يعقوب الشوملي - الأخطل الصغير

الشاعر الحي حتى ولو مات، الشاعر الخالد حتى ولو بخلوا عليه بالتحنيط، العظيم حتى ولو لم تبْدُ منزلته كذلك عند الناس، كبير ولو لم يسْمُ منصبه، ذلك الذي يغرف من قلوب كل الناس ليصبّ في قلوب كل الناس، يتحول إلى عدسة تصوير وشاشة عرض للدنيا، كل الدنيا مثل هذا الشاعر يقفز فوق المناطق الجغرافية، يبحر في كل محيط، يجابه كل إعصار، يجدف في كل اتجاه، مرات يتجسّد النحلة تحوم فوق الزهرة، تحسّ الحفيف في اللفظة، وتسمع الزقزقة في الكلمة، وتستشّف العبر من المعنى.
مرات شعره في المعركة صيحات، الكلمات التي يختارها يقدها من صليل السيوف ومن غبار المعركة، هذا ليس مجرد إحساس، فقصيدة تغسلك، تحس الماء ينسكب على روحك، وأخرى تلهب شعورك، فتمسح العرق الذي يتصبّب من جبينك.
أحيانا، يرسم شعره قبلات تكاد تؤمن أنها تطبق على شفتيك، وأحيانا ترى الدم يتفجّر في صدر مسلول بصدر كلمات تشدّك إلى واقع طالما عجزت الدنيا كلها أن تربطك إليه.
و كثيرا ما يرفعك إلى العلياء، يمسك بيدك، تماما كما فعل "دانتي" مع "بياتريس"، وبيدك يقرع باب التاريخ، وبلسانك سأل الزمان عن الأمة التي لم تخفر ذمة ولم تخنْ عهدا.
هذا هو الأخطل الصغير بل الكنز الكبير، وليست الكلمة بمناسبة فتح القبر، بل هي للكنز العربي الكبير، فما أحوجنا في هذه الأيام إلى مثل شعره الذي يتغنى بأمجادنا، وبقدسنا، وبقضيتنا الأولى والأخيرة فلسطين.

02.08.1968
فيتونجي


-------------------------------
يعقوب الشوملي في جريدة الدستور بتاريخ 02.08.1968
موقعة باسم "فيتونجي". وهي سلسلة مقالات شبه يومية نشرها الأديب الراحل يعقوب الشوملي على مدى 4 سنوات من عام 1965 حتى عام 1968 في جريدة الدستور .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...