توووت.. توووت..
توووت.. توووت..
أنا: ألو.. مسا الخير..
هو: مسا النور يا (صديقي)، كيف حالك و.......؟
أنا: بخير الحمدلله..
هو: كتاباتك رائعة بس عندك مشكلة؟
أنا: مشكلة؟ خير.. شو في؟
هو: كلامك في المشاكل كتير..خليك في الثقافة والفن والحب.. الدكتور (....) والمهندس (.....) والأستاذ (......) وحضرة (......) متضايقين منك لأنك كتبت مواقف من الفترة اللي اشتغلتوا فيها سوا وكتبت عن زملائهم حتى لو بدون تعميم أو ذكر أسماء..
أنا: فهمتك.. إذا كان هيك يا عزيزي يزعلوا.. بهيك حالة كله صار (مشاكل)..
اعتدنا منذ الصغر على أن المحرمات التي يجب أن لا نقترب منها هي الدين والجنس والسياسة، لكن من يمعن النظر في الحياة التي تعيشها مجتمعاتنا سيدرك أيضاً أن مناقشة أحوالها شائكٌ تماماً كمثلث المحرمات المعروف، وأنها برغم معرفتها أنها تعيش اضطراباً أقرب إلى ازدواج الشخصية إلا أنها لا ترغب في الحديث عن ذلك، وبرغم أنها تتحدث طوال الوقت عن المساواة وتكافؤ الفرص والعدالة الإجتماعية والكرامة إلا أنها من يرتضي أو يلتزم الصمت حول مظاهر الطبقية والتمييز والفئوية وتفضيل شريحة من المجتمع على أخرى، دون مبرر واضح في بيئتنا التي يقال عنها دائما ً أنها (متدينة) فيما يتنافى ذلك مع أساسيات تعاليم الدين الذي يرفض هذا التمييز، كما تتطلع إلى الغرب كقدوة وهو من تغلب (جزئياً وداخل مجتمعه فقط) على الكثير من هذه المظاهر، ليخلق ذلك سؤالاً جديداً حول (هويتنا) و(طريقة تفكيرنا) لمعرفة إن كانت متأثرة بالدين أو أنها غربية الهوى أو أنها تحاول خلق كائنات أسطورية مثل الثور المجنح في العراق أو أبو الهول في مصر بحيث تجمع كليهما في شخصيةٍ واحدة؟!
كنت اسمع دائما ً منذ طفولتي سواءاً كان ذلك في مدرستي أو عبر المذياع أو التلفاز خلال البرامج الحوارية والإجتماعية عبارات مستفزة ومكررة شبيهة ب(الظواهر الدخيلة على مجتمعاتنا) لوصف سلوك بعض الأشخاص أو ردات فعلهم مع أن سلوكهم (من وجهة نظر نفسية) أتى كمحاولة لإثبات وجودهم فيما كل ما يعيشونه يهمس في آذانهم بأنهم مجرد سراب، حيث أصبح من الطبيعي أن يتم تهميش شخص أو إقصائه رغم كفائته وجدارته من وظيفة أو ترقية أو منحة دراسية أو زيادة في الأجر أو حتى من حفظ حقوقه الأدبية والمعنوية لأن هناك من هو (أجدر بها) كونه من عائلةٍ هامة أو خلفية تقتضي بأن تذهب المميزات بعيداً عنه في مسار المحاصصة أو التوريث أو أن تظل محصورة ضمن طبقة اجتماعية معينة ينظر إليها على أنها (نخبة)..
وهذه النخبة ومصالحها و(برستيجها) وصورتها تتعامل مع المجتمع الذي صنعها وخرجت منه بقدرٍ من التعالي والغرور، حيث تحب أن تحظى بإمتيازاتها ولا تحب أن يتم محاسبتها أو توجيه النقد لها في حال ارتكاب أحد المنتمين إليها سلوكاً يقتضي العقاب أو حتى التعبير عن الإستياء، كما وأنها تستخدم الطبقات الفقيرة للصعود على أكتافها ورسم صورة يتم تسويقها إعلامياً كفئات قريبة منهم مع أنها أبعد ما يكون عنها رغم أن الكثيرين كانوا مثلهم ذات يوم، دون أن ننسى إقحام المصطلحات الأجنبية والعلمية لإظهار التمايز عن البقية والذي يقترن (أحياناً) بممارسة بعض الطقوس الدينية التي يفهمونها (بطريقتهم الخاصة)..
وقد يبدو كل هذا عادياً لأننا نراه بشكلٍ مستمر لكن الغريب هو جرأة الكثير من النخب (أو من يعتقد البعض أنهم كذلك كوني لا أؤمن بهذه التسمية) على انتقاد ظواهر يستفيدون منها أو من حدوثها بشكل شخصي عبر شبكة من (العلاقات) كما أنهم يفعلون ما يماثلها وهو ما يسقط كل حق لهم بإنتقادها، عدا عن أنهم ينتقدون طبقات ساهمت في صنعهم ولا تمتلك من الإمكانات ما يؤهلها لأن تعيش حياة كريمة وسط الظروف الإقتصادية والإنسانية الطاحنة التي يمر بها العالم بأكمله، فقد حدث أمامي قيام (أحد المدراء السابقين) بشتم أبناء شعبه لأنه (غير راضي) عن الوضع العام مطالباً إياهم بأن (يثوروا) ليعودوا إلى بلادهم (الجديدة)، مع أن أبنائه يعيشون حياةً رغيدة ويدرسون في مدارس وجامعات غربية ولا يشبهون المواطن والفلاح وعامل النظافة الذين يريدونه أن يدفع الثمن ليعود مع عائلته التي تحاول أن تلتصق بنمط الحياة الغربي إلى (أحضان الوطن) !!!
ولا نستطيع أن نفهم أيضاً قدرة الكثير منهم على الإشادة بمنبر أو قلم أو فكر أو شخص عندما يقدر أو يحترم أفكارهم ويعطيهم حقهم، ثم يعود إلى مهاجمته لمجرد استضافته وتقديره لشخص آخر حقق إنجازاً أو قدم عملاً ناجحاً لا يروق له، كنوع من تصفية الحسابات بشكل لا أخلاقي ويخلو من أي نزاهة أو فروسية في التعامل لإعتباراتٍ عنصرية كون الموهبة الأخرى من بلد أو خلفية ثقافية مختلفة عنه أو تقدم شكلاً مغايراً له أو حتى من باب الغيرة بشكل واضح وصريح، فهل يفهم المغرورون من الذين يعيشون في عالم من (الأوهام النخبوية) الغير موجودة على أرض الواقع أن الموهبة والكفاءة هي كنز انساني لكل الناس وليست محدودة بجنسية أو عرق أو ثقافة، وأن مهمة الكاتب أو الفنان هو أن يقدم تجربة راقية ومحترمة تلامس عقول الناس وأحاسيسهم، فترتقي بوعيهم وتدفعهم إلى التفكير نحو الأفضل وتقرب البشر من بعضهم لا العكس، كما أن تجربة المثقف يجب أن يتخللها التنوع والتغيير وتقديم ألوان وأفكار وأنماط مختلفة تعكس حجم موهبته دون أن يشتتها، بعيداً عن الإستسهال والتكرار وتقديم نفس المضمون، فخلق تجربة وهوية متنوعة عابرة للثقافات والحدود والمشاعر يحتاج إلى جهد وموهبة حقيقية، بينما الندب والتباكي واجترار تجارب الغير ومهاجمتها لا تحتاج سوى إلى تفكير سطحي ونفس متشبعة بالفراغ والغيرة وعدم الإستقرار، فالنفوس الكبيرة هي من تخلق بموهبتها احساساً عظيماً يرافق الناس وإن كانت مساحة ما تقدمه بسيطة، والنفوس الضعيفة هي من تخشى نجاح الغير فتلجأ إلى إثارة الفتن والنزعات التمييزية وتحاول الإستئثار بالمشهد فيما تخاف النقد وترفع شعار (ممنوع اللمس أو الإقتراب) تحت مسمى(النخبة)..
خالد جهاد..
توووت.. توووت..
أنا: ألو.. مسا الخير..
هو: مسا النور يا (صديقي)، كيف حالك و.......؟
أنا: بخير الحمدلله..
هو: كتاباتك رائعة بس عندك مشكلة؟
أنا: مشكلة؟ خير.. شو في؟
هو: كلامك في المشاكل كتير..خليك في الثقافة والفن والحب.. الدكتور (....) والمهندس (.....) والأستاذ (......) وحضرة (......) متضايقين منك لأنك كتبت مواقف من الفترة اللي اشتغلتوا فيها سوا وكتبت عن زملائهم حتى لو بدون تعميم أو ذكر أسماء..
أنا: فهمتك.. إذا كان هيك يا عزيزي يزعلوا.. بهيك حالة كله صار (مشاكل)..
اعتدنا منذ الصغر على أن المحرمات التي يجب أن لا نقترب منها هي الدين والجنس والسياسة، لكن من يمعن النظر في الحياة التي تعيشها مجتمعاتنا سيدرك أيضاً أن مناقشة أحوالها شائكٌ تماماً كمثلث المحرمات المعروف، وأنها برغم معرفتها أنها تعيش اضطراباً أقرب إلى ازدواج الشخصية إلا أنها لا ترغب في الحديث عن ذلك، وبرغم أنها تتحدث طوال الوقت عن المساواة وتكافؤ الفرص والعدالة الإجتماعية والكرامة إلا أنها من يرتضي أو يلتزم الصمت حول مظاهر الطبقية والتمييز والفئوية وتفضيل شريحة من المجتمع على أخرى، دون مبرر واضح في بيئتنا التي يقال عنها دائما ً أنها (متدينة) فيما يتنافى ذلك مع أساسيات تعاليم الدين الذي يرفض هذا التمييز، كما تتطلع إلى الغرب كقدوة وهو من تغلب (جزئياً وداخل مجتمعه فقط) على الكثير من هذه المظاهر، ليخلق ذلك سؤالاً جديداً حول (هويتنا) و(طريقة تفكيرنا) لمعرفة إن كانت متأثرة بالدين أو أنها غربية الهوى أو أنها تحاول خلق كائنات أسطورية مثل الثور المجنح في العراق أو أبو الهول في مصر بحيث تجمع كليهما في شخصيةٍ واحدة؟!
كنت اسمع دائما ً منذ طفولتي سواءاً كان ذلك في مدرستي أو عبر المذياع أو التلفاز خلال البرامج الحوارية والإجتماعية عبارات مستفزة ومكررة شبيهة ب(الظواهر الدخيلة على مجتمعاتنا) لوصف سلوك بعض الأشخاص أو ردات فعلهم مع أن سلوكهم (من وجهة نظر نفسية) أتى كمحاولة لإثبات وجودهم فيما كل ما يعيشونه يهمس في آذانهم بأنهم مجرد سراب، حيث أصبح من الطبيعي أن يتم تهميش شخص أو إقصائه رغم كفائته وجدارته من وظيفة أو ترقية أو منحة دراسية أو زيادة في الأجر أو حتى من حفظ حقوقه الأدبية والمعنوية لأن هناك من هو (أجدر بها) كونه من عائلةٍ هامة أو خلفية تقتضي بأن تذهب المميزات بعيداً عنه في مسار المحاصصة أو التوريث أو أن تظل محصورة ضمن طبقة اجتماعية معينة ينظر إليها على أنها (نخبة)..
وهذه النخبة ومصالحها و(برستيجها) وصورتها تتعامل مع المجتمع الذي صنعها وخرجت منه بقدرٍ من التعالي والغرور، حيث تحب أن تحظى بإمتيازاتها ولا تحب أن يتم محاسبتها أو توجيه النقد لها في حال ارتكاب أحد المنتمين إليها سلوكاً يقتضي العقاب أو حتى التعبير عن الإستياء، كما وأنها تستخدم الطبقات الفقيرة للصعود على أكتافها ورسم صورة يتم تسويقها إعلامياً كفئات قريبة منهم مع أنها أبعد ما يكون عنها رغم أن الكثيرين كانوا مثلهم ذات يوم، دون أن ننسى إقحام المصطلحات الأجنبية والعلمية لإظهار التمايز عن البقية والذي يقترن (أحياناً) بممارسة بعض الطقوس الدينية التي يفهمونها (بطريقتهم الخاصة)..
وقد يبدو كل هذا عادياً لأننا نراه بشكلٍ مستمر لكن الغريب هو جرأة الكثير من النخب (أو من يعتقد البعض أنهم كذلك كوني لا أؤمن بهذه التسمية) على انتقاد ظواهر يستفيدون منها أو من حدوثها بشكل شخصي عبر شبكة من (العلاقات) كما أنهم يفعلون ما يماثلها وهو ما يسقط كل حق لهم بإنتقادها، عدا عن أنهم ينتقدون طبقات ساهمت في صنعهم ولا تمتلك من الإمكانات ما يؤهلها لأن تعيش حياة كريمة وسط الظروف الإقتصادية والإنسانية الطاحنة التي يمر بها العالم بأكمله، فقد حدث أمامي قيام (أحد المدراء السابقين) بشتم أبناء شعبه لأنه (غير راضي) عن الوضع العام مطالباً إياهم بأن (يثوروا) ليعودوا إلى بلادهم (الجديدة)، مع أن أبنائه يعيشون حياةً رغيدة ويدرسون في مدارس وجامعات غربية ولا يشبهون المواطن والفلاح وعامل النظافة الذين يريدونه أن يدفع الثمن ليعود مع عائلته التي تحاول أن تلتصق بنمط الحياة الغربي إلى (أحضان الوطن) !!!
ولا نستطيع أن نفهم أيضاً قدرة الكثير منهم على الإشادة بمنبر أو قلم أو فكر أو شخص عندما يقدر أو يحترم أفكارهم ويعطيهم حقهم، ثم يعود إلى مهاجمته لمجرد استضافته وتقديره لشخص آخر حقق إنجازاً أو قدم عملاً ناجحاً لا يروق له، كنوع من تصفية الحسابات بشكل لا أخلاقي ويخلو من أي نزاهة أو فروسية في التعامل لإعتباراتٍ عنصرية كون الموهبة الأخرى من بلد أو خلفية ثقافية مختلفة عنه أو تقدم شكلاً مغايراً له أو حتى من باب الغيرة بشكل واضح وصريح، فهل يفهم المغرورون من الذين يعيشون في عالم من (الأوهام النخبوية) الغير موجودة على أرض الواقع أن الموهبة والكفاءة هي كنز انساني لكل الناس وليست محدودة بجنسية أو عرق أو ثقافة، وأن مهمة الكاتب أو الفنان هو أن يقدم تجربة راقية ومحترمة تلامس عقول الناس وأحاسيسهم، فترتقي بوعيهم وتدفعهم إلى التفكير نحو الأفضل وتقرب البشر من بعضهم لا العكس، كما أن تجربة المثقف يجب أن يتخللها التنوع والتغيير وتقديم ألوان وأفكار وأنماط مختلفة تعكس حجم موهبته دون أن يشتتها، بعيداً عن الإستسهال والتكرار وتقديم نفس المضمون، فخلق تجربة وهوية متنوعة عابرة للثقافات والحدود والمشاعر يحتاج إلى جهد وموهبة حقيقية، بينما الندب والتباكي واجترار تجارب الغير ومهاجمتها لا تحتاج سوى إلى تفكير سطحي ونفس متشبعة بالفراغ والغيرة وعدم الإستقرار، فالنفوس الكبيرة هي من تخلق بموهبتها احساساً عظيماً يرافق الناس وإن كانت مساحة ما تقدمه بسيطة، والنفوس الضعيفة هي من تخشى نجاح الغير فتلجأ إلى إثارة الفتن والنزعات التمييزية وتحاول الإستئثار بالمشهد فيما تخاف النقد وترفع شعار (ممنوع اللمس أو الإقتراب) تحت مسمى(النخبة)..
خالد جهاد..