شعاع ضوء ضئيل يتسلل من كوة في سقف الزنزانة الأسود. ورائحة عطنة تنبعث من الجذران، وجرذ يطل من ثقب قرب الباب الحديدي يتربص بصرصار يلتقط شيئا من العدس المطبوخ بدوده وحصاه، وهو مكوم في ركن مفترشا بطانية مهترئة، وشاخصا ببصره نحو الكوة وكأنه يفكر في طريقة للنفاذ منها إلى العالم الرحب الذي افتقده.
منذ شحنوه إلى هذه الزنزانة لم ير بشرا، ولم يسمع صوتا سوى صوت قمري، يتدلى من الكوة خيطا رقيقا من لحن حزين، كأنه يواسيه ،ويخفف من أحزانه، وما عدا ذلك ليس إلا الصمت الرهيب الذي حاول مرارا أن يكسره بالغناء آنا وبالصراخ تارة أخرى، إلى أن استسلم واكتفى بصوت الكمري مرتين فيما يظنه يوما.. لأنه فقد صلته بالزمن فأصبح الوقت بالنسبة إليه سلسلة ظلام لا تنقطع، ولم يعد يربطه به إلا ذلك الانتظار الطويل ليوم التنفيد
كثيرا ما حاول أن ينسى تفاصيل الجريمة التي حملته قسرا إلى هذا المكان وجعلته يعيش انتظارا قاسيا أهون منه الموت الذي يتربص به من خلال فوهات بنادق فرقة الإعدام. وهو لا ينتظر إلا امضاء صغيرا لينطلق به إلى الضفة الأخرى.
مازال يذكر ذلك الصباح الشتوي البارد ، عندما انطلق بسيارته نحو عمله وهو مصمم على أن يضع للأمر حدا نهائيا. ليتخلص من قلقه الذي أصبح مزمنا ومن شريكه الذي يتربص به الدوائر ويريد إزاحته لينفرد بالشركة قيادة وقرارا ...
عندما اعتقل في المطار كان قد تخلص من القلق ومن الشريك، والشركة بإحراقها. ولما انتصبب أمام المحكمة متهما بالقتل العمد مع سبق الإصرار والترصد عرف مصيره.
وفيما هو مستغرق في ذكرياته تناهت إليه خطوات تكسر صمت الليل..حتما ليست خطوات الحارس، ولا موزع الطعام.. انها خطوات كثيرة، ورهيبة.
فتح الباب الحديدي فغمره ضوء قوى أرغمه على وضع كفيه على عينيه وكأنه لا يريد رؤية تلك الوجوه القاسية الصارمة.
لم يستطع الوقوف فقد انهارت ركبتاه فجرته اياد باردة قاسية وارغمته على الوقوف، كان الليل يلملم آخر ندفه و الفجر يتلكأ وكأنه لا يريد رؤية ذلك المشهد الدامي، قيدو ه إلى عامود الإعدام ، رنا إلى السماء ثم ردد الشهادتين، وفجاة ارتفع صوت قاس ليلعلع الرصاص.
انتفض الجسد ليستيقظ على صوت زوجته وهي تصرخ في خوف: بسم الله اعليك انت فعار الله.
المصطفى كووار
من مجموعة : عصفور اخضر.
منذ شحنوه إلى هذه الزنزانة لم ير بشرا، ولم يسمع صوتا سوى صوت قمري، يتدلى من الكوة خيطا رقيقا من لحن حزين، كأنه يواسيه ،ويخفف من أحزانه، وما عدا ذلك ليس إلا الصمت الرهيب الذي حاول مرارا أن يكسره بالغناء آنا وبالصراخ تارة أخرى، إلى أن استسلم واكتفى بصوت الكمري مرتين فيما يظنه يوما.. لأنه فقد صلته بالزمن فأصبح الوقت بالنسبة إليه سلسلة ظلام لا تنقطع، ولم يعد يربطه به إلا ذلك الانتظار الطويل ليوم التنفيد
كثيرا ما حاول أن ينسى تفاصيل الجريمة التي حملته قسرا إلى هذا المكان وجعلته يعيش انتظارا قاسيا أهون منه الموت الذي يتربص به من خلال فوهات بنادق فرقة الإعدام. وهو لا ينتظر إلا امضاء صغيرا لينطلق به إلى الضفة الأخرى.
مازال يذكر ذلك الصباح الشتوي البارد ، عندما انطلق بسيارته نحو عمله وهو مصمم على أن يضع للأمر حدا نهائيا. ليتخلص من قلقه الذي أصبح مزمنا ومن شريكه الذي يتربص به الدوائر ويريد إزاحته لينفرد بالشركة قيادة وقرارا ...
عندما اعتقل في المطار كان قد تخلص من القلق ومن الشريك، والشركة بإحراقها. ولما انتصبب أمام المحكمة متهما بالقتل العمد مع سبق الإصرار والترصد عرف مصيره.
وفيما هو مستغرق في ذكرياته تناهت إليه خطوات تكسر صمت الليل..حتما ليست خطوات الحارس، ولا موزع الطعام.. انها خطوات كثيرة، ورهيبة.
فتح الباب الحديدي فغمره ضوء قوى أرغمه على وضع كفيه على عينيه وكأنه لا يريد رؤية تلك الوجوه القاسية الصارمة.
لم يستطع الوقوف فقد انهارت ركبتاه فجرته اياد باردة قاسية وارغمته على الوقوف، كان الليل يلملم آخر ندفه و الفجر يتلكأ وكأنه لا يريد رؤية ذلك المشهد الدامي، قيدو ه إلى عامود الإعدام ، رنا إلى السماء ثم ردد الشهادتين، وفجاة ارتفع صوت قاس ليلعلع الرصاص.
انتفض الجسد ليستيقظ على صوت زوجته وهي تصرخ في خوف: بسم الله اعليك انت فعار الله.
المصطفى كووار
من مجموعة : عصفور اخضر.