صفحة مشرقة من صفحات التاريخ الإسلامي في غربي قارة إفريقيا ، في المنطقة الفسيحة التي تمتد من المحيط الأطلسي في الغرب ، إلى سودان وادي النيل في الشرق ، وبين المناطق الصحراوية وشبه الصحراوية في الشمال ، ونطاق الغابات الإستوائية في الجنوب ، في تلك المنطقة الشاسعة التي يخترقها نهران عظيمان ، هما : نهر السنغال ونهر النيجر ، والتي كانت تعرف باسم " بلاد التكرور " ، وباسم " بلاد السودان الغربي " قامت دولة سنغي ، أو " صنغاي " ، التي اعتنقت الاسلام دينا ، واتخذت العربية لغة للتعليم والثقافة والفكر ، وتبوأت مكانا عليا - إبان القرن العاشر الهجري / السادس عشر الميلادي - ، وحملت مشعل الحضارة الإسلامية ، تبدد به ظلمات الجهل والوثنية في غرب إفريقيا ووسطها وجنوبها ، فأرست دعائم مدنية إسلامية زاهرة ، تذكرها أسفار التاريخ في صفحات مشرقة بالفخر والإجلال .....
.... وسوف نحاول إلقاء بعض الضوء على تلك الدولة الإسلامية من خلال عرضنا لكتاب : " تاريخ الفتاش في أخبار البلدان والجيوش وأكابر الناس ، وذكر وقائع التكرور ، وعظائم الأمور ، وتفريق أنساب العبيد من الأحرار " ، وهو أول كتاب - على ما نعلم - عن تاريخ بلاد السودان الغربي ، ولذا أطلق عليه " إنجيل بلاد السودان " ....
مؤلف الكتاب :
**********
مؤلف كتاب " تاريخ الفتاش " هو : القاضي محمود كعت بن الحاج المتوكل كعت الكرمني التنبكتي الوعكري ، لا تسعفنا المصادر التاريخية بمعلومات وفيرة عنه ، لكننا نرجح - من خلال تاريخه - أنه ولد عام 873-1468 ،في مدينة " تنبكت " ، تلك المدينة الزاهرة التي حملت مشعل الحضارة الإسلامية في بلاد السودان الغربي ، والتي كانت تعج بمعاهد العلم ومدارسه ، وتخرج فيها أعداد - يجلون عن الحصر - من أفاضل العلماء ، في هذه المدينة التي أطلق عليها " جوهرة الصحراء " تتلمذ محمود كعت على علماء عصره ، وكان وفيا لهم ، فذكر منهم : العالم الورع الزاهد " صالح جور " ، والعلامة القاضي " سيدي محمد بن آند محمد " ....
... ولا ريب في أن مؤلف " تاريخ الفتاش " قد سار على درب أساتذته وشيوخه ، حتى غدا مرموقا بين النابفين ، ونابغا بين المرموقين ، فأهله نبوغه لولاية قضاء مدينة " تنبكت " - كان قاضي هذه المدينة بمثابة قاضي قضاة دولة سنغي - ، وإلى مصادقة سلطان سنغي " محمد بن أبي بكر - 898/1493 -935/1529 - ، فقد كان موضع ثقته وأخلص مستشاريه ، رافقه في رحلته لأداء فريضة الحج عام 902 /1496 ، والتقى - أثناء وجوده في القاهرة وهو في طريق عودته من بلاد الحجاز - بالشيخ " جلال الدين السيوطي " - ت 911/1509 - وغيره من علماء مصر .....
... ولقد ظل القاضي محمود كعت على علاقة وطيدة بحكام سنغي بعد عزل محمد بن أبي بكر سنة 935/1529 ، فتزوج بعائشة بنت السلطان داود -955/1548-991/1582 - ، وهاجر بها من مدينة " كاغ " - عاصمة سنغي - إلى مدينة " تنبكت " إبان الغزو المغربي لدولة سنغي سنة 999/1591 ، أما وفاته فكانت - على الأرجح - سنة 1001/1593....
كتاب " تاريخ الفتاش "
****************
... شرع القاضي محمود كعت في تأليف كتابه " تاريخ الفتاش " عام 925/1519 ، وكانت دولة سنغي - في تلك الآونة - قد وصلت إلى قمة ازدهارها السياسي والاقتصادي والحضاري ، بسبب السياسة الحكيمة والجهود المشكورة التي بذلها سلطانها الحاج محمد بن أبي بكر ، فوجد القاضي محمود كعت أن عهد هذا السلطان جدير بالتسجيل والتأريخ ، لذا شرع في تأليف كتابه المذكور ، الذي قال في مقدمته :
" ... لما كان ذكر قصص الأنبياء والسلاطين وأكابر البلدان من عادة الحكماء والعلماء والأعيان ، اتخاذا بسنة القرآن ، وتذكيرا بما غبر من الزمان ... ومن الله علينا بأن أظهر لنا ، في زماننا هذا ، الإمام الصالح ، والخليفة العادل ، والسلطان الغالب ، والمنصور القائم أسكيا ( لقب السلطان ) الحاج محمد بن أبي بكر ... فانفسح له - بحمد الله - البلدان شرقا وغربا ، وتداعت له الوفود فردا وحمعا ، فأذعنت له الملوك كرها وطوعا ... أردت أن نجمع من أحواله الحلوان ... مما سهل على اليد واللسان ، وعلى الله سبحانه التكلان ..."....
.... وإذا كان المؤرخ قد أشار في مقدمة تاريخه إلى أنه سيؤرخ لعهد الحاج محمد بن أبي بكر دون غيره من العهود ، إلا أنه لم يلتزم بخطته ، فلقد امتد به العمر ، وتوالت الأحداث والوقائع ، فتابع التأريخ لعهود أبناء هذا السلطان الذين خلفوه في حكم دولة سنغي ، إلى أن وقعت وقائع الغزو المغربي لدولة سنغي سنة 999/1591 ، فتوقف عن الكتابة ، حتى قيض الله لهذا الكتاب حفيدا من حفدة القاضي محمود كعت - يدعى القاضي إسماعيل - فنسق الكتاب ، ورتب أحداثه ، واستكمل التأريخ للسنوات التي لم يعاصرها جده ، وهي سنوات الصدام العسكري المسلح بين المغاربة وحكام سنغي ، والتي انتقلت - في نهايتها المأساوية - دولة سنغي الإسلامية من مسرح التاريخ إلى كتبه ، فوصل به التأريخ إلى سنة 1007/1599....!!...
... ويمكن القول : إن " تاريخ الفتاش " كتاب حضاري - أيضا - ، لأنه يلقي الضوء على الأوضاع السياسية والاقتصادية والثقافية في بلاد السودان الغربي ، كما يمكن للباحث التعرف - من خلال دراسة أحداثه ووقائعه - على القبائل العديدة والمتنوعة التي عاشت في تلك المناطق إبان القرن العاشر الهجري / السادس عشر الميلادي ، ومعرفة أصولها الأولى ، وعاداتها وتقاليدها ، وأحوالها قبل اعتناقها الإسلام ، وأثناء حكم الدول الإسلامية التي قامت فيها ، والتي استطاعت أن تجمع شتات تلك القبائل في وحدة دينية وثقافية فريدة ....
" يتبع "
.... وسوف نحاول إلقاء بعض الضوء على تلك الدولة الإسلامية من خلال عرضنا لكتاب : " تاريخ الفتاش في أخبار البلدان والجيوش وأكابر الناس ، وذكر وقائع التكرور ، وعظائم الأمور ، وتفريق أنساب العبيد من الأحرار " ، وهو أول كتاب - على ما نعلم - عن تاريخ بلاد السودان الغربي ، ولذا أطلق عليه " إنجيل بلاد السودان " ....
مؤلف الكتاب :
**********
مؤلف كتاب " تاريخ الفتاش " هو : القاضي محمود كعت بن الحاج المتوكل كعت الكرمني التنبكتي الوعكري ، لا تسعفنا المصادر التاريخية بمعلومات وفيرة عنه ، لكننا نرجح - من خلال تاريخه - أنه ولد عام 873-1468 ،في مدينة " تنبكت " ، تلك المدينة الزاهرة التي حملت مشعل الحضارة الإسلامية في بلاد السودان الغربي ، والتي كانت تعج بمعاهد العلم ومدارسه ، وتخرج فيها أعداد - يجلون عن الحصر - من أفاضل العلماء ، في هذه المدينة التي أطلق عليها " جوهرة الصحراء " تتلمذ محمود كعت على علماء عصره ، وكان وفيا لهم ، فذكر منهم : العالم الورع الزاهد " صالح جور " ، والعلامة القاضي " سيدي محمد بن آند محمد " ....
... ولا ريب في أن مؤلف " تاريخ الفتاش " قد سار على درب أساتذته وشيوخه ، حتى غدا مرموقا بين النابفين ، ونابغا بين المرموقين ، فأهله نبوغه لولاية قضاء مدينة " تنبكت " - كان قاضي هذه المدينة بمثابة قاضي قضاة دولة سنغي - ، وإلى مصادقة سلطان سنغي " محمد بن أبي بكر - 898/1493 -935/1529 - ، فقد كان موضع ثقته وأخلص مستشاريه ، رافقه في رحلته لأداء فريضة الحج عام 902 /1496 ، والتقى - أثناء وجوده في القاهرة وهو في طريق عودته من بلاد الحجاز - بالشيخ " جلال الدين السيوطي " - ت 911/1509 - وغيره من علماء مصر .....
... ولقد ظل القاضي محمود كعت على علاقة وطيدة بحكام سنغي بعد عزل محمد بن أبي بكر سنة 935/1529 ، فتزوج بعائشة بنت السلطان داود -955/1548-991/1582 - ، وهاجر بها من مدينة " كاغ " - عاصمة سنغي - إلى مدينة " تنبكت " إبان الغزو المغربي لدولة سنغي سنة 999/1591 ، أما وفاته فكانت - على الأرجح - سنة 1001/1593....
كتاب " تاريخ الفتاش "
****************
... شرع القاضي محمود كعت في تأليف كتابه " تاريخ الفتاش " عام 925/1519 ، وكانت دولة سنغي - في تلك الآونة - قد وصلت إلى قمة ازدهارها السياسي والاقتصادي والحضاري ، بسبب السياسة الحكيمة والجهود المشكورة التي بذلها سلطانها الحاج محمد بن أبي بكر ، فوجد القاضي محمود كعت أن عهد هذا السلطان جدير بالتسجيل والتأريخ ، لذا شرع في تأليف كتابه المذكور ، الذي قال في مقدمته :
" ... لما كان ذكر قصص الأنبياء والسلاطين وأكابر البلدان من عادة الحكماء والعلماء والأعيان ، اتخاذا بسنة القرآن ، وتذكيرا بما غبر من الزمان ... ومن الله علينا بأن أظهر لنا ، في زماننا هذا ، الإمام الصالح ، والخليفة العادل ، والسلطان الغالب ، والمنصور القائم أسكيا ( لقب السلطان ) الحاج محمد بن أبي بكر ... فانفسح له - بحمد الله - البلدان شرقا وغربا ، وتداعت له الوفود فردا وحمعا ، فأذعنت له الملوك كرها وطوعا ... أردت أن نجمع من أحواله الحلوان ... مما سهل على اليد واللسان ، وعلى الله سبحانه التكلان ..."....
.... وإذا كان المؤرخ قد أشار في مقدمة تاريخه إلى أنه سيؤرخ لعهد الحاج محمد بن أبي بكر دون غيره من العهود ، إلا أنه لم يلتزم بخطته ، فلقد امتد به العمر ، وتوالت الأحداث والوقائع ، فتابع التأريخ لعهود أبناء هذا السلطان الذين خلفوه في حكم دولة سنغي ، إلى أن وقعت وقائع الغزو المغربي لدولة سنغي سنة 999/1591 ، فتوقف عن الكتابة ، حتى قيض الله لهذا الكتاب حفيدا من حفدة القاضي محمود كعت - يدعى القاضي إسماعيل - فنسق الكتاب ، ورتب أحداثه ، واستكمل التأريخ للسنوات التي لم يعاصرها جده ، وهي سنوات الصدام العسكري المسلح بين المغاربة وحكام سنغي ، والتي انتقلت - في نهايتها المأساوية - دولة سنغي الإسلامية من مسرح التاريخ إلى كتبه ، فوصل به التأريخ إلى سنة 1007/1599....!!...
... ويمكن القول : إن " تاريخ الفتاش " كتاب حضاري - أيضا - ، لأنه يلقي الضوء على الأوضاع السياسية والاقتصادية والثقافية في بلاد السودان الغربي ، كما يمكن للباحث التعرف - من خلال دراسة أحداثه ووقائعه - على القبائل العديدة والمتنوعة التي عاشت في تلك المناطق إبان القرن العاشر الهجري / السادس عشر الميلادي ، ومعرفة أصولها الأولى ، وعاداتها وتقاليدها ، وأحوالها قبل اعتناقها الإسلام ، وأثناء حكم الدول الإسلامية التي قامت فيها ، والتي استطاعت أن تجمع شتات تلك القبائل في وحدة دينية وثقافية فريدة ....
" يتبع "