منذ نهاية الحرب الباردة وتسنم الولايات المتحدة ظهر النظام العالمي واضعة تحت إبطها أوروبا، بدأ الضغط على الدول النامية ومحاصرة شعوبها وشن حروب لا تراعى فيها الإنسانية، ومع هيمنة أمريكا على القرار الدولي، فقد القانون الدولي معناه. حوصرت الشعوب عبر برامج لا إنسانية كأن يكون النفط مقابل الغذاء. تم تغذية الحروب الأهلية، ومارست الدولت الغربية دوراً قذراً عبر منظماتها ووكالاتها في تهريب السلاح إلى الدول الإفريقية. وهكذا نشأت أجيال افريقية عاجزة عن الشعور بالأمن، وبدلاً عن مقاومة الامبريالية الجديدة التي تعمل عبر وكلائها المحليين، نشأت مقاومة أخرى من نوع أكثر خطورة، وهي المقاومة عبر الهجرة إلى الدول الإمبريالية نفسها. تدفق اللاجؤون من سوريا في الوقت الذي كانت الطائرات الأمريكية تحمي إخراج مقاتلي جبهة النصرة من ادلب. وفي الوقت الذي تدعم فيه أمريكا مقاتلي بوكو حرام، كان الأفارقة ينسلون من تحتها ويهربون إلى أوروبا.
إذاً فهناك مقاومة من نوع غريب وعجيب، مقاومة عفوية غير مقصودة، ولكنها أشد تأثيراً على الدول الغربية من رفع السلاح.
تحيط أوروبا وأمريكا نفسها بسياج فولاذي، وتنتهك -في نفس الوقت وبكل حرية- حدود الشعوب الأخرى. فقررت الشعوب الأخرى التسلل إلى داخل حدود الغرب. وهنا صرخ الغرب، وبدأ يتنازل عن أكاذيبه السابقة. بريطانيا انتهكت القانون الدولي، وسخَّرت وزيرة ولدت من أبوين مهاجرين لتقوم بدور قذر ضد المهاجرين في إسقاط نفسي مريض. وبدأت عمليات ترحيل لطالبي اللجوء مخالفة بذلك للقانون الدولي بل وتنتهكه انتهاكات صارخة. رغم ذلك فإن منظمات حقوق الإنسان الغربية لم تنبس ببنت شفه. هيومان رايتس ووتش لم تنطق بحرف وهي تشاهد إلقاء بريطانيا للمهاجرين الأفارقة كالقمامة في رواندا.
قبل سنتين رفعنا مذكرة مترجمة بالإنجليزية لكافة المنظمات الدولية رافضين ما كان في ذلك الوقت مجرد مشروع لترحيل اللاجئين من أوروبا. لم ترد ولا منظمة أوروبية واحدة على مذكرتنا، صمت كذلك الاتحاد الأوروبي ومجلس حقوق الأنسان في الأمم المتحدة، وصمتت هيومان رايتس ووتش. ووضح لنا تماماً أن القانون لا يسري على الجميع. بل يسري فقط على الضعفاء.
تم تسويغ مسمى الهجرة غير الشرعية، رغم أن هذه الهجرة وإن كانت مخالفة للقانون الغربي فإنها ليست مخالفة للقانون الأخلاقي، وهذا مبدأ استخدمه الغرب نفسه في تقويض القوانين النازية وقوانين الفصل العنصري في جنوب افريقيا ليخدم أغراضه. فالتصرفات التي تقوم بها الحكومات قد تكون شرعية من حيث كونها غير مخالفة للقانون، ولكنها غير مشروعة من حيث كونها لا أخلاقية او تستند إلى قانون لا أخلاقي (انظر، انور رسلان الوسيط في القانون الإداري، وكذلك روبرت اليكسي، فلسفة القانون).
وإذا كانت تصرفات الحكومات الأوروبية شرعية قانونا وغير مشروعة أخلاقاً، فإن تصرفات المهاجرين مشروعة أخلاقاً وإن كانت غير شرعية قانوناً. ولذلك فهذه الأخيرة هي الأكثر تعبيراً عن الحق والعدل في نموذجهما الأمثل.
دائما ما أقول بأن العدالة تبدأ-لا من تجريد القاعدة القانونية على مستواها النصي- بل تجريدها على مستواها التأسيسي. فالقاعدة القانونية يجب أن تتأسس على قيم المساواة والعدالة والحرية، باستصحاب كل المعطيات السياسية والإقتصادية على المستوى الدولي والإقليمي، فالتجريد لا يعني تجريد الفرد وإنما على العكس، وضع الفرد داخل السياق الإنساني العالمي، بكل مؤثرات ذلك السياق وتشعباته وتقاطعاته.
لذلك فالهجرة غير الشرعية -في رأيي- هي هجرة مشروعة، ومكافحتها وإن كانت شرعية فهي غير مشروعة.
لقد قال كونفيشوس -وأنا أحب هذه المقولة الكونفيشوسية- عندما جيئ له بمجموعة من اللصوص الصغار (تسعة طويلة قبل ألفين وخمسمائة عام)، قال: علموهم قبل أن تحاكموهم.
ويقصد كونفيشوس أن ننظر إلى العدالة في كلياتها لا باستقطاع المشهد الأخير من الوقائع فقط ثم الحكم عليها. فهناك مشاهد متداخلة أفضت إلى دفع الإنسان كي يكون مجرماً. فلننظر إلى الأطفال المتسولين في شوارع الخرطوم، وهم لا يتلقون أي اهتمام لا من الدولة ولا حتى من المواطنين الذين يملأون المساجد رئاء الناس. هؤلاء الأطفال -ونحن كلنا نعلم ذلك تماماً- هم مجرمو المستقبل، النشالون والنهابون والقتلة بعد بضع سنوات. والذين ستتم محاكمتهم وكل منابر المساجد سيعلوا صراخها ضدهم في ذلك الوقت. فأي نفاق عند هذا المجتمع. وبأي عدالة سنحاكمهم حينها. وهل سنسميها عدالة؟ كلا ولا شك.
لذلك أقول أيضاً بأن الجريمة نفسها قد تكون مؤشراً جيداً لنقيِّم أفعالنا وواقعنا من حيث عدالتنا في توزيع السلطة والثروة، وبناء المؤسسات التي تعزز مكافحة الجريمة بالتعليم قبل التجريم.
إذاً فهناك مقاومة من نوع غريب وعجيب، مقاومة عفوية غير مقصودة، ولكنها أشد تأثيراً على الدول الغربية من رفع السلاح.
تحيط أوروبا وأمريكا نفسها بسياج فولاذي، وتنتهك -في نفس الوقت وبكل حرية- حدود الشعوب الأخرى. فقررت الشعوب الأخرى التسلل إلى داخل حدود الغرب. وهنا صرخ الغرب، وبدأ يتنازل عن أكاذيبه السابقة. بريطانيا انتهكت القانون الدولي، وسخَّرت وزيرة ولدت من أبوين مهاجرين لتقوم بدور قذر ضد المهاجرين في إسقاط نفسي مريض. وبدأت عمليات ترحيل لطالبي اللجوء مخالفة بذلك للقانون الدولي بل وتنتهكه انتهاكات صارخة. رغم ذلك فإن منظمات حقوق الإنسان الغربية لم تنبس ببنت شفه. هيومان رايتس ووتش لم تنطق بحرف وهي تشاهد إلقاء بريطانيا للمهاجرين الأفارقة كالقمامة في رواندا.
قبل سنتين رفعنا مذكرة مترجمة بالإنجليزية لكافة المنظمات الدولية رافضين ما كان في ذلك الوقت مجرد مشروع لترحيل اللاجئين من أوروبا. لم ترد ولا منظمة أوروبية واحدة على مذكرتنا، صمت كذلك الاتحاد الأوروبي ومجلس حقوق الأنسان في الأمم المتحدة، وصمتت هيومان رايتس ووتش. ووضح لنا تماماً أن القانون لا يسري على الجميع. بل يسري فقط على الضعفاء.
تم تسويغ مسمى الهجرة غير الشرعية، رغم أن هذه الهجرة وإن كانت مخالفة للقانون الغربي فإنها ليست مخالفة للقانون الأخلاقي، وهذا مبدأ استخدمه الغرب نفسه في تقويض القوانين النازية وقوانين الفصل العنصري في جنوب افريقيا ليخدم أغراضه. فالتصرفات التي تقوم بها الحكومات قد تكون شرعية من حيث كونها غير مخالفة للقانون، ولكنها غير مشروعة من حيث كونها لا أخلاقية او تستند إلى قانون لا أخلاقي (انظر، انور رسلان الوسيط في القانون الإداري، وكذلك روبرت اليكسي، فلسفة القانون).
وإذا كانت تصرفات الحكومات الأوروبية شرعية قانونا وغير مشروعة أخلاقاً، فإن تصرفات المهاجرين مشروعة أخلاقاً وإن كانت غير شرعية قانوناً. ولذلك فهذه الأخيرة هي الأكثر تعبيراً عن الحق والعدل في نموذجهما الأمثل.
دائما ما أقول بأن العدالة تبدأ-لا من تجريد القاعدة القانونية على مستواها النصي- بل تجريدها على مستواها التأسيسي. فالقاعدة القانونية يجب أن تتأسس على قيم المساواة والعدالة والحرية، باستصحاب كل المعطيات السياسية والإقتصادية على المستوى الدولي والإقليمي، فالتجريد لا يعني تجريد الفرد وإنما على العكس، وضع الفرد داخل السياق الإنساني العالمي، بكل مؤثرات ذلك السياق وتشعباته وتقاطعاته.
لذلك فالهجرة غير الشرعية -في رأيي- هي هجرة مشروعة، ومكافحتها وإن كانت شرعية فهي غير مشروعة.
لقد قال كونفيشوس -وأنا أحب هذه المقولة الكونفيشوسية- عندما جيئ له بمجموعة من اللصوص الصغار (تسعة طويلة قبل ألفين وخمسمائة عام)، قال: علموهم قبل أن تحاكموهم.
ويقصد كونفيشوس أن ننظر إلى العدالة في كلياتها لا باستقطاع المشهد الأخير من الوقائع فقط ثم الحكم عليها. فهناك مشاهد متداخلة أفضت إلى دفع الإنسان كي يكون مجرماً. فلننظر إلى الأطفال المتسولين في شوارع الخرطوم، وهم لا يتلقون أي اهتمام لا من الدولة ولا حتى من المواطنين الذين يملأون المساجد رئاء الناس. هؤلاء الأطفال -ونحن كلنا نعلم ذلك تماماً- هم مجرمو المستقبل، النشالون والنهابون والقتلة بعد بضع سنوات. والذين ستتم محاكمتهم وكل منابر المساجد سيعلوا صراخها ضدهم في ذلك الوقت. فأي نفاق عند هذا المجتمع. وبأي عدالة سنحاكمهم حينها. وهل سنسميها عدالة؟ كلا ولا شك.
لذلك أقول أيضاً بأن الجريمة نفسها قد تكون مؤشراً جيداً لنقيِّم أفعالنا وواقعنا من حيث عدالتنا في توزيع السلطة والثروة، وبناء المؤسسات التي تعزز مكافحة الجريمة بالتعليم قبل التجريم.