عرف كل منا منذ طفولته أن لكل إنسانٍ ما يتقنه ولكل ثقافةٍ ما يميزها عن غيرها حتى وإن لم نستطع فهم أو استيعاب أو تذوق تلك المميزات التي جعلت أصحابها لا يشبهون البقية، ولذلك يكثر الحديث بين الناس عن واقعٍ تتشابك فيه المعطيات ويكون فيه بروز فئاتٍ أو أسماء على حساب فئاتٍ أو أسماء أخرى بغض النظر عن استحقاقها للمكانة التي حققتها، كما نجد في نفس الوقت أيضاً نماذج راقية وناجحة ومتفردة وموجودة بعد جهدٍ كبير بذلته على مدار سنوات وجعلها في منزلة خاصة.. وهو ما يخلق بطبيعة الحال حالة من الإصطفاف بين مؤيد ومعارض بناءاً على معايير لا علاقة لها غالباً بالكفاءة حتى حول أسماء غنية عن التعريف وأعمالها تتحدث عنها..
فعند تناول أي عمل أو إسم وخاصةً في الوقت الحالي (وغالباً ما يتم ذلك بطريقة غير مباشرة) يتم عمل نوع من التقييم المبدأي من قبل الكثيرين على امتداد بلادنا وحتى من قبل أشخاص يفترض أنهم أكثر (نضجاً ووعياً وثقافةً وانفتاحاً) بناءاً على موقف الشخص المسبق من جنسية أو ديانة أو طائفة أو أصل عرقي أو لون أو جنس، أو حتى بناءاً على حسابات شخصية تخضع للتنافسية بعيداً عن المقاييس المهنية والإحترافية ودون تعمق في قيمة العمل أو مضمونه أو الفكر الذي يحمله صاحبه، وهو ما يدفعنا إلى التساؤل هل لدينا في بلادنا ما يعرف بالنقد أو التقييم أو الطرح الموضوعي لأي قضيةٍ كانت؟ أم أن الأمور خاضعة للأهواء والتحزبات ؟ وهل نستطيع أن نرى الأمور بشكل صحيح دون خلط متعمد للأوراق أو (شخصنة) القضايا العامة ؟
فلماذا لا نجد اليوم تقييماً صادقاً عند صدور عمل جيد بمواصفات فنية أو أدبية عالية بمعزل عن محاولة (قولبة) صاحبه ووضعه في خانة بعينها بناءاً على (التصنيفات المعتادة) من قبل الناس ومن قبل من يفترض بهم الوعي والتحضر، حيث لا تتم الإشادة بهذا العمل غالباً إلا إذا لقي احتفاءاً غربياً (كعادتنا)، فعلى سبيل المثال تشهد تونس إنتاج الكثير من الإصدارات التي لا تصلنا معظمها إلاّ إذا تم طلبها مباشرةً من هناك عبر الإنترنت وهو ما ينطبق على العديد من الإصدارات العربية وفي عدة مجالات فنية وثقافية لمعايير بعيدة تماماً عن المضمون والتي ساهم التطور التكنولوجي في كسرها إلى حد كبير، فقد اعتدنا سابقاً على تجارب بارزة في بلادنا (ولا أقصد المرحلة الحالية) كالسينما في مصر أو الدراما في سوريا أو المسرح الغنائي في لبنان أو المسرح في تونس أو العراق أو فلسطين أو الأردن، وهو ما اختلف اليوم بشكلٍ جذري حيث برزت تجارب ناجحة جديدة ومتميزة في نفس الميادين لكن في بلدان أخرى لم تشتهر بها ولم تحظى أيضاً بالإهتمام الكافي رغم أهميتها، وأيضاً استطاعت العديد من مواقع التواصل الإجتماعي (مؤخراً في السنوات الأخيرة) كشف النقاب عن تجارب فنية بمثابة كنوز في مجالات الرسم والخط والشعر والكتابة والموسيقى المحلية في السودان، والتي شهدت نشاطاً ملحوظاً ومتواصلاً منذ أكثر من نصف قرن على أقل تقدير لكن الكثيرين لا يعلمون عنها شيئاً وهو ما يشبه وضع الكثير من بلادنا..
خاصةً بعد أن ساهم حدوث الأزمات العالمية المتتالية في جعل مستوى الثقافة والفنون ينخفض في كل مكان، وهو رأي مشترك بين مثقفين ومحللين سياسيين وعلماء اجتماع وخبراء اقتصاديين قام كل منهم بتحليل الأزمة ورؤية المشهد من زاويته ليخبرنا أن كل هذه العوامل تتضافر معاً وترتبط ببعضها وتؤدي إلى ما نعيشه اليوم من جمود وركود وتكرار وتدني.. وهو ما يعني أيضاً انتهاء فكرة القطب الأوحد حتى في الفن وهو ما سيجعل النجاح ينسب لعمل أو تجربة بعينها بمعزل عن التاريخ الفني في هذا البلد أو ذاك لأن التغطية الإعلامية لم تتوفر منذ البداية بشكل صحيح في كل البلدان، ولم تدعم أو تنصف الجميع واجتمعت مع عوامل عدة من أهمها الإحتكار والتحكم في التوزيع كأسباب ساهمت في غياب الكثير من الكنوز الفكرية والثقافية عنا ولربما وصلت بلغات أخرى إلينا قبل وصولها بالعربية..
فهل سنصل يوماً إلى نوع من الصدق والشفافية والنزاهة والموضوعية في الحكم أو التقييم ودعم (من يستحق) بناءاً على شخصه ونتاجه (فقط) ليرتقي الذوق العام (وهو ذو تأثير مرتبط بكافة نواحي الحياة)، أم أننا سنظل في غارقين أوحال التعصب والعنصرية (معتقدين) أنها شكل من أشكال (المشاعر الوطنية) التي لن تفلح في جعل الرديء جيداً، والأجدر بنا أن ننفتح ونحتفي بتجارب بعضنا البعض وأن يتحول هذا الأمر إلى توجه عام ينحاز للأجدر، خاصةً إذا كانت الأعمال قيمة ووازنة قبل أن نحتفي بتجارب الغرب لأننا ننتمي إلى هذه المنطقة وليس إلى هناك، ولأن بروز أي عمل متميز من أي بلد وثقافة فيها يصب في مصلحتنا جميعاً حيث الإبداع هو جواز سفر المبدع الحقيقي..
خالد جهاد..
فعند تناول أي عمل أو إسم وخاصةً في الوقت الحالي (وغالباً ما يتم ذلك بطريقة غير مباشرة) يتم عمل نوع من التقييم المبدأي من قبل الكثيرين على امتداد بلادنا وحتى من قبل أشخاص يفترض أنهم أكثر (نضجاً ووعياً وثقافةً وانفتاحاً) بناءاً على موقف الشخص المسبق من جنسية أو ديانة أو طائفة أو أصل عرقي أو لون أو جنس، أو حتى بناءاً على حسابات شخصية تخضع للتنافسية بعيداً عن المقاييس المهنية والإحترافية ودون تعمق في قيمة العمل أو مضمونه أو الفكر الذي يحمله صاحبه، وهو ما يدفعنا إلى التساؤل هل لدينا في بلادنا ما يعرف بالنقد أو التقييم أو الطرح الموضوعي لأي قضيةٍ كانت؟ أم أن الأمور خاضعة للأهواء والتحزبات ؟ وهل نستطيع أن نرى الأمور بشكل صحيح دون خلط متعمد للأوراق أو (شخصنة) القضايا العامة ؟
فلماذا لا نجد اليوم تقييماً صادقاً عند صدور عمل جيد بمواصفات فنية أو أدبية عالية بمعزل عن محاولة (قولبة) صاحبه ووضعه في خانة بعينها بناءاً على (التصنيفات المعتادة) من قبل الناس ومن قبل من يفترض بهم الوعي والتحضر، حيث لا تتم الإشادة بهذا العمل غالباً إلا إذا لقي احتفاءاً غربياً (كعادتنا)، فعلى سبيل المثال تشهد تونس إنتاج الكثير من الإصدارات التي لا تصلنا معظمها إلاّ إذا تم طلبها مباشرةً من هناك عبر الإنترنت وهو ما ينطبق على العديد من الإصدارات العربية وفي عدة مجالات فنية وثقافية لمعايير بعيدة تماماً عن المضمون والتي ساهم التطور التكنولوجي في كسرها إلى حد كبير، فقد اعتدنا سابقاً على تجارب بارزة في بلادنا (ولا أقصد المرحلة الحالية) كالسينما في مصر أو الدراما في سوريا أو المسرح الغنائي في لبنان أو المسرح في تونس أو العراق أو فلسطين أو الأردن، وهو ما اختلف اليوم بشكلٍ جذري حيث برزت تجارب ناجحة جديدة ومتميزة في نفس الميادين لكن في بلدان أخرى لم تشتهر بها ولم تحظى أيضاً بالإهتمام الكافي رغم أهميتها، وأيضاً استطاعت العديد من مواقع التواصل الإجتماعي (مؤخراً في السنوات الأخيرة) كشف النقاب عن تجارب فنية بمثابة كنوز في مجالات الرسم والخط والشعر والكتابة والموسيقى المحلية في السودان، والتي شهدت نشاطاً ملحوظاً ومتواصلاً منذ أكثر من نصف قرن على أقل تقدير لكن الكثيرين لا يعلمون عنها شيئاً وهو ما يشبه وضع الكثير من بلادنا..
خاصةً بعد أن ساهم حدوث الأزمات العالمية المتتالية في جعل مستوى الثقافة والفنون ينخفض في كل مكان، وهو رأي مشترك بين مثقفين ومحللين سياسيين وعلماء اجتماع وخبراء اقتصاديين قام كل منهم بتحليل الأزمة ورؤية المشهد من زاويته ليخبرنا أن كل هذه العوامل تتضافر معاً وترتبط ببعضها وتؤدي إلى ما نعيشه اليوم من جمود وركود وتكرار وتدني.. وهو ما يعني أيضاً انتهاء فكرة القطب الأوحد حتى في الفن وهو ما سيجعل النجاح ينسب لعمل أو تجربة بعينها بمعزل عن التاريخ الفني في هذا البلد أو ذاك لأن التغطية الإعلامية لم تتوفر منذ البداية بشكل صحيح في كل البلدان، ولم تدعم أو تنصف الجميع واجتمعت مع عوامل عدة من أهمها الإحتكار والتحكم في التوزيع كأسباب ساهمت في غياب الكثير من الكنوز الفكرية والثقافية عنا ولربما وصلت بلغات أخرى إلينا قبل وصولها بالعربية..
فهل سنصل يوماً إلى نوع من الصدق والشفافية والنزاهة والموضوعية في الحكم أو التقييم ودعم (من يستحق) بناءاً على شخصه ونتاجه (فقط) ليرتقي الذوق العام (وهو ذو تأثير مرتبط بكافة نواحي الحياة)، أم أننا سنظل في غارقين أوحال التعصب والعنصرية (معتقدين) أنها شكل من أشكال (المشاعر الوطنية) التي لن تفلح في جعل الرديء جيداً، والأجدر بنا أن ننفتح ونحتفي بتجارب بعضنا البعض وأن يتحول هذا الأمر إلى توجه عام ينحاز للأجدر، خاصةً إذا كانت الأعمال قيمة ووازنة قبل أن نحتفي بتجارب الغرب لأننا ننتمي إلى هذه المنطقة وليس إلى هناك، ولأن بروز أي عمل متميز من أي بلد وثقافة فيها يصب في مصلحتنا جميعاً حيث الإبداع هو جواز سفر المبدع الحقيقي..
خالد جهاد..