" منتصبَ القامةِ أمشي
مرفوع الهامة أمشي
في كفي قصفة زيتونٍ
وعلى كتفي نعشي"
( الجيزة ـ 1994 )
ذات صباح ممطر شديد البرودة دلفت إلى مقهي صغير داخل حارة" مزنوقة"خلف قسم شرطة الجيزة تقع ما بين شارعي ربيع الجيزي( هكذا كان اسمه ووصفه ـ وشارع أو امتداد - شارع البحر الأعظم( الذي هو النيل ) ـ هكذا أيضاً كان اسمه ووصفه - والذي نتمني له أن يبقي الأعظم مدي الحياة!
المطر مستمر منذ الصباح الباكر بعدما تحركت بنا الحافلة/ الأتوبيس من مدينتي - بنى سويف - التى تبعُد عن العاصمة 120 كم تقريباً. رواد المقهى صامتون، يتدثرون، ويثرثرون، ويحتسون فناجين القهوة والشاي. جاء النادل يسألنى؟: قلت: كوب شاي مظبوط من فضلك.
حاضر!
بعد دقائق دخل علينا رجل طويل القامة، نحيف الجسد، ذائغ العينين يحمل فى يده مجموعة من الكتب القديمة، وصحيفة الأهرام التى تَبلل ورقها( رجل مسن يجلس بجواري سمعته يقول ساخراَ عندما رآه:" أهلاَ برجل المطر" ) بعدما تفحص المكان جلس بالقرب مِنى وعينيه بدأت تتنقل فى اضطراب بين رواد المقهى. من قريب لمحتُ جهاز كاسيت متهالك فوق صندوق خشبي قديم معلق فوق مجموعة صناديق نصفها فارغ مكتوب عليها( بيبسي/ كوكا كولا)!
الكاسيت بدأ يصدع بأغنية للست أم كلثوم أظنها كانت ( للصبر حدود). بعد دقائق جاء النادل:" تشرب آيه يا أفندي"؟ رد: قهوة سادة! وقبل أن يتحرك النادل من أمامه قال له:" ممكن تشغل الشريط ده "
قال النادل: " الست شغالة"! رد : ما أنا سامع.. وأنا زيك بحبها برضه، بس هو احنا يعنى هنقضى حياتنا جنب الست نقول للصبر حدود؟! ثم قال بغضب: "خد يا راجل سمعنا حاجه تانية... الصبر خلاص زهقنا منه وزهق منا" على مضض تناول النادل الشريط، وقام بوضعه مكان أم كلثوم وعاد يمر ببن الزبائن التى مازالت تحاول مقاومة البرد والمطر بقليل من المشروبات الساخنة وكثير من السجائر رخيصة الثمن (والنرجيلة/ معسل سلوم). بعد لحظات بدأت انتبه للموسيقي القادمة من الكاسيت ـ لم أكن قد سمعتها من قبل ـ فوجدتها قوية، وحماسية، وثورية، ثم بدأت اسمع:
" منتصب القامة أمشي
مرفوع الهامة أمشي"
الموسيقى ادهشتني، والكلمات اذهلتني، والصمت حولى فى المقهى باغتني. بدأ بعض رواد المقهى ـ رغم البرد الشديد ـ ينتبهون معي للغناء أو للهتاف الذى فيما يبدو ـ ومعظهم وقتها كانت أعماره فوق الأربعين) قد حركت بداخله مشاعر قديمة عن القامة، والهامة، والرأس المرفوعة، والكلمة المسموعة، والكفاح، والسلاح، والزيتون، والفنون، والسجون، والكتف، والنعش"!
بعد دقائق تحركت من مكاني إلى أن جلست بجوار رجل المطر - إذا جاز المسمي - هذا الذى جاء لنا بهذه الأغنية الحماسية، الرائعة. قال لى بعدما اقتربت منه:" هذا لحن وتوزيع موسيقي لفنان عظيم اسمه مرسيل خليفة ( لم اسمع اسمه من قبل) وهذه كلمات شاعر من كبار شعراء فلسطين اسمه سميح القاسم ـ كنت سمعت اسمه من قبل- قلت:" نعم أعرفه لكننى لا أعرف مرسيل خليفة؟ رد بغضب: "خيبة.. وخيبة تقيلة كمان"! قال ذلك بصوت مرتفع، وهو يحتضن كتبه، ويدفن سيجارته فى المنفضة أمامه.
•••
منتصب القامة:
"وأنا أمشي وأنا أمشي
قلبي قمرٌ أحمر
قلبي بستان
فيه فيه العوسج
فيه الريحان"
( المقهى ـ بعد 20 دقائق )
من بعيد وقف رجل قصير القامة ممتلئ الجسد وقال:"يا مسعود ـ هذا اسم القهوجى ـ شغل يا سيدى الست أم كلثوم وغير الجدع اللى عمال يندب ده"! هنا انفعل رجل المطر ووقف يهتف بصوت مرتفع:" خليكم كده قاعدين تشربوا الشاي والسجائر لحد ما نضيع كلنا هناك وهنا" قال هذا الكلام وهو يُسرع نحو جهاز الكاسيت لينزع منه الشريط ( خسارة فيكم تسمعوه)! ثم عاد ولملم كتبه والصحيفة وترك حساب الشاى وخرج مسرعاَ ـ غير عابئ بالمطر الذى مازال يواصل هطوله فى الشارع ـ وخرج يتمتم بكلمات سمعتها بصعوبة عن التدهور، والانهيار، والانفتاح، والمقاومة، والتطبيع، والتجويع، والسلام، والكلام، والزمان، والمكان، والمعاهدة، وقبل أن يبتعد عنا قال لى:" سيبك منهم وابقي استمع كويس لموسيقي مرسيل خليفة وأقرأ شعر المقاومة وشعر سميح القاسم" قال ذلك ثم اختفي تحت صحيفة الأهرام التى ما زالت في يده يضعها فوق رأسه لتحميه من المطر الذى بدأ يهدأ قليلاَ.
إلى الكاسيت عاد النادل وأدار شريط أم كلثوم التى اكملت اغنيتها ( للصبر حدود ) فيما سمعت شخص بجواري كان يلعب ( الدمينو) مع زميل له - فيما يبدو - يقول هامساً :" ده شكله ـ يقصد رجل المطر ـ شيوعي.. من الجماعة بتوع اليسار... أنا بعرفهم من شكلهم من أيام الجامعة. مفيش وراهم غير أغانى الشيخ أمام و أحمد فؤاد نجم، والقضية، وفلسطين، والنكبة والنكسة"!! بعد دقائق توقف المطر فخرجت مسرعاً فى طريقي نحو ميدان الجيزة الذى لم يكن يبعُد كثيراً عن ذلك المقهي!
•••
منتصب القامة:
"شفتاي سماءٌ تمطر
نارًا حينًا
حبًا أحيان"
( القاهرة ـ بعد عام )
وفى يوم من أيام عام 1995 وأثناء تسكعي مع صديق فى شارع نجيب الريحانى ( وسط البلد ) فى طريقنا إلى ميدان رمسيس ـ كنا فى انتظار القطار من محطة السكة الحديد ـ حيث وجدت عند بائع الصحف فى الميدان صحيفة( أخبار الأدب) العدد 90 ـ مازلت احتفظ به ـ وعلى غلافها عنوان رئيسي( سميح القاسم فى أحدث قصائده)! اشتريت منها نسختين نسخة للقراءة ونسخة للزمن، وفى الصفحة 18 و19 منه نشرت الصحيفة أحدث قصائده ( إذن.. أزرع الحبق ) تحت عنوان" الشاعر سميح القاسم أحد أبرز الأصوات فى الشعر العربي المعاصر) ومنذ ذلك اليوم ـ وقبله من يوم المقهى ـ وأنا أحرص على قراءة أشعاره متى وجدتها، عملاَ بنصيحة (رجل المطر ) الذى التقيت به ـ بالصدفة ـ قبل عام فى ذلك الصباح الممطر.
•••
منتصب القامة:
"في كفي قصفة زيتونٍ
وعلى كتفي نعشي
وأنا أمشي وأنا أمشي"
( القاهرة ـ 2021)
خلال حديث طويل ممتد بينى وبين الشاعرة والصحفية الفلسطينية/ المصرية سهام داوود عرفت أنها صديقة مقربة من الموسيقى الكبير مرسيل خليفة فطلبت منها الوصول إليه ـ بما اننى فشلت فى الوصول إلى الشاعر سميح القاسم ـ ( رحل فى مثل هذا اليوم 19 أغسطس/ آب عام 2014 ) لإجراء مقابلة صحفية ـ الحقيقة كنت اريدها شخصية ـ معه فى أول زيارة له إلى القاهرة حتي أحكى له عن أول مرة استمعت فيها إلى أغنية (منتصب القامة) وما فعلته موسيقاه، وكلمات سميح القاسم فى رواد المقهي الشعبي وقتها، وما صاحبها من نقاشات، وأحداث، وحكايات، وكلمات، وهتافات، واتهامات، بين رواد المقهي وبعضهم البعض!( ربما لم أحكي لسهام عن ذلك اليوم) وسعدت كثيراً عندما علمت منها أنه تجاوب مع طلبي - من خلالها - الذي كان مشفوعاً ومدعوماً برأيها في فيما أكتبه !
•••
( القاهرة ـ 2022 )
اليوم الجمعة 19 أغسطس / أب الذكري الثامنة لرحيل الشاعر الكبير سميح القاسم... وفى هذه الذكري وجدت نفسي أبحث على اليوتيوب حتى وجدت موسيقى مرسيل خليفة ـ وشعر سميح القاسم ـ وهو يغني فى حفل قديم سُجل فى العاصمة الخرطوم ( السودان) قبل سنوات والجماهير أمامه تهتف من قلوبها: " منتصب القامة أمشي
مرفوع الهامة أمشي"
فجلست استمع له - وأنا دائماَ استمع له - وفى ذهني لقائي معه الذى لم يتم حتى الآن.. ومع شعر سميح القاسم الذى مازال ـ رغم الرحيل ـ يعيش معنا فى الشوارع وخلف جدران بيوت القدس وجنين ورام الله وغزة يافا وحيفا يقاوم وهو منتصب القامة... تلك القامة التى ستبقي منتصبة، والهامة التى ستبقي مرتفعة فى العواصم العربية - وفلسطين - طالما مازال بيننا - من يكتب شعرا، ويرسم لوحة، ويعزف لحناَ، ويقرأ كتاباً، ويحمل صحيفة، ويمسك حجراً، ويزرع زيتونا، ويحمل على كتفه شهيداً، ولو بلحن أو بكلمات أغنية كما فعل أمامي ـ قبل سنوات ـ فى المقهى الشعبي الصغير (رجل المطر) الذى لم أعرف اسمه وقتها، وخرج يهتف داخل الحارة(المزنوقة/ والمخنوقة) تحت زخات المطر:
"منتصبَ القامةِ أمشي
مرفوع الهامة أمشي
في كفي قصفة زيتونٍ
وعلى كتفي نعشي
وأنا أمشي وأنا أمشي....
قلبي قمرٌ أحمر
قلبي بستان
فيه فيه العوسج
فيه الريحان
شفتاي سماءٌ تمطر
نارًا حينًا حبًا أحيان....
في كفي قصفة زيتونٍ
وعلى كتفي نعشي
وأنا أمشي وأنا أمشي
خيري حسن
• ينُشر فى بوابة صحيفة (الوفد ) المصرية
• الأحداث حقيقية.. والسيناريو من خيال الكاتب.
• الشعر المصاحب للكتابة للشاعر الراحل سميح القاسم.
.
مرفوع الهامة أمشي
في كفي قصفة زيتونٍ
وعلى كتفي نعشي"
( الجيزة ـ 1994 )
ذات صباح ممطر شديد البرودة دلفت إلى مقهي صغير داخل حارة" مزنوقة"خلف قسم شرطة الجيزة تقع ما بين شارعي ربيع الجيزي( هكذا كان اسمه ووصفه ـ وشارع أو امتداد - شارع البحر الأعظم( الذي هو النيل ) ـ هكذا أيضاً كان اسمه ووصفه - والذي نتمني له أن يبقي الأعظم مدي الحياة!
المطر مستمر منذ الصباح الباكر بعدما تحركت بنا الحافلة/ الأتوبيس من مدينتي - بنى سويف - التى تبعُد عن العاصمة 120 كم تقريباً. رواد المقهى صامتون، يتدثرون، ويثرثرون، ويحتسون فناجين القهوة والشاي. جاء النادل يسألنى؟: قلت: كوب شاي مظبوط من فضلك.
حاضر!
بعد دقائق دخل علينا رجل طويل القامة، نحيف الجسد، ذائغ العينين يحمل فى يده مجموعة من الكتب القديمة، وصحيفة الأهرام التى تَبلل ورقها( رجل مسن يجلس بجواري سمعته يقول ساخراَ عندما رآه:" أهلاَ برجل المطر" ) بعدما تفحص المكان جلس بالقرب مِنى وعينيه بدأت تتنقل فى اضطراب بين رواد المقهى. من قريب لمحتُ جهاز كاسيت متهالك فوق صندوق خشبي قديم معلق فوق مجموعة صناديق نصفها فارغ مكتوب عليها( بيبسي/ كوكا كولا)!
الكاسيت بدأ يصدع بأغنية للست أم كلثوم أظنها كانت ( للصبر حدود). بعد دقائق جاء النادل:" تشرب آيه يا أفندي"؟ رد: قهوة سادة! وقبل أن يتحرك النادل من أمامه قال له:" ممكن تشغل الشريط ده "
قال النادل: " الست شغالة"! رد : ما أنا سامع.. وأنا زيك بحبها برضه، بس هو احنا يعنى هنقضى حياتنا جنب الست نقول للصبر حدود؟! ثم قال بغضب: "خد يا راجل سمعنا حاجه تانية... الصبر خلاص زهقنا منه وزهق منا" على مضض تناول النادل الشريط، وقام بوضعه مكان أم كلثوم وعاد يمر ببن الزبائن التى مازالت تحاول مقاومة البرد والمطر بقليل من المشروبات الساخنة وكثير من السجائر رخيصة الثمن (والنرجيلة/ معسل سلوم). بعد لحظات بدأت انتبه للموسيقي القادمة من الكاسيت ـ لم أكن قد سمعتها من قبل ـ فوجدتها قوية، وحماسية، وثورية، ثم بدأت اسمع:
" منتصب القامة أمشي
مرفوع الهامة أمشي"
الموسيقى ادهشتني، والكلمات اذهلتني، والصمت حولى فى المقهى باغتني. بدأ بعض رواد المقهى ـ رغم البرد الشديد ـ ينتبهون معي للغناء أو للهتاف الذى فيما يبدو ـ ومعظهم وقتها كانت أعماره فوق الأربعين) قد حركت بداخله مشاعر قديمة عن القامة، والهامة، والرأس المرفوعة، والكلمة المسموعة، والكفاح، والسلاح، والزيتون، والفنون، والسجون، والكتف، والنعش"!
بعد دقائق تحركت من مكاني إلى أن جلست بجوار رجل المطر - إذا جاز المسمي - هذا الذى جاء لنا بهذه الأغنية الحماسية، الرائعة. قال لى بعدما اقتربت منه:" هذا لحن وتوزيع موسيقي لفنان عظيم اسمه مرسيل خليفة ( لم اسمع اسمه من قبل) وهذه كلمات شاعر من كبار شعراء فلسطين اسمه سميح القاسم ـ كنت سمعت اسمه من قبل- قلت:" نعم أعرفه لكننى لا أعرف مرسيل خليفة؟ رد بغضب: "خيبة.. وخيبة تقيلة كمان"! قال ذلك بصوت مرتفع، وهو يحتضن كتبه، ويدفن سيجارته فى المنفضة أمامه.
•••
منتصب القامة:
"وأنا أمشي وأنا أمشي
قلبي قمرٌ أحمر
قلبي بستان
فيه فيه العوسج
فيه الريحان"
( المقهى ـ بعد 20 دقائق )
من بعيد وقف رجل قصير القامة ممتلئ الجسد وقال:"يا مسعود ـ هذا اسم القهوجى ـ شغل يا سيدى الست أم كلثوم وغير الجدع اللى عمال يندب ده"! هنا انفعل رجل المطر ووقف يهتف بصوت مرتفع:" خليكم كده قاعدين تشربوا الشاي والسجائر لحد ما نضيع كلنا هناك وهنا" قال هذا الكلام وهو يُسرع نحو جهاز الكاسيت لينزع منه الشريط ( خسارة فيكم تسمعوه)! ثم عاد ولملم كتبه والصحيفة وترك حساب الشاى وخرج مسرعاَ ـ غير عابئ بالمطر الذى مازال يواصل هطوله فى الشارع ـ وخرج يتمتم بكلمات سمعتها بصعوبة عن التدهور، والانهيار، والانفتاح، والمقاومة، والتطبيع، والتجويع، والسلام، والكلام، والزمان، والمكان، والمعاهدة، وقبل أن يبتعد عنا قال لى:" سيبك منهم وابقي استمع كويس لموسيقي مرسيل خليفة وأقرأ شعر المقاومة وشعر سميح القاسم" قال ذلك ثم اختفي تحت صحيفة الأهرام التى ما زالت في يده يضعها فوق رأسه لتحميه من المطر الذى بدأ يهدأ قليلاَ.
إلى الكاسيت عاد النادل وأدار شريط أم كلثوم التى اكملت اغنيتها ( للصبر حدود ) فيما سمعت شخص بجواري كان يلعب ( الدمينو) مع زميل له - فيما يبدو - يقول هامساً :" ده شكله ـ يقصد رجل المطر ـ شيوعي.. من الجماعة بتوع اليسار... أنا بعرفهم من شكلهم من أيام الجامعة. مفيش وراهم غير أغانى الشيخ أمام و أحمد فؤاد نجم، والقضية، وفلسطين، والنكبة والنكسة"!! بعد دقائق توقف المطر فخرجت مسرعاً فى طريقي نحو ميدان الجيزة الذى لم يكن يبعُد كثيراً عن ذلك المقهي!
•••
منتصب القامة:
"شفتاي سماءٌ تمطر
نارًا حينًا
حبًا أحيان"
( القاهرة ـ بعد عام )
وفى يوم من أيام عام 1995 وأثناء تسكعي مع صديق فى شارع نجيب الريحانى ( وسط البلد ) فى طريقنا إلى ميدان رمسيس ـ كنا فى انتظار القطار من محطة السكة الحديد ـ حيث وجدت عند بائع الصحف فى الميدان صحيفة( أخبار الأدب) العدد 90 ـ مازلت احتفظ به ـ وعلى غلافها عنوان رئيسي( سميح القاسم فى أحدث قصائده)! اشتريت منها نسختين نسخة للقراءة ونسخة للزمن، وفى الصفحة 18 و19 منه نشرت الصحيفة أحدث قصائده ( إذن.. أزرع الحبق ) تحت عنوان" الشاعر سميح القاسم أحد أبرز الأصوات فى الشعر العربي المعاصر) ومنذ ذلك اليوم ـ وقبله من يوم المقهى ـ وأنا أحرص على قراءة أشعاره متى وجدتها، عملاَ بنصيحة (رجل المطر ) الذى التقيت به ـ بالصدفة ـ قبل عام فى ذلك الصباح الممطر.
•••
منتصب القامة:
"في كفي قصفة زيتونٍ
وعلى كتفي نعشي
وأنا أمشي وأنا أمشي"
( القاهرة ـ 2021)
خلال حديث طويل ممتد بينى وبين الشاعرة والصحفية الفلسطينية/ المصرية سهام داوود عرفت أنها صديقة مقربة من الموسيقى الكبير مرسيل خليفة فطلبت منها الوصول إليه ـ بما اننى فشلت فى الوصول إلى الشاعر سميح القاسم ـ ( رحل فى مثل هذا اليوم 19 أغسطس/ آب عام 2014 ) لإجراء مقابلة صحفية ـ الحقيقة كنت اريدها شخصية ـ معه فى أول زيارة له إلى القاهرة حتي أحكى له عن أول مرة استمعت فيها إلى أغنية (منتصب القامة) وما فعلته موسيقاه، وكلمات سميح القاسم فى رواد المقهي الشعبي وقتها، وما صاحبها من نقاشات، وأحداث، وحكايات، وكلمات، وهتافات، واتهامات، بين رواد المقهي وبعضهم البعض!( ربما لم أحكي لسهام عن ذلك اليوم) وسعدت كثيراً عندما علمت منها أنه تجاوب مع طلبي - من خلالها - الذي كان مشفوعاً ومدعوماً برأيها في فيما أكتبه !
•••
( القاهرة ـ 2022 )
اليوم الجمعة 19 أغسطس / أب الذكري الثامنة لرحيل الشاعر الكبير سميح القاسم... وفى هذه الذكري وجدت نفسي أبحث على اليوتيوب حتى وجدت موسيقى مرسيل خليفة ـ وشعر سميح القاسم ـ وهو يغني فى حفل قديم سُجل فى العاصمة الخرطوم ( السودان) قبل سنوات والجماهير أمامه تهتف من قلوبها: " منتصب القامة أمشي
مرفوع الهامة أمشي"
فجلست استمع له - وأنا دائماَ استمع له - وفى ذهني لقائي معه الذى لم يتم حتى الآن.. ومع شعر سميح القاسم الذى مازال ـ رغم الرحيل ـ يعيش معنا فى الشوارع وخلف جدران بيوت القدس وجنين ورام الله وغزة يافا وحيفا يقاوم وهو منتصب القامة... تلك القامة التى ستبقي منتصبة، والهامة التى ستبقي مرتفعة فى العواصم العربية - وفلسطين - طالما مازال بيننا - من يكتب شعرا، ويرسم لوحة، ويعزف لحناَ، ويقرأ كتاباً، ويحمل صحيفة، ويمسك حجراً، ويزرع زيتونا، ويحمل على كتفه شهيداً، ولو بلحن أو بكلمات أغنية كما فعل أمامي ـ قبل سنوات ـ فى المقهى الشعبي الصغير (رجل المطر) الذى لم أعرف اسمه وقتها، وخرج يهتف داخل الحارة(المزنوقة/ والمخنوقة) تحت زخات المطر:
"منتصبَ القامةِ أمشي
مرفوع الهامة أمشي
في كفي قصفة زيتونٍ
وعلى كتفي نعشي
وأنا أمشي وأنا أمشي....
قلبي قمرٌ أحمر
قلبي بستان
فيه فيه العوسج
فيه الريحان
شفتاي سماءٌ تمطر
نارًا حينًا حبًا أحيان....
في كفي قصفة زيتونٍ
وعلى كتفي نعشي
وأنا أمشي وأنا أمشي
خيري حسن
• ينُشر فى بوابة صحيفة (الوفد ) المصرية
• الأحداث حقيقية.. والسيناريو من خيال الكاتب.
• الشعر المصاحب للكتابة للشاعر الراحل سميح القاسم.