1
كعادتنا، عندما ألتقي صاحبي ورفيق صباي المبكر عبد الباقي عبدالغني في أي مقيل أو مناسبة اجتماعية ما، ننسى صخب المكان ونسرح بعيداً في حديث الذكريات .. ولأنه ذو ذاكرة حية جبارة لم تؤثر بها السنين وراو بارع للأحداث لا تمل سماعه، يكون هو عادة الممسك بزمامه، ولسبب ما لا أتذكره جرنا الحديث في آخر مرة إلى أديب اليمن الكبير الشهيد محمد عبد الولي (وهو بالمناسبة إبن عمه وزوج أخته ) ليسترسل وقد إحتلت الجدية ملامحه البشوشة ولف نبرة صوته التأثر العميق :
عبدالولي لم يكن فحسب كاتباً عظيماً سبق زمانه وفتحت له موهبته الأدبية الإستثنائية أبواب الريادة والمجد ، بل كان عظيماً واستثنائياً في كل شيء ، والحديث عن الجوانب التي لايعرفها عشاق فنه الأدبي الرفيع في شخصيته الفذة قد يطول أياماً ، لكني سأكتفي بحكاية صغيرة كنت شاهداً عليها ولا أنساها أبداً ، أظن في أحداثها ودلالاتها العاصفة مايضيء بعضاً من تلك الجوانب ..
2
تعود الحكاية إلى مطلع عام 1972م المشؤوم ، أي قبل أشهر فقط من استشهاده الفاجع ، وقتها شنت السلطات الحاكمة في صنعاء حملة اعتقالات واسعة استهدفت العديد من الساسة والمثقفين والمناضلين اليساريين على مستوى البلاد كان الكاتب والأديب محمد عبدالولي بين أبرز هم ، فاعتقلته وأودعته سجن القلعة الشهير ومعه رفاق كثر جلبوا من تعز والحديدة وغيرهما وزج بهم مكبلين في زنازينه البشعة ..
كنت حينها تلميذاً في الصف الثاني إعدادي قدم لتوه من الريف، وقبل أن أستوعب صدمة ماحدث وجدت نفسي فجأة ودون سابق إعداد مدعواً لخوض تحد كبير ومغامرة لم تكن بالحسبان، فقد رأى الأهل في صغر سني ميزة أمان تبعد عني الشبهات واختاروني لأكون همزة الوصل مع محمد عبدالولي ورفاقه المعتقلين من أبناء قريته*، لأزورهم بانتظام في المواعيد المحددة وأوصل له ولهم مايحتاجونه من طعام أو ملبس او غيرها من الإحتياجات البسيطة المصرح بها من قبل أدارة السجن ..
ولك أن تتصور مقدار الجزع الذي أصابني به تكليفي بتلك المهمة،كان سماع كلمة "سجن" وحدها كاف ليملأ هواجس صبي غر مثلي بالرعب، فكيف إن كان المقصود سجن "القلعة" الذي تحكى عن مايجري داخل أسواره الهوائل .. لكني بالطبع حرصت بكل السبل على إخفاء مشاعري وترويض مخاوفي وتفادي أية ردة فعل قد تكشف ترددي وتفضحني أمامهم، وفي الخضم قلت لنفسي أنها فرصتك لتثبت للجميع أنك كبرت وأصبحت أهلاً لأن يعتمد عليك ! ..
3
في زيارتي الأولى للسجن كانت الرهبة تغمرني وفرائصي ترتعد خوفاً، خضعت عند البوابة لتفتيش واستجواب دقيق من قبل الحراس، سألوني عن طبيعة علاقتي وصلة قرابتي بمحمد عبدالولي وغرض زيارتي له وأسئلة أخرى كثيرة، بذلت جهداً خارقاً كي أبدو متماسكاً ومقنعاً وأنا أرد عليها، قبل أن يسمح لي بعدها بالدخول ..
كانت البوابة تفضي من الداخل إلى ساحة واسعة يقع في أحد اطرافها مبنى حجري قديم مكون من طابقين بدا طابقه الأسفل بجدرانه الطينية وأرضيتيه الصخرية الترابية الصلبة المشبعة بالعطن أشبه بزرائب الماشية، زنازينه عبارة عن سراديب عميقة معتمة تنظر من بوابتها فلاترى بداخلها سوى الظلام الدامس، تنتهي إلى اصطبلات ودهاليز أرضية ضيقة حشر فيها العشرات من المعتقلين بينهم أربعة من أصلب وأنقى المناضلين الذين أنجبتهم قرية محمد عبدالولي"حارات" ، كنت أطلب أحداً منهم للزيارة لاحقاً ينادي الحارس الواقف عند باب زنزانته بإسمه بصوت عال، فيتلقف الإسم ويكرره مناد ثان في الداخل، أسمع صوته بصعوبة كأنه قادم من مئات الأمتار، أنتظر بعدها لزمن لايقل عن نصف ساعه وقد يطول أحياناً إلى ساعة ليصل المعتقل المطلوب وهو يلهث من التعب والقيود الحديدية التي تثقل قدميه .. بينما تميز الطابق الثاني او الأعلى الذي أنزل فيه عبدالولي وعدد من الشخصيات والوجاهات الاجتماعية الكبيرة بمعايير تلك الأيام، بشروط وظروف اعتقال أخف وطأة نسبياً من حيث الحيز والإضاءة والتهوية ..
كان منظر الطابق الأسفل بزنازينه المرعبة ونظرات سجانيه المرتابة وملامحهم القاسية المتجهمة، قد أيقظ بداخلي مجدداً رهاب المكان وأوقد ما كان قد همد قليلاً من مخاوف، إلا أن بشاشة محمد عبد الولي وهو يحتضنني مرحباً فور لقائي به هدأت كثيراً من روعي ومدتني رباطة جأشه ومعنوياته العالية بقدر عجيب من الثقة والسكينة بدد كل هاجس ..
4
بعد عدة زيارات أصبح الأمر روتينياً، صرت وجهاً مألوفاً لأفراد حراسة السجن يعرفونني بالإسم ، يمازحونني وأمازحهم ولا يتشددون في تفتيشي بل ويتغاضون دون أن يغفلوا مراقبتي حين أضطر احياناً نادرة للتأخر في الداخل بسبب قصر الوقت المتاح والحاجة الملحة لزيارة لأكثر من سجين ..
وفي إحدى المرات حملت معي رسالة خطية لمحمد عبدالولي من إبنته بلقيس تلميذة الصف الثالث الإبتدائي حينها، أحضرها "الطبل" من القرية حيث كانت تقيم مع جدتها بعد وفاة والدتها ، قلت له وأنا أهم بإخراج الرسالة من جيب بنطلوني الخلفي : أحمل لك مفاجأة مبهجة من بلقيس ..
وإذا به يهمس بسرعة بعدما فهم قصدي : لاتخرجها الآن دعها في مكانها ..
لكني كنت قد اخرجتها فعلاً وهممت بمناولتها له إلا أن حارساً كان واقفاً في الجوار يراقب حركاتنا ويسمع مانتحدث عنه كان أسرع مني ومنه فخطفها قبل أن تصل اليه .. صعقت من هول المفاجأة لكن ماصعقني أكثر كان ردة فعل محمد عبد الولي فقد انقض كالصقر على يد العسكري الممسكة بالرسالة صارخاً بغضب :
أعدها فوراً أيها ال"عكفي" البائس ..
لينخرط الإثنان في عراك حقيقي بالأيدي بين شد وجذب ودفع، انتهى بهما الى السقوط والتدحرج معاً الى اسفل الدرج الذي يربط الطابق الثاني بالأول لتقع الرسالة التي كانت قد تحولت الى عجينة ورقية اصابها الكثير من التلف بعيداً عنهما بعدة خطوات، وتصل اليها أولاً يد العسكري لتمكنه من النهوض قبل خصمه المغلولة رجليه بالأصفاد، ففتحها وألقى نظرة سريعة عليها ثم رماها الى الارض ثانيةً وهو يغمغم بعد ان باغتته واربكته مقاومة عبدالولي :
"اشبح" رسالتك واخطى على زنزاتك ياذاك .. ماكان عيضر لو خليتني ابصرها واردها لك بدل هذه الغاغة كلها ..
رد عبدالولي وهو مازال يغلي من الغضب :
انها من ابنتي، ما فيها يخصني وحدي، ولايحق لك أو لغيرك الإطلاع عليه ..
من أحلام إبنتي البسيطة التي سطرتها في رسالتها وانتهكت أنت حصانتها ولوثت نقائها، يبدأ معنى الوطن والإنتماء وإليها ينتهي .. لكن من أين لك أن تفهم ذلك ! .. فلست سوى "عكفي" مسكين لايفقه حقوقه أو حتى يدرك أن له حقوق ! ..
لم يكن مطلقاً يهاب سجانيه، بدا لي لحظتها والأغلال تدمي كاحليه أنه هو المسيطر وهم الذين يهابونه !
استدراك:
((كانت الرسالة عبارة عن بضعة كلمات كتبتها الطفلة بلقيس لتعلم أبيها والسعادة والفخر يملآن قلبها الغض الصغير أنها أصبحت تجيد الكتابة، وتطلب منه أن يرسل لها دفتراً للرسم وأقلاماً ملونة وتعده بكتابة المزيد من الرسائل ..))
-انتهى-
عقيل م. سعيد
---------------
* المناضلون الذي أودعوا حينها سجن "القلعة" بالإضافة الى محمد عبد الولي، من أبناء قريته "حارات":
- عبدالوارث محمد عمر صاحب استوديو التحرير في شارع جمال بتعز وهو مناضل صلب معروف كان محله مفتوحآ دائما لقادة الثوار في عدن والمناضلين في تعز وغيرها ووفر لهم الأمان والدعم عند الحاجة والثاني :
- محمد حزام عنتر وهو قائد نقابي ومناضل يساري بارز في حينه اعتقلته السلطات في الحديدة حيث يقيم ورحلته الى سجن القلعة بصنعاء .
- عبد الكافي محمد عمر ضابط في سلاح المدرعات ، وعضو الحزب الديموقراطي الثوري ..
- هاشم أحمد عمر ، عضو الحزب الديموقراطي الثوري ، وشقيق أبرز قيادات ومؤسسي الحزب المناضل سلطان أحمد عمر .
****
سجن القلعة
كتب الصديق Aqeel M Saeed ، مروية منقولة عن صديقه عبدالباقي عبدالغني ، عن زيارة للأخير للشهيد محمد احمد عبدالولي ، بعد إعتقاله مع عشرات من رفاقه في سجن القلعة بصنعاء .
استشهد الروائي والمناضل محمد عبدالولي مع عدد من الدبلوماسيين وكوادر وزارة الخارجية ، في حادث سقوط طائرة في 30ابريل 1973م ، مابين المحافظتين الرابعة (شبوة) والخامسة (حضرموت) .
احد المعتقلين هو زميلي في مصلحة الجمارك وصديقي هاشم احمد عمر ، الرفيق الهادئ النبيل ، الذي اعيد اعتقاله مع مئات من أعضاء الحزب الديمقراطي في العام 1978م ، قبل توحيد فصائل اليسار ..
كعادتنا، عندما ألتقي صاحبي ورفيق صباي المبكر عبد الباقي عبدالغني في أي مقيل أو مناسبة اجتماعية ما، ننسى صخب المكان ونسرح بعيداً في حديث الذكريات .. ولأنه ذو ذاكرة حية جبارة لم تؤثر بها السنين وراو بارع للأحداث لا تمل سماعه، يكون هو عادة الممسك بزمامه، ولسبب ما لا أتذكره جرنا الحديث في آخر مرة إلى أديب اليمن الكبير الشهيد محمد عبد الولي (وهو بالمناسبة إبن عمه وزوج أخته ) ليسترسل وقد إحتلت الجدية ملامحه البشوشة ولف نبرة صوته التأثر العميق :
عبدالولي لم يكن فحسب كاتباً عظيماً سبق زمانه وفتحت له موهبته الأدبية الإستثنائية أبواب الريادة والمجد ، بل كان عظيماً واستثنائياً في كل شيء ، والحديث عن الجوانب التي لايعرفها عشاق فنه الأدبي الرفيع في شخصيته الفذة قد يطول أياماً ، لكني سأكتفي بحكاية صغيرة كنت شاهداً عليها ولا أنساها أبداً ، أظن في أحداثها ودلالاتها العاصفة مايضيء بعضاً من تلك الجوانب ..
2
تعود الحكاية إلى مطلع عام 1972م المشؤوم ، أي قبل أشهر فقط من استشهاده الفاجع ، وقتها شنت السلطات الحاكمة في صنعاء حملة اعتقالات واسعة استهدفت العديد من الساسة والمثقفين والمناضلين اليساريين على مستوى البلاد كان الكاتب والأديب محمد عبدالولي بين أبرز هم ، فاعتقلته وأودعته سجن القلعة الشهير ومعه رفاق كثر جلبوا من تعز والحديدة وغيرهما وزج بهم مكبلين في زنازينه البشعة ..
كنت حينها تلميذاً في الصف الثاني إعدادي قدم لتوه من الريف، وقبل أن أستوعب صدمة ماحدث وجدت نفسي فجأة ودون سابق إعداد مدعواً لخوض تحد كبير ومغامرة لم تكن بالحسبان، فقد رأى الأهل في صغر سني ميزة أمان تبعد عني الشبهات واختاروني لأكون همزة الوصل مع محمد عبدالولي ورفاقه المعتقلين من أبناء قريته*، لأزورهم بانتظام في المواعيد المحددة وأوصل له ولهم مايحتاجونه من طعام أو ملبس او غيرها من الإحتياجات البسيطة المصرح بها من قبل أدارة السجن ..
ولك أن تتصور مقدار الجزع الذي أصابني به تكليفي بتلك المهمة،كان سماع كلمة "سجن" وحدها كاف ليملأ هواجس صبي غر مثلي بالرعب، فكيف إن كان المقصود سجن "القلعة" الذي تحكى عن مايجري داخل أسواره الهوائل .. لكني بالطبع حرصت بكل السبل على إخفاء مشاعري وترويض مخاوفي وتفادي أية ردة فعل قد تكشف ترددي وتفضحني أمامهم، وفي الخضم قلت لنفسي أنها فرصتك لتثبت للجميع أنك كبرت وأصبحت أهلاً لأن يعتمد عليك ! ..
3
في زيارتي الأولى للسجن كانت الرهبة تغمرني وفرائصي ترتعد خوفاً، خضعت عند البوابة لتفتيش واستجواب دقيق من قبل الحراس، سألوني عن طبيعة علاقتي وصلة قرابتي بمحمد عبدالولي وغرض زيارتي له وأسئلة أخرى كثيرة، بذلت جهداً خارقاً كي أبدو متماسكاً ومقنعاً وأنا أرد عليها، قبل أن يسمح لي بعدها بالدخول ..
كانت البوابة تفضي من الداخل إلى ساحة واسعة يقع في أحد اطرافها مبنى حجري قديم مكون من طابقين بدا طابقه الأسفل بجدرانه الطينية وأرضيتيه الصخرية الترابية الصلبة المشبعة بالعطن أشبه بزرائب الماشية، زنازينه عبارة عن سراديب عميقة معتمة تنظر من بوابتها فلاترى بداخلها سوى الظلام الدامس، تنتهي إلى اصطبلات ودهاليز أرضية ضيقة حشر فيها العشرات من المعتقلين بينهم أربعة من أصلب وأنقى المناضلين الذين أنجبتهم قرية محمد عبدالولي"حارات" ، كنت أطلب أحداً منهم للزيارة لاحقاً ينادي الحارس الواقف عند باب زنزانته بإسمه بصوت عال، فيتلقف الإسم ويكرره مناد ثان في الداخل، أسمع صوته بصعوبة كأنه قادم من مئات الأمتار، أنتظر بعدها لزمن لايقل عن نصف ساعه وقد يطول أحياناً إلى ساعة ليصل المعتقل المطلوب وهو يلهث من التعب والقيود الحديدية التي تثقل قدميه .. بينما تميز الطابق الثاني او الأعلى الذي أنزل فيه عبدالولي وعدد من الشخصيات والوجاهات الاجتماعية الكبيرة بمعايير تلك الأيام، بشروط وظروف اعتقال أخف وطأة نسبياً من حيث الحيز والإضاءة والتهوية ..
كان منظر الطابق الأسفل بزنازينه المرعبة ونظرات سجانيه المرتابة وملامحهم القاسية المتجهمة، قد أيقظ بداخلي مجدداً رهاب المكان وأوقد ما كان قد همد قليلاً من مخاوف، إلا أن بشاشة محمد عبد الولي وهو يحتضنني مرحباً فور لقائي به هدأت كثيراً من روعي ومدتني رباطة جأشه ومعنوياته العالية بقدر عجيب من الثقة والسكينة بدد كل هاجس ..
4
بعد عدة زيارات أصبح الأمر روتينياً، صرت وجهاً مألوفاً لأفراد حراسة السجن يعرفونني بالإسم ، يمازحونني وأمازحهم ولا يتشددون في تفتيشي بل ويتغاضون دون أن يغفلوا مراقبتي حين أضطر احياناً نادرة للتأخر في الداخل بسبب قصر الوقت المتاح والحاجة الملحة لزيارة لأكثر من سجين ..
وفي إحدى المرات حملت معي رسالة خطية لمحمد عبدالولي من إبنته بلقيس تلميذة الصف الثالث الإبتدائي حينها، أحضرها "الطبل" من القرية حيث كانت تقيم مع جدتها بعد وفاة والدتها ، قلت له وأنا أهم بإخراج الرسالة من جيب بنطلوني الخلفي : أحمل لك مفاجأة مبهجة من بلقيس ..
وإذا به يهمس بسرعة بعدما فهم قصدي : لاتخرجها الآن دعها في مكانها ..
لكني كنت قد اخرجتها فعلاً وهممت بمناولتها له إلا أن حارساً كان واقفاً في الجوار يراقب حركاتنا ويسمع مانتحدث عنه كان أسرع مني ومنه فخطفها قبل أن تصل اليه .. صعقت من هول المفاجأة لكن ماصعقني أكثر كان ردة فعل محمد عبد الولي فقد انقض كالصقر على يد العسكري الممسكة بالرسالة صارخاً بغضب :
أعدها فوراً أيها ال"عكفي" البائس ..
لينخرط الإثنان في عراك حقيقي بالأيدي بين شد وجذب ودفع، انتهى بهما الى السقوط والتدحرج معاً الى اسفل الدرج الذي يربط الطابق الثاني بالأول لتقع الرسالة التي كانت قد تحولت الى عجينة ورقية اصابها الكثير من التلف بعيداً عنهما بعدة خطوات، وتصل اليها أولاً يد العسكري لتمكنه من النهوض قبل خصمه المغلولة رجليه بالأصفاد، ففتحها وألقى نظرة سريعة عليها ثم رماها الى الارض ثانيةً وهو يغمغم بعد ان باغتته واربكته مقاومة عبدالولي :
"اشبح" رسالتك واخطى على زنزاتك ياذاك .. ماكان عيضر لو خليتني ابصرها واردها لك بدل هذه الغاغة كلها ..
رد عبدالولي وهو مازال يغلي من الغضب :
انها من ابنتي، ما فيها يخصني وحدي، ولايحق لك أو لغيرك الإطلاع عليه ..
من أحلام إبنتي البسيطة التي سطرتها في رسالتها وانتهكت أنت حصانتها ولوثت نقائها، يبدأ معنى الوطن والإنتماء وإليها ينتهي .. لكن من أين لك أن تفهم ذلك ! .. فلست سوى "عكفي" مسكين لايفقه حقوقه أو حتى يدرك أن له حقوق ! ..
لم يكن مطلقاً يهاب سجانيه، بدا لي لحظتها والأغلال تدمي كاحليه أنه هو المسيطر وهم الذين يهابونه !
استدراك:
((كانت الرسالة عبارة عن بضعة كلمات كتبتها الطفلة بلقيس لتعلم أبيها والسعادة والفخر يملآن قلبها الغض الصغير أنها أصبحت تجيد الكتابة، وتطلب منه أن يرسل لها دفتراً للرسم وأقلاماً ملونة وتعده بكتابة المزيد من الرسائل ..))
-انتهى-
عقيل م. سعيد
---------------
* المناضلون الذي أودعوا حينها سجن "القلعة" بالإضافة الى محمد عبد الولي، من أبناء قريته "حارات":
- عبدالوارث محمد عمر صاحب استوديو التحرير في شارع جمال بتعز وهو مناضل صلب معروف كان محله مفتوحآ دائما لقادة الثوار في عدن والمناضلين في تعز وغيرها ووفر لهم الأمان والدعم عند الحاجة والثاني :
- محمد حزام عنتر وهو قائد نقابي ومناضل يساري بارز في حينه اعتقلته السلطات في الحديدة حيث يقيم ورحلته الى سجن القلعة بصنعاء .
- عبد الكافي محمد عمر ضابط في سلاح المدرعات ، وعضو الحزب الديموقراطي الثوري ..
- هاشم أحمد عمر ، عضو الحزب الديموقراطي الثوري ، وشقيق أبرز قيادات ومؤسسي الحزب المناضل سلطان أحمد عمر .
****
سجن القلعة
كتب الصديق Aqeel M Saeed ، مروية منقولة عن صديقه عبدالباقي عبدالغني ، عن زيارة للأخير للشهيد محمد احمد عبدالولي ، بعد إعتقاله مع عشرات من رفاقه في سجن القلعة بصنعاء .
استشهد الروائي والمناضل محمد عبدالولي مع عدد من الدبلوماسيين وكوادر وزارة الخارجية ، في حادث سقوط طائرة في 30ابريل 1973م ، مابين المحافظتين الرابعة (شبوة) والخامسة (حضرموت) .
احد المعتقلين هو زميلي في مصلحة الجمارك وصديقي هاشم احمد عمر ، الرفيق الهادئ النبيل ، الذي اعيد اعتقاله مع مئات من أعضاء الحزب الديمقراطي في العام 1978م ، قبل توحيد فصائل اليسار ..