ناصر دمج(*) - لنفعل المزيد للفوز في معركة الغاز والنفط

قلائل الذين يعرفون أسباب امتناع "ياسر عرفات"، عن التوقيع على اتفاقية القاهرة 1994م، وأحدث الجلبة التي أحدثها أمام العالم، بعد أن قرأ بالصدفة سطراً عرف منه أن الانسحاب الذي يتم الاتفاق حوله سيقتصر على 45 كيلومتر فقط، أي حدود بلدية أريحا، بينما أخبر من قبل بأن الانسحاب سيطال 593 كم، بما يلامس الحد الشمالي الغربي للبحر الميت، حيث تختزن الأرض هناك كميات كبيرة من الغاز، ضمن حقول فلسطينية سميت بمسميات إسرائيلية، وهي: (زوهار وكيدود وحكانايم)، استنزفتها دولة الاحتلال الإسرائيلي بالكامل، وكان يقدر مخزونها بـــ 6,5 مليارات قدم مكعب، بينما بلغ معدل الإنتاج اليومي لها نحو 4,5 ملايين قدم مكعب، ووفرت سيما حقل (زوهار)، الوقود لمصانع البوتاس والفوسفات جنوب مدينة أريحا، عبر أنابيب مطمورة تحت التراب، بطول 29 كم، وبحجم 6 بوصات، كما يزود المنطقة الصناعية الواقعة شمالي النقب عن طريق خط أنابيب مماثل بطول 49 كم وبحجم 4 - 6 بوصات.
وتأكيداً لهذه الحقائق، فقد نشرت القناة الإسرائيلية الثانية بتاريخ 30 نيسان 2016م، تقريراً موسعاً حول اكتشاف مجموعة شركات تنقيب عرفت باسم (هتروريم للتنقيب عن النفط والغاز)، لحقل نفطي في المنطقة المقصودة، قدر مخزونه بــ 7 - 11 ملايين برميل، ويشمل ترخيص (هتروريم) 94 كيلومتراً مربعاً من أراض محافظة أريحا، وأفاد "أيلي تانينباوم" المستشار الجيولوجي للشركة، أن هذا الاكتشاف يعد مؤشراً مهماً على وجود آبار أكبر بكثير في المنطقة، التي ينطوي العمل فيها على الكثير من الفرص.
قامت إسرائيل بما قامت به؛ خوفاً من مطالبة الفلسطينيون مستقبلاً، بتقاسم مخزون تلك الآبار، لأنه من الممكن أن تقوم جهة من الجهات المتشاطرة بملكية البئر، بسحب ما تريد منه دون موافقة نظيرتها؛ وهو ما سيحصل في حقل "كاريش" المتنازع عليه بين لبنان وإسرائيل.
مضاف لذلك ووفقاً للعديد من الدراسات الأجنبية والإسرائيلية وتقديرات بعض الخبراء الفلسطينيين، بأن شواطئ البحر الميت وصولاً لجنوب مدينة أريحا ومشارف محافظة القدس، تحتوي على كميات تجارية من الغاز الطبيعي.
لهذ فإن الجانب الفلسطيني، مطالب بدعوة المجتمع الدولي لاستكمال العمل بالاتفاق الموقع عام 1994م، وتفاق طابا، بتسليم مناطق (ج) للسلطة الفلسطينية، وإنهاء المرحلة الانتقالية حسب اتفاقيتي أوسلو والقاهرة.
أو فتح الاتفاقات برمتها، بما في ذلك برتوكول باريس الاقتصادي، ليصبح ملائماً للتغييرات التي ألمت بالمنطقة ومنها الزيادة السكانية، وانحسار الحيز الجغرافي على السكان، وتعاظم حاجتهم للموارد المائية وإمدادات الطاقة؛ والمطالبة بمغادرة الجانب الإسرائيلي للحيز المائي المخصص للفلسطينيين في بحر غزة؛ وفقاً للاتفاقية نفسها.
ورفع القيود الإسرائيلية عن مواصلة التنقيب الفلسطيني الحر عن النفط والغاز في منطقتي (أ و ج)، لصالح الخزينة الفلسطينية، لأن تمكن الفلسطينيين من نفطهم وغازهم، سيعود بمزيد من الفوائد العظيمة على شعبنا، حيث بين تقرير صندوق الاستثمار الفلسطيني لعام 2012م العديد منها، كتصفير فاتورة الطاقة التي تكبد الخزينة الفلسطينية زهاء 560 مليون دولار سنويًا، وجني المزيد من العائدات التي قد تلامس حد الــ 2.5 مليار دولار سنوياً، على مدى عمر المشروع الذي يصل إلى 20 عاماً، وتوفير بيئة استثمار واعدة في قطاع الطاقة الفلسطيني.
والمطالبة بالحصة الفلسطينية من أحواض (مجد1 و 2 و3 و4)، الواقعات ضمن أراضي قرية رنتيس غرب مدينة رام الله، حيث تلتقي جل المؤشرات حول وجود كميات نفط تجارية إلى الشرق من قرية رنتيس، حيث اكتشف مؤخراً حقل نفط جديد بعرض عشرة كيلومترات وعشرين كيلومتراً طولاً، وهذا يعني أن معظم الحقل المقصود يقع في صميم أراضي الضفة الغربية المحتلة، ما يدل على أن غزارة المخزون في باطن الآبار نفسها، تزداد كلما اتجهنا شرقاً، حيث كشفت عمليات التنقيب عن أن مخزون النفط في الحيز الجديد يشكل طبقة يبلغ سمكها 600 متر، ضمن عمق يتراوح بين 4200 - 4800 متر في باطن الأرض.
كما يجب مطالبة (إسرائيل)، بالحصة الفلسطينة من ريع حقل مجد (5)، الذي بوشر ببيع منتجه بدءاً من عام 2011م، والذي يبلغ مجموع احتياطه النفطي حوالي 1.5 مليار برميل؛ و182 مليار قدم مكعبة من الغاز، وبلغ معدل الضخ اليومي منه 800 برميل يومياً، تستغلها إسرائيل بالكامل، وتقدر قيمتها الإجمالية بأكثر من 155 مليار دولار.
لذلك حفرت (إسرائيل)، بئر سادسة للتنقيب عن النفط خلف جدار الفصل الاستيطاني المقام على أراضي رنتيس، وتخطط الآن لحفر 40 بئراً، 26 منها لاستخراج النفط والغاز معاً، والباقي لاستخراج النفط فقط.
حقلي مارينا في مياه غزة الإقليمية
في عام 1998م، أبلغ الصيادون الفلسطينيون السلطات الفلسطينية المختصة، عن رصدهم لفقاعات غريبة تصدر من باطن البحر، ضمن نطاق 32 ميل بحري، أي ضمن حدود الولاية المائية الفلسطينية، وهو ما قاد المستكشفون للعثور على حقل نفط عرف فيما بعد بحقل "مارينا 1"، على بعد 30 كيلو مترًا من الشاطئ، وعمق 600 متر تحت سطح البحر، قدرت كمية الغاز فيه بــ 333 مليار متر مكعب، ولاحقاً اكتشف حقل "مارينا 2" على بعد 36 كيلومتراً من شاطئ غزة، وهذا يعني إنهما ضمن الأميال البحرية المخصصة لغزة.
ويحتوي حقلي غزة (مارينا) على ترليون قدم مكعب، بحجم إنتاج يقدر بحوالي 1.6 مليار متر مكعب سنوياً، أي 57 مليار قدم مكعب، وهو مصنف ضمن الحقول النقية، ما يسهل تسيله وبيعه، كما أن قربه من الساحل الوطني يسهل عملية استخراجه بكلفة منخفضة، ما يعني أن عملية استخراجه مجدية من الناحية التجارية.
واسكتشف الحقلان من قبل شركة "بريتيش غاز" البريطانية، بعد أن خولها الرئيس عرفات هذه الصلاحية، علماً أن (إسرائيل) ترفض رفضاً تاماً، السماح للفلسطينيين بالتنقيب عن النفط أو الغاز في الضفة الغربية وقطاع غزة.
ولكن، في ضوء الأزمات المالية التي تعصف بالسلطة الوطنية الفلسطينية وتهدد بقاءها، فهي مطالبة بفتح جبهة هذا الملف على أقصى اتساع، واستنصار كل من يجب استنصاره على هذا الصعيد، بمن في ذلك دول منتدى غاز البحر الأبيض المتوسط، لإيجاد تسويات مناسبة للمشكلة.
والمطالبة بتحكيم دولي محايد، على هدى قواعد القانون الدولي، ودلالة الاتفاقيات الموقعة بين منظمة التحرير الفلسطينة و(إسرائيل)، عملاً بأحكام المادة (15/ج) من اتفاقية أوسلو لفض الخلافات التي قد تشجر بين طرفيها، وهي التي أجازت للفلسطينيين ضمن فصل التعاون الاقتصادي فيها، استخراج الثروات من المنطقة التي اكتشف فيها الغاز أي الـ (32 ميل بحري)، لكنها للأسف تمنح (إسرائيل) الحق في منع حركة الملاحة فيها لأسباب أمنية.
لكن "إريك شارون" رئيس الوزراء الإسرائيلي، تخلى عن اتفاق أوسلو ضمن عملية السور الواقي عام 2002م، التي قرر بموجبها هدم السلطة الوطنية الفلسطينية بتشجيع من المحافظين الجدد في الولايات المتحدة، رغم ذلك عاد وأقر بملكية الفلسطينيين لتلك الحقول، ووافق على شراء 0.05 ترليون قدم مكعبة من الغاز الفلسطيني سنوياً، لمدة 10 إلى 15 عام، لكنه وضع مجموعة من القيود الصارمة، ومنها عدم تحويل الريع الغازي إلى السلطة الفلسطينية، بحجة منع تمويل الإرهاب؛ واقترح بدلًا من ذلك إيداعه في حساب خاص يستعمل لاستلام المساعدات الخارجية وتلق أموال الضرائب التي تتسلمها إسرائيل بالنيابة عن الحكومة الفلسطينية.
وبعد تولي "إيهود أولمرت" لرئاسة الحكومة الإسرائيلية في عام 2006م، التي استأنفت مفاوضتها لشركة "بي جي"، لكنها أضافت شرطاً جديداً مفاده، أن يمد خط لتسيل الغاز من حقل "غزة مارينا" إلى مدينة عسقلان، ومن هناك يوزع لأنحاء (إسرائيل)، ما يعني إنها ستتحكم به كأموال المقاصة، لكن شركة "بي جي" رفضت هذا الشرط، وتوقف العمل في الحقل بشكل نهائي؛ وأغلقت "بي جي" مكتبها في مستعمرة (تل أبيب)، ودخل هذا الموضوع طوراً جديداً من أطوار التعقيد، بعد سيطرة حركة حماس على قطاع غزة في عام 2007م.
ويستدل من هذا التدرج في إجهاض الحق الفلسطينيين في نفطهم وغازهم، أنه قوي ومؤيد باتفاقيات دولية، ومن المناسب لنا وضمن ميزان القوى الحالي، المطالبة به بقوة الاتفاقيات الموقعة بين منظمة التحرير و(إسرائيل)، والاتفاقات الدولية، ومنها اتفاقية لاهاي، واتفاقية جنيف، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وقد سمحت لي الفرصة مؤخراً الإطلاع على ما يبذله، الدكتور "محمد مصطفى" رئيس صندوق الاستثمار الفلسطيني، وممثل دولة فلسطين في منتدى غاز البحر الأبيض المتوسط، على هذا الصعيد، ومنها دوره الرئيس في تأسيس المنتدى في عام 2019م، الذي يضم مصر والأردن واليونان وإيطاليا وفلسطين وإسرائيل وقبرص، ليكون مظلة للتعاون وللتفاهم بين الدول المالكة للغاز في حوض البحر الأبيض المتوسط.
وهذا جهد مقدر يجب مواصلته والبناء عليه، لأنه وضع فلسطين على خريطة الدول المالكة للغاز، رغم التجبر الإسرائيلي، ويشرعن وعند الحاجة يدول مطالبتها بحقها الطبيعي في غازها ونفطها، حتى يتمكن الشعب الفلسطيني من الاستئثار بموارده الطبيعية أسوة بباقي الشعوب، والفوز في معركة النفط والغاز مع دولة الاحتلال الإسرئيلي.
لأنه ووفقاً للعديد من الدراسات الجيولوجية الموثوقة، فإن سواحل قطاع غزة وجبال الضفة الغربية، سيما منطقة البحر الميت، تحتوي المزيد من الثروات النفطية والغازية والموارد الطبيعية، مثل الكرومايد واليورانيوم والبوتاس والأملاح النادرة، لهذا يجب عدم السماح للمحتل الإسرائيلي بمواصلة نهبها والتصرف بها.
توصيات المقالة
1- السلطة الوطنية الفلسطينية، مدعوة لتشكيل هيئة تنقيب ومسح جيولوجي، تعنى بالتنقيب عن الثروات الطبيعية والمعادن، بما في ذلك النفط والغاز.
2- حث الخطى من قبل صندوق الاستثمار الفلسطيني، وعدم التراخي على هذا الصعيد، نظراً للفوائد العظيمة الناتجة عن أي تقدم فيه، لقدرته على تجسيد مساعي الإنفكاك عن الاقتصاد الإسرائيلي، ومعالجة مشكلات النقص الحاد في مصادر الطاقة في قطاع غزة، وبناء محطات توليد طاقة مستقلة عن المحطات الإسرائيلية في الضفة الغربية، والتحرر من ابتزاز شركة الكهرباء الإسرائيلية.
3- إصدار تشريع فلسطيني يعنى بتنظيم الموضوع، كخطوة جدية نحو التمسك الفلسطيني بحقه في موارده الطبيعية.
4- على المستوى السياسي الفلسطيني، التوجه إلى الكيانات الدولية ذات الصلة بهذا النوع من المنازعات في العلاقات الدولية، سيما محكمة لاهاي ومحكمة العدل الدولية، وطلب فتاوى قانونية من خبراء القانون الدولي، معززة بإفادات الخبراء الجيولوجيين، التي تؤكد إمكانية تسرب الغاز عبر الشقوق البحرية، أو استنزافه من قبل الشركات الإسرائيلية، وتبديد الثروات الفلسطينية، وتضمين إحاطتنا بطلب متماسك للتعويض المالي، واعتباره مكون رئيس للدعوة الفلسطينية؛ نظراً للأضرار المادية الجسيمة التي تسببت بها التدابير الإسرائيلية المجحفة.


مراجع المقالة
1- ناصر دمج، معضلات استراتيجية، الفصل الثاني، معضلة الأمن القومي الفلسطيني، صفحة رقم (104)، منشورات مركز باحث للدراسات الفلسطينية والإستراتيجية – بيروت 2019م.
2- إسراء دعّاس، حنين شعت، لينة أبو خبيزة/ نحو سياسات لتحرير الغاز الفلسطيني في مياه قطاع غزة، برنامج "التفكير الإستراتيجي وإعداد السياسات" - الدورة السادسة 2019-2020، المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية – مسارات.
3- Simon Henderso, Natural Gas in the Palestinian Authority: The Potential of the Gaza Marine Offshore Field, The German Marshall Fund of the United States, Mar 2014: bit.ly/3dL6ZYg
4- وليد خدوري، حقل الغاز "غزة مارين" حرب مفتوحة مع إسرائيل، جريدة الحياة الجديدة، 8/9/2018: bit.ly/3f5Q0A7
5-الانتفاضة الفلسطينية الثانية، الجزيرة نت، 28/9/2016: bit.ly/3cKYv23
6- Worl Energy Outlook 2019
7- Simon Henderso, Natural Gas in the Palestinian Authority, Ibid.
8- صندوق الاستثمار الفلسطينين التقرير السنوي لعام 2012م.
9- وليد خدوري، الاستكشاف والتنقيب عن البترول في (إسرائيل)، مجلة الدراسات الفلسطينية العدد (1)، شتاء 1990م بيروت.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...