أ. د. مصطفى الشليح - قالَ لي الدكتور عبد العلي الودغيري: ادْخلْ تتهيَّأ لكَ البلاغةُ كلها ..

دلفَ الفَتَى، وجلا، إلى قاعةِ الدَّرْس، وما العهدُ إلا جَذلا كانَ. إلى الفصل كانَ مُختلفًا. ألفَ اغتباطًا يألفُه إذا خفَّ الخطى إلى المؤسَّسة الثانوية متأبِّطًا مَرجعًا أو أكثرَ، وتدويناتٍ مُختلفةً تتَّصلُ بمادَّةٍ دراسيَّةٍ تكونُ تعلَّةَ ذلكَ الاختلافِ؛ لعلَّها أقربُ إلى التَّحضير القبْليِّ، الذي ألزمَ به الفَتى تلامذتَه إذا صار أستاذًا بعدَ سبع سنين، ووقفَ يُدَرِّسُ ما كان تلقَّى، قبلُ، وما أضاف إليه إبَّانَ الطَّلبِ الجامعيِّ، وما أخذ وقد احترفَ الصّحافة، في المرحلة الجامعية، فتيسَّر له ما تعرَّفَ إليه، بين يدي الأستاذ، من ترويض اللسان على القول، ومنْ تفويض البدار اللُّغويِّ إلى الارتجال المتأتيِّ عن إسعاف البديهة،
دلفَ الفتى، ولمْ يكنْ يحملُ نظاراتٍ بعدُ، إلى حُجرة الدرس متخيرًا مقعدًا متقدمًا يخولُ له النأيَ عن أمرين: الانشغال بأحاديثَ جانبيةٍ تلهيه عن متابعة الدَّرس، وتلافي اكتظاظٍ تعرفُه الصُّفوفُ الخلفيَّةُ، ولعلَّه ما برحَ يبعدُ عن كلِّ اكتظاظٍ أكان آدمِيًّا أم أدبيًّا، وقد انتهتْ إليه، في لمحةٍ عجلى، صورةُ الأستاذ؛ كان أنيقًا في ملبسه تناسقَ ألوان، وكان في حُدود العَقد الثالث، وكان بنظاراتٍ طبيةٍ، وكان مهيبًا عليه من الصَّرامةِ أثرٌ، وبه من الطِّيبةِ العارفة آثارٌ، وقَبْلَهُمَا كان ذا وقفةٍ تنمُّ عن هَدأةٍ وثقة واقتدار، وبَعْدَهُمَا كان يتمَلَّكُ الدَّرْسَ تملُّكَ آخذٍ بالمعرفةِ مِنْ أطرافِها، وواخذٍ في أرضِيها وأكنافِها وخذَ تبريز، وأثناءَهُمَا كانتْ يداه لا تتوزَّعان بين جذاذاتٍ ليسَ منها إلا إشاراتٌ إلى المصادر والمراجع، وإلا تهيئةُ التلامذة إلى إنجاز قراءاتٍ وعُروض في محاورَ تتَّصِلُ بالمقرَّرِ الدِّراسيِّ، وبأخرى تعْدلُ إلى الثقافة العربيةِ بما فيها المغربية التي دأبتْ تُطلُّ عليها برامجُ التَّدريس، منذ الابتدائيِّ إلى العالي من الأسلاكِ، شحوبَ ظلال.
.. وهذا الفتى كان يعرفُ اسمَ الأستاذ دون هيأته، في زمن كانتِ الصُّورة أندرَ من الكبريت الأحمر، وأعزَّ من بيض الأنوق، وإذا ليسَ كذلك فما الوقتُ كان وقتَ صورةٍ؛ وإن الكتاباتُ في الإعلام لمْ تكن مُرفقةً بصور الكتاب إلا لمامًا. والفتى كان يعرفُ كتاباتِ الأستاذ، وحين سألَ الخالَ عنه أفضى إليه بحُضور وازن للرَّجل في اتحاد كتاب المغرب، وبمُداخلاتِه ذاتِ القُوَّةِ الاقتراحِيَّةِ، وبمواقفِه المبدئيَّةِ حول وجوب استقلال اتحاد كتاب المغرب عن كلِّ ما يؤثِّرُ في قراراته.
الفَتى. ذلك الفَتى قرأ شعرَ الأستاذ قبل إصداره ديوانَ: " الموت في قرية رمادية. 1980 "، وهذا الفَتى قرأ نقدَ الأستاذ دواوينَ مغربيةً حديثةَ الصُّدور، وقتئذ، ومنها: " في انتظار موسم الرياح " للأستاذ الدكتور الشَّاعر أحمد مفدي " 1972 "، وكان قرأ، دأبًا تصاعديًا، ما انتهى إليه منْ كتاباتٍ مغربيةٍ
.. دَلَفَ الفتى ليتخبَّرَ مقعدًا بطاولةٍ أمامَ مكتبِ الأستاذ، ولكنَّ الأستاذ كانَ يتحيَّزُه لمامًا. كانَ يقدِّمُ الدَّرسَ واقفًا، وكانَ غيرَ أخَّاذٍ بجُذاذاتٍ تحضيريةٍ، وكانتِ الذَّاكرةُ، منه، مشبوبًا أوارُها حدَّ إيرادٍ تواريخَ إذا حديثٌ إلى تاريخ الأدب، وإلى وقائعَ في الإسلاميِّ منه، وكانَ ذربَ اللِّسان إذا يتجوَّلُ في طبقاتِ الشُّعراءِ.
لعلَّ الفَتى، منذ اللقاءِ الأول، أنسَ أنَّ للأستاذ وسْمًا خاصًّا، وأنَّه لا يُشبه منْ تقدَّمَ يلقي إلى الفَتى درسًا، وأنَّه يصدرُ عنْ ذخيرةٍ تكادُ تكونُ موسوعيَّةً. بذاكَ هجسَ الفَتى، وما كانَ يعرفُ أنَّ الأستاذَ أنجزَ رسالةَ جامعيةً " أبو علي القالي وأثرُه في الدِّراساتِ اللُّغويَّةِ والأدبيَّةِ " نوقشتْ في العام ذاتِه 1976.
لمْ أكنْ أعرفُ، إلا أنَّ السُّيولةَ المعرفيةَ والسَّلاسَةَ البيانيَّةَ أمارتان على إحاطةٍ وإماطةٍ، وعلامتان مكلِّمتان عنْ القدرة الاسترسالية للدَّرس في أودبةٍ وأنديةٍ تتصاقبُ وتتعاقبُ. لمْ يُنْمَ إليَّ ما تقدَّمَ إلا بعدُ، ولكنَّ الفَتى كانَ ، منذُ الصِّبا، يُوازنُ بين الأحاديثِ وحامليها، وبين التَّحلياتِ وياذليها، وبين التَّجلياتِ وجائليها. كانَ ينتبهُ، وكان يكتنهُ، وكان بشتبهُ إذا طرأ، على سمعِه، ما شقَّ عليه، وإذا طرقَ خبرٌ شَمَسَ، فما أرقَ له.
كان يسائلُ، ويجادلُ، ولا يفتأ يعادلُ بين سؤاله وإجابةٍ عنه. كانَ يلحُّ إلحاحَ راغبٍ في استرفاد المعرفة، ويضيقُ ذرعًا إذا أجيبَ بمايلزمُ التيقنُ منه قبلُ. والفَتى يسألُ ويُجابُ تأدَّبَ وتهذَّبَ وتشذَّبَ منه كلُّ سؤال، وتوثَّبَ، إلبه، حَذرٌ أن اسْتفتِ ما تعرفُ قبلما تأتي باختلافٍ لا يُسعفُ. تعلَّمَ التُّؤدَة والتَّحوُّطَ للقول بالتَّيقُّم. اعترضَ مؤطرٌ تربويٌّ على تخريج للأستاذ في باب الوقف، وكان الاعتراضُ سؤالا مباشرًا بما لعلَّه الانتقاضُ، فابتدرَ الأستاذ إلى تذكرة ببئر أوقفَها عثمان بن عفان على السالكين. راقَ للفَتى ردُّ الأستاذِ. وقفَ الفَتى، في أوراق خالِه، على حادثٍ بينه والمؤطر التَّربويِّ.
وإذْ عَكفَ الفتى على الملاحق الثقافية لجريدة " العلم " يستكملُ ما خفَّ إليه اطلاعًا على كتاباتِ الأستاذ؛ بلْ طفقَ يقتني الملحقَ الثقافيَّ، ليقرأ، في أسبوع ما، قصيدةً للأستاذ بعنوان: الطواحين. أودعَها المحفظة، ولا يذكرُ في أيِّ حصَّةٍ ألحَّ التَّلامذةُ على الأستاذ إنشَادَهم القصيدةَ. كان الفَتى قدْ أخبرَ زملاءَه بما إليه. بعضٌ اغتبطَ، وأبعاضٌ سألتْ، بدَهش، إذا كان الأستاذ قابلا. الحقُّ أنَّهُ أبدَى تحفُّظًا تحفُّظَ الفَتى، وقد طولبَ بمثل ذلك من قِبل طلبته. كان الإلحاحُ وثابًا بمآق. شخصَ إليَّ : مَنْ أمدَّكَ بالملحق الثَّقافيِّ. قلتُ: أتابعُه منذُ عامين، ابتسَمَ. استلمَ النُّسخةَ من يدي، وكانتْ مفتوحةً على القصيدة. تأمَّلها قليلا. بدا شيءٌ منْ تردُّدٍ. جالَ بعينيه في أبهاء الفصل. العُيونُ انتظارٌ،عادَ إليَّ يركزُّ نظرتَه. كنتُ أترقَّبُ الأستاذَ شاعرًا، وكانَ الأستاذُ يتفحَّصُني. لعلَّه أسرَّ ، في نفسِه، أنَّ الفَتى مُطلٌّ على الإعلام الثَّقافيِّ، ولعلَّ فتنةَ الأدب تتصفَّحُ اشرئبابَه بعدُ؛ ولعلَّ الأستاذَ لمْ يفكِّرً في كلِّ ذلكَ. لعلِّي أفترضُ، وأقترضُ من الفَتى ما كان هَمَّ بخاطره؛ ثُمَّ لعلَّ الفَتى لا شيءَ إلى خاطره، إلا أنَّ الشعرَ، بالنَّافذة، أنشدَ الأستاذ، ونحنُ على رؤوسنا الطيرُ إصاخةً:
الطَّواحِينُ
بالأمس وقفتُ بحانوتٍ أبتاع الكعك،
فرآني البائع بين السلع الملقاة على بابه،
وإذا ساع من بين زبائنه جاء،
منتفخ الجيب بتخمة مال،
فرماني التاجر في آلة عدِّه،
ورمى بالفاتورة للواقف
فإذا بي أرخص ما في سلعه.
كنتُ أساوي إذ ذاكَ
قيمة ألف فرنك.
لمْ أحتجَّ على ما كسَّرَ منْ عظمي
إذ أعلمُ أنِّي سأداوى بدواء التجار
ولقد مات أبي ..
عند طبيب التجار .. ولمْ
أحتجَّ على هذا الصُّنع لأنِّي
أعلمُ أنِّي سأحاكمُ في محكمة التجار
ويُدافعُ عنِّي ..
بعضُ محامي التجار ،
ماذا ينفع شعري، وسلاحي ؟
ما قيمة هذا الشعر إذا اجتمع التجار على أكل الشاعر ؟
يأكلني أبناء الطاغوت،
يحرقني عباد الطاغوت.
أصبح قربانًا مسفوح الدم والعرض
قربانا للطاغوت على صخر النحر،
ينهشني التجار، ويزدحمون على لحمي، شلوًا .. شلو
وتصير البشرية جمعاء
وتصير المثل، القيم، الدين،
سكة نقدٍ يتداولها التجار.
ويصيرُ الماء، الخبز، الأرض، الإنسان، الحرث،
النسل، السلم، الحرب، الرحمة، والقانون،
الساسة، والكل ..
متهمًا يشنقه التجار.
هذا زمن يتكلم فيه التجار،
ويقولون الخطب الطنانة، والشعر المسبوك
آه .. ما أعمق جرحي !!
حين أراني أتضاءل يومًا عن يوم،
أتلاشى مسحوقًا
بطواحين التجار.
يا فقراء العالم
موتوا إنْ لمْ تنتفضوا
موتوا إن كنتمْ لا تنتصرون.
موتوا إنْ ظلَّتْ عداداتُ التجار تبيعكمْ ،
موتوا يا مظلومي العالم
إنْ ظلَّتْ تحكمكم أعرافُ التجار
ويسومكم جيش التجار
سوم النعم
آه .. يا تجار العالم .. لوْ نعصى أمركم
نحن حمير الطاحون .. !!
آه .. لوْ أصفعكم .. !!
" ديوان: الموت في قرية رمادية. ص: 83 –86 "
أعتقدُ، وعُقودٌ بيننا إنشادًا، أنَّ تصديرًا وطَّأ للقصيدة مدارُه حولَ أنَّ الشكلَ الذي أفرغتْ فيه ليسَ الذي إليه الشاعرُ طريقةً، ولكنَّ ضرورةً اقتضتْ ابتدارًا تعبيريًا، واضطرارًا بنائيًا مغايرًاـ فهمتُ منه، وقد سبقَ قرأتُ للأستاذ نصوصًا ذات سمتٍ أسطوريٍّ، كما " هيلوبوليس المنتظرة "، ومنها:
هيلوبو المحزونة في معبدها ترقد أعوام ..
من عمر النسر، تكرس بالأحلام،
تحترق الأغصان المتوالدة الأبعاد .. الأعلام.
تتكاثفُ إكليل بخور
وتحطم أجراس محروقة ..
إلا أنَّ الشَّاعرَ، في إعدادِه الديوانَ للطبع، ارتأى حذفًا لذيَّاكَ التصدير. بلاغةُ الحذفِ تتقدَّمُ انشغالاتي النَّقديَّةَ. كنتُ أنقرُ، بخفاء التَّجلِّي، على الطاولة، بهمس لا يُمسُّ، ولكنْ يُحدَسُ؛ فبحرُ الخبب يُشمُّ ولا يفركُ. كنتُ قرأتُ فصلا منْ " قضايا الشعر المعاصر " لنازك الملائكة عنْ " فاعل " في حشو بحر الخبب، وكانَ الفتى يرهفُ السَّمعَ حتَّى يتبيَّنَ مواقعَ " فاعلُ " من الإنشاد. الخببُ يُغري بالتكثيف التركيبيِّ، وبالحذفِ عُنفوانًا شعريًّا. الخببُ توازنُ الصَّوائت والصَّوامت في تناسبٍ يقطعُ بكون الكلام شعرًا. يقتربُ منه المتداركُ، ولكنَّه وزنٌ سرديٌّ يذكِّرُ بالرَّجز إذا حَسُنَ تدبيرًا؛ ولقدْ اختصَّ محمود درويش، بالخببِ فضاءً إيقاعيًا، في بعض شعره، وفي السيرذاتيِّ منه.
أنشدَ الأستاذ القصيدةَ، ولعلَّ ما تبقَّى من الحصَّة استرقته استيضاحاتٌ، واستغرقته تفسيراتٌ حولَ تقنياتِ كتابة الشِّعر المعاصر، وحولَ ما اعتاصَ تلقُّفُه من النَّصِّ، وحولً وجوبِ التَّثبُّتِ منْ علوم الآلة، ومنْ فقهِ اللُّغةِ، ومن التُّراثِ، بشكل عام، قبلَ الانكتاب شعرًا معاصرًا.
لمْ أكنْ عَرفتُ الأستاذ كتبَ شعرا خليليَّا وقتئذٍ، ولمْ أكنْ عَرفتُ أنَّه خبرَ التراثَ خبرةَ أكاديميٍّ مبرِّز، ولمْ أكنْ عَرفتُ أنه مناقشي في أطروحة دكتوراه الدولة، ولمْ أكنْ أعْرفُ صرامتَه الوديعةَ حتَّى أقامَ الحَدَّ النَّقديَّ في تتبُّع تحليلاتِها وتفصيلاتها وتعليلاتِها؛ وقدْ عَرفتُ أنَّني حَمَدْتُ وداعتَه العلميَّةَ الصَّارمةَ، وما عَرفتُ أنَّني حَمَدْتُ للأستاذَ قبولَ إنجاز عرض عن " النقد الذاتي " لعلال الفاسي حتَّى وردَ نصٌّ، للزَّعيم، في سؤالَ نصٍّ، في الباكلوريا. لمْ أقرأ كتابَ " النقد الذاتي "، ولكنَّني أُشربْتُه قراءةً وتفكُّرًا، في ذلك الموسم الدِّراسيِّ، وفي الصَّيفِ الذي تَعقَّبه. كأنْ مَنْ لمْ يقرأ علال الفاسي ليسَ للثَّقافةِ المغربيَّةِ بناظر ومُناظر. هكذا كنتُ، منذ الفُتُوَّة، إلى اللُّغةِ العربيَّةِ، ولولا فتنةُ الشِّعر لكنتُ باحثًا في اللُّغويَّاتِ، إلا أنَّ لأستاذي د. عبد العلي الودغيري، تصريفًا وتكييفًا صادرين عن علامة لغويٍّ ألمعيٍّ لوذعيٍّ، فقدْ أذنَ الشِّعرُ بمساجلاتٍ منزَّلاتٍ في سيرةٍ ذاتيَّةٍ آتيَةٍ.
ساكنُ، في كلِّ باحثٍ، شاعرٌ، وكلُّ باحثٍ شاعرٌ في تقصِّيه اللُّغةَ. تركيبُ الكلام مسحةُ شعر، وترتيبُه عرضٌ على التَّقعيدِ، وتغريبُه فيضٌ إلى زئبقيةِ التَّحديدِ. ليسَ التجديدُ إلا بحثا عن التَّجريد. قالَ البلاغيُّ: جَرِّدْ تواليكَ اللُّغويَّ خارجَ المعنى كيْ يتأتَّى المعنى. المعنى سؤالُ البلاغةِ عنْ شكل التَّأتِّي. للتَّأنِّي تأبِّي الخاطر عن الذي يُسعفُ. ما قاصدُكَ، عفوًا ورهوًا، من الكلام رهامُ الذَّهاب إلى صورة التَّأليفِ. وأنتَ تؤلِّفً لا تُعرِّفُ، ولا تُصنِّفُ. أنتَ تختلفُ. اختلافُكَ تصرفُه أداةُ الجرِّ إلى سياق لمْ تكنْ تعزفُ عنه أوْ تعزفُ إليه، كما، إذا تؤلِّفُ، والتَّأليفُ يكونُ كتابًا ويكونُ خطابًا. سئلَ أستاذنا د. أمجد الطرابلسي عنْ قلة مؤلفاتِه، فقالَ: أنا أولِّفُ الرِّجَالَ. تأليفُ الرِّجَال أشدُّ قوامةً منْ إحداثِ مكتبةٍ. تثقيفُ تلميذٍ حدثٌ تربويٌّ. التَّربيةُ ثقافةٌ. دعْ عنكَ فلسفاتِها وتنظيراتها. قالَ لنا أستاذُنا د. محمد بنشريفة: هُناكَ منْ خلقَ ليكونَ أستاذًا. وقالَ لي أستاذي د. محمد مفتاح: كلٌّ مُيسَّرُ لما خلقَ له. وقالَ لي أستاذي عميدُ الأدب العربيِّ في المغرب د. عباس الجراري: إنَّ الطَّالبَ الذي لا يجعلُ جبين شيخه يتفصَّدُ عرقًا ليسَ بطالبٍ. وقالَ لي أستاذي د. عبد العلي الودغيري ما تقدَّمَ عَنونةً، ثمَّ كانتِ المساجلةُ بيننا، وما هيَ بمُماتنةٍ، ولكنَّها بين أستاذ وتلميذ كان يجلسُ إليه يَستأنسُ بقوَّةِ عارضتِه في اللُّغةِ، وبجذوةِ ذخيرتِه في الثَّقافةِ، وبالسَّطوة في تفكيكٍ وتركيبٍ بلاغيين، وبالضَّحوةِ في تبيُّن أثر المعجَم في توجيه الكتابة، وبفجْوةٍ، في درس الأدب، لا يتلقَّفُها، اجتيازًا، إلا شاعرٌ، هيَ منه حُظوةٌ إذا دلفَ الفتى إلى حُجرةِ الدَّرس، وإذا وقفَ الأستاذُ، على مِصطبَةٍ بحُجرةِ الدَّرس، يُفسّرُ كيفَ التَّلاقيّ بين شاعر ومأخوذٍ بالشِّعر ، وَخْذًا، لعلَّ يكونُ شاعرًا.





* الملحق الثقافي لجريدة العلم 7 يوليوز 2022. شكرا للشاعر محمد يشكار

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...