لي قرابة أسبوعين وأنا أعود إلى أواخر السبعينات وأغلب الثمانينات لأستمتع بأفلام عادل إمام. غير أنني لاحظت شيئاً كان بمثابة صدمة بالنسبة لي.
لم تكن أفلام عادل إمام أبداً بريئة، بل كانت اقتياداً للشعب المصري والدول العربية نحو المجتمع المحافظ.
لو أننا تخلصنا من حقبة عادل إمام وعدنا للخلف، وخاصة أفلام الأبيض والاسود، لوجدناها أفلام تعكس مجتمعاً منفتحاً. في تلك الافلام كان ارتداء الفتيات لأردية قصيرة شيء عادي جداً، القبلات والأحضان لا تمثل صعوبات بالغة عند المخرجين. شرب الخمر كذلك كان جزءً من الديكور الطبيعي لحياة عامة.
على العكس من ذلك، كانت أفلام عادل إمام تقود المجتمع المصري نحو المحافظة. فقد ظهرت جمل غريبة تستنكر ارتداء الملابس القصيرة، أضحى شرب الخمر تعبيراً عن الإنحلال الأخلاقي، الراقصات شبه العاريات محل سخرية، القبلات تمثل نهاية الرغبة. دعونا نراجع فيلم عادل إمام بعنوان "واحدة بواحدة" مع الفنانة ميرفت أمين. تخيلوا لأول مرة تظهر ممثلة وهي نائمة بملابس كاملة؟ وليس حتى بملابس النوم. بدا ذلك شاذاً جداً وواضح أنه ينتقص من الوضع الطبيعي للمرأة حينما تنام. سنلاحظ هذا التوجه المحافظ في فيلم آخر حينما يعترض الاخ على فستان أخته القصير، سنلاحظ ذات الأمر في فيلم "عيب يا لولو يا لولو عيب"، ومن اسم الفيلم سنلاحظ التوجه نحو العيبية، ونهاية البطلة بالموت كنوع من الانتقام الإلهي على عدم ايمانها بقيم المجتمع.
إذا فأفلام عادل إمام والتي جاءت بمشاهد تبدو ساخنة، لم تكن سوى تسريب لرسائل موجهة إلى المجتمع المصري والعربي، الذي كان فيه ارتداء المرأة لفستان قصيرة مسألة طبيعية. باختصار كانت أفلام عادل إمام تخفي السم في الدسم، بشكل انعكس على المجتمع المصري بالفعل لأن عادل إمام من الممثلين الذين تحتشد الجماهير لمتابعة أفلامهم ومسرحياتهم. لقد تم اقتياد المجتمع المصري نحو المحافظة (وليس التدين) وهناك فرق. فأفلام عادل إمام على العكس وجهت الشعب المصري إلى الوقوف ضد مظاهر التدين، كإطلاق اللحية وتقصير الثوب، وفي التسعينات، أستخدمت أفلام عادل إمام كل إمكانياتها لمحاربة الإرهاب، وتوجيه الشعب المصري إلى الأسر (المنفتحة ولكن محافِظة) في نفس الوقت. أي أن عادل إمام لم يكن مهتماً بالتدين ولا الدين بل مهمتماً بالتبشير بالليبرالية المحافظة، أو الليبرالية الاجتماعية. أو العلمانية المحافظة. في موازنة غريبة، وبأدوات شيطانية. في فيلم "عيب يا لولو يا لولو عيب" تجتهد لولو في إقناع البطل عزت العلايلي بوجهة نظرها وهي عدم أهمية وجهة نظر الآخرين عندما نمارس حريتنا الشخصية. لكنها في النهاية تخسر وتحب عزت العلايلي نفسه، وتموت بداء خبيث. وهكذا يمكننا أن نستظهر وجهة سياسة الحكومة المصرية في ذلك الوقت، فهي ببساطة كانت توجه الشعب نحو المحافظة، وفي نفس الوقت كانت أفلام عادل إمام ذات توجهات بعثية مناهضة للاحتلال الإسرائيلي. بل واستطاعت ببراعة غرس فكرة أن كل يهودي هو شيطان. ولم يحاول الإعلام المصري الرسمي وغير الرسمي حتى اليوم إيجاد أي مبررات غير أمنية لتطبيع مصر مع إسرائيل، بل على العكس، فالإعلام المصري موجه بالكامل ضد التطبيع على المستوى الشعبي والثقافي. وبالتالي فهو يحتفظ بالكره الشعبي العميق لاسرائيل لاستخدام هذا الكره وقت الشدة. وهذه أيضاً موازنة غريبة وعجيبة. سنجد مثلاً أن تطبيع الإمارات مع اسرائيل أدى ليس لتخلي الإمارات عن عدائها الرسمي لإسرائيل بل أيضاً إلى قيامها برفع العلاقات إلى المستوى الثقافي والشعبي.وهذا ما يمكن أن نعتبره تطبيعاً حاسماً. وهو خطأ استراتيجي سقطت فيه كل الدول العربية التي طبعت مع إسرائيل وخاصة دول الخليج والمغرب العربي. إذ أن هذه الدول لم تحمي نفسها مستقبلاً عبر بناء جدار عازل في حالة وقوع المحظور كالعدوان عند تعارض المصالح. لم تترك هذه الدول خط رجعة لها لأن ظهرها الشعبي أصبح مكشوفاً بالكامل.
يمكننا أن نجزم إذاً، بأن عادل بالفعل كان يعكس سياسة مصر الداخلية والخارجية بل ويلعب أدواراً مهمة فيها عبر أفلامه. قد يقول البعض بأن عادل إمام لم يكن مؤلفاً ولا سيناريست ولا مخرج ولا حتى مصور. نعم هذا خط دفاع جيد، لو كان عادل إمام مجرد ممثل صغير وعادي. غير أن الحقيقة ليست كذلك. في رأيي كانت الحكومات المصرية ترسم أدوار عادل إمام بحرفية عالية وينفذها هو بحرفية أعلى. ولذلك لا أعرف إن كان يستحق الإشادة ام لا.. ولكن جل ما يمكن قوله أن عادل إمام كان جوبلز السينما المصرية بامتياز.
لم تكن أفلام عادل إمام أبداً بريئة، بل كانت اقتياداً للشعب المصري والدول العربية نحو المجتمع المحافظ.
لو أننا تخلصنا من حقبة عادل إمام وعدنا للخلف، وخاصة أفلام الأبيض والاسود، لوجدناها أفلام تعكس مجتمعاً منفتحاً. في تلك الافلام كان ارتداء الفتيات لأردية قصيرة شيء عادي جداً، القبلات والأحضان لا تمثل صعوبات بالغة عند المخرجين. شرب الخمر كذلك كان جزءً من الديكور الطبيعي لحياة عامة.
على العكس من ذلك، كانت أفلام عادل إمام تقود المجتمع المصري نحو المحافظة. فقد ظهرت جمل غريبة تستنكر ارتداء الملابس القصيرة، أضحى شرب الخمر تعبيراً عن الإنحلال الأخلاقي، الراقصات شبه العاريات محل سخرية، القبلات تمثل نهاية الرغبة. دعونا نراجع فيلم عادل إمام بعنوان "واحدة بواحدة" مع الفنانة ميرفت أمين. تخيلوا لأول مرة تظهر ممثلة وهي نائمة بملابس كاملة؟ وليس حتى بملابس النوم. بدا ذلك شاذاً جداً وواضح أنه ينتقص من الوضع الطبيعي للمرأة حينما تنام. سنلاحظ هذا التوجه المحافظ في فيلم آخر حينما يعترض الاخ على فستان أخته القصير، سنلاحظ ذات الأمر في فيلم "عيب يا لولو يا لولو عيب"، ومن اسم الفيلم سنلاحظ التوجه نحو العيبية، ونهاية البطلة بالموت كنوع من الانتقام الإلهي على عدم ايمانها بقيم المجتمع.
إذا فأفلام عادل إمام والتي جاءت بمشاهد تبدو ساخنة، لم تكن سوى تسريب لرسائل موجهة إلى المجتمع المصري والعربي، الذي كان فيه ارتداء المرأة لفستان قصيرة مسألة طبيعية. باختصار كانت أفلام عادل إمام تخفي السم في الدسم، بشكل انعكس على المجتمع المصري بالفعل لأن عادل إمام من الممثلين الذين تحتشد الجماهير لمتابعة أفلامهم ومسرحياتهم. لقد تم اقتياد المجتمع المصري نحو المحافظة (وليس التدين) وهناك فرق. فأفلام عادل إمام على العكس وجهت الشعب المصري إلى الوقوف ضد مظاهر التدين، كإطلاق اللحية وتقصير الثوب، وفي التسعينات، أستخدمت أفلام عادل إمام كل إمكانياتها لمحاربة الإرهاب، وتوجيه الشعب المصري إلى الأسر (المنفتحة ولكن محافِظة) في نفس الوقت. أي أن عادل إمام لم يكن مهتماً بالتدين ولا الدين بل مهمتماً بالتبشير بالليبرالية المحافظة، أو الليبرالية الاجتماعية. أو العلمانية المحافظة. في موازنة غريبة، وبأدوات شيطانية. في فيلم "عيب يا لولو يا لولو عيب" تجتهد لولو في إقناع البطل عزت العلايلي بوجهة نظرها وهي عدم أهمية وجهة نظر الآخرين عندما نمارس حريتنا الشخصية. لكنها في النهاية تخسر وتحب عزت العلايلي نفسه، وتموت بداء خبيث. وهكذا يمكننا أن نستظهر وجهة سياسة الحكومة المصرية في ذلك الوقت، فهي ببساطة كانت توجه الشعب نحو المحافظة، وفي نفس الوقت كانت أفلام عادل إمام ذات توجهات بعثية مناهضة للاحتلال الإسرائيلي. بل واستطاعت ببراعة غرس فكرة أن كل يهودي هو شيطان. ولم يحاول الإعلام المصري الرسمي وغير الرسمي حتى اليوم إيجاد أي مبررات غير أمنية لتطبيع مصر مع إسرائيل، بل على العكس، فالإعلام المصري موجه بالكامل ضد التطبيع على المستوى الشعبي والثقافي. وبالتالي فهو يحتفظ بالكره الشعبي العميق لاسرائيل لاستخدام هذا الكره وقت الشدة. وهذه أيضاً موازنة غريبة وعجيبة. سنجد مثلاً أن تطبيع الإمارات مع اسرائيل أدى ليس لتخلي الإمارات عن عدائها الرسمي لإسرائيل بل أيضاً إلى قيامها برفع العلاقات إلى المستوى الثقافي والشعبي.وهذا ما يمكن أن نعتبره تطبيعاً حاسماً. وهو خطأ استراتيجي سقطت فيه كل الدول العربية التي طبعت مع إسرائيل وخاصة دول الخليج والمغرب العربي. إذ أن هذه الدول لم تحمي نفسها مستقبلاً عبر بناء جدار عازل في حالة وقوع المحظور كالعدوان عند تعارض المصالح. لم تترك هذه الدول خط رجعة لها لأن ظهرها الشعبي أصبح مكشوفاً بالكامل.
يمكننا أن نجزم إذاً، بأن عادل بالفعل كان يعكس سياسة مصر الداخلية والخارجية بل ويلعب أدواراً مهمة فيها عبر أفلامه. قد يقول البعض بأن عادل إمام لم يكن مؤلفاً ولا سيناريست ولا مخرج ولا حتى مصور. نعم هذا خط دفاع جيد، لو كان عادل إمام مجرد ممثل صغير وعادي. غير أن الحقيقة ليست كذلك. في رأيي كانت الحكومات المصرية ترسم أدوار عادل إمام بحرفية عالية وينفذها هو بحرفية أعلى. ولذلك لا أعرف إن كان يستحق الإشادة ام لا.. ولكن جل ما يمكن قوله أن عادل إمام كان جوبلز السينما المصرية بامتياز.