كنتُ في الرابعة عشرة من العمر عندما راودني حلمُ العمل أوّل مرّة في الإعلام الدولي خاصّة هيئة الإذاعة البريطانية BBC، عندما كتبتُ وسجلتُ تقريرا على جهاز كاسيت قديم بعنوان "الصحفي المجهول يقول..".
كان تقريرا "ميدانيا" عن تغطية حفل ختان ابن الخالة حيث انقلبت الأدوار بين الأشخاص والبرّاد، وهو وعاء الشاي الذي يتوسط الجلسة بوقار ومهابة بين الكؤوس وسط الصينية. فجاء السرد على لسان البرّاد وهو يصف وقائع الحفل، ولِمَ التفّتْ هذه الكائنات الآدمية الغريبة في جلستها بانتظار وصول كؤوس الشاي إليها وبقية تفاصيل المناسبة. ويبدو أن قلب الأدوار بهذه الطريقة وتراجع الوجوه الآدمية إلى أدوار ثانوية جسّدا أولى تخيلاتي لما بعد الحداثة وتجاوز أعراف البنيوية.
كنت أترددُ وقتها على القنصلية البريطانية في حي حسّان في الرباط للحصول على الأعداد الجديدة من مجلة "هنا لندن"، وحريصا على قراءة موضوعاتها وتتبع أخبار مذيعيها وجديد الثقافة في بريطانيا. وذات يوم، ظهرت لي بين الصفحات صورة رشاد رمضان وهو يرتدي قميصا أبيضا T-shirt وعليه عبارة "ندوة المستمعين". فانساق عقلي خلف هذه الصورة، بل غدتْ لحظةً دامغةً في رأسي وحلما مندفعا في وجداني لسنوات لاحقة حتى مرحلة الجامعة.
تمرّ أشهر وسنوات، وتنمو عروة وثقى بيني وبين قميص رشاد كقوة دفع في الطريق نحو بوش هاوس العريق. وبُعيد استقراري في لندن للدراسة في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية LSE وبدء أول تجربة لي في القسم العربي لهيئة الإذاعة البريطانية، كان أول تعارف مباشر بيننا في مكتب صلاح عز الدين المسؤول وقتها على قسم المنوعات والدراما.
كان رشاد تلقائيا وأنيقًا في طريقته بابتسامته العفوية، مما جعلني ألمس فيه شخصية تجمع بين صفاء الروح ومتانة المنحى الاحترافي سواء في هندسة أحد أعرق البرامج في هيئة الإذاعة البريطانية أو في المسلسلات الدرامية التي تمت ترجمتها مثل "عمدة بلدية كاستبرديج" و"العودة من الضباب"، ومثلت بالتالي نماذج ناجحة من التفاعل الثقافي بين بريطانيا والعالم العربي.
قضيتُ بضع سنوات في لندن، ولم أجرؤ على ملاحقته بطلب "قميص ندوة المستمعين"، وهو الذي ألهمني، من حيث لا يدري، بهندسة خط مستقيم في حياتي نحو إذاعة بي بي سي BBC. ولا زلت أدين لك يا أبا الرشد بالجميل لأنك رشدتَ ومنحتَ مراهقا في سن البحث عن بوصلة المستقبل خيط حلمٍ رفيعٍ تمسك به ليتمرّد على ألا تبقى الأحلام حبيسة الصدور.
فلتخلد روحك الزكية في جنان الرحمة والنعيم، وصورتك القديمة لا تزال تنبض في جوارحي بكل محبة وتقدير.
كان تقريرا "ميدانيا" عن تغطية حفل ختان ابن الخالة حيث انقلبت الأدوار بين الأشخاص والبرّاد، وهو وعاء الشاي الذي يتوسط الجلسة بوقار ومهابة بين الكؤوس وسط الصينية. فجاء السرد على لسان البرّاد وهو يصف وقائع الحفل، ولِمَ التفّتْ هذه الكائنات الآدمية الغريبة في جلستها بانتظار وصول كؤوس الشاي إليها وبقية تفاصيل المناسبة. ويبدو أن قلب الأدوار بهذه الطريقة وتراجع الوجوه الآدمية إلى أدوار ثانوية جسّدا أولى تخيلاتي لما بعد الحداثة وتجاوز أعراف البنيوية.
كنت أترددُ وقتها على القنصلية البريطانية في حي حسّان في الرباط للحصول على الأعداد الجديدة من مجلة "هنا لندن"، وحريصا على قراءة موضوعاتها وتتبع أخبار مذيعيها وجديد الثقافة في بريطانيا. وذات يوم، ظهرت لي بين الصفحات صورة رشاد رمضان وهو يرتدي قميصا أبيضا T-shirt وعليه عبارة "ندوة المستمعين". فانساق عقلي خلف هذه الصورة، بل غدتْ لحظةً دامغةً في رأسي وحلما مندفعا في وجداني لسنوات لاحقة حتى مرحلة الجامعة.
تمرّ أشهر وسنوات، وتنمو عروة وثقى بيني وبين قميص رشاد كقوة دفع في الطريق نحو بوش هاوس العريق. وبُعيد استقراري في لندن للدراسة في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية LSE وبدء أول تجربة لي في القسم العربي لهيئة الإذاعة البريطانية، كان أول تعارف مباشر بيننا في مكتب صلاح عز الدين المسؤول وقتها على قسم المنوعات والدراما.
كان رشاد تلقائيا وأنيقًا في طريقته بابتسامته العفوية، مما جعلني ألمس فيه شخصية تجمع بين صفاء الروح ومتانة المنحى الاحترافي سواء في هندسة أحد أعرق البرامج في هيئة الإذاعة البريطانية أو في المسلسلات الدرامية التي تمت ترجمتها مثل "عمدة بلدية كاستبرديج" و"العودة من الضباب"، ومثلت بالتالي نماذج ناجحة من التفاعل الثقافي بين بريطانيا والعالم العربي.
قضيتُ بضع سنوات في لندن، ولم أجرؤ على ملاحقته بطلب "قميص ندوة المستمعين"، وهو الذي ألهمني، من حيث لا يدري، بهندسة خط مستقيم في حياتي نحو إذاعة بي بي سي BBC. ولا زلت أدين لك يا أبا الرشد بالجميل لأنك رشدتَ ومنحتَ مراهقا في سن البحث عن بوصلة المستقبل خيط حلمٍ رفيعٍ تمسك به ليتمرّد على ألا تبقى الأحلام حبيسة الصدور.
فلتخلد روحك الزكية في جنان الرحمة والنعيم، وصورتك القديمة لا تزال تنبض في جوارحي بكل محبة وتقدير.