خالد جهاد - الموسيقى تخاصم سلمها

مقال جديد ضمن سلسلة (القبح والجمال)..


لا شك أن الغناء والموسيقى من الفنون التي احتلت مساحةً كبيرة في وجدان شعوبنا لعقود وتركت فيها أثراً كبيراً حتى على صعيد القضايا الوطنية، وأسهمت في تشكيل الذوق العام واستطاعت أن تصل إلى مختلف طبقات المجتمع، فبدأنا من خلال الأعمال التراثية لكل بلد ومن ثم تحول الفلكلور الشعبي بعد تصنيفه وتنقيحه وإعداده على يد الكثير من الأسماء العربية وغير العربية الهامة إلى أساسٍ تبنى عليه أي موهبةٍ صاعدة..

وبشكلٍ طبيعي مرت الموسيقى بالكثير من المتغيرات التي أخرجتها من الشكل المتعارف عليه في ثقافتنا، فجاء هذا التغيير لينقلها من الحالة الكلاسيكية والشكل الرصين إلى حالةٍ تكتسب فيها الصورة أهميةً كبيرة وتتحول إلى مشهد بصري متكامل تزامناً مع بدء استيراد الأنماط المستحدثة في الغرب، كونها تمثل حالةً مختلفة بأسلوبٍ مغاير وشكلٍ غير مألوف للمغني من حيث الأداء والإستعراض والرقص أو مصاحبة الراقصين على خشبة المسرح أو طريقة إخراج العرض ككل، إلى جانب ظاهرة الفرق الغنائية وتحول المغني إلى (حدث) بغض النظر عن أعماله، فانتقلت هذه الأعمال بالثقافة والأجواء المرتبطة بها إلينا وغيرت في سلوك مجتمعاتنا أيضاً، خاصةً مع محاكاة الكثير من الفنانين في بلادنا لأعمالهم..

ثم شكل ظهور أنواع ٍ مختلفة من الموسيقى التي جاء كلٌ منها من خلفيةٍ معينة ومرتبطاً بظروفٍ وفئات من الشعب في الغرب بشكلٍ عام كموسيقى الكانتري والبلوز في الولايات المتحدة ليعلن عن تغيير وشيك في صناعة الموسيقى، وهو ما حدث فعلاً عند تطورها واستخدام آلات مثل الجيتار الكهربائي وانبثاق موسيقى الروك منها، والتي خرج من عبائتها أنواعٌ أخرى كثيرة كالهيڤي ميتال والتي امتازت بصخبها وصوتها العالي وأدائها الغريب في حالةٍ تشبه التخدير الجماعي وتغييب الوعي بين صفوف المستمعين في حفلاتها، فواجهت استهجاناً واسعاً في الكثير من البلدان حتى داخل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا بسبب أسلوبها وكلماتها التي تنغمس في الملذات وتتحدث عن الشيطان والموت والجحيم وتمثل حالةً من الرفض لكل شيء، والتي كان لها أثرها في زيادة نسب الإنتحار وايذاء النفس وتعاطي المخدرات والقيام بسلوكيات شائنة وغير طبيعية أو متزنة بين المراهقين بشكلٍ خاص، وارتبطت أيضاً بارتداء ملابس تحمل رسومات للجماجم مع قلادات تحمل نفس الأشكال النافرة في أجواءٍ صاخبة ومخيفة كانت محل انتقاد وهجوم الكنيسة والمؤسسات الدينية بشكل عام ووصفها بالشيطانية، فيما كان يقول مغنوها ومحبوها على حدٍ سواء أنها طريقتهم في التعبير عن أنفسهم ومشاعرهم ومخاوفهم ورفضهم للإنصياع لقيود المجتمع وقوانينه وسلطته التي يمارسها عليهم، والتي شهدت في (بعض حفلاتها) تعري المغنيين وقيامهم بسلوكيات غير سوية وهو ما دفع الجمهور لمحاكاتها أيضاً، وما ذكرته الصحافة ووسائل الإعلام ونوقش عبر الكثير من البرامج الحوارية والإجتماعية الشهيرة في الكثير من القنوات الأمريكية والبريطانية..

كما ظهر (الڤيديو كليب) منذ سبعينيات القرن الماضي، والذي أسهم مع انتشاره تدريجياً في تغير صناعة الموسيقى وزيادة الإقبال على الأعمال الغنائية ورواجها، مما رفع سقف المنافسة بين شركات الإنتاج وأدى لإيلاء الصورة اهتماماً كبيراً، ومع تحول العديد من الفنانين لظواهر على اختلاف مراحلهم وأصولهم وأعمالهم وأنماطها وتعدد حكاياهم عبر حقب متعددة (دون ترتيب) مثل الڤيس بريسلي، بوب مارلي، جيري لويس، خوليو ايغليسياس، مايكل جاكسون وشقيقته جانيت جاكسون، مادونا، داليدا، جورج مايكل، فريق البيتلز، تينا تيرنر وغيرهم الكثير.. بدء الإستثمار في نجوميتهم وتأثيرهم فأصبحوا واجهةً للكثير من الأنشطة والقضايا الإجتماعية، وبث الكثير من الأفكار عن المساواة والتحرر وتبني ثقافة التمرد على كل شيء والترويج لحرية الغرائز ونشر المفردات الجنسية مما جعلهم مادةً دسمة في المقابلات التليفزيونية..
(وللتوضيح فهذه آراء نشرت في الصحافة الغربية كرد فعل على هذه الظواهر وبعد صدور الكثير من الأغنيات والأعمال المصورة، ويوجد العديد من التسجيلات النادرة لها والتي يتوفر بعضها على موقع اليوتيوب واستخدم بعضها ضمن بعض الأفلام الوثائقية في مختلف وسائل الإعلام الأمريكية والأوروبية وليست مرتبطة بوجهة نظر شخصية أو محصورة في البلاد العربية)..


ولم يقف تأثير هذه الحالة أو الظواهر على عالم الموسيقى والغناء بل أثرت بدورها في السينما والإعلام وسوق الإعلانات، وتحول بعض المشاهير إلى وجوه تسوق لهذه السلعة أو تلك من خلال حملات إعلانية ضخمة مدروسة وأنشطة ترويجية، ويتم اختيار اسمٍ بعينه ليس فقط للإستفادة من شهرته بل لإرتباط بعض السلع أو الشركات المنتجة لها بجمعيات تدعم الكثير من الأفكار التي يعتنقها، وهو ما يشير إلى ارتباط الإعلام والفن بأنواعه بالإعلان كما ذكرت في مقالة سابقة عبر شبكة دقيقة من العلاقات المتشابكة والتي تعمل بشكل منظم ومتناغم يخدم كل منها الآخر..

بينما ظلت التجارب في العالم العربي متأثرةً بالكثير من هذه الموجات لكن بشكلٍ عابر، إلى أن ظهرت معالم جديدة أعلنت عن بداية مرحلة مغايرة بشكلٍ واضح مع انتهاء عصر الطرب في الثمانينات، وهو ما تزامن مع ظهور شكل مختلف للأغنية الشعبية إضافة ً إلى بروز ما اصطلح على تسميته وقتها (بالأغنية الشبابية) ووصول ثقافة (الڤيديو كليب) إلى العالم العربي والتي بدأت بشكلٍ نمطي وتقليدي ثم تطورت تدريجياً حتى بدأ التغيير في نهاية التسعينيات..

خالد جهاد..

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...