ذكريات الصيف 1
أتذكّرُ فترة الطفولة وتجاربي الأولى في المدرسة الابتدائية بتفاصيل كثيرة، كمن يعود إلى مرجعيات تأصيلية لصيغته الأولى أو كيانه الخام، فيقارن بين مستوى إدراكه وملامح شخصيته آنذاك، وكيف تدرجت قناعاتُه وتبلور نضجُه واكتمل بنيانُ شخصيته عبر السّنين.
كنتُ في التاسعة من العمر تلميذا نجيبا وحريصا أيضا على نجاح أختي وأخي في مسارهما الدراسي. وغدوتُ مدرّسا صغيرا لهما في المنزل في ساعات المساء وكأنّي الوصيّ على تعليمهما وضمان مستقبلهما من خلال التفوق الدراسي. كانت العادة عند عودتهما من المدرسة أن يسلّما على الوالدة، وأيضا من تكن من الزائرات من قريبات أو صديقات بتقبيل أيديهنّ، وهي مجاراةٌ للثّقافة التي تقتضي تجسيد الطّاعة والاحترام بهذه الطريقة.
لكن هذا المشهد كان يثير حنقي، ولم أرَ فيه تجسيدًا للمحبّة، ولا أفضل ترجمة للاحترام. فحرّضتُ أختي وأخي على طريقة بديلة، وهي تقبيلُ الوالدة على جبينها أو رأسها، ومجرّد مصافحة الضّيوف بالأيدي أكثر من ذلك. لم تتقبّل الوالدة رحمها الله هذا التغيير أوّل مرة، ونظرتْ إليّ نظرةّ مريبةً كمن سيفسدّ نظام التربية أو ينشر بدعةً ضالّةً. لكنها قبلت الفكرة بعد أن أقنعتها أن تقبيل اليد قد يعني الطاعة، ولكنه لا يجسّد المحبة بالضرورة، والأكثر من ذلك أن طاعة الوالدين في جوهرها تأتي بالاقتناع وهي وليدة المحبّة، وليست بالطّاعة القسرية.
لم أكن أعرف وقتها كتب ابن رشد ولا فلسفته في التربية، وهو القائل "علّم ابنك أن يقبلك على رأسك لا على يدك حتى يتعلّم الشموخ والعزة بدلاً من أن يتعلّم الإنحناء والإذلال." وهي مقولة ينسبها البعض أيضا إلى القيم بن الجوزية، وهذا خلاف تاريخي لن أخوض فيه الآن.
تمرّ السنوات وقد اختفت عادة "تقبيل اليد" من ثقافة العائلة. وكثرت الأسفار وبعدها العناقات بعد العودة بالأحضان وتقبيل الوالدة والوالد على رأسيهما. واتّضح أنّي لم أكن مخرّب أخلاق أو داعية لبدعة ضالّة، بقدر ما أعتزُ بعلاقة العمر بشقيقتي وشقيقي، وفخورٌ بنجاحيْهما بأطروحتيْ دكتوراه بتفوق، وتحقيق ذاتيتهما ومسارهما الناصع في مجالهما الإنساني، وتأكيد سمعتهما بين فئات المجتمع بكل شموخ وعزّة.
أتذكّرُ فترة الطفولة وتجاربي الأولى في المدرسة الابتدائية بتفاصيل كثيرة، كمن يعود إلى مرجعيات تأصيلية لصيغته الأولى أو كيانه الخام، فيقارن بين مستوى إدراكه وملامح شخصيته آنذاك، وكيف تدرجت قناعاتُه وتبلور نضجُه واكتمل بنيانُ شخصيته عبر السّنين.
كنتُ في التاسعة من العمر تلميذا نجيبا وحريصا أيضا على نجاح أختي وأخي في مسارهما الدراسي. وغدوتُ مدرّسا صغيرا لهما في المنزل في ساعات المساء وكأنّي الوصيّ على تعليمهما وضمان مستقبلهما من خلال التفوق الدراسي. كانت العادة عند عودتهما من المدرسة أن يسلّما على الوالدة، وأيضا من تكن من الزائرات من قريبات أو صديقات بتقبيل أيديهنّ، وهي مجاراةٌ للثّقافة التي تقتضي تجسيد الطّاعة والاحترام بهذه الطريقة.
لكن هذا المشهد كان يثير حنقي، ولم أرَ فيه تجسيدًا للمحبّة، ولا أفضل ترجمة للاحترام. فحرّضتُ أختي وأخي على طريقة بديلة، وهي تقبيلُ الوالدة على جبينها أو رأسها، ومجرّد مصافحة الضّيوف بالأيدي أكثر من ذلك. لم تتقبّل الوالدة رحمها الله هذا التغيير أوّل مرة، ونظرتْ إليّ نظرةّ مريبةً كمن سيفسدّ نظام التربية أو ينشر بدعةً ضالّةً. لكنها قبلت الفكرة بعد أن أقنعتها أن تقبيل اليد قد يعني الطاعة، ولكنه لا يجسّد المحبة بالضرورة، والأكثر من ذلك أن طاعة الوالدين في جوهرها تأتي بالاقتناع وهي وليدة المحبّة، وليست بالطّاعة القسرية.
لم أكن أعرف وقتها كتب ابن رشد ولا فلسفته في التربية، وهو القائل "علّم ابنك أن يقبلك على رأسك لا على يدك حتى يتعلّم الشموخ والعزة بدلاً من أن يتعلّم الإنحناء والإذلال." وهي مقولة ينسبها البعض أيضا إلى القيم بن الجوزية، وهذا خلاف تاريخي لن أخوض فيه الآن.
تمرّ السنوات وقد اختفت عادة "تقبيل اليد" من ثقافة العائلة. وكثرت الأسفار وبعدها العناقات بعد العودة بالأحضان وتقبيل الوالدة والوالد على رأسيهما. واتّضح أنّي لم أكن مخرّب أخلاق أو داعية لبدعة ضالّة، بقدر ما أعتزُ بعلاقة العمر بشقيقتي وشقيقي، وفخورٌ بنجاحيْهما بأطروحتيْ دكتوراه بتفوق، وتحقيق ذاتيتهما ومسارهما الناصع في مجالهما الإنساني، وتأكيد سمعتهما بين فئات المجتمع بكل شموخ وعزّة.