و أنا أبحث عن بعض القضايا لها علاقة بالبيئة في الشبكة العنكبوتية، عثرتُ على موضوعٍ لطالما أوليتُه اهتماما كبيراً سواءً كمتخصِّصٍ في مجال التَّربية البيئية أو كرئيسٍ للجمعية المغربية لحماية البيئة. إنه موضوعُ التَّحسيس و التَّوعية البيئان. و الأمر يتعلَّقُ هنا باستراتيجيةٍ تهدف إلى تحسيس الجماعات البشرية حول المشكلات البيئية. استراتيجية مُوجَّهةٌ للعموم و للأطفال المُتمَدرَسين.
و أنا مُنهمِكٌ في قراءة هذه الاستراتيجية، أثار انتباهي بعضُ الكلمات و الجُمل التي تتطلَّبُ مزيدا من التَّمحيصِ. و بعد تحليلٍ متريثٍ، اتَّضحَ لي أن كاتِبَ هذه الاستراتيجية لم يكن دقيقاً في استعمال هذه الكلمات و بناء هذه الجُمل. و هذا يعني أنه، إذا لم يتم التَّدقيق في استعمال كلماتِ و بناء جُملِ هذه الاستراتيجية لتبليغ رسالةٍ أو رسائل ما، فإن النَّصَّ الحامل لهذه الأخيرة قد يُفرَغُ من محتواه.
بعد قراءةٍ متأنِّيةٍ للاستراتيجية بأكملها، لاحظتُ أنها مليئةٌ بالتَّناقضات و بالانزلاقات البيداغوجية، الفكرية و المعرفية. كي لا يكونَ نقدُ هذه الاستراتيجية طويلاً، اخترتُ، من بين هذه التَّناقضات و الانزلاقات، المقطعين التاليين. يقول كاتبُ الاستراتيجية :
-ترويج promouvoir أخلاقيات éthique بيئية حقيقية.
-يمثِّلُ الطفلُ "مادَّةً خام" و "طَيِّعة" و له القدرة حتى على اكتساب ردودَ فعلٍ لاإرادية.
و فيما يلي، سأنتقد، بالتَّتالي، هذين المقطعين فكريا، علميا و بيداغوجيا.
1.ترويج أخلاقيات بيئية حقيقية
في أول الأمر، يجب التذكيرُ بأن الأخلاقيات ليست علما دقيقا. ما يمكن قولُه في شأنها أنها، على الأرجح، نِتاجٌ لتفكيرٍ يسعى إلى إعطاءِ أهمِّية لقِيمٍ من شأنِها أن تساعِد على إرساء ما فيه خيرٌ لأعضاء مجموعةٍ ما أو بنيةٍ ما أو مجتمعٍ ما، الخ.
و يمكن القولُ بأن الأخلاقيات هي شكلٌ من أشكال الفكر الذي يُنتِج معرفةً نظريةً من شأنها أن تُمكِّنَ أعضاءَ جماعةٍ ما من التَّعايش و التَّساكن. و في هذا الصَّدد، تجذر الإشارة إلى ضرورة طرحِ السؤال التالي : "هل هناك أخلاقياتٌ أكثرَ حقيقةً من أخلاقيات أخرى؟" أو بالأحرى، "هل بإمكاننا الحديثُ عن أخلاقياتٍ حقيقية؟" علماً أن المعرفةَ الناتِجة عن الفكر الأخلاقياتي هي معرفةٌ ذاتيةٌ و نسبة.
ذاتية لأنها من إنتاج كائن بشري متموقعٍ تاريخيا و اجتماعيا و بالتالي، إن هذا الكائن لا يمكن أن يتجرَّدَ من ذاتيتِه حينَ إنتاجِه لهذه المعرفة.
نسبة لأن المعرفةَ تم إنتاجُها في زمن مُعيَّن و في وسط معيَّن يتميَّزُ بظروفٍ معيَّنة. و لهذا، فالمعرفةُ المُنتجَة تتأثَّر، في نفس الوقت، بذاتية المنتِج و بظروف الوسط الذي يتم به الإنتاج. اللهمَّ إن استطاع المُنتِجُ (و هذا شيء مُستبعدٌ) أن يتخلَّصَ من ذاتيتِه و أن ينقطعَ عن وسطِه لحظَةَ إنتاجِه للمعرفة. و هنا، لا بد من الإشارة أن نفسَ المعرفة، إذا كانت مقبولةً في فترةٍ زمنية معيَّنة، قد لا تُقبلُ في فترة زمنية أخرى و هو الشيء المرجَّحُ.
و لهذا، فالحديثُ عن " أخلاقيات بيئية حقيقية" شيءٌ مجانبٌ للصواب. و من جهة أخرى، هل لدينا وسيلةٌ قطعيةٌ تُمكِّننا من التَّحقُّقِ من حقيقة أخلاقيات ما؟ بكل بساطةٍ، هذه الوسيلة غير موجودة! اللهم إذا كانت هناك أخلاقياتٌ بيئيةٌ مُطلقة (أي مستقلة عن الزمان و المكان) التي تفرض نفسَها على الأشخاص و تُعتبَرُ مرجعاً للأخلاقيات الأخرى.
لا داعيَ للقول أنه، بالنسبة للقارئ غير المُدرك للأمور و المُستهدف من طرف هذه الاستراتيجية، هناك "الأخلاقيات" (ب أل التَّعريف) و ليس "أخلاقيات" من ضمن أخلاقيات أخرى. في هذه الحالة، فإن القارئَ غير المُدرك للأمور يؤمن قطعاً بما يقوله كاتِبُ الاستراتيجية و بالتالي، لن يكلِّفَ نفسَه عناءَ الإدلاء برأيه أو القيام بنقد لمستوى هذه الأخيرة. حينها، تصبح الاستراتيجية عبارةً عن مجموعة وًصَفَات عِوض أن تكونَ تحفيزاً لإيقاظ وعيٍ مستنيرٍ. و عوض أن تكونَ تحفيزاً يقود لتربية بيئية هادفة، فإنها تتحوَّل إلى عقيدة dogme تحرم القارئَ من استعمال قدراته الفكرية.
2.يمثِّلُ الطفلُ "مادَّةً خام" و "طَيِّعة" و له القدرة حتى على اكتساب ردود فعلٍ لاإرادية.
بالنسبة للكاتِب، الطفلُ عبارة عن "مادَّةٍ خام" بمعنى أن دماغَه هو الآخر يوجد في حالةٍ خامة. ما يمكن إدراكُه من ما قاله الكاتبُ هو أن هذا الدماغَ لم يسبق له أن تأثَّر من جراء فِعلِ العوامل الخارجية أو، بعبارة أخرى، هو دماغٌ بِكرٌ، أي على أتمِّ الاستعداد للتَّشرُّبِ بما تنقلُه الاستراتيجية من رسائل. و يضيفُ الكاتبُ أن هذه "المادة الخام" "طيِّعةٌ" بمعنى أنه لن تكونَ هناك صعوبات لحقنها بمعارف الاستراتيجية.
و طِبقا للمنطق الذي سار عليه الكاتبُ، فإن الطفلَ، أي المتعلِّم، ليس له أية فكرة (تمثُّلٌ) عن العالم المحيط به. و كأنه يعيش في وسطٍ لا تربطُه به أية علاقةٍ. و بعبارة أخرى، لا يتمثَّل بأي وجه من الوجوه العالمَ الذي يتطوَّر و يعيش فيه.
فعندما يُدلي الكاتبُ بهذه المزاعيم، فإنه يرى الأمورَ من منظورٍ بيهافيوري behavioriste الذي ينفي وجودَ التمثُّلات العفوية représentations spontanées. فخِطابُ الكاتبِ، عندما يتعلَّق الأمرُ بالمتعلِّمين، مؤسَّسٌ على بيداغوجيا بيهافيورية حيث يكفي الوصولُ إلى "المادة الخام" و تنشيطها لتستوعبَ، بكونها "طيِّعة"، الرسائل التي تنقلها الاستراتيجية.
و هذا يعني أن المتعلِّمَ له استجابات ميكانيكية لأن "له القدرة حتى على اكتساب ردود فعل لاإ ادية". و بما أن هذه الأخيرة لاإرادية، أي مستقلة عن إرادة المتعلِّم، فكيف لهذا المتعلِّم أن يحميَ البيئةَ من غير قصدٍ أو بدون شعورٍ منه؟ إذا كان الأمرُ هكذا، فلا حاجةَ للتَّحسيس. و التحسيسُ البيئي يتمُّ توجيهُه للأشخاص ليصبحوا واعين بوجود المشكلات البيئية و بخطورتِها و ذلك بكيفية إرادية و طوعية.
إن الكاتبَ يتناقض في أقوالِه. إنه يريد (و هذا ليس فيه أدنى شك) أن يصبحَ الناسُ واعين بالمشكلات البيئية، و في نفس الوقت، يجزم بأن هذا الوعيَ يمكن أن يحدثَ من خلال اكتساب ردود فعل لاإرادية! إنه نسيَ أن التَّحسيسَ يتوجَّه لفكر و تمعُّن الأفراد و كل فعل أو عمل يقوم به هؤلاء الأفراد لصالح البيئة هو عملٌ مفكَّرٌ فيه و يقومون به عن طواعيةٍ.
لا أدري كيف كان ينوي الكاتبُ تطبيقَ استراتيجيتِه على أرض الواقع. لأن استرتيجيتَه هذه مليئة بالتناقضات التربوية و النفسية التربوية و كذلك عدم الإلمام بالأمور. إنها ليست دعامةً لتحسيسٍ هادفٍ بل مجموعة من الأفكار التي يعتبرها غير قابلة للنقاش. هذا إن لم نقل مجموعة عقائد dogmes يظن أنها، بمجرد ما تصل إلى الفئات المستهدفة، ستُحدِثُ عندها تغييراتٍ في السلوك والمواقف تجاه البيئة. بالنسبة له، يكفي توجيه مٌنبِّهات لهذه الفئات لتحدُثَ التغييرات علما أن الكاتبَ شطَّبَ كليا على قدراتها الفكرية، على أحاسيسها، على معارفها المُسبقة، الخ.
في الحقيقة، إنها ليست استراتيجية تحسيس لكن محاولة لفرضِ أفكارٍ endoctrinement على الغير يجزم الكاتِبُ أنها ستُحدث ردودَ فعلٍ لاإرادية لصالح البيئة بينما حماية هذه الأخيرة في حاجةٍ إلى ردود فعلٍ متعقِّلة و مُفكَّرٌ فيها. إنها استراتيجية فاقدة للتَّمعُّن و التَّبصُّر البيداغوجيين. فعوض أن تكونَ أداةً تربويةً، فإنها تُمذهِبُ و تُدجِّن.
لو عرض الكاتبُ استرتيجيتَه على الأخصائيين في البيداغوجيا و علم النفس التربوي و الإبستيمولوجيا و علم الاجتماع و علم التواصل قبل نشرِها، لكان عليه إعادةُ صياغتِها من جديد.
و ختاما، إن استعمالَ كلماتٍ و مفاهيمَ بدون التَّمكُّن من مضمونها تفسيراً و تعبيراً و تحليلاً من طرف الكاتبِ أفرغ ما سماه هو "استراتيجية" من محتواها التربوي، التَّحسيسي و البيداغوجي.
و ما يؤسف له هو أن الشبكة العنكبوتية مليئة بمثل هذه الاستراتيجيات و المقالات و النصوص الفارغة من كل معنى و محتوى. و ما يؤسفُ له أكثر هو أنها تجد مَن يتبنَّاها و يعمل بها و يستدلُّ بها و يثمِّنها. إنه نوع آخر من التفاهة التي سبق أن نشرتُ مقالاً في شأنها على صفحتي.
و أنا مُنهمِكٌ في قراءة هذه الاستراتيجية، أثار انتباهي بعضُ الكلمات و الجُمل التي تتطلَّبُ مزيدا من التَّمحيصِ. و بعد تحليلٍ متريثٍ، اتَّضحَ لي أن كاتِبَ هذه الاستراتيجية لم يكن دقيقاً في استعمال هذه الكلمات و بناء هذه الجُمل. و هذا يعني أنه، إذا لم يتم التَّدقيق في استعمال كلماتِ و بناء جُملِ هذه الاستراتيجية لتبليغ رسالةٍ أو رسائل ما، فإن النَّصَّ الحامل لهذه الأخيرة قد يُفرَغُ من محتواه.
بعد قراءةٍ متأنِّيةٍ للاستراتيجية بأكملها، لاحظتُ أنها مليئةٌ بالتَّناقضات و بالانزلاقات البيداغوجية، الفكرية و المعرفية. كي لا يكونَ نقدُ هذه الاستراتيجية طويلاً، اخترتُ، من بين هذه التَّناقضات و الانزلاقات، المقطعين التاليين. يقول كاتبُ الاستراتيجية :
-ترويج promouvoir أخلاقيات éthique بيئية حقيقية.
-يمثِّلُ الطفلُ "مادَّةً خام" و "طَيِّعة" و له القدرة حتى على اكتساب ردودَ فعلٍ لاإرادية.
و فيما يلي، سأنتقد، بالتَّتالي، هذين المقطعين فكريا، علميا و بيداغوجيا.
1.ترويج أخلاقيات بيئية حقيقية
في أول الأمر، يجب التذكيرُ بأن الأخلاقيات ليست علما دقيقا. ما يمكن قولُه في شأنها أنها، على الأرجح، نِتاجٌ لتفكيرٍ يسعى إلى إعطاءِ أهمِّية لقِيمٍ من شأنِها أن تساعِد على إرساء ما فيه خيرٌ لأعضاء مجموعةٍ ما أو بنيةٍ ما أو مجتمعٍ ما، الخ.
و يمكن القولُ بأن الأخلاقيات هي شكلٌ من أشكال الفكر الذي يُنتِج معرفةً نظريةً من شأنها أن تُمكِّنَ أعضاءَ جماعةٍ ما من التَّعايش و التَّساكن. و في هذا الصَّدد، تجذر الإشارة إلى ضرورة طرحِ السؤال التالي : "هل هناك أخلاقياتٌ أكثرَ حقيقةً من أخلاقيات أخرى؟" أو بالأحرى، "هل بإمكاننا الحديثُ عن أخلاقياتٍ حقيقية؟" علماً أن المعرفةَ الناتِجة عن الفكر الأخلاقياتي هي معرفةٌ ذاتيةٌ و نسبة.
ذاتية لأنها من إنتاج كائن بشري متموقعٍ تاريخيا و اجتماعيا و بالتالي، إن هذا الكائن لا يمكن أن يتجرَّدَ من ذاتيتِه حينَ إنتاجِه لهذه المعرفة.
نسبة لأن المعرفةَ تم إنتاجُها في زمن مُعيَّن و في وسط معيَّن يتميَّزُ بظروفٍ معيَّنة. و لهذا، فالمعرفةُ المُنتجَة تتأثَّر، في نفس الوقت، بذاتية المنتِج و بظروف الوسط الذي يتم به الإنتاج. اللهمَّ إن استطاع المُنتِجُ (و هذا شيء مُستبعدٌ) أن يتخلَّصَ من ذاتيتِه و أن ينقطعَ عن وسطِه لحظَةَ إنتاجِه للمعرفة. و هنا، لا بد من الإشارة أن نفسَ المعرفة، إذا كانت مقبولةً في فترةٍ زمنية معيَّنة، قد لا تُقبلُ في فترة زمنية أخرى و هو الشيء المرجَّحُ.
و لهذا، فالحديثُ عن " أخلاقيات بيئية حقيقية" شيءٌ مجانبٌ للصواب. و من جهة أخرى، هل لدينا وسيلةٌ قطعيةٌ تُمكِّننا من التَّحقُّقِ من حقيقة أخلاقيات ما؟ بكل بساطةٍ، هذه الوسيلة غير موجودة! اللهم إذا كانت هناك أخلاقياتٌ بيئيةٌ مُطلقة (أي مستقلة عن الزمان و المكان) التي تفرض نفسَها على الأشخاص و تُعتبَرُ مرجعاً للأخلاقيات الأخرى.
لا داعيَ للقول أنه، بالنسبة للقارئ غير المُدرك للأمور و المُستهدف من طرف هذه الاستراتيجية، هناك "الأخلاقيات" (ب أل التَّعريف) و ليس "أخلاقيات" من ضمن أخلاقيات أخرى. في هذه الحالة، فإن القارئَ غير المُدرك للأمور يؤمن قطعاً بما يقوله كاتِبُ الاستراتيجية و بالتالي، لن يكلِّفَ نفسَه عناءَ الإدلاء برأيه أو القيام بنقد لمستوى هذه الأخيرة. حينها، تصبح الاستراتيجية عبارةً عن مجموعة وًصَفَات عِوض أن تكونَ تحفيزاً لإيقاظ وعيٍ مستنيرٍ. و عوض أن تكونَ تحفيزاً يقود لتربية بيئية هادفة، فإنها تتحوَّل إلى عقيدة dogme تحرم القارئَ من استعمال قدراته الفكرية.
2.يمثِّلُ الطفلُ "مادَّةً خام" و "طَيِّعة" و له القدرة حتى على اكتساب ردود فعلٍ لاإرادية.
بالنسبة للكاتِب، الطفلُ عبارة عن "مادَّةٍ خام" بمعنى أن دماغَه هو الآخر يوجد في حالةٍ خامة. ما يمكن إدراكُه من ما قاله الكاتبُ هو أن هذا الدماغَ لم يسبق له أن تأثَّر من جراء فِعلِ العوامل الخارجية أو، بعبارة أخرى، هو دماغٌ بِكرٌ، أي على أتمِّ الاستعداد للتَّشرُّبِ بما تنقلُه الاستراتيجية من رسائل. و يضيفُ الكاتبُ أن هذه "المادة الخام" "طيِّعةٌ" بمعنى أنه لن تكونَ هناك صعوبات لحقنها بمعارف الاستراتيجية.
و طِبقا للمنطق الذي سار عليه الكاتبُ، فإن الطفلَ، أي المتعلِّم، ليس له أية فكرة (تمثُّلٌ) عن العالم المحيط به. و كأنه يعيش في وسطٍ لا تربطُه به أية علاقةٍ. و بعبارة أخرى، لا يتمثَّل بأي وجه من الوجوه العالمَ الذي يتطوَّر و يعيش فيه.
فعندما يُدلي الكاتبُ بهذه المزاعيم، فإنه يرى الأمورَ من منظورٍ بيهافيوري behavioriste الذي ينفي وجودَ التمثُّلات العفوية représentations spontanées. فخِطابُ الكاتبِ، عندما يتعلَّق الأمرُ بالمتعلِّمين، مؤسَّسٌ على بيداغوجيا بيهافيورية حيث يكفي الوصولُ إلى "المادة الخام" و تنشيطها لتستوعبَ، بكونها "طيِّعة"، الرسائل التي تنقلها الاستراتيجية.
و هذا يعني أن المتعلِّمَ له استجابات ميكانيكية لأن "له القدرة حتى على اكتساب ردود فعل لاإ ادية". و بما أن هذه الأخيرة لاإرادية، أي مستقلة عن إرادة المتعلِّم، فكيف لهذا المتعلِّم أن يحميَ البيئةَ من غير قصدٍ أو بدون شعورٍ منه؟ إذا كان الأمرُ هكذا، فلا حاجةَ للتَّحسيس. و التحسيسُ البيئي يتمُّ توجيهُه للأشخاص ليصبحوا واعين بوجود المشكلات البيئية و بخطورتِها و ذلك بكيفية إرادية و طوعية.
إن الكاتبَ يتناقض في أقوالِه. إنه يريد (و هذا ليس فيه أدنى شك) أن يصبحَ الناسُ واعين بالمشكلات البيئية، و في نفس الوقت، يجزم بأن هذا الوعيَ يمكن أن يحدثَ من خلال اكتساب ردود فعل لاإرادية! إنه نسيَ أن التَّحسيسَ يتوجَّه لفكر و تمعُّن الأفراد و كل فعل أو عمل يقوم به هؤلاء الأفراد لصالح البيئة هو عملٌ مفكَّرٌ فيه و يقومون به عن طواعيةٍ.
لا أدري كيف كان ينوي الكاتبُ تطبيقَ استراتيجيتِه على أرض الواقع. لأن استرتيجيتَه هذه مليئة بالتناقضات التربوية و النفسية التربوية و كذلك عدم الإلمام بالأمور. إنها ليست دعامةً لتحسيسٍ هادفٍ بل مجموعة من الأفكار التي يعتبرها غير قابلة للنقاش. هذا إن لم نقل مجموعة عقائد dogmes يظن أنها، بمجرد ما تصل إلى الفئات المستهدفة، ستُحدِثُ عندها تغييراتٍ في السلوك والمواقف تجاه البيئة. بالنسبة له، يكفي توجيه مٌنبِّهات لهذه الفئات لتحدُثَ التغييرات علما أن الكاتبَ شطَّبَ كليا على قدراتها الفكرية، على أحاسيسها، على معارفها المُسبقة، الخ.
في الحقيقة، إنها ليست استراتيجية تحسيس لكن محاولة لفرضِ أفكارٍ endoctrinement على الغير يجزم الكاتِبُ أنها ستُحدث ردودَ فعلٍ لاإرادية لصالح البيئة بينما حماية هذه الأخيرة في حاجةٍ إلى ردود فعلٍ متعقِّلة و مُفكَّرٌ فيها. إنها استراتيجية فاقدة للتَّمعُّن و التَّبصُّر البيداغوجيين. فعوض أن تكونَ أداةً تربويةً، فإنها تُمذهِبُ و تُدجِّن.
لو عرض الكاتبُ استرتيجيتَه على الأخصائيين في البيداغوجيا و علم النفس التربوي و الإبستيمولوجيا و علم الاجتماع و علم التواصل قبل نشرِها، لكان عليه إعادةُ صياغتِها من جديد.
و ختاما، إن استعمالَ كلماتٍ و مفاهيمَ بدون التَّمكُّن من مضمونها تفسيراً و تعبيراً و تحليلاً من طرف الكاتبِ أفرغ ما سماه هو "استراتيجية" من محتواها التربوي، التَّحسيسي و البيداغوجي.
و ما يؤسف له هو أن الشبكة العنكبوتية مليئة بمثل هذه الاستراتيجيات و المقالات و النصوص الفارغة من كل معنى و محتوى. و ما يؤسفُ له أكثر هو أنها تجد مَن يتبنَّاها و يعمل بها و يستدلُّ بها و يثمِّنها. إنه نوع آخر من التفاهة التي سبق أن نشرتُ مقالاً في شأنها على صفحتي.