(فيلق "الصاعقة" كان من أكثر العمليات دموية بالولاية الثالثة)
كانت عمليات التسليح و إيصال الأسلحة الى الداخل ( الولاية 2،3،4،5) التي قامت بها القاعدة الشرقية من أعقد المهام لتمكينها من الصمود في وجه الاستعمار، و مما صعب المهمة إقدام فرنسا على وضع الخطوط المكهربة ( شال و موريس) و زرع الألغام، و رغم ذلك اخترق المجاهدون هذه الخطوط و الحواجز الكهربائية لتسهيل قوافل عبور الأسلحة، لكن الكثير من المجاهدين يتحفظون في الحديث عن أوضاع المجاهدين في الحدود التونسية و أحداث الولاية الثالثة ، و كيف تأسست الولاية السادسة، و أسرار أخرى عن الثورة، و قد سبق و أن صرح المجاهد مصطفى بن زغدة في إحدى المناسبات الوطنية أن القاعدة الشرقية مغبونة في التاريخ و لها الفضل في استقلال الجزائر
تقع القاعدة الشرقية في الشمال الشرقي من الوطن ( سوق اهراس)، أما ما يحدها فما يهم هو الحدود التونسية من الشرق (من المريج الى عين باب بحر)، و تتألف تضاريسها من سلسلة جبلية يصل ارتفاعها الى 1400 متر ( المسيد) مكونة جبالا شاهقة كجبل كاف الشهبة، سيدي احمد و بوخضرة..، مسالكها و طرقها صعبة و وعرة مما ساعد المجاهدون على التمركز فيها بقوة و التحرك بسهولة في المجالات المختلفة، و استطاعت هذه الناحية أن تتطور بعد سيطرة جيش التحرير الوطني على الوضع العسكري و ذلك بتنظيم صفوفه و تجنيد طاقاته البشرية و المادية لمواجهة العدو، مما مكنها من أن تصيح قاعدة إستراتيجية و قد أسندت لهذه الناحية وظائف أساسية كبرى لتزويد المجاهدين بالداخل بالسلاح و الذخيرة و ضمان عبور القوافل رغم الحراسة المشددة و بعد المسافة و الحواجز الملغمة، كان التنظيم العسكري من القمة الى القاعدة يتكون من القيادة العليا للقاعدة الشرقية بقيادة العقيد عمارة العسكري المدعو عمارة بوقلاز و كل من الرواد ( محمد عواشرية، الطاهر سعيداني، سليمان بلعشاري) و تم تشكيل الفيالق ، كان كل فيلق يضم ثلاثة أو أربع كتائب، و كل كتيبة تنقسم الى ثلاث فصائل و كل فصيلة تنقسم بدورها الى ثلاثة أفواج، لم تمر سنتان على انطلاق الثورة حتى ذاب رؤساء المناطق داخل جيش منظم و منضبط في حالة تأهب دائم، كما عمل القادة على تكوين شبكة للاتصالات و الاستعلامات و عمليات تجنيد للجيش في سرية تامة.
فيلق "الصاعقة" كان من أكثر العمليات دموية بالولاية الثالثة
مساعي لإبعاد الولاية الثالثة عن الثورة و تخوين مجاهديها
لقد ساعدت اللهجة القبائلية في تمرير الرسائل بين المجاهدين و القيام بالكثير من العمليات بالولاية الثالثة، خاصة في المناطق التي شهدت معارك قوية و الدواوير مثل دوار أوزلاقن الواقع في عمق حوض واسع تحيط به سلسلة جبلية تمتد الى حدود بجاية، هي جبال جرجرة، و تشكل منافذه شرقا نحو دوار بني وغليس و قرية إغزر أمقران، و تغيلت، كان دوار أوزلاقن يضم 14 قرية ، كانت كلمة السر المتفق عليها " أقور" و هي باللغة الأمازيغية تعني القمر، ليأتي الجواب في الحين بكلمة سرية و هي " تيزيري" و معناها ضوء القمر، و إذا لم تكن كلمة السر مطابقة تطلق رصاصتين لإعلان حالة استنفار، فاللسان الأمازيغي بمنطقة القبائل لعب دورا مهما في حفظ أسرار المجاهدين و مخططاتهم و كذلك التواصل بينهم، و حماية الثورة، كانت في الدواوير مجموعات المسبلين و هي تشكيلة شبه عسكرية ينشطون على مستوى القرى، في انتظار إدماجهم في الوحدات العسكرية عندما تقتضي الحاجة، و يعتبرون خزان جيش التحرير الوطني، و هكذا شهدت الولاية الثالثة معارك عديدة و هجومات في الدواوير و منها معركة أوزلاقن ، عملية أكفادو، و عملية جوميل jumelles التي قادها فيلق "الصاعقة" و هي من أكثر العمليات دموية، بحيث لم تترك سوى الدمار و الخراب، دون أن ننسى هجوم بجاية، و الهجوم على ثكنة أقبو وغير ذلك، و هذا ما يؤكد أن الولاية الثالثة لم تكن معزولة عن الثورة.
اختلاف الكتابات حول ما جرى في الولاية الثالثة، يطرح الكثير من التساؤلات، ففي مقابل شهادة الرائد الطاهر سعيداني، يقول المجاهد عبد المجيد عزي و هو من منطقة أقبو في مذكراته أن أول قافلة للإمداد بالسلاح من تونس وصلت الولاية الثالثة كانت في شهر فبراير 1957 و كان يقودها حسين شرقي بعدما فقد في طريقه رجلين ماتا غرقا أثناء عبورهم وادي الصومام الهائج ، كانت القافلة تضم 150 جنديا كل منهم حمل سلاحا و 300 خرطوشة، بعد ملحمة دامت حوالي أربعين يوما اجتازوا فيها العقبات و الحواجز، يضيف عبد المجيد عزي الذي كان في صفوف جيش التحرير الوطني و أوكلت له مهمة كاتب الفصيلة، أن الأسلحة كانت عبارة عن بنادق انجليزية و ألمانية، و رشاشات ألمانية و إيطالية، تعود الى زمن الحرب العالمية الأخيرة، وهي كما يبدو لم تعد صالحة أو غير فعالة، عندما أشار صاحب المذكرة بالقول أن القادة في الخارج المكلفين بتمويل الداخل بالسلاح لم يحسنوا اختيار نوع الأسلحة، فأرسلوا أسلحة غير فعالة، بدلا من إرسال الأسلحة الأمريكية و الفرنسية التي تستخدمها القوات العسكرية في الجزائر، وكانوا يستغلون غياب العقيد عميروش ، مما يدعو الى التساؤل هل كان هذا تقصيرا من الإخوة، أم نقص الخبرة أم أن العملية كانت مقصودة لإفشال مجاهدي الولاية الثالثة، و القضاء على المنطقة بأهاليها
ما وقع من أحداث في تاريخ الثورة ما زال عبارة عن طلاسم، لأن الكثير يتجنب الحديث عن الولايتين الثالثة و السادسة و القاعدة الشرقية، فبالولاية الثالثة وقعت أحداث كثيرة، و البعض يعلم بمؤامرة الزرق المأساوية، و هي مؤامرة دبرتها أجهزة الاستخبارات الفرنسية، بقيادة الكابتن ليجيه الرأس المدبر لهذه المؤامرة، عندما قامت جماعة كانت ترتدي لباس جنود جيش التحرير الوطني و ادعوا أنهم عناصر من الولاية الرابعة في طريقهم الى تونس و أنهم يحملون رسالة الى الولاية الثالثة، كان هدفهم اعتقال الملازم الأول حسين صالحي، و تمكنوا من استدراج مسؤول المنطقة حسين صالحي إلى الخارج ليسلموا له الرسالة المزعومة من إخوان العاصمة، و لكنهم قبضوا عليه، كان ذلك بتواطؤ من شخص يدعى أحمد صابري رئيس العلاقات و الاتصالات مع منطقة الجزائر الحرة، كما كان عدد ضحايا مؤامرة الزرق يفوق 400 شخص، و هي بالتالي كما قال عبد المجيد عزي تعتبر كارثة بكل المواصفات، تسممت منها الولاية الثالثة بسبب البدلات التي كان يرتديها جواسيس العدو
يذكر الطاهر سعيداني في شهادته إحدى قوافل العبور التي كان يقودها محمد القبايلي في أواخر 1956 ، استشهد هذا الأخير بعد أدائه المهمة المتمثلة في إيصال القافلة الى الولاية الثالثة ( منطقة القبائل) و قافلة أخرى بقيادة أحمد البسباسي في 1957 لحمل السلاح إلى نفس المنقطة و العودة الى مركز قيادة الفيلق، في هذه السنة اتجهت سبع كتائب أخرى إلى تونس في أوقات مختلفة لجلب السلاح، و قد عانى المجاهدون في هده الرحلات الشيء الكثير، رغم المخاطر المميتة بداية من ملاحقات العدو و ترصده إلى أسلاك شال و موريس المكهربة القاتلة الى تجنب الطرق المعبدة و السير في المسالك الوعرة، و كثيرا من المجاهدين كانوا يقطعون المسافات الطويلة بأقدام حافية، لأن أحذيتهم تمزقت ناهيك عن الجوع الذي أنهك القوى و الأوساخ التي رافقتها جيوش القمل و رغم دلك كانوا يعودون محملين بالسلاح و الذخيرة التي أعطت للثورة نفسا جديدا.
و شهدت القاعدة الشرقية هجومات و معارك و نصب كمائن عديدة، و قد أحصى المجاهد الطاهر سعيداني في مذكراته أنه في سنة واحدة فقط قام المجاهدون بأكثر من 80 هجوما ابتداءً من جانفي الى ديسمبر 1959 أسفر عنها استشهاد المئات من المجاهدين، و استمرت الهجومات مع بداية 1960، و كانت خسائر جيش التحرير الوطني كبيرة جدا في هجومات 1961 ، حيث سجلت سقوط ما لا يقل عن 147 شهيدا يضاف الى هذا العدد الـ: 600 شهيدا الذين سقطوا في هجوم على الجيش الفرنسي قام به الفيلق الرابع، كان يضم 700 مجاهدا ، استشهدوا جميعها بما فيهم قائد العملية يوسف لطرش وتمكن جيش الحدود من جلب أكثر من 5500 قطعة أوتوماتيكية من بنادق و رشاش و مدافع الهاون، كانت الأسلحة تدخل الولاية الثالثة وفق خطة كان يرسمها العقيد عميروش عندما استقر مرتين بالقاعدة الشرقية و اتصالهم بقادتها و وقوفهم على الوضع العسكري لجيش التحرير الوطني، أما الرائد عمار جرمان يذكر قصة الجاسوس الفرنسي الذي كان يقوم بتسويق السمك من مدينة صفاقس التونسية الى مدينة تبسة على متن شاحنة من نوع ( type 45 )، و كانت القيادة في الحدود التونسية قد تلقت من مصادر رسمية معلومة تفيد وجود شخص يتجسس على الثورة و تحركاتها و مراكزها داخل تونس، أين كلفت الرائد عمار جرمان بتوليه معرفة الجاسوس و مهمة إعدامه، يساعده في ذلك ثلاثة أشخاص و هم: ( حمّة زنادي صار قنصلا في جدة بعد الاستقلال، علي مسعود و الطيب عبد الدايم)، كان عمار جرمان قد التحق بمنطقة تالة بالقطر التونسي لمراقبة المجندين الجدد و التأكد من هوية اللاجئين العادين من تونس الى الجزائر، و بعد تعيينه بمنطقة اليد الحمراء، التحق الأربعة بجبل بوربيعة الكثيف الأشجار، و نصب الأربعة كمينا على الطريق المؤدي الى تبسة، و إذ بشاحنة محملة بصناديق سمك فارغة، و نفذ الأربعة التعليمات التي أعطيت لهم.
ضباط القاعدة الشرقية يقودون الولاية السادسة و ميلاد صقور الصحراء
نقف عند آخر شهادة قالها الرائد لخضر بورقعة و هي: " لقد أهملت الولاية السادسة مند البداية و لم تأخذ نصيبها من الاهتمام كباقي الولايات، إضافة أنه لم يكن لها ممثلا في المجلس الوطني للثورة إلا بعد 19 مارس 1962 ، رغم الفاجعة التي ألمت بها باستشهاد معظم مجلسها ( محمد العربي بعزيز، و اسر عمر إدريس، و إعدام في نواحي الجلفة و على رأسهم سي الحواس مع أخيه عميروش قائد الولاية الثالثة في جبل ثامر قرب بوسعادة في 28 مارس 1959، فالولاية السادسة التي تتربع على مساحات شاسعة من الجزائر يحدها من الجنوب الأطلس الصحراوي الى حدود مالي و النيجر، و من الشؤق الحدود التونسية و الليبية الى ولاية تيارت غربا، و تتميز بانعدام الغطاء النباتي و ارتفاع كبير لدرجة الحرارة مما يجعل ، كما لم يكن سكان الجنوب " الصحراء" بمعزل عما يجري من حراك سياسي، حيث كانوا يضعون كل ما يملكون من مال و ماشية تحت تصرف الثورة.
و لهذا سعى كريم بلقاسم الى إنشاء ولاية سادسة بالجنوب الجزائري، و انطلاقا من الحدود الليبية و بعد شروع السلطات الفرنسية في الحديث عن استقلال الجزائر دون صراع، قرر هواري بومدين تكوين قيادة جديدة تتشكل اغلبها من ضباط القاعدة الشرقية أين توجهوا الى الحدود الجزائرية المالية لقيادة التنظيم الجديد بالولاية السادسة، كونها تتميز بخصائص طبيعية، فهي تقع جغرافيا منع أربعة حدود سياسية من دول افريقيا ( تونس و ليبيا من الشرق و الجنوب الشرقي، و مالي و النيجر في الجنوب و الجنوب الغربي، مما أهلها أن تكون أحد المعابر الرئيسية في تمرير السلاح منذ أن شرعت المنظمة السرية في إعداد العمل المسلح، كانت القوافل تقطع المسافات الطويلة لا تقل عن 500 كلم بدءًا من بوسعادة مركز الولاية إلى الحدود التونسية مرورا بمرتفعات ( أولاد نايل، الزاب، الأوراس النمامشة) ، و وضع ضباط القاعدة الشرقية بالولاية السادسة منظومة لوجستيكية كما جاء على لسان الباحث الهادي أحمد درواز، و أمام هذه الأحداث عملت السلطات الفرنسية على وضع عينتها على الجنوب الجزائري ، و جعله تحت حكمها العسكري من وادي سوف شرقا الى بشار غربا و اعتبرته منطقة متحركة، و المعروف عن الولاية السادسة أنها عاشت وقائع كبيرة، فمن جهة معاركها مع العدو الفرنسي، و مواجهتها لحركة بلونيس الخيانية مع قائدهم سي الحواس، تبقى هناك أسماء عديدة للمجاهدين و الشهداء في القاعدة الشرقية مغيبة لأسباب قد يتكلم عنها التاريخ يوما.
علجية عيش
كانت عمليات التسليح و إيصال الأسلحة الى الداخل ( الولاية 2،3،4،5) التي قامت بها القاعدة الشرقية من أعقد المهام لتمكينها من الصمود في وجه الاستعمار، و مما صعب المهمة إقدام فرنسا على وضع الخطوط المكهربة ( شال و موريس) و زرع الألغام، و رغم ذلك اخترق المجاهدون هذه الخطوط و الحواجز الكهربائية لتسهيل قوافل عبور الأسلحة، لكن الكثير من المجاهدين يتحفظون في الحديث عن أوضاع المجاهدين في الحدود التونسية و أحداث الولاية الثالثة ، و كيف تأسست الولاية السادسة، و أسرار أخرى عن الثورة، و قد سبق و أن صرح المجاهد مصطفى بن زغدة في إحدى المناسبات الوطنية أن القاعدة الشرقية مغبونة في التاريخ و لها الفضل في استقلال الجزائر
تقع القاعدة الشرقية في الشمال الشرقي من الوطن ( سوق اهراس)، أما ما يحدها فما يهم هو الحدود التونسية من الشرق (من المريج الى عين باب بحر)، و تتألف تضاريسها من سلسلة جبلية يصل ارتفاعها الى 1400 متر ( المسيد) مكونة جبالا شاهقة كجبل كاف الشهبة، سيدي احمد و بوخضرة..، مسالكها و طرقها صعبة و وعرة مما ساعد المجاهدون على التمركز فيها بقوة و التحرك بسهولة في المجالات المختلفة، و استطاعت هذه الناحية أن تتطور بعد سيطرة جيش التحرير الوطني على الوضع العسكري و ذلك بتنظيم صفوفه و تجنيد طاقاته البشرية و المادية لمواجهة العدو، مما مكنها من أن تصيح قاعدة إستراتيجية و قد أسندت لهذه الناحية وظائف أساسية كبرى لتزويد المجاهدين بالداخل بالسلاح و الذخيرة و ضمان عبور القوافل رغم الحراسة المشددة و بعد المسافة و الحواجز الملغمة، كان التنظيم العسكري من القمة الى القاعدة يتكون من القيادة العليا للقاعدة الشرقية بقيادة العقيد عمارة العسكري المدعو عمارة بوقلاز و كل من الرواد ( محمد عواشرية، الطاهر سعيداني، سليمان بلعشاري) و تم تشكيل الفيالق ، كان كل فيلق يضم ثلاثة أو أربع كتائب، و كل كتيبة تنقسم الى ثلاث فصائل و كل فصيلة تنقسم بدورها الى ثلاثة أفواج، لم تمر سنتان على انطلاق الثورة حتى ذاب رؤساء المناطق داخل جيش منظم و منضبط في حالة تأهب دائم، كما عمل القادة على تكوين شبكة للاتصالات و الاستعلامات و عمليات تجنيد للجيش في سرية تامة.
فيلق "الصاعقة" كان من أكثر العمليات دموية بالولاية الثالثة
مساعي لإبعاد الولاية الثالثة عن الثورة و تخوين مجاهديها
لقد ساعدت اللهجة القبائلية في تمرير الرسائل بين المجاهدين و القيام بالكثير من العمليات بالولاية الثالثة، خاصة في المناطق التي شهدت معارك قوية و الدواوير مثل دوار أوزلاقن الواقع في عمق حوض واسع تحيط به سلسلة جبلية تمتد الى حدود بجاية، هي جبال جرجرة، و تشكل منافذه شرقا نحو دوار بني وغليس و قرية إغزر أمقران، و تغيلت، كان دوار أوزلاقن يضم 14 قرية ، كانت كلمة السر المتفق عليها " أقور" و هي باللغة الأمازيغية تعني القمر، ليأتي الجواب في الحين بكلمة سرية و هي " تيزيري" و معناها ضوء القمر، و إذا لم تكن كلمة السر مطابقة تطلق رصاصتين لإعلان حالة استنفار، فاللسان الأمازيغي بمنطقة القبائل لعب دورا مهما في حفظ أسرار المجاهدين و مخططاتهم و كذلك التواصل بينهم، و حماية الثورة، كانت في الدواوير مجموعات المسبلين و هي تشكيلة شبه عسكرية ينشطون على مستوى القرى، في انتظار إدماجهم في الوحدات العسكرية عندما تقتضي الحاجة، و يعتبرون خزان جيش التحرير الوطني، و هكذا شهدت الولاية الثالثة معارك عديدة و هجومات في الدواوير و منها معركة أوزلاقن ، عملية أكفادو، و عملية جوميل jumelles التي قادها فيلق "الصاعقة" و هي من أكثر العمليات دموية، بحيث لم تترك سوى الدمار و الخراب، دون أن ننسى هجوم بجاية، و الهجوم على ثكنة أقبو وغير ذلك، و هذا ما يؤكد أن الولاية الثالثة لم تكن معزولة عن الثورة.
اختلاف الكتابات حول ما جرى في الولاية الثالثة، يطرح الكثير من التساؤلات، ففي مقابل شهادة الرائد الطاهر سعيداني، يقول المجاهد عبد المجيد عزي و هو من منطقة أقبو في مذكراته أن أول قافلة للإمداد بالسلاح من تونس وصلت الولاية الثالثة كانت في شهر فبراير 1957 و كان يقودها حسين شرقي بعدما فقد في طريقه رجلين ماتا غرقا أثناء عبورهم وادي الصومام الهائج ، كانت القافلة تضم 150 جنديا كل منهم حمل سلاحا و 300 خرطوشة، بعد ملحمة دامت حوالي أربعين يوما اجتازوا فيها العقبات و الحواجز، يضيف عبد المجيد عزي الذي كان في صفوف جيش التحرير الوطني و أوكلت له مهمة كاتب الفصيلة، أن الأسلحة كانت عبارة عن بنادق انجليزية و ألمانية، و رشاشات ألمانية و إيطالية، تعود الى زمن الحرب العالمية الأخيرة، وهي كما يبدو لم تعد صالحة أو غير فعالة، عندما أشار صاحب المذكرة بالقول أن القادة في الخارج المكلفين بتمويل الداخل بالسلاح لم يحسنوا اختيار نوع الأسلحة، فأرسلوا أسلحة غير فعالة، بدلا من إرسال الأسلحة الأمريكية و الفرنسية التي تستخدمها القوات العسكرية في الجزائر، وكانوا يستغلون غياب العقيد عميروش ، مما يدعو الى التساؤل هل كان هذا تقصيرا من الإخوة، أم نقص الخبرة أم أن العملية كانت مقصودة لإفشال مجاهدي الولاية الثالثة، و القضاء على المنطقة بأهاليها
ما وقع من أحداث في تاريخ الثورة ما زال عبارة عن طلاسم، لأن الكثير يتجنب الحديث عن الولايتين الثالثة و السادسة و القاعدة الشرقية، فبالولاية الثالثة وقعت أحداث كثيرة، و البعض يعلم بمؤامرة الزرق المأساوية، و هي مؤامرة دبرتها أجهزة الاستخبارات الفرنسية، بقيادة الكابتن ليجيه الرأس المدبر لهذه المؤامرة، عندما قامت جماعة كانت ترتدي لباس جنود جيش التحرير الوطني و ادعوا أنهم عناصر من الولاية الرابعة في طريقهم الى تونس و أنهم يحملون رسالة الى الولاية الثالثة، كان هدفهم اعتقال الملازم الأول حسين صالحي، و تمكنوا من استدراج مسؤول المنطقة حسين صالحي إلى الخارج ليسلموا له الرسالة المزعومة من إخوان العاصمة، و لكنهم قبضوا عليه، كان ذلك بتواطؤ من شخص يدعى أحمد صابري رئيس العلاقات و الاتصالات مع منطقة الجزائر الحرة، كما كان عدد ضحايا مؤامرة الزرق يفوق 400 شخص، و هي بالتالي كما قال عبد المجيد عزي تعتبر كارثة بكل المواصفات، تسممت منها الولاية الثالثة بسبب البدلات التي كان يرتديها جواسيس العدو
يذكر الطاهر سعيداني في شهادته إحدى قوافل العبور التي كان يقودها محمد القبايلي في أواخر 1956 ، استشهد هذا الأخير بعد أدائه المهمة المتمثلة في إيصال القافلة الى الولاية الثالثة ( منطقة القبائل) و قافلة أخرى بقيادة أحمد البسباسي في 1957 لحمل السلاح إلى نفس المنقطة و العودة الى مركز قيادة الفيلق، في هذه السنة اتجهت سبع كتائب أخرى إلى تونس في أوقات مختلفة لجلب السلاح، و قد عانى المجاهدون في هده الرحلات الشيء الكثير، رغم المخاطر المميتة بداية من ملاحقات العدو و ترصده إلى أسلاك شال و موريس المكهربة القاتلة الى تجنب الطرق المعبدة و السير في المسالك الوعرة، و كثيرا من المجاهدين كانوا يقطعون المسافات الطويلة بأقدام حافية، لأن أحذيتهم تمزقت ناهيك عن الجوع الذي أنهك القوى و الأوساخ التي رافقتها جيوش القمل و رغم دلك كانوا يعودون محملين بالسلاح و الذخيرة التي أعطت للثورة نفسا جديدا.
و شهدت القاعدة الشرقية هجومات و معارك و نصب كمائن عديدة، و قد أحصى المجاهد الطاهر سعيداني في مذكراته أنه في سنة واحدة فقط قام المجاهدون بأكثر من 80 هجوما ابتداءً من جانفي الى ديسمبر 1959 أسفر عنها استشهاد المئات من المجاهدين، و استمرت الهجومات مع بداية 1960، و كانت خسائر جيش التحرير الوطني كبيرة جدا في هجومات 1961 ، حيث سجلت سقوط ما لا يقل عن 147 شهيدا يضاف الى هذا العدد الـ: 600 شهيدا الذين سقطوا في هجوم على الجيش الفرنسي قام به الفيلق الرابع، كان يضم 700 مجاهدا ، استشهدوا جميعها بما فيهم قائد العملية يوسف لطرش وتمكن جيش الحدود من جلب أكثر من 5500 قطعة أوتوماتيكية من بنادق و رشاش و مدافع الهاون، كانت الأسلحة تدخل الولاية الثالثة وفق خطة كان يرسمها العقيد عميروش عندما استقر مرتين بالقاعدة الشرقية و اتصالهم بقادتها و وقوفهم على الوضع العسكري لجيش التحرير الوطني، أما الرائد عمار جرمان يذكر قصة الجاسوس الفرنسي الذي كان يقوم بتسويق السمك من مدينة صفاقس التونسية الى مدينة تبسة على متن شاحنة من نوع ( type 45 )، و كانت القيادة في الحدود التونسية قد تلقت من مصادر رسمية معلومة تفيد وجود شخص يتجسس على الثورة و تحركاتها و مراكزها داخل تونس، أين كلفت الرائد عمار جرمان بتوليه معرفة الجاسوس و مهمة إعدامه، يساعده في ذلك ثلاثة أشخاص و هم: ( حمّة زنادي صار قنصلا في جدة بعد الاستقلال، علي مسعود و الطيب عبد الدايم)، كان عمار جرمان قد التحق بمنطقة تالة بالقطر التونسي لمراقبة المجندين الجدد و التأكد من هوية اللاجئين العادين من تونس الى الجزائر، و بعد تعيينه بمنطقة اليد الحمراء، التحق الأربعة بجبل بوربيعة الكثيف الأشجار، و نصب الأربعة كمينا على الطريق المؤدي الى تبسة، و إذ بشاحنة محملة بصناديق سمك فارغة، و نفذ الأربعة التعليمات التي أعطيت لهم.
ضباط القاعدة الشرقية يقودون الولاية السادسة و ميلاد صقور الصحراء
نقف عند آخر شهادة قالها الرائد لخضر بورقعة و هي: " لقد أهملت الولاية السادسة مند البداية و لم تأخذ نصيبها من الاهتمام كباقي الولايات، إضافة أنه لم يكن لها ممثلا في المجلس الوطني للثورة إلا بعد 19 مارس 1962 ، رغم الفاجعة التي ألمت بها باستشهاد معظم مجلسها ( محمد العربي بعزيز، و اسر عمر إدريس، و إعدام في نواحي الجلفة و على رأسهم سي الحواس مع أخيه عميروش قائد الولاية الثالثة في جبل ثامر قرب بوسعادة في 28 مارس 1959، فالولاية السادسة التي تتربع على مساحات شاسعة من الجزائر يحدها من الجنوب الأطلس الصحراوي الى حدود مالي و النيجر، و من الشؤق الحدود التونسية و الليبية الى ولاية تيارت غربا، و تتميز بانعدام الغطاء النباتي و ارتفاع كبير لدرجة الحرارة مما يجعل ، كما لم يكن سكان الجنوب " الصحراء" بمعزل عما يجري من حراك سياسي، حيث كانوا يضعون كل ما يملكون من مال و ماشية تحت تصرف الثورة.
و لهذا سعى كريم بلقاسم الى إنشاء ولاية سادسة بالجنوب الجزائري، و انطلاقا من الحدود الليبية و بعد شروع السلطات الفرنسية في الحديث عن استقلال الجزائر دون صراع، قرر هواري بومدين تكوين قيادة جديدة تتشكل اغلبها من ضباط القاعدة الشرقية أين توجهوا الى الحدود الجزائرية المالية لقيادة التنظيم الجديد بالولاية السادسة، كونها تتميز بخصائص طبيعية، فهي تقع جغرافيا منع أربعة حدود سياسية من دول افريقيا ( تونس و ليبيا من الشرق و الجنوب الشرقي، و مالي و النيجر في الجنوب و الجنوب الغربي، مما أهلها أن تكون أحد المعابر الرئيسية في تمرير السلاح منذ أن شرعت المنظمة السرية في إعداد العمل المسلح، كانت القوافل تقطع المسافات الطويلة لا تقل عن 500 كلم بدءًا من بوسعادة مركز الولاية إلى الحدود التونسية مرورا بمرتفعات ( أولاد نايل، الزاب، الأوراس النمامشة) ، و وضع ضباط القاعدة الشرقية بالولاية السادسة منظومة لوجستيكية كما جاء على لسان الباحث الهادي أحمد درواز، و أمام هذه الأحداث عملت السلطات الفرنسية على وضع عينتها على الجنوب الجزائري ، و جعله تحت حكمها العسكري من وادي سوف شرقا الى بشار غربا و اعتبرته منطقة متحركة، و المعروف عن الولاية السادسة أنها عاشت وقائع كبيرة، فمن جهة معاركها مع العدو الفرنسي، و مواجهتها لحركة بلونيس الخيانية مع قائدهم سي الحواس، تبقى هناك أسماء عديدة للمجاهدين و الشهداء في القاعدة الشرقية مغيبة لأسباب قد يتكلم عنها التاريخ يوما.
علجية عيش