د. مصطفى رجب - قصتي مع الفلسفة

أحببت الفلسفة منذ درسناها في المرحلة الثانوية ، كان المقرر علينا كتابا جميلا من تأليف أستاذ الأساتذة د. سعيد اسماعيل علي ، وكان الذي يدرس لنا المقرر في مدرسة رفاعة الطحطاوي الثانوية بطحطا سنتذاك أستاذا بالمدرسة من المنصورة ، وبالفعل أستطاع الكتاب ومعلم المادة أن يسرقاني من إكثار القراءة في كتب الأدب إلى تقسيم قراءاتي الحرة بين الأدب والفلسفة والتاريخ..
فلما التحقت بشعبة اللغة العربية في كلية التربية بأسيوط ، كانت تقديراتي في المقررات الأدبية والفلسفية والتاريخية هي التي تمنحني فارقا كبيرا بيني – وأنا الأول على دفعتي طوال السنوات الأربع – وبين من يشاركونني في التقدير العام ( جيد جدا) وكان هذا الفارق قد يصل إلى أكثر من ستين درجة.
وحدث في السنة الرابعة أن جاءنا أستاذ عظيم من آداب المنيا هو المرحوم الدكتور أحمد السعدني ، ليدرس لنا مقررا في البلاغة اختار له مسرحيتي الحسين شهيدا والحسين ثائرا للمرحوم عبد الرحمن الشرقاوي . وكان يدرس لنا مقررا آخر عن تاريخ الأدب اليوناني وفلسفة الفن ، وكان هذا الكتاب من أربعة فصول الفصل الأول منه عن تاريخ الأدب اليوناني و ثلاثة الفصول الباقية عن فلسفة الفن..
وكالعادة آنذاك : تصايحنا في آخر محاضرة وطلبنا من الأستاذ السعدني حذف جزء من الكتاب ، فأقر الرجل الفصلين الأولين ، وحذف الفصلين: الثالث والرابع .. وكان امتحان هذا المقرر هو آخر امتحان طبقا لجدول الامتحانات سنتئذ.
كان من عادتي – وما أزال حتى اليوم – أن أستعمل قلم الحبر الأسود السائل الذي تتم تعبئته من دواة الحبر كل يوم أو يومين .. ولا أحب استعمال أقلام الحبر الجاف المنتشرة الآن .
في تلك السنوات كان ثمن القلم الجاف خمسة قروش ، وهو مبلغ لو تعلمون عظيم !!!!
، يمكنكم تخيل قيمته إذا تخيلتم أن ثمن كيلو اللحم كان قريبا من الجنيه ، وكان ثمن كوب عصير القصب الصغير : تعريفة
نكلة : خمسة مليمات) وكان ثمن كوب عصير القصب الكبير : قرشا ! ( عشرة مليمات!)
فلم يكن ميسورا إلا للأثرياء أن يملكوا قلمين جافّين..!
حدث يومها حدثان كبيران:
أولهما : أنني نسيت تعبئة قلم الحبر قبيل ذهابي للامتحان!
وثانيهما : أن شيخنا السعدني نسي ما وعدنا بحذفه.!!!
فجاء امتحانه سؤالين:
أول سؤال كان في الفصل الأول [ الذي كنت قد حذفته من تلقاء نفسي!].
وثاني السؤالين في الفصل الثالث [ المحذوف بأمر الأستاذ!]
ولك أن تتخيل صدمتي الكبرى حين قرأت السؤالين اللذين قد يقصمان ظهري فأرسب في ذلك المقرر وأؤدي امتحانه في سبتمبر فتضيع مرتبة الشرف.
غير أن قراءاتي الخاصة المتوسعة سنتذاك في الفلسفة جعلتني " ألغوص" في السؤال الأول مبتعدا كثيرا ومقتربا قليلا من موضوع السؤال، لكن ذكري للكتب والمراجع التي قرأتها في الفلسفة اليونانية كان كثيرا..
وبعد صفحة وربع الصفحة الثانية نفد الحبر الباقي في قلمي ، فاستغثت بالملاحظ الذي أشفق علي ودار يسأل الزملاء والزميلات عمن معه قلم جاف زائد ، جتى وجد قلما مع إحدى الزميلات ، وكان لونه أزرق ، وأنا كنت أملأ قلمي الحبر دائما بالحبر الأسود ! وكان هذا أول ملحظ يمكن أن يلفت نظر المصحح .. بعد إجاباتي التي هي خارج المطلوب أساسا . فكتبت بهذا القلم الجاف الأزرق صفحتين أو أكثر..!
وجاءت الطامة الأكبر : نفد الحبر من ذلك القلم الجاف " المشحوت " فقد كان قديما باليا .. وهنا استغثت مرة ثانية بالملاحظ الذي اشمأز من إهمالي ولكنه كان كريما فمر مرة ثانية على اللجنة كلها فلم يجد قلما آخر مع أي أحد..
لم يكن أمامي ساعتئذ مهرب إلا أن أكمل إجابتي بقلم رصاص ، وهو ما حدث ، استعار لي الملاحظ قلم رصاص من زميلة ، وبراية من زميلة أخرى ، وتوكلت على الله وهاااااااااات يا فتاوي في الفكر اليوناني والفلسفة اليونانية حتى ملأت ست صفحات أخر..
خرجت أبحث عن د. السعدني رحمه الله فلم أجده
في اليوم الثاني سافرت خصيصا لأسيوط لأقابله وأشرح له موقفي فلم أجده
في اليوم الثالث سافرت مرة أخرى لأسيوط لأقابله فلم أجده
......
....
بعد مدة ظهرت النتيجة فصدمت صدمة ما أزال حتى اليوم لا أستوعبها : كان تقديري في مادة المسرح الشعري هو ( مقبول ) وأنا أحفظ مسرحية الشرقاوي وملأت الكراسة قراءة وتحليلا !!
وكان تقديري في الفكر اليوناني المكتوب بثلاثة ألوان وخارج المقرر ( ممتاز !! )

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...