(1)
كانت مدينة الكاف عندنا رمزا لكل شيء. تبدو لنا من بعيد قطعة من قمر على قمة جبل. وكنا لا نتخيل شيئا إلا إذا قسناه عليها فنقول أبعد من الكاف أو أقرب وأكبر منها أو أصغر وأدنى منها أو أوطأ ولا نقول أعلى منها أبدا إذ كانت في اعتقادنا هي العلوّ نفسه ولا شيء يعلو عليها أبدا. وفي الكثير من أغانينا البدوية والحضرية احتفاء بالعلوّ والشموخ والرجولة أيضا فالكاف دون سائر المدن ذكر بل هو رجل وسيد الرجال أيضا. والكاف اسم جامع ينتشر فيشمل كل البلدات المحيطة به ولم نكن نسمع في الماضي أحدا ينتسب فيقول أنا من هذه البلدة أو تلك لأن الجميع يقولون إذا انتسبوا نحن من الكاف عموما بخلاف المنتسبين في جهات أخرى، فهم يسمّون البلدات الصغيرة التي منها ينحدرون أو إليها يعودون. نحن فقط نقول عن أنفسنا كافية أو كافيون أو من الكاف ونحن نعني كاف الانتشار لا كاف الانحسار. والسرّ في ذلك أنّ الكاف كانت منذ وقتها الروماني اسما ينطبق على فضاء يمتد من جزة أو أبوزّا كما تقول المصادر الرومانية إلى الموقع المعروف اليوم باسم بهرة والمسمّى سابقا إيكوبي ولعله أصل الاسم الذي يعرف به أولاد يعقوب. أما قبيلة شارن فقد ذكرتها المصادر الرومانية باسم كيريني وقالت عن أهلها إنّهم سكانّ الأرض الأصليّون واختصر ياقوت الحموي فقال شقبنارية اسم لأماكن بإفريقية . ومع ذلك كان أهل المدينة يسمون المقيمين في أريافها ومدنها الصغرى شعراويين يريدون أنهم من أهل الوبر أو المدر تمييزا لهم من أهل الحضر. ولم نكن نحن الشعراويين نخجل من ذلك أبدا بل كنا نفخر بهذه الصفة وكان الحضريون يخجلون من كونهم أهل الحاضرة. لماذا ؟لا ندري. لعل ذلك يعود إلى كون هؤلاء الحضر وافدين على الأرض من بعيد يهودا أو بقايا الانكشارية أو الطليان والفرنسيس، وقد يكونون أتوها من أقاصي الجنوب من جزيرة جربة أو من الجريد أو من الساحل وما وراءه. واللافت للانتباه أن كل هؤلاء الوافدين عبر العصور هم القائمون بكل الصنائع إذ منهم صنّاع المصوغ ومنهم الصباغون والتجار والجزارون وصناع الملابس. كان هذا إلى آخر عهد من عهود الاحتلال ثم بدأ السكان الأصليون في إتقان هذه الصنائع حتى حذقوها. ومن الأخبار الشائعة عن يهود هذه المدينة أنهم كانوا يحترفون صناعة الذهب والفضة خاصة وكان فيهم من يحترف الصباغة والتجارة وكانوا في الجملة أثرياء ولا يظهرون من ثرائهم شيئا. وكانوا يظهرون بدل ذلك التواضع والتذلل لعرب المدينة المسلمين خاصة وكان منهم من يتطوع في عيد الأضحى لذبح أضاحي المسلمين وسلخها وتنظيفها وتقسيمها دون أن يأخذ على ذلك أجرا. وكانوا في أعيادهم يوزعون الفطائر على بيوت المسلمين المقيمين بجوار الكنيس أو بيت الغريبة كما يقول الناس.
كانت مدينة الكاف عندنا رمزا لكل شيء. تبدو لنا من بعيد قطعة من قمر على قمة جبل. وكنا لا نتخيل شيئا إلا إذا قسناه عليها فنقول أبعد من الكاف أو أقرب وأكبر منها أو أصغر وأدنى منها أو أوطأ ولا نقول أعلى منها أبدا إذ كانت في اعتقادنا هي العلوّ نفسه ولا شيء يعلو عليها أبدا. وفي الكثير من أغانينا البدوية والحضرية احتفاء بالعلوّ والشموخ والرجولة أيضا فالكاف دون سائر المدن ذكر بل هو رجل وسيد الرجال أيضا. والكاف اسم جامع ينتشر فيشمل كل البلدات المحيطة به ولم نكن نسمع في الماضي أحدا ينتسب فيقول أنا من هذه البلدة أو تلك لأن الجميع يقولون إذا انتسبوا نحن من الكاف عموما بخلاف المنتسبين في جهات أخرى، فهم يسمّون البلدات الصغيرة التي منها ينحدرون أو إليها يعودون. نحن فقط نقول عن أنفسنا كافية أو كافيون أو من الكاف ونحن نعني كاف الانتشار لا كاف الانحسار. والسرّ في ذلك أنّ الكاف كانت منذ وقتها الروماني اسما ينطبق على فضاء يمتد من جزة أو أبوزّا كما تقول المصادر الرومانية إلى الموقع المعروف اليوم باسم بهرة والمسمّى سابقا إيكوبي ولعله أصل الاسم الذي يعرف به أولاد يعقوب. أما قبيلة شارن فقد ذكرتها المصادر الرومانية باسم كيريني وقالت عن أهلها إنّهم سكانّ الأرض الأصليّون واختصر ياقوت الحموي فقال شقبنارية اسم لأماكن بإفريقية . ومع ذلك كان أهل المدينة يسمون المقيمين في أريافها ومدنها الصغرى شعراويين يريدون أنهم من أهل الوبر أو المدر تمييزا لهم من أهل الحضر. ولم نكن نحن الشعراويين نخجل من ذلك أبدا بل كنا نفخر بهذه الصفة وكان الحضريون يخجلون من كونهم أهل الحاضرة. لماذا ؟لا ندري. لعل ذلك يعود إلى كون هؤلاء الحضر وافدين على الأرض من بعيد يهودا أو بقايا الانكشارية أو الطليان والفرنسيس، وقد يكونون أتوها من أقاصي الجنوب من جزيرة جربة أو من الجريد أو من الساحل وما وراءه. واللافت للانتباه أن كل هؤلاء الوافدين عبر العصور هم القائمون بكل الصنائع إذ منهم صنّاع المصوغ ومنهم الصباغون والتجار والجزارون وصناع الملابس. كان هذا إلى آخر عهد من عهود الاحتلال ثم بدأ السكان الأصليون في إتقان هذه الصنائع حتى حذقوها. ومن الأخبار الشائعة عن يهود هذه المدينة أنهم كانوا يحترفون صناعة الذهب والفضة خاصة وكان فيهم من يحترف الصباغة والتجارة وكانوا في الجملة أثرياء ولا يظهرون من ثرائهم شيئا. وكانوا يظهرون بدل ذلك التواضع والتذلل لعرب المدينة المسلمين خاصة وكان منهم من يتطوع في عيد الأضحى لذبح أضاحي المسلمين وسلخها وتنظيفها وتقسيمها دون أن يأخذ على ذلك أجرا. وكانوا في أعيادهم يوزعون الفطائر على بيوت المسلمين المقيمين بجوار الكنيس أو بيت الغريبة كما يقول الناس.