قد يتفاجأ البعض بعد الكثير من المقالات في هذه السلسلة بعنوانها ولكنه فعلاً كان السمة المميزة لعقد التسعينات خاصةً وأن هذه المقالة هي الأخيرة قبل الإنتقال إلى الألفية الجديدة، فهذه الحقبة التي شهدت تغييرات جذرية اجتماعياً في بلادنا والكثير من بلاد العالم أتت مغايرةً لما سبقها فكانت أشبه بحفلٍ للتعارف، وبالطبع فإن لكل فترةٍ زمنية ما يميزها لكن الكثير من الأفكار والمعتقدات والأحداث في العقود السابقة كانت متغيرةً بين مدٍ وجزر لتكون التسعينات الأساس الذي بني عليه أغلب ما نعيشه اليوم، فمعرفة الدول العربية عن ثقافة بعضها البعض كانت سطحيةً بعض الشيء ويطغى عليها الصورة الفلكلورية المبالغ فيها والتي يحكمها التنميط والمتأثرة بشعارات المراحل السابقة، ولم تكن الصور القادمة من معظم الدول قادرةً على أن تعكس الواقع الذي يعيشه كل مجتمع لوجود فجوةٍ كبيرة في الكثير من الأعمال الفنية والأدبية بين الحياة اليومية للشعوب وبين ما عرضته تلك الأعمال التي نقلت جانباً معيناً أو رؤيةً خاصة بأصحابها، علاوةً على قلة الإمكانات الإنتاجية والتي تجلت في عددٍ متواضع من الإصدارات دون أن ننسى العامل الأكثر أهمية وهو التوزيع والقدرة على تسويق العمل تجارياً، لذا كانت الصحافة والإعلام والسينما والإنتاجات الفنية على تفاوتها خاصةً بعد انطلاق البث الفضائي لأغلب الدول العربية هي البوابة التي سمحت لمجتمعاتنا بتكوين فكرةٍ مبدئية عن بعضها البعض (بشكل أقرب إلى الواقعية) كونها أيضاً لم تتحدث عن كافة فئات وثقافات المجتمع وقامت بتصدير صور بعينها، عدا عن أن هامش الحرية ظل محدوداً في تلك الفترة حتى على صعيد مناقشة القضايا الإجتماعية..
كما أن مجتمعاتنا ولنتحدث بقدرٍ من الصراحة والوضوح كانت في حيرةٍ من أمرها وبدأت بشكلٍ تدريجي تفكر بأسلوبٍ مختلف تبعاً للمتغيرات المستمرة في معظم جوانب حياتها وقضاياها الرئيسية، وجعلها بشكلٍ مباشر أو غير مباشر تعيد ترتيب أولوياتها وتقرأ المشهد بواقعية أكبر بعيداً عن الصورة المثالية التي اعتقدنا أنها تضمنا وتتسع لنا جميعاً، مما جعلنا نرى الإختلافات التي لم نكن نلتفت لها من قبل، خاصةً مع تزامنها مع العديد من الأزمات الداخلية في أكثر من بلد وفي توقيتٍ متقارب، ولا نستطيع أن ننكر أن القضية الفلسطينية واندلاع انتفاضتها الأولى والتي عرفت بإنتفاضة الحجارة عام ١٩٨٧ وانتهاء الحرب الأهلية اللبنانية امتد تأثيرها ليشمل كل بلادنا ويطرح الكثير من الأسئلة حول الهوية الوطنية وحتى الشخصية لكلٍ منا، وأصبح هناك حالة من التذبذب بين بقايا خطاب قومي أو (حالة) وطنية محدودة جداً أو هوية دينية سواءاً كانت إسلامية أم مسيحية، وكلٌ منها يجعل من لا ينتمي لها غريباً وإن كان جاره مع أن جوهر الدين ومفهوم الوطن ليسا كذلك، فبدأت هذه الأفكار تطفو على السطح كإفراز لإخفاق التجارب السابقة واستمرت بالتشكل مع صعود التيارات السياسية ذات الخلفية الدينية (وفقاً لرؤيتها) والتي تتخذ منها غطاءاً للوصول إلى سدة الحكم، والتي أثرت على أغلب المواطنين على امتداد بلادنا خاصةً مع صمت الكثير من المثقفين وتراجع دورهم وعدم قدرتهم على تحليل الوضع أو الإستمرار أو التجدد، وتبني بعضهم خطاباً غير موجود على أرض الواقع وكأن الزمن توقف به عند مرحلةٍ ينتظر أن تعود من جديد..
كما أن عمل العديد من الجنسيات العربية معاً في نفس البلد كان فرصةً للتلاقي ولمعرفة الثقافات الأخرى عن قرب ولتشكيل علاقاتٍ وصداقات متينة وحقيقية، كون المعايشة اليومية وظروف العمل أحياناً قد تخلق رابطاً قوياً يقرب الأشخاص من بعضهم (خاصةً وإن كانوا بعيداً عن أجواء الشحن والتجاذب والخطابات العنصرية والتحريضية)، والتي ستدفعهم لرؤية الشخص الآخر بشكلٍ متجرد وكإنسان دون أحكام مسبقة أو صورةٍ صنعها الغير وقد لا تكون منصفةً بالضرورة..
وكانت حالة التوجس من (القادم) والذي يشكل في الأذهان مخاوف من ما سيتغير بعد العام ٢٠٠٠، وتجسدت في حالتين متناقضتين بين الإنفتاح على كل ما هو جديد من جهة والتمسك بكل ماهو كلاسيكي من جهة أخرى وظهور هذا الصراع في مختلف المجالات وفي أبسط التفاصيل ومنها (على سبيل المثال) استخدام بعض المكاتب والشركات آنذاك للآلة الكاتبة مقابل وجهات نظر لا ترضى بديلاً عن استخدام الكمبيوتر وإدخال التقنية، وحتى على صعيد الفن والإعلام كان هناك تنافسٌ دائم بين أسماءٍ هامة وتاريخ عريق مع تجارب شبابية بشكل وأسلوبٍ متأثر بالنمط الغربي، مما جعل الحالة الفنية تحديداً في النصف الثاني للتسعينات في الكثير من الأحيان تتقدم خطوةً للأمام وتعود خطواتٍ للوراء خاصةً مع بدء المنافسة بين الدول العربية واطلاعٍ كلٍ منها على تجربة الآخر فعلياً، وهو ما كان له سلبياته كما كان له ايجابياته التي ستنتقل معها إلى الألفية الجديدة وستتأثر الفنون بإختفاء أشرطة الكاسيت والڤيديو المتعارف عليها وظهور السي دي الذي سيحل مكانها بشكلٍ تدريجي حاملاً معه مستجدات اقتصادية واجتماعية جديدة، محملةً بالترقب وبظهور ملامح مختلفة ستكون سمة جيل ومرحلة بأكملها في مختلف جوانب الحياة الثقافية والإجتماعية، والتي ستشكل المتغيرات السياسية لاحقاً عدة نقاط تحول ستنتج واقعاً جديداً لم نكن نتخيله في تلك الحقبة الزمنية التي أصبحت بعيدة رغم أننا لا نشعر بذلك..
خالد جهاد..
كما أن مجتمعاتنا ولنتحدث بقدرٍ من الصراحة والوضوح كانت في حيرةٍ من أمرها وبدأت بشكلٍ تدريجي تفكر بأسلوبٍ مختلف تبعاً للمتغيرات المستمرة في معظم جوانب حياتها وقضاياها الرئيسية، وجعلها بشكلٍ مباشر أو غير مباشر تعيد ترتيب أولوياتها وتقرأ المشهد بواقعية أكبر بعيداً عن الصورة المثالية التي اعتقدنا أنها تضمنا وتتسع لنا جميعاً، مما جعلنا نرى الإختلافات التي لم نكن نلتفت لها من قبل، خاصةً مع تزامنها مع العديد من الأزمات الداخلية في أكثر من بلد وفي توقيتٍ متقارب، ولا نستطيع أن ننكر أن القضية الفلسطينية واندلاع انتفاضتها الأولى والتي عرفت بإنتفاضة الحجارة عام ١٩٨٧ وانتهاء الحرب الأهلية اللبنانية امتد تأثيرها ليشمل كل بلادنا ويطرح الكثير من الأسئلة حول الهوية الوطنية وحتى الشخصية لكلٍ منا، وأصبح هناك حالة من التذبذب بين بقايا خطاب قومي أو (حالة) وطنية محدودة جداً أو هوية دينية سواءاً كانت إسلامية أم مسيحية، وكلٌ منها يجعل من لا ينتمي لها غريباً وإن كان جاره مع أن جوهر الدين ومفهوم الوطن ليسا كذلك، فبدأت هذه الأفكار تطفو على السطح كإفراز لإخفاق التجارب السابقة واستمرت بالتشكل مع صعود التيارات السياسية ذات الخلفية الدينية (وفقاً لرؤيتها) والتي تتخذ منها غطاءاً للوصول إلى سدة الحكم، والتي أثرت على أغلب المواطنين على امتداد بلادنا خاصةً مع صمت الكثير من المثقفين وتراجع دورهم وعدم قدرتهم على تحليل الوضع أو الإستمرار أو التجدد، وتبني بعضهم خطاباً غير موجود على أرض الواقع وكأن الزمن توقف به عند مرحلةٍ ينتظر أن تعود من جديد..
كما أن عمل العديد من الجنسيات العربية معاً في نفس البلد كان فرصةً للتلاقي ولمعرفة الثقافات الأخرى عن قرب ولتشكيل علاقاتٍ وصداقات متينة وحقيقية، كون المعايشة اليومية وظروف العمل أحياناً قد تخلق رابطاً قوياً يقرب الأشخاص من بعضهم (خاصةً وإن كانوا بعيداً عن أجواء الشحن والتجاذب والخطابات العنصرية والتحريضية)، والتي ستدفعهم لرؤية الشخص الآخر بشكلٍ متجرد وكإنسان دون أحكام مسبقة أو صورةٍ صنعها الغير وقد لا تكون منصفةً بالضرورة..
وكانت حالة التوجس من (القادم) والذي يشكل في الأذهان مخاوف من ما سيتغير بعد العام ٢٠٠٠، وتجسدت في حالتين متناقضتين بين الإنفتاح على كل ما هو جديد من جهة والتمسك بكل ماهو كلاسيكي من جهة أخرى وظهور هذا الصراع في مختلف المجالات وفي أبسط التفاصيل ومنها (على سبيل المثال) استخدام بعض المكاتب والشركات آنذاك للآلة الكاتبة مقابل وجهات نظر لا ترضى بديلاً عن استخدام الكمبيوتر وإدخال التقنية، وحتى على صعيد الفن والإعلام كان هناك تنافسٌ دائم بين أسماءٍ هامة وتاريخ عريق مع تجارب شبابية بشكل وأسلوبٍ متأثر بالنمط الغربي، مما جعل الحالة الفنية تحديداً في النصف الثاني للتسعينات في الكثير من الأحيان تتقدم خطوةً للأمام وتعود خطواتٍ للوراء خاصةً مع بدء المنافسة بين الدول العربية واطلاعٍ كلٍ منها على تجربة الآخر فعلياً، وهو ما كان له سلبياته كما كان له ايجابياته التي ستنتقل معها إلى الألفية الجديدة وستتأثر الفنون بإختفاء أشرطة الكاسيت والڤيديو المتعارف عليها وظهور السي دي الذي سيحل مكانها بشكلٍ تدريجي حاملاً معه مستجدات اقتصادية واجتماعية جديدة، محملةً بالترقب وبظهور ملامح مختلفة ستكون سمة جيل ومرحلة بأكملها في مختلف جوانب الحياة الثقافية والإجتماعية، والتي ستشكل المتغيرات السياسية لاحقاً عدة نقاط تحول ستنتج واقعاً جديداً لم نكن نتخيله في تلك الحقبة الزمنية التي أصبحت بعيدة رغم أننا لا نشعر بذلك..
خالد جهاد..