فى غضون النصف الأول من القرن 18 ظهرت الصورة الفوتوغرافية، ومع انتشارها صارت تحمل الكثير من الدلالات- فمن "أنا" إلى "أنا آخر" يتمدد فى الزمن من بعدى، لأصير مرئيا رغم غيابى الفعلى؛ وهو ما يعيد تعريف الذاكرة، إذ يموضعها خارج "البيولوجى"، ويحد من تجريدية اللغة السردية، مما يثرى الزمن ذاته بإضافة فصل جديد إلى فصوله القديمة .
هذا فضلا عن الإسقاطات الثقافية الشعبية التى حوَّلت الصور إلى "ظلال، أو وجود هّش للكائن الإنسانى؛ هو جزء من ممارسة السحر التمثيلى لمرواغة الأمراض والقوى الخفية"؛ حيث كانوا يعتقدون بأن الطفل الذى تُلتقط له صورة، يظل بمنأى عن الموت، فالصورة هنا تقوم بوظيفة "تحدى الموت، بتوَزُّع الإنسان إلى أنا وأنا آخر" مما يربِك الموت نفسه".
هذا وقد أشار "فيورباخ" إلى أن الناس فى عصره "النصف الأول من القرن 18" صاروا يفضلون صور الأشياء عن الأشياء ذاتها...
الشغف بالصور، سيتكاثف أكثر مع ظهور السينما فى النصف الثانى من القرن 19- ذلك أنه صار بإمكان الإنسان أن يرى المشهد الكلى المؤطرة لوجوده... سواء أكان هو جزءا منه أم لا.
بتطور السينما، وظهور الأفلام السينمائية، ومن ثم تحولها إلى صناعة مؤسسية، وانتشارها جماهيريا، بعوائدها الربحية الخيالية، بدأ التفكير فى "الصورة وتقنيات التصوير والمونتاج" باعتبار هذه العمليات أدوات بلاغية "إقناعية- عظيمة الأثر"...
من هنا ارتكزت صناعة السينما على دراسات وأبحاث إجتماعية وسيكولوجية فى محاولة للإجابة عن سؤال: "شروط صناعة النجوم؟"...
يتحدث "أدغار موران- فى كتابة، نجوم السينما" بإسهاب عن تلك الأبحاث، ودورها فى الحفر فى الإستجابات السيكولوجية للجمهور، مما كشف بقوة عن أن النجوم يمثلون امتدادات رمزية متجذِّرة فى عمق اللاوعى الجمعى- وهو ما يعيدنا إلى "يونج" بأنماطه الفطرية.
من هذه الزاوية، السينما، من منظور معين، تشتغل على إطلاق الوحوش الكامنة فى الحنايا المظلمة للنفس الإنسانية. وعلى الرغم من أن تلك الوحوش- قبل اختراع السينما- "هم سكان القارة المجهولة بداخلنا"، ويعملون دون علم منا على تشكيل حياتنا، إلاَّ أنهم، مع ظهور السينما، تم إطلاق سراحهم، وصاروا يعملون فى العلن بعد أن تم برمجتهم ومن ثم توجيههم واستثمارهم من قِبَل صُنَّاع السينما، للهيمنة على الجماهير...
السلطة والسينما والجماهير:
فى كتابهما "جدل التنوير"، يتحدث أدرنو وهوركهايمر، من منظور معين "فى الفصل المعنون بثقافة الجماهير"، عن الدور التضليلى الذى تلعبه السينما فى حياة الجماهير، لكننى هنا- تواصلا معهما- أريد أن ألقى بعض الضوء على الكيفية التى تشتغل بها السلطة الحداثية على "الصور- كرموز أسطورية" ملتهمة للجماهير، والكيفية التى تحل بها تلك الرموز "بوحشيتها الإلتهامية" محل الواقع؟، وكيف أن تلك الرموز التى لا تكف السلطة عن استثمارها بل وصناعتها وتعميمها، تجرد الجماهير من وعيها وقوتها، بل وتعمل على تحويلها- من الداخل- إلى جماهير بدائية؛ حيوانات مُرتَهِنَة لغرائزها - ولعل هذا بعض مما يمكن إضافته لما يطلق عليه فوكو "السياسة الحيوية".
لقد تحولت الصور "التى عادة ما تكون صورا لأشياء ما" إلى أداة للهيمنة السلطوية الحداثية- وبتعبير أدق- إلى إحدى وسائل اللعب بالشعوب، ومن ثم إخضاعها .
"تأميم الجسد"؛ نزعِه من صاحبه، هو ما يرتكز عليه المشروع الحداثى؛ بإحلال الصور محل الواقع، مما يقلِّص الواقع نفسه، ويمِيته... / أنظر إلى "النماذج الجمالية الفائقة التى اعتادت السينما أن تقدمها لنا من خلال النجوم"، ستجد أن تلك النماذج "الصورية، التمثيلية" هى التى تسكننا، ونتعامل من خلالها مع البشر الواقعيين... وهو ما يعنى أننا لم نعد "نحب" الإنسان الحقيقى الذى نتعامل معه، هو نفسه، بل نتعامل معه باعتباره الصورة المستنسخة، بدرجة ما، من الصورة النموذجية...
الفكرة هنا تتعلق بالوسائط التكنولوجية، وبـ "النماذج الصورية" التى تنتجها... وكيف أنها سلبتنا من أنفسنا "همَّشَتنا"، حتى أننا تحولنا إلى صور تدخل فى علاقات مع صور أخرى.
ما يمكن قوله- هو أن "السلطة" فى الحداثة وما بعدها، تحكُم بالوَهم... فهو أداتها الجديدة فى اغتيال كل ما هو واقعى...
نعم، ما التقدم الحداثى، فى نهاية الأمر، سوى صورة قشرية، قناااااع.... يخفى تحته كل ما هو بدائى.
هذا فضلا عن الإسقاطات الثقافية الشعبية التى حوَّلت الصور إلى "ظلال، أو وجود هّش للكائن الإنسانى؛ هو جزء من ممارسة السحر التمثيلى لمرواغة الأمراض والقوى الخفية"؛ حيث كانوا يعتقدون بأن الطفل الذى تُلتقط له صورة، يظل بمنأى عن الموت، فالصورة هنا تقوم بوظيفة "تحدى الموت، بتوَزُّع الإنسان إلى أنا وأنا آخر" مما يربِك الموت نفسه".
هذا وقد أشار "فيورباخ" إلى أن الناس فى عصره "النصف الأول من القرن 18" صاروا يفضلون صور الأشياء عن الأشياء ذاتها...
الشغف بالصور، سيتكاثف أكثر مع ظهور السينما فى النصف الثانى من القرن 19- ذلك أنه صار بإمكان الإنسان أن يرى المشهد الكلى المؤطرة لوجوده... سواء أكان هو جزءا منه أم لا.
بتطور السينما، وظهور الأفلام السينمائية، ومن ثم تحولها إلى صناعة مؤسسية، وانتشارها جماهيريا، بعوائدها الربحية الخيالية، بدأ التفكير فى "الصورة وتقنيات التصوير والمونتاج" باعتبار هذه العمليات أدوات بلاغية "إقناعية- عظيمة الأثر"...
من هنا ارتكزت صناعة السينما على دراسات وأبحاث إجتماعية وسيكولوجية فى محاولة للإجابة عن سؤال: "شروط صناعة النجوم؟"...
يتحدث "أدغار موران- فى كتابة، نجوم السينما" بإسهاب عن تلك الأبحاث، ودورها فى الحفر فى الإستجابات السيكولوجية للجمهور، مما كشف بقوة عن أن النجوم يمثلون امتدادات رمزية متجذِّرة فى عمق اللاوعى الجمعى- وهو ما يعيدنا إلى "يونج" بأنماطه الفطرية.
من هذه الزاوية، السينما، من منظور معين، تشتغل على إطلاق الوحوش الكامنة فى الحنايا المظلمة للنفس الإنسانية. وعلى الرغم من أن تلك الوحوش- قبل اختراع السينما- "هم سكان القارة المجهولة بداخلنا"، ويعملون دون علم منا على تشكيل حياتنا، إلاَّ أنهم، مع ظهور السينما، تم إطلاق سراحهم، وصاروا يعملون فى العلن بعد أن تم برمجتهم ومن ثم توجيههم واستثمارهم من قِبَل صُنَّاع السينما، للهيمنة على الجماهير...
السلطة والسينما والجماهير:
فى كتابهما "جدل التنوير"، يتحدث أدرنو وهوركهايمر، من منظور معين "فى الفصل المعنون بثقافة الجماهير"، عن الدور التضليلى الذى تلعبه السينما فى حياة الجماهير، لكننى هنا- تواصلا معهما- أريد أن ألقى بعض الضوء على الكيفية التى تشتغل بها السلطة الحداثية على "الصور- كرموز أسطورية" ملتهمة للجماهير، والكيفية التى تحل بها تلك الرموز "بوحشيتها الإلتهامية" محل الواقع؟، وكيف أن تلك الرموز التى لا تكف السلطة عن استثمارها بل وصناعتها وتعميمها، تجرد الجماهير من وعيها وقوتها، بل وتعمل على تحويلها- من الداخل- إلى جماهير بدائية؛ حيوانات مُرتَهِنَة لغرائزها - ولعل هذا بعض مما يمكن إضافته لما يطلق عليه فوكو "السياسة الحيوية".
لقد تحولت الصور "التى عادة ما تكون صورا لأشياء ما" إلى أداة للهيمنة السلطوية الحداثية- وبتعبير أدق- إلى إحدى وسائل اللعب بالشعوب، ومن ثم إخضاعها .
"تأميم الجسد"؛ نزعِه من صاحبه، هو ما يرتكز عليه المشروع الحداثى؛ بإحلال الصور محل الواقع، مما يقلِّص الواقع نفسه، ويمِيته... / أنظر إلى "النماذج الجمالية الفائقة التى اعتادت السينما أن تقدمها لنا من خلال النجوم"، ستجد أن تلك النماذج "الصورية، التمثيلية" هى التى تسكننا، ونتعامل من خلالها مع البشر الواقعيين... وهو ما يعنى أننا لم نعد "نحب" الإنسان الحقيقى الذى نتعامل معه، هو نفسه، بل نتعامل معه باعتباره الصورة المستنسخة، بدرجة ما، من الصورة النموذجية...
الفكرة هنا تتعلق بالوسائط التكنولوجية، وبـ "النماذج الصورية" التى تنتجها... وكيف أنها سلبتنا من أنفسنا "همَّشَتنا"، حتى أننا تحولنا إلى صور تدخل فى علاقات مع صور أخرى.
ما يمكن قوله- هو أن "السلطة" فى الحداثة وما بعدها، تحكُم بالوَهم... فهو أداتها الجديدة فى اغتيال كل ما هو واقعى...
نعم، ما التقدم الحداثى، فى نهاية الأمر، سوى صورة قشرية، قناااااع.... يخفى تحته كل ما هو بدائى.