أوطاننا.. رشة الملح على جراحنا الملتهبة

أنت مثل بذرة صغيرة غُرست في التراب، ثم ارتوت فكبرت وأنبتت وآتت أُكُلها، هذه هي علاقتك ببلادك التي نشأت وترعرعت فيها، تجد أنك مثل النبتة التي من المستحيل اقتلاعها من تربة البلاد لأنها حتماً ستموت.

تجد أنك تشرب من ينابيعها فترتوي وتينع أوراقك وتزهر، وتأكل من قمحها وثمارها فيشتد ساعدك وساقك ويكبر، تنام تحت سمائها ونجومها فترفع رأسك وتسمو.

هذه هي مشاعرك تجاه بلادك، تشعر بأنك متجذِّر فيها، تحيا لها وتحيا بها، وأحياناً قد تكون هذه البلاد قاسية المعاش عليك، فقيرة لمظاهر السعادة والاستقرار، ناقصة لدفء السلام، مليئة بالآلام والأوجاع، مترنحة غير مستقرة، تأخذ أكثر مما تُعطي، تجعلك تيأس وتكره انتماءك لهذه الرقعة الجغرافية، ثم تجد أنك لا تستطيع أن تبغضها وتعلن براءتك منها، تجد أنك عاري من غير رداء، متشرد من دون مأوى، مجهول بلا اسم وبلا هوية؛ لذلك تشعر أن الوطن يعيش فيك ولست تعيش فيه فقط.

الكرة الأرضية بأكملها محط أقدام بني البشر، ولكن دوماً هناك رقعة جغرافية تسمى الوطن تجذبنا مهما ابتعدنا ومهما أصابنا الجفاء منها، ترش الحنين الموجع على جراحنا الملتهبة، تجعلنا في ارتباط دائم مهما افترقنا، نفتخر بها دوماً مهما عانينا فيها، لأن الوجدان يأبى أن يكره الأوطان، يأبى أن يتحرر من هويته الثابتة أمام كل هذه الأقوام المختلفة.

يظل ممتناً دوماً بهذه الكرامة التي حصل عليها رغم كل شيء عاناه، لأنك حين تنكر هويتك فإنك تنكر وجودك وصورتك وكيانك.

وتبقى هذه البلاد هي الأقرب والأحب والأسمى مهما عانت ومهما جعلتنا نعاني.

سنظل نحبها ونحب الانتماء لها هواءً وهوية، سنحلم دوماً بأن نراها تبلغ المجد ويرفرف علمها في عنان السماء معلناً السيادة والإباء، سنكون فخورين حينها لأننا أبناء هذا العلم، وأبناء هذه الهوية مهما عصفت بنا رياح الأيام القاسية، وجعلتنا نشكو من وطأتها علينا.

وهنا استوقفني كلمات بيت الشعر القائل:

" بلادي وإن جارت علي عزيزة وأهلي وإن ضنوا علي كرام ُ "

فماذا يعني لكم الوطن ؟؟ وهل تجدون الرحيل حلاً لما نقاسيه ؟؟

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...