساء على حدٍ سواء عدا عن رواج النوع الممزق منه خصوصاً بين الشباب والمراهقين والذي كان جزءًا من الجو العام و(الإقبال على الحياة) المتمثلة في ألعاب الفيديو والحفلات الصاخبة وتحول نجوم مثل مايكل جاكسون ومادونا إلى ظاهرة عالمية يتابعها الشباب سواءاً كان من خلال أعمالهم وسلوكهم وتتبع أخبارهم وارتداء ملابس تحمل صورهم، والتي تزامنت مع تقليد العديد من الأسماء العربية لهما والذي انقسم الموقف حياله بين مؤيد ومعارض، كما أصبحت السينما الأمريكية جزءًا ثابتاً من خريطة البرامج في محطات التلفزة المحلية والتي قدمت للمشاهدين حول العالم قيماً جديدة ومختلفة لم يكن متعارفاً عليها والتي لم يقبلها المجتمع في البداية وظلت بالنسبة إليه تحدث هناك..في أمريكا البعيدة عنه وليست في وطنه..
كما شهدت بداية التسعينات انطلاقاً للبث الفضائي للكثير من الدول العربية وشهد أيضاً وصول بث شبكة (سي إن إن) الإخبارية الأمريكية وقناة فرنسية كان اسمها في ذلك الوقت (CFI) والتي كانت تقدم مختارات من القنوات الفرنسية المحلية والتي تم اقصاؤها عن البث لتحل محلها قناة (TV5MONDE)، وكانت بداية البث الفضائي بمثابة حدثٍ مفصلي بدأ معه تغير فكر المجتمع وثقافته بشكلٍ تدريجي، فبرغم وجود الكثير من الأفلام التي تناولت الكثير من المحظورات إلا أن التلفاز كان يتسم ببرامجه المحافظة محلياً والتي كانت تقوم بحذف أي مشهد يتعارض مع حدود الرقابة فيما كانت تسمح للمسلسلات الأمريكية بهامش حرية أكبر، ولكن ظلت هناك رغم وجوده مسافة بينها وبين المشاهد، ولم ينكسر هذا الحاجز سوى بعد بداية عرض المسلسلات المكسيكية واللاتينية المدبلجة باللغة العربية الفصحى عبر الأردن ولبنان والتي كانت مصدر رزق بالنسبة للكثير من الفنانين في كلا البلدين بعد الكساد الكبير الذي حصل مع بداية هذا العقد، وكانت هذه الأعمال كما هو معروف للجميع قائمة على عدد الحلقات الطويلة وتتسم أحداثها بفوضى في العلاقات الجنسية والإنجاب بدون زواج، وحتى أنها قدمت (زنى المحارم) في الكثير من المسلسلات وهو ما شكل صدمة للمشاهد وكان أيضاً عامل جذب له في الوقت الذي كانت فيه كل هذه المواضيع ممنوعة ضمن الإنتاجات المحلية، ولا شك أن هذه الأعمال سهلت إلى جانب العديد من العوامل في تغير بنية المجتمع وتركيبته وقيمه وأفكاره..وهو ما سيستمر عرضه ضمن سلسلة (القبح والجمال) في مقالات قادمة بشكل متسلسل وتصاعدي..
خالد جهاد..
فشهدت الثمانينات موجاتٍ مختلفة وأزماتٍ معيشية وثقافية أيضاً غيرت في ذوق الناس وأطباعهم وتقبلهم لما رفضوه سابقاً، وبدأت منها ما اصطلح على تسميته في مصر ب(أفلام المقاولات) والتي قدمت نتاجاً رديئاً وتراجعاً في القيمة والمضمون ولغة الحوار والأفكار وبداية الإنجراف الكامل تجاه (معايير السوق) وظهر معها بالتوازي شكلٌ مختلف من (الغناء الشعبي) وما تحول لاحقاً إلى (الأغنية الشبابية) والتي كانت عبارة عن تجارب تتسم بالهبوط والتخبط وعدم وجود شكل موسيقي محدد لها، وفي نفس الوقت شهدت بداية الأسماء التي تتصدر الساحة الغنائية اليوم والتي انحسر الضوء عن أغلبها واستمر منها أسماءٌ قليلة، لكن ظل هناك بعض الأسماء الوازنة من الجيل الذهبي والتي كانت تنتقي ظهورها وأعمالها من وقت لآخر كالموسيقار محمد عبد الوهاب وبليغ حمدي ووردة وكانت الثمانينات أيضاً محطة للعديد من الأعمال الهامة في الذاكرة المصرية والعربية على مختلف الأصعدة لملامستها القيم الإنسانية ومشكلات الطبقة الوسطى والذي سيؤدي تغيير نمطها إلى تراجعها لاحقاً لسنوات..
أما في سوريا فكانت بداية التأسيس المتين للدراما السورية والتي ستبدأ بالإنتشار بشكلٍ تدريجي من نهاية الثمانينات وبداية التسعينات لتصل لاحقاً إلى مختلف الدول العربية بأعمال تقوم على البطولة الجماعية والنابعة من حياة الناس، إلى جانب تفوقها عربياً في إنجاز الأعمال التاريخية من حيث الأداء والمعالجة والإخراج ودقة التفاصيل والتمكن من اللغة العربية الفصحى دون إعطائها نغمة أي لهجة محلية والتي خلقت مصداقيةً لها وجعلت المشاهد يعود إلى متابعتها بعد عزوفه عنها في أعمال كثيرة مثل (الزير سالم وملوك الطوائف وربيع قرطبة) والكثير غيرها والتي كان أغلبها من إخراج الممثل والمخرج السوري الراحل حاتم علي، دون أن ننسى عدة أعمال كلاسيكية في السينما والمسرح السوري والتي كان ينقصها الدعم وتحدها الرقابة على الموضوعات والحوار الذي شهد أيضاً عدة محاولات للتحايل عليها وانتقاد الوضع العام وإن كان بشكل خجول أحياناً لكنها لم تمر مرور الكرام لدى الجماهير وكانت محل تقديرهم..
وفي لبنان برغم ظروف الحرب الأهلية اللبنانية إلاّ أن عقد الثمانينات كان العقد الذهبي للأغنية اللبنانية وشهد انتاج أهم الأعمال الفنية، وبرغم الكثير من المشاكل التي طبعت تلك الفترة إلا أن تقديم أعمالٍ اجتماعية معاصرة أو مستوحاة من الأدب العالمي باللغة العربية الفصحى كان مميزاً جدا، رغم أن السبب الرئيسي ورائه هو تسويق الأعمال للعرض في الدول العربية مع أسماء محايدة للشخصيات بعيداً عن أي دلالة دينية أو طائفية، وهو ما كان يمتاز بالجمال والرقي والتمتع بسماع اللغة العربية إلى جانب الكثير من الأعمال باللهجة اللبنانية أيضاً..
وكان الوضع الفني في الأردن أيضاً في حالة صعود وازدهار حتى توقف تدريجياً مع مطلع التسعينات لتأثره بالكثير من المتغيرات في المنطقة، لكنه شهد لسنوات طفرة وجرأة نقدية غير مسبوقة عربياً في المسرح الأردني السياسي والذي تعرض لضغوطات عديدة لإيقافه والتي امتدت تقريباً حتى المنتصف الأول للتسعينات، وشهد تجسيد سياسيين ورؤساء من مختلف الدول بشكل مباشر وصريح وبحضور ملك الأردن الحسين بن طلال آنذاك لمشاهدة العرض مباشرةً، وعرف بأيقوناته من الممثلين كهشام يانس ونبيل صوالحة والفنانة أمل الدباس..
كما شهدت أيضاً تونس والمغرب محاولات ٍ جادة لصناعة هوية فنية وثقافية خاصة بهما خارج أطر التجارب في بقية الدول العربية، والتي كان بعضها موفقاً وبعضها غارقاً في محاكاة التجارب الفرنسية والأوروبية، ولكن ذلك لا يعني بتاتاً عدم وجود بصمة خاصة بهما ستنمو تدريجياً وتحقق حضوراً لافتاً وبارزاً في العديد من المحافل الدولية لتشكل محطة لكثيرٍ من الوجوه العربية لتصنع انتشاراً أكبر وأوسع في أوروبا كونها حافظت على شكلها التراثي ومزجته بحرفية التنفيذ والذي سيتخذ في التسعينات شكلاً أكثر وضوحا ً وحضوراً سيصنع العديد من الكلاسيكيات في الذاكرة التونسية والمغربية سواءاً كان ذلك على المستوى السينمائي أو المسرحي، وقد تزامنت التسعينات في الجزائر مع مرحلة مظلمة من تاريخ البلاد عرفت بالعشرية السوداء والتي تفشت فيها الجماعات المتطرفة والإرهابية وهي ما عطل الحركة الثقافية والإجتماعية فيها فأخذت بعض الوقت لتعود إلى طبيعتها..
وبشكلٍ عام كان ظهور جميع الموجات في بلادنا مرتبطاً بالظروف السياسية والإقتصادية ارتباطاً وثيقاً وشهدت مجتمعاتنا بشكلٍ متفاوت حراكاً فكرياً وصراعاً مع مقص الرقيب خلال الثمانينات، وهو ما استمر مع درجةٍ أكثر مرونة مع بداية التسعينات والتي شهدت انفراجاً جزئياً، وقد لا يصدق بعضنا عند العودة بذاكرته إلى الوراء أن كثيراً من الكلاسيكيات والإصدارات الهامة تمت خلالها وكان فيها مساحة أكبر للنقد البناء وطرح الأسئلة أيضاً في مختلف بلادنا مع تجارب لافتة في مصر مثل مسرحية ( ع الرصيف) للمخرج الراحل جلال الشرقاوي والممثلة الراحلة سهير البابلي وبصمات عديدة في السينما سمحت بانتقاد الكثير من المظاهر واتسمت بقوة الحوار الذي يصعب كتابته اليوم في أفلام مثل (زوجة رجل مهم) للمخرج الراحل محمد خان..
وتزامن عقد التسعينيات مع المرحلة الأخيرة لتقديم أعمال كارتونية مدبلجة ذات قيمة على مستوى الدوبلاج أو الأداء أو الموضوع أو الصورة، ليحل محلها فراغٌ كبير لم يتم ملؤه حتى الآن وهو ما أثر على نشئة الجيل الحالي، وشاهد الكثير من الكارتون السطحي والخالي من جمال الصورة مقارنةً بأعمال مستوحاة من الأدب العالمي في طفولتنا، ولكن ليس هذا كل شيء فشهد هذا العقد غزو الثقافة الأمريكية ليس فقط من خلال الإعلام والفنون إنما أيضاً من خلال مطاعم الوجبات السريعة وانتشار المتاجر الكبرى و(السوبرماركت) إلى جانب مظاهر أخرى كإنتشار إرتداء (الجينز) للرجال والنساء على حدٍ سواء عدا عن رواج النوع الممزق منه خصوصاً بين الشباب والمراهقين والذي كان جزءًا من الجو العام و(الإقبال على الحياة) المتمثلة في ألعاب الفيديو والحفلات الصاخبة وتحول نجوم مثل مايكل جاكسون ومادونا إلى ظاهرة عالمية يتابعها الشباب سواءاً كان من خلال أعمالهم وسلوكهم وتتبع أخبارهم وارتداء ملابس تحمل صورهم، والتي تزامنت مع تقليد العديد من الأسماء العربية لهما والذي انقسم الموقف حياله بين مؤيد ومعارض، كما أصبحت السينما الأمريكية جزءًا ثابتاً من خريطة البرامج في محطات التلفزة المحلية والتي قدمت للمشاهدين حول العالم قيماً جديدة ومختلفة لم يكن متعارفاً عليها والتي لم يقبلها المجتمع في البداية وظلت بالنسبة إليه تحدث هناك..في أمريكا البعيدة عنه وليست في وطنه..
كما شهدت بداية التسعينات انطلاقاً للبث الفضائي للكثير من الدول العربية وشهد أيضاً وصول بث شبكة (سي إن إن) الإخبارية الأمريكية وقناة فرنسية كان اسمها في ذلك الوقت (CFI) والتي كانت تقدم مختارات من القنوات الفرنسية المحلية والتي تم اقصاؤها عن البث لتحل محلها قناة (TV5MONDE)، وكانت بداية البث الفضائي بمثابة حدثٍ مفصلي بدأ معه تغير فكر المجتمع وثقافته بشكلٍ تدريجي، فبرغم وجود الكثير من الأفلام التي تناولت الكثير من المحظورات إلا أن التلفاز كان يتسم ببرامجه المحافظة محلياً والتي كانت تقوم بحذف أي مشهد يتعارض مع حدود الرقابة فيما كانت تسمح للمسلسلات الأمريكية بهامش حرية أكبر، ولكن ظلت هناك رغم وجوده مسافة بينها وبين المشاهد، ولم ينكسر هذا الحاجز سوى بعد بداية عرض المسلسلات المكسيكية واللاتينية المدبلجة باللغة العربية الفصحى عبر الأردن ولبنان والتي كانت مصدر رزق بالنسبة للكثير من الفنانين في كلا البلدين بعد الكساد الكبير الذي حصل مع بداية هذا العقد، وكانت هذه الأعمال كما هو معروف للجميع قائمة على عدد الحلقات الطويلة وتتسم أحداثها بفوضى في العلاقات الجنسية والإنجاب بدون زواج، وحتى أنها قدمت (زنى المحارم) في الكثير من المسلسلات وهو ما شكل صدمة للمشاهد وكان أيضاً عامل جذب له في الوقت الذي كانت فيه كل هذه المواضيع ممنوعة ضمن الإنتاجات المحلية، ولا شك أن هذه الأعمال سهلت إلى جانب العديد من العوامل في تغير بنية المجتمع وتركيبته وقيمه وأفكاره..وهو ما سيستمر عرضه ضمن سلسلة (القبح والجمال) في مقالات قادمة بشكل متسلسل وتصاعدي..
خالد جهاد..