تعريب فريق دار الأكاديمية للطباعة والنشر والتوزيع لملخص محاضرة قدمها الطبيب مصعب قاسم عزاوي باللغة الإنجليزية في مركز دار الأكاديمية الثقافي في لندن.
من الأهمية بمكان معرفة أن المظاهر الالتهابية تُعد من بين الأعراض الرئيسية للإصابة بالكثير من الأمراض الشائعة. ومن الممكن تعريف الالتهاب على أنه رد فعل وقائي حيوي ضروري (وسيلة دفاعية ضرورية للكائن الحي ضد أي من المثيرات الخارجية كالبكتيريا والفيروسات أو المواد الكيميائية أو الحروق وغيرها). ومنْ ثَمَّ، فإن حدوث الالتهاب هو بمثابة طريقة لحماية أبداننا في محاولة للتغلب على العامل المسبب للالتهاب إلى أن نصل إلى مرحلة الشفاء. وسوف نسعى في هذا المحاضرة إلى التعرف على بعض الأسباب الرئيسية للإصابة بالالتهابات المزمنة. بل والأهم من ذلك، سوف نتعلم كيف من الممكن أن نمنع حدوث الالتهابات من الأساس، وذلك عن طريق التوصل إلى فهم جيد للأسباب الكامنة وراء حدوثها.
وكما أشرنا آنفاً فإن الالتهاب ما هو إلا استجابة الجسم بشكل طبيعي لبعض العوامل الخارجية التي تخلخل توازنه، والتي منها على سبيل المثال: الإصابات كالرضوض، والعدوى الإنتانية من مصدر جرثومي أو فيروسي، والإجهاد، والمواد الغريبة المحسسة للبدن (كالمواد الكيميائية والمركبات الصنعية غيرها حينما يتم التعرض لها بكميات أكبر من قدرة الجسم على احتمالها).
ومن الشائع في المجال الطبي استخدام اللاحقة “-itis”والتي تعني «التهاب»؛ ومن ذلك على سبيل المثال: التهاب البلعوم الحاد / Pharyngitis وهو عبارة عن التهاب يصيب البلعوم (وعادة ما يسبب احتقان الغدد اللمفاوية الموجودة في القسم الخلفي للفم أو اللوزتين). وجدير بالملاحظة أن العلامات الكلاسيكية المعتادة لحدوث الالتهاب تتمثل في حالة من التورم والاحمرار والألم وارتفاع في درجة حرارة الجسم؛ حيث يلجأ الجسم إلى الالتهاب كآلية دفاعية لصد ما يتعرض له من هجوم خارجي كالتعرض لأحد السموم، أو الغازيات الجرثومية، أو الفيروسية، أو غيرها.
كما نجد أن الأمراض التي منها السرطان ومرض الزهايمر وأمراض القلب والأوعية الدموية تشمل حدوث التهابات كجزء أساسي من مراحل تطورها وكعلامة من علامات الإصابة بها.
وكذلك فإن جسم الإنسان يتعامل مع الهواء الملوث والمركبات الكيميائية المُهيجة والتدخين السلبي أو غير المباشر والمبيدات الحشرية وغيرها على أنها مثيرات خارجية تهاجمه؛ لذلك، يلجأ الجسم إلى تفعيل الجهاز المناعي، معتبراً تلك المثيرات جسيمات غريبة يتعيَّن على الجسم مواجهتها والرد عليها. وتجدر الإشارة إلى أن هذا التهيج من الممكن أن يؤدي إلى الإصابة بالتهاب مزمن في الرئة، بل قد يزيد من خطر احتمالية الإصابة بسرطان الرئة وغيره من أنواع السرطانات جراء انتقال العناصر المخرشة من نسيج الرئة عبر الجهاز الدموي إلى مناطق تشريحية أخرى في البدن.
وكذلك، تُعد الإصابة بقرحة المعدة من الأمثلة على الأمراض التي تحدث في سياق تفاعل التهابي مزمن؛ حيث تؤدي العدوى المزمنة التي تسببها في الأساس بكتيريا تسمى الملوية البوابية (جرثومة المعدة) / Helicobacter Pyloriإلى الإصابة بقرحة المعدة؛ حيث يوجد هذا النوع من البكتيريا داخل المعدة وهو ما يؤدي إلى حدوث التهاب نشط في أنسجة المعدة كرد فعل لوجود هذه البكتريا وهذا يمكن أن يتسبب بدوره في نهاية الأمر في الإصابة بالقرحة، بل أنه من الممكن في بعض الأحيان أن ينتج عنه الإصابة بسرطان المعدة.
ومثال آخر على حدوث أنواع من الالتهاب؛ يمكن أن تتسبب أنواع التحسس أو الحساسية الحادة من بعض الأطعمة الإصابة بالالتهابات الحادة الارتكاسية كاستجابة لهذه التفاعل التحسسي كشكل من أشكال رد الفعل السريع من جسم الإنسان، بالإضافة لاستجابة الجهاز المناعي عن طريق إنتاج بروتين يطلق عليه «الغلوبولين المناعي هـ» / Immunoglobulin E (IgE)؛ في حين أن أنماط حساسية الطعام غير الحادة تتبع في تطورها مساراً يؤدي إلى حدوث نوع من أنواع الالتهابات المزمنة منخفضة الدرجة، ويتضمن ذلك عامل مناعي يطلق عليه «الغلوبولين المناعي ج» / Immunoglobulin G (IgG).
ومن ناحية أخرى، تُعتبر السمنة من بين المسببات الشائعة الأخرى للإصابة بالالتهابات؛ وخاصة زيادة الوزن في منطقة الخصر من جسم الإنسان؛ حيث أن وجود مثل هذه الخلايا الدهنية يُعد في حقيقة الأمر مصدراً لتخليق الالتهابات، كما أن هذه الخلايا الدهنية تنتج السيتوكينات التي ترفع ضغط الدم، وتؤدي إلى حدوث التهاباً مزمناً في منطقة النسيج الدهني، وتزيد من خطر الإصابة بمرض السكري.
وفي هذا السياق من المهم أن نعرف أنه عند معاناة الشخص من اضطرابات مزمنة في النوم، أو حتى عدم النوم لعدد ساعات كافية لصحة الإنسان، فإن الجسم يلجأ إلى تشغيل النظام الدفاعي الخاص به وهو الأمر الذي يؤدي إلى حدوث الالتهاب. بل أنه من الصحيح أن نقول أن الحرمان من النوم يُعد سبباً شائعاً لحدوث استجابة تفاعلية التهابية تحت حدة أي غير صارخة في مظاهرها في الجسم كرد فعل.
وجدير بالذكر أن انقطاع النفس أو توقف التنفس في أثناء النوم / Sleep Apnoea على سبيل المثال يؤثر سلباً على أولئك الذين يشخرون ثم يتوقفون عن التنفس؛ وهذا قد ينتج عنه أيضاً حدوث التهاب مزمن في العديد من أنسجة البدن، بالإضافة لزيادة الوزن.
وفيما يتعلق بالطعام الذي نتناوله، فمن المهم أن نشير إلى أن ما يأكله الشخص قد يؤدي إلى حدوث الالتهابات، إلا أن الحقيقة الأهم من ذلك تتمثل في أنه من الممكن أن تعمل نوعية الطعام التي يتناولها الفرد على منع حدوث الالتهاب أو على أقل تقدير تحد من نطاق انتشاره.
يتمثل السبب الأول وراء حدوث الالتهاب من مصادر طعامية في استخدام السكر المكرر الموجود على شكل: شراب الذرة والدكستروز والغلوكوز (سكر العنب)، والفركتوز (سكر الفواكه)، وعسل القصب المكرر (الشراب الذهبي)، والمالتوز (سكر الشعير)، والسكروز (سكر القصب). لذلك، في حالة إذا ما كانت لديك أي أعراض لفعاليات التهابية في البدن، أو أي مشاكل صحية تؤدي إلى حدوث الالتهاب؛ ومن ذلك على سبيل المثال أمراض القلب، وضعف الذاكرة، والتهاب المفاصل، ففي هذه الحالة من الضروري أن تحرص على محاولة التخلص تماماً من استهلاك السكر المكرر ضمن نظامك الغذائي.
كما يجدر الانتباه إلى خطورة الدهون المتحولة أو الدهون غير المشبعة والتي تُعتبر شكلاً معدلاً من الدهون يعمل على زيادة معدلات الكوليسترول الضار أو البروتين الشحمي منخفض الكثافة / LDL cholesterol في الجسم وتأكسده، مما يؤدي إلى تكوّن الصفائح الشحمية وترسيب للدهون في الشرايين في جدران الشرايين هذا من جانب أول. بينما من الجانب الآخر يعمل تناول الدهون المتحولة إلى خفض معدل الكولسترول النافع أي معدلات البروتين الشحمي عالي الكثافة / HDL cholesterol في جسم الإنسان. وجدير بالذكر أن مثل هذا النوع من الدهون المتحولة يوجد في أنواع الطعام المقلي، والوجبات الجاهزة السريعة والمنتجات المخبوزة المُعدة للأغراض التجارية، مع مراعاة أنه في العادة يُكتب على ملصقات هذه المنتجات أنها تحتوي على «زيت مهدرج جزئياً» / “partially hydrogenated oil”
وعلاوة على ما سبق، يؤدي شرب حليب الأبقار أيضاً إلى حدوث مستوى منخفض من الالتهاب؛ حيث في العادة يشتكي الأشخاص الذين يعانون من أنواع الحساسية الخفيفة من اللاكتوز من بعض الأعراض التي تتمثل في ألم في المعدة وإسهال وغازات وانتفاخ، كما من الممكن عند تناول الحليب البقري أيضاً أن يحدث عند بعض الأشخاص بعض أنواع التهاب المفاصل والطفح الجلدي.
ومن ناحية أخرى وبشكل خاص من المعروف أن اللحوم المعالجة (المقددة أو المجففة)، وكذلك اللحوم التي خضعت لعمليات تصنيع ولا سيما اللحوم الحمراء تحتوي على مادة تسمى بروتين أو حمض (Neu5Gc or N-Glycolylneuraminic acid)، وهذا المركب يراه الجهاز المناعي في جسم الإنسان على أنه جسم أجنبي ومشعر على حدوث للهجوم الخارجي، ومنْ ثَمَّ يبدأ الجسم في إنتاج الأجسام المضادة وهو ما يثير رد فعل واستجابة على شكل الحدثية الالتهابية.
وبالإضافة إلى المسببات التي ذكرناها، نجد أن الاستهلاك المفرط لمشتقات الكحول يرتبط على وجه الخصوص بتهيج أعضاء عديدة من الجهاز الهضمي وإصابتها بأنواع مختلفة من الالتهاب؛ ومن أمثلة ذلك، فإن حدوث سرطانات المريء والحنجرة يرتبط بشكل وثيق باستهلاك الكحول، بل أن شرب الكحول بكثرة له تأثير سلبي على الكبد أيضا، ومن الممكن أن يتسبب في حدوث تليف في الكبد أو الإصابة بالتهاب الكبد الناجم عن الكحول. وهذا الأمر يؤدي بدوره مع مرور الوقت إلى حدوث الالتهاب المزمن الناتج عن الكحول في الكبد الذي من الممكن أن يتحول إلى سرطان الخلايا الكبدية، أو ما هو معروف بسرطان الكبد.
و في نسف السياق الأخير فإن الإضافات الصناعية على المواد الغذائية، والمُحليات المُصنعة (بدائل السكر)، وكذلك المواد الحافظة التي تضاف إلى الأطعمة المختلفة، والتي منها على سبيل المثال: غلوتامات أحادي الصوديوم أو ملح الصوديوم الأحادي لحمض الغلوتاميك (MSG)، بالإضافة إلى نترات الصوديوم، وسكرين الصوديوم، ومادة الأسبرتام (مادة للتحلية) من شأن هذه المركبات وغيرها أن تثير ردود فعل في جسم الإنسان على شكل حدثية التهابية تحت حادة؛ لذلك يُنصح بعدم شراء أي شيء مغلف داخل عبوة إلا بعدما تتمكن من قراءة الملصق الخاص به، وتتأكد إلى حد ما بشأن عدم وجود أية مكونات غير آمنة في هذا المنتج.
ومما سبق يتضح لنا أنه من أجل منع الإصابة بالالتهاب، فقد تقتضي الحكمة والحرص أن تحاول بشكل دائم تناول الأطعمة بصورتها الكاملة ومن ذلك على سبيل المثال: الخبز المصنوع من الحبوب الكاملة، والأسماك والفاكهة والخضروات الطبيعية كما هي بصورتها الكاملة وليس المحضرة في عبوات ومعلبات تم إنتاجها صناعياً. وينصح أيضاً باستخدام زيت الزيتون متى أمكن ذلك والاستعاضة به عن أنواع الزيت المستخرجة من الذرة.
وجدير بالذكر أن الإنسان عليه مراعاة شرب الماء النقي المُصفى، إلا أنه في نفس الوقت يجب عدم شرب الماء من الزجاجات البلاستيكية لأن ذلك يمثل ضرراً جسيماً على البيئة وعلى صحة الإنسان؛ حيث تذوب كمية كبيرة من الجسيمات الصغرية الدقيقة البلاستيكية من مادة الزجاجة البلاستيكية وتسري مع ما يتم شربه من الجهاز الهضمي إلى مجرى الدم، ومنه إلى أعضاء البدن الأخرى. والأخطر من ذلك أن هذه الجسيمات الصغرية الدقيقة البلاستيكية تُعد السبب الأساسي في الإصابة بالعديد من الأمراض، والتي تشمل على سبيل المثال عدة أنواع من السرطان، وأمراض الشرايين الإكليلية التي تسبب الجلطات القلبية، ومرض الزهايمر / الخرف.
وتجدر الملاحظة أن هناك ثمة عناصر طبيعية من الممكن الاستعانة بها؛ فمثلاً الشاي الذي يُمثل المشروب الثاني بعد الماء الأكثر استهلاكاً على مستوى العالم، ولقد أوضحت الأبحاث التي أجريت على الشاي الأسود أنه يعمل على توسيع الأوعية الدموية في جسم الإنسان وهو أمر مفيد بالتأكيد. بالإضافة إلى أهمية الحرص على تناول البروكلي والكركم وفطر الشيتاكي وكذلك الشاي الأخضر وذلك لأنها من الممكن أن تعمل على حماية الإنسان من الإصابة بالسرطانات. كما أنها تعمل كمضادات للالتهابات ومنْ ثَمَّ يمكنها أن تقلل من الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية.
بالإضافة إلى أن استخدام الأعشاب والتوابل بشكل صحيح ضمن النظام الغذائي للإنسان سيكون بمثابة مكونات فعالة وقوية تعمل كمضادة للالتهابات. ومن ذلك على سبيل المثال عشب التولسي / Tulsi أو حبق رقيق الأزهار، ويطلق عليه أيضاً الريحان المقدس أو الحبق المقدس/ Holy Basil، وهو عبارة عن نوع من الأعشاب الموجودة في شبه القارة الهندية ويعمل كمضاد طبيعي فعال للالتهابات.
أما عن الكركم، فلقد أظهرت الدراسات البحثية أن من الممكن اعتباره من حيث فعاليته وجودته مثله مثل تأثير مادة الهيدروكورتيزون (الاسم المستخدم لهرمون الكورتيزول) والتي تستخدم لعلاج حالات الالتهاب، علاوة على أن الكركم يحتوي أيضاً على خصائص مضادة للسرطان.
كما أنه من المعروف أن الزنجبيل يُعد من التوابل التي لها فوائد كبيرة وفعالة كمضاد للالتهاب؛ ولا تتوقف فائدته عند هذا الحد، بل أن له فوائد أخرى تتمثل في المساعدة في علاج حالات الغثيان، وهذا ليس فقط فيما يتعلق بحالات الإصابة بالسرطان والعلاج الكيميائي، ولكن أيضاً لعلاج الغثيان المصاحب للحمل.
كما نجد أن الريحان يضرب لنا مثالاً آخراً على العناصر المساعدة الطبيعية؛ وجدير بالذكر أن الريحان يُعتبر مكون أساسي من مكونات النظام الغذائي المتبع في منطقة البحر الأبيض المتوسط، ويعمل كمضاد للالتهابات وهو في ذلك مثله مثل نبتة الروزماري (تُعرف أيضاً بإكليل الجبل أو حصى البان).
من الأهمية بمكان معرفة أن المظاهر الالتهابية تُعد من بين الأعراض الرئيسية للإصابة بالكثير من الأمراض الشائعة. ومن الممكن تعريف الالتهاب على أنه رد فعل وقائي حيوي ضروري (وسيلة دفاعية ضرورية للكائن الحي ضد أي من المثيرات الخارجية كالبكتيريا والفيروسات أو المواد الكيميائية أو الحروق وغيرها). ومنْ ثَمَّ، فإن حدوث الالتهاب هو بمثابة طريقة لحماية أبداننا في محاولة للتغلب على العامل المسبب للالتهاب إلى أن نصل إلى مرحلة الشفاء. وسوف نسعى في هذا المحاضرة إلى التعرف على بعض الأسباب الرئيسية للإصابة بالالتهابات المزمنة. بل والأهم من ذلك، سوف نتعلم كيف من الممكن أن نمنع حدوث الالتهابات من الأساس، وذلك عن طريق التوصل إلى فهم جيد للأسباب الكامنة وراء حدوثها.
وكما أشرنا آنفاً فإن الالتهاب ما هو إلا استجابة الجسم بشكل طبيعي لبعض العوامل الخارجية التي تخلخل توازنه، والتي منها على سبيل المثال: الإصابات كالرضوض، والعدوى الإنتانية من مصدر جرثومي أو فيروسي، والإجهاد، والمواد الغريبة المحسسة للبدن (كالمواد الكيميائية والمركبات الصنعية غيرها حينما يتم التعرض لها بكميات أكبر من قدرة الجسم على احتمالها).
ومن الشائع في المجال الطبي استخدام اللاحقة “-itis”والتي تعني «التهاب»؛ ومن ذلك على سبيل المثال: التهاب البلعوم الحاد / Pharyngitis وهو عبارة عن التهاب يصيب البلعوم (وعادة ما يسبب احتقان الغدد اللمفاوية الموجودة في القسم الخلفي للفم أو اللوزتين). وجدير بالملاحظة أن العلامات الكلاسيكية المعتادة لحدوث الالتهاب تتمثل في حالة من التورم والاحمرار والألم وارتفاع في درجة حرارة الجسم؛ حيث يلجأ الجسم إلى الالتهاب كآلية دفاعية لصد ما يتعرض له من هجوم خارجي كالتعرض لأحد السموم، أو الغازيات الجرثومية، أو الفيروسية، أو غيرها.
كما نجد أن الأمراض التي منها السرطان ومرض الزهايمر وأمراض القلب والأوعية الدموية تشمل حدوث التهابات كجزء أساسي من مراحل تطورها وكعلامة من علامات الإصابة بها.
وكذلك فإن جسم الإنسان يتعامل مع الهواء الملوث والمركبات الكيميائية المُهيجة والتدخين السلبي أو غير المباشر والمبيدات الحشرية وغيرها على أنها مثيرات خارجية تهاجمه؛ لذلك، يلجأ الجسم إلى تفعيل الجهاز المناعي، معتبراً تلك المثيرات جسيمات غريبة يتعيَّن على الجسم مواجهتها والرد عليها. وتجدر الإشارة إلى أن هذا التهيج من الممكن أن يؤدي إلى الإصابة بالتهاب مزمن في الرئة، بل قد يزيد من خطر احتمالية الإصابة بسرطان الرئة وغيره من أنواع السرطانات جراء انتقال العناصر المخرشة من نسيج الرئة عبر الجهاز الدموي إلى مناطق تشريحية أخرى في البدن.
وكذلك، تُعد الإصابة بقرحة المعدة من الأمثلة على الأمراض التي تحدث في سياق تفاعل التهابي مزمن؛ حيث تؤدي العدوى المزمنة التي تسببها في الأساس بكتيريا تسمى الملوية البوابية (جرثومة المعدة) / Helicobacter Pyloriإلى الإصابة بقرحة المعدة؛ حيث يوجد هذا النوع من البكتيريا داخل المعدة وهو ما يؤدي إلى حدوث التهاب نشط في أنسجة المعدة كرد فعل لوجود هذه البكتريا وهذا يمكن أن يتسبب بدوره في نهاية الأمر في الإصابة بالقرحة، بل أنه من الممكن في بعض الأحيان أن ينتج عنه الإصابة بسرطان المعدة.
ومثال آخر على حدوث أنواع من الالتهاب؛ يمكن أن تتسبب أنواع التحسس أو الحساسية الحادة من بعض الأطعمة الإصابة بالالتهابات الحادة الارتكاسية كاستجابة لهذه التفاعل التحسسي كشكل من أشكال رد الفعل السريع من جسم الإنسان، بالإضافة لاستجابة الجهاز المناعي عن طريق إنتاج بروتين يطلق عليه «الغلوبولين المناعي هـ» / Immunoglobulin E (IgE)؛ في حين أن أنماط حساسية الطعام غير الحادة تتبع في تطورها مساراً يؤدي إلى حدوث نوع من أنواع الالتهابات المزمنة منخفضة الدرجة، ويتضمن ذلك عامل مناعي يطلق عليه «الغلوبولين المناعي ج» / Immunoglobulin G (IgG).
ومن ناحية أخرى، تُعتبر السمنة من بين المسببات الشائعة الأخرى للإصابة بالالتهابات؛ وخاصة زيادة الوزن في منطقة الخصر من جسم الإنسان؛ حيث أن وجود مثل هذه الخلايا الدهنية يُعد في حقيقة الأمر مصدراً لتخليق الالتهابات، كما أن هذه الخلايا الدهنية تنتج السيتوكينات التي ترفع ضغط الدم، وتؤدي إلى حدوث التهاباً مزمناً في منطقة النسيج الدهني، وتزيد من خطر الإصابة بمرض السكري.
وفي هذا السياق من المهم أن نعرف أنه عند معاناة الشخص من اضطرابات مزمنة في النوم، أو حتى عدم النوم لعدد ساعات كافية لصحة الإنسان، فإن الجسم يلجأ إلى تشغيل النظام الدفاعي الخاص به وهو الأمر الذي يؤدي إلى حدوث الالتهاب. بل أنه من الصحيح أن نقول أن الحرمان من النوم يُعد سبباً شائعاً لحدوث استجابة تفاعلية التهابية تحت حدة أي غير صارخة في مظاهرها في الجسم كرد فعل.
وجدير بالذكر أن انقطاع النفس أو توقف التنفس في أثناء النوم / Sleep Apnoea على سبيل المثال يؤثر سلباً على أولئك الذين يشخرون ثم يتوقفون عن التنفس؛ وهذا قد ينتج عنه أيضاً حدوث التهاب مزمن في العديد من أنسجة البدن، بالإضافة لزيادة الوزن.
وفيما يتعلق بالطعام الذي نتناوله، فمن المهم أن نشير إلى أن ما يأكله الشخص قد يؤدي إلى حدوث الالتهابات، إلا أن الحقيقة الأهم من ذلك تتمثل في أنه من الممكن أن تعمل نوعية الطعام التي يتناولها الفرد على منع حدوث الالتهاب أو على أقل تقدير تحد من نطاق انتشاره.
يتمثل السبب الأول وراء حدوث الالتهاب من مصادر طعامية في استخدام السكر المكرر الموجود على شكل: شراب الذرة والدكستروز والغلوكوز (سكر العنب)، والفركتوز (سكر الفواكه)، وعسل القصب المكرر (الشراب الذهبي)، والمالتوز (سكر الشعير)، والسكروز (سكر القصب). لذلك، في حالة إذا ما كانت لديك أي أعراض لفعاليات التهابية في البدن، أو أي مشاكل صحية تؤدي إلى حدوث الالتهاب؛ ومن ذلك على سبيل المثال أمراض القلب، وضعف الذاكرة، والتهاب المفاصل، ففي هذه الحالة من الضروري أن تحرص على محاولة التخلص تماماً من استهلاك السكر المكرر ضمن نظامك الغذائي.
كما يجدر الانتباه إلى خطورة الدهون المتحولة أو الدهون غير المشبعة والتي تُعتبر شكلاً معدلاً من الدهون يعمل على زيادة معدلات الكوليسترول الضار أو البروتين الشحمي منخفض الكثافة / LDL cholesterol في الجسم وتأكسده، مما يؤدي إلى تكوّن الصفائح الشحمية وترسيب للدهون في الشرايين في جدران الشرايين هذا من جانب أول. بينما من الجانب الآخر يعمل تناول الدهون المتحولة إلى خفض معدل الكولسترول النافع أي معدلات البروتين الشحمي عالي الكثافة / HDL cholesterol في جسم الإنسان. وجدير بالذكر أن مثل هذا النوع من الدهون المتحولة يوجد في أنواع الطعام المقلي، والوجبات الجاهزة السريعة والمنتجات المخبوزة المُعدة للأغراض التجارية، مع مراعاة أنه في العادة يُكتب على ملصقات هذه المنتجات أنها تحتوي على «زيت مهدرج جزئياً» / “partially hydrogenated oil”
وعلاوة على ما سبق، يؤدي شرب حليب الأبقار أيضاً إلى حدوث مستوى منخفض من الالتهاب؛ حيث في العادة يشتكي الأشخاص الذين يعانون من أنواع الحساسية الخفيفة من اللاكتوز من بعض الأعراض التي تتمثل في ألم في المعدة وإسهال وغازات وانتفاخ، كما من الممكن عند تناول الحليب البقري أيضاً أن يحدث عند بعض الأشخاص بعض أنواع التهاب المفاصل والطفح الجلدي.
ومن ناحية أخرى وبشكل خاص من المعروف أن اللحوم المعالجة (المقددة أو المجففة)، وكذلك اللحوم التي خضعت لعمليات تصنيع ولا سيما اللحوم الحمراء تحتوي على مادة تسمى بروتين أو حمض (Neu5Gc or N-Glycolylneuraminic acid)، وهذا المركب يراه الجهاز المناعي في جسم الإنسان على أنه جسم أجنبي ومشعر على حدوث للهجوم الخارجي، ومنْ ثَمَّ يبدأ الجسم في إنتاج الأجسام المضادة وهو ما يثير رد فعل واستجابة على شكل الحدثية الالتهابية.
وبالإضافة إلى المسببات التي ذكرناها، نجد أن الاستهلاك المفرط لمشتقات الكحول يرتبط على وجه الخصوص بتهيج أعضاء عديدة من الجهاز الهضمي وإصابتها بأنواع مختلفة من الالتهاب؛ ومن أمثلة ذلك، فإن حدوث سرطانات المريء والحنجرة يرتبط بشكل وثيق باستهلاك الكحول، بل أن شرب الكحول بكثرة له تأثير سلبي على الكبد أيضا، ومن الممكن أن يتسبب في حدوث تليف في الكبد أو الإصابة بالتهاب الكبد الناجم عن الكحول. وهذا الأمر يؤدي بدوره مع مرور الوقت إلى حدوث الالتهاب المزمن الناتج عن الكحول في الكبد الذي من الممكن أن يتحول إلى سرطان الخلايا الكبدية، أو ما هو معروف بسرطان الكبد.
و في نسف السياق الأخير فإن الإضافات الصناعية على المواد الغذائية، والمُحليات المُصنعة (بدائل السكر)، وكذلك المواد الحافظة التي تضاف إلى الأطعمة المختلفة، والتي منها على سبيل المثال: غلوتامات أحادي الصوديوم أو ملح الصوديوم الأحادي لحمض الغلوتاميك (MSG)، بالإضافة إلى نترات الصوديوم، وسكرين الصوديوم، ومادة الأسبرتام (مادة للتحلية) من شأن هذه المركبات وغيرها أن تثير ردود فعل في جسم الإنسان على شكل حدثية التهابية تحت حادة؛ لذلك يُنصح بعدم شراء أي شيء مغلف داخل عبوة إلا بعدما تتمكن من قراءة الملصق الخاص به، وتتأكد إلى حد ما بشأن عدم وجود أية مكونات غير آمنة في هذا المنتج.
ومما سبق يتضح لنا أنه من أجل منع الإصابة بالالتهاب، فقد تقتضي الحكمة والحرص أن تحاول بشكل دائم تناول الأطعمة بصورتها الكاملة ومن ذلك على سبيل المثال: الخبز المصنوع من الحبوب الكاملة، والأسماك والفاكهة والخضروات الطبيعية كما هي بصورتها الكاملة وليس المحضرة في عبوات ومعلبات تم إنتاجها صناعياً. وينصح أيضاً باستخدام زيت الزيتون متى أمكن ذلك والاستعاضة به عن أنواع الزيت المستخرجة من الذرة.
وجدير بالذكر أن الإنسان عليه مراعاة شرب الماء النقي المُصفى، إلا أنه في نفس الوقت يجب عدم شرب الماء من الزجاجات البلاستيكية لأن ذلك يمثل ضرراً جسيماً على البيئة وعلى صحة الإنسان؛ حيث تذوب كمية كبيرة من الجسيمات الصغرية الدقيقة البلاستيكية من مادة الزجاجة البلاستيكية وتسري مع ما يتم شربه من الجهاز الهضمي إلى مجرى الدم، ومنه إلى أعضاء البدن الأخرى. والأخطر من ذلك أن هذه الجسيمات الصغرية الدقيقة البلاستيكية تُعد السبب الأساسي في الإصابة بالعديد من الأمراض، والتي تشمل على سبيل المثال عدة أنواع من السرطان، وأمراض الشرايين الإكليلية التي تسبب الجلطات القلبية، ومرض الزهايمر / الخرف.
وتجدر الملاحظة أن هناك ثمة عناصر طبيعية من الممكن الاستعانة بها؛ فمثلاً الشاي الذي يُمثل المشروب الثاني بعد الماء الأكثر استهلاكاً على مستوى العالم، ولقد أوضحت الأبحاث التي أجريت على الشاي الأسود أنه يعمل على توسيع الأوعية الدموية في جسم الإنسان وهو أمر مفيد بالتأكيد. بالإضافة إلى أهمية الحرص على تناول البروكلي والكركم وفطر الشيتاكي وكذلك الشاي الأخضر وذلك لأنها من الممكن أن تعمل على حماية الإنسان من الإصابة بالسرطانات. كما أنها تعمل كمضادات للالتهابات ومنْ ثَمَّ يمكنها أن تقلل من الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية.
بالإضافة إلى أن استخدام الأعشاب والتوابل بشكل صحيح ضمن النظام الغذائي للإنسان سيكون بمثابة مكونات فعالة وقوية تعمل كمضادة للالتهابات. ومن ذلك على سبيل المثال عشب التولسي / Tulsi أو حبق رقيق الأزهار، ويطلق عليه أيضاً الريحان المقدس أو الحبق المقدس/ Holy Basil، وهو عبارة عن نوع من الأعشاب الموجودة في شبه القارة الهندية ويعمل كمضاد طبيعي فعال للالتهابات.
أما عن الكركم، فلقد أظهرت الدراسات البحثية أن من الممكن اعتباره من حيث فعاليته وجودته مثله مثل تأثير مادة الهيدروكورتيزون (الاسم المستخدم لهرمون الكورتيزول) والتي تستخدم لعلاج حالات الالتهاب، علاوة على أن الكركم يحتوي أيضاً على خصائص مضادة للسرطان.
كما أنه من المعروف أن الزنجبيل يُعد من التوابل التي لها فوائد كبيرة وفعالة كمضاد للالتهاب؛ ولا تتوقف فائدته عند هذا الحد، بل أن له فوائد أخرى تتمثل في المساعدة في علاج حالات الغثيان، وهذا ليس فقط فيما يتعلق بحالات الإصابة بالسرطان والعلاج الكيميائي، ولكن أيضاً لعلاج الغثيان المصاحب للحمل.
كما نجد أن الريحان يضرب لنا مثالاً آخراً على العناصر المساعدة الطبيعية؛ وجدير بالذكر أن الريحان يُعتبر مكون أساسي من مكونات النظام الغذائي المتبع في منطقة البحر الأبيض المتوسط، ويعمل كمضاد للالتهابات وهو في ذلك مثله مثل نبتة الروزماري (تُعرف أيضاً بإكليل الجبل أو حصى البان).